لماذا لا يزال الإنسان يستخدم الذراعين والقدمين وأعضاء الجسم الأخرى لقياس الأشياء – ترجمة* حسن المرهون

Why human societies still use arms, feet, and other body parts to measure things
(يقلم: ميشيل برايس – Michael Price)

القياسات بأعضاء الجسم كاليدين والرجلين ما زالت مستمرة لأنها قد تكون مريحة وفي متناول اليد مقارنة بالوحدات القياسية المعيارية

إذا كان عليك تقدير أبعاد غرفة ما وقمت بالمشي تعد الأقدام طولا وعرضا ، واستخدمت يدك لتقدير إرتفاع الحائط كم شبرا يرتفع السقف عن الأرض ، فأنت واحد ممن لديهم عادات إنسانية ضاربة في القدم.

توصلت جميع الثقافات الإنسانية وبشكل مستقل إلى فكرة استخدام الذراع –  لقياس الأدوات والملابس والأشياء الأخرى.

جميع المجتمعات البشرية حول العالم استخدمت استراتيجيات قياس تعتمد على الجسم ، وفقًا لدراسة هي الأولى من نوعها نُشرت في مجلة (Science). وسيستمر الإنسان في كل مكان باستخدام هذا النوع من القياسات الذي يعتمد على أجزاء الجسم لعدة قرون بعد أن أدخلت الثقافات المختلفة وحدات قياس موحدة ، لأنها كما يجادل المؤلفون في دراستهم ، تؤدي الغرض المطلوب وبطريقة مريحة لبعض الأدوات والملابس والأشياء الشخصية الأخرى.

يقول ستيفن كريسوماليس ، عالم أنثروبولوجيا الرياضيات في جامعة واين ستيت ، الذي كتب مقدمة للدراسة الجديدة: “لم يقم أحد من قبل بهذا النوع من الدراسة المنهجية متعددة الثقافات للقياس المستند إلى الجسم”. “هذا الإرث الإنساني يجمع بكل تأكيد كمية هائلة من البيانات التي [تظهر] ليس فقط مدى شيوعها بين المجتمعات ، ولكنها أيضا تبرز أنماطا معينة من السلوك الإنساني. وهذا بلا شك اكتشاف مهم للغاية”.

معظم وحدات القياس السابقة منها والحالية مستوحاة من أجزاء جسم الإنسان. في بداية عام ٢٧٠٠ قبل الميلاد ، استخدم المصريون القدماء الذراع الملكية ، وهي وحدة طولها حوالي ٥٣ سنتيمترا والتي من المحتمل أنها مشتقة من المسافة من الكوع إلى طرف الإصبع الأوسط. وهناك بعض الوحدات القديمة المستوحاة من أعضاء الجسم لا تزال مستخدمة حتى يومنا هذا ، مثل القدم والباع (الباع في الأصل هو طول امتداد ذراعي الشخص الممدودتين ، والذي أصبح موحدًا في وقتنا الحاضر بطول 1.8 متر).

الذراع الملكية – مصدر الصورة: .youm7.com

يقول روب كارونين ، وهو عالم يدرس التطور الثقافي في جامعة هلسنكي: “على الرغم من أن وحدات القياس المعيارية الرسمية غالبًا ما يتم دعمها على أنها دقيقة ومتفوقة على التدابير القياسية الجسدية غير الرسمية ، إلا أن الناس في العديد من المجتمعات استمروا في استخدام بعض أعضاء أجسادهم كالقدم واليدين بعد أن تجذر توحيد القياسات لدى الكثير من المجتمعات.

قام كارونين وزملاؤه بالتمعن في البيانات الإثنوغرافية من 186 ثقافة قديمة وحديثة في جميع أنحاء العالم لإستكشاف مدى إنتشار القياس بأعضاء الجسم عبر تاريخ البشرية، والبحث عن أوصاف وحدات القياس التي استخدمها الإنسان ورصدها في قاعدة بيانات تسمى “ملفات منطقة العلاقات الإنسانية”. قاعدة البيانات هذه هي نتاج منظمة دولية غير ربحية كانت تجمع وتدير الإثنوغرافيا والأدب الأنثروبولوجي منذ الخمسينيات.

وبعد الإطلاع على الكثير من الثقافات وكيف تم استخدام بعض أجزاء الجسم للقياس ، لا سيما في صناعة الملابس. وجد فريق البحث على سبيل المثال ، أن شعب كاريلي ، وهم مجموعة أصلية في شمال أوروبا ، قاموا في أوائل القرن العشرين ، بتصميم الزلاجات بشكل تقليدي لتكون باع وستة أشبار. وفي أواخر القرن التاسع عشر ، سجل شعب يابك الذي يقطن سواحل آلاسكا بناء قوارب الكاياك التي يبلغ طولها 2.5 باع بالإضافة إلى قمرة القيادة ، والتي كانت بطول ذراع.

كما نظر الفريق في عينة أخرى من 99 ثقافة مختلفة ومتباعدة ، ووفقًا لمعايير مستخدمة على نطاق واسع في الأنثروبولوجيا ، فوجد فريق البحث أن الباع والذراع هي القياسات الأكثر شيوعًا ، حيث ظهر كل منها في حوالي 40٪ من هذه الثقافات. لذا من المحتمل أن المجتمعات المختلفة طورت ودمجت مثل هذه الوحدات لأنها كانت ملائمة بشكل خاص للتعامل مع المهام اليومية المهمة ، كما يجادل المؤلفون ، مثل قياس الملابس ، وتصميم الأدوات والأسلحة ، وبناء القوارب والهياكل.

يقول كارونين: “فكر في كيفية قياس حبل أو شبكة صيد أو قطعة قماش طويلة”. “إذا قمت بقياسه بمعيار (كالمسطرة مثلا)، فسيكون ذلك مرهقًا للغاية. لكن قياسها باستخدام الباع مريح للغاية: فقط قم بمد ذراعيك مرارًا وتكرارًا ودع الحبل يمر عبر يديك. لذا فليس من قبيل المصادفة أن نجد الباع تستخدم لقياس الحبال وشباك الصيد والقماش حول العالم”.

مصدر الصورة: google.com/a/ebilind.tzafonet.org

بالإضافة الى أن الوحدات التي تعتمد على جسم الإنسان غالبا ما تؤدي إلى تصميمات أكثر راحة ، كما يلاحظ ، لأن العناصر مصنوعة من أجل الشخص الذي يستخدمها أو يرتديها بالفعل. السيد “كارونين” هو صانع قوارب الكاياك وعامل خشب يصنع مجاديفه بنفسه – استنادًا إلى القياس التقليدي لجسمه بالإضافة إلى ذراعه. يقول: “أنا شخصياً أؤيد تصاميم المجداف التقليدية”. “إنها مريحة للغاية وعملية”.

يقول فريق البحث إن مزايا مثل هذه يمكن أن تفسر سبب استمرار القياسات التي تعتمد على الجسم لفترة طويلة من حياة البشرية. ووجد أن هذه الأساليب لا تزال مستخدمة مئات أو حتى آلاف السنين بعد إدخال الوحدات المعيارية الرسمية في كل منطقة قاموا بدراستها.

يؤكد كارونين أنه نظرًا لأن “السجل الأثري” نادرًا ما يحافظ على هذه الأنواع من أنظمة القياسات ، ولأن علماء الأنثروبولوجيا والإثنوغرافيين لم يوثقوا بشكل دقيق استخدام أو عدم وجود أنظمة القياس هذه ، فمن المستحيل تحديد مدى شيوع الوحدات القائمة على الجسم عبر التاريخ. ويضيف قائلا: “لم أواجه بعد ثقافة يمكننا من خلالها أن نقول صراحة إنهم لم يستخدموا أي نوع من وحدات القياس المعتمدة على الجسم”.

السيد أبراهامسون ، عالِم الإدراك بجامعة كاليفورنيا ، وصف دور تحليل الدراسة واستنتاجاتها بأنها “مقنعة”. ويضيف أن الدراسة قد تقدم كنوع من الحجة المضادة للضغط لتوحيد الأدوات والأشياء من أجل تصنيع أكثر ملاءمة. يضيف قائلا: “أنا عازف تشيلو (آلة وترية مثل الكمان) ، وهناك فكرة عن”التشيلو للسيدات”- وهي آلة أصغر قليلاً ، وبالتالي فهي مناسبة للأشخاص الذين كانوا ، تاريخيًا ، أصغر حجما قليلاً”. “لكنك الآن بالكاد ترى تلك الأدوات ، كما لو كان علينا جميعًا أن نطيع الآلة ، كما لو كنا نحن الذين يجب أن نتكيف مع الإجراءات الصارمة”.

تتفق كارين فرانسوا ، فيلسوفة الرياضيات بجامعة بروكسل الحرة ، على أن الدراسة تعرض القيمة الدائمة للقياس المستند إلى الجسم. وهي تقول:

“لهذا النوع من القياسات قيمة بالنسبة للمشاكل الإنسانية على المستويات البشرية”.

“إنها معرفة محلية ، مريحة ، وعملية ، وما زالت مستخدمة”.

*تمت الترجمة بتصرف

المصدر:

https://www.science.org/content/article/why-human-societies-still-use-arms-feet-and-other-body-parts-measure-things

تعليق واحد

  1. عدنان الحاجي

    اختيار موثق وترجمة سلسة ابا علي ومعلومات مثيرة

    نسى الباحثون اننا في الاحساء كنا نستخدمها في زرع / غرس النخيل لمعرفة الفواصل بين النخلة والاخرى ومعرفة اوقات دور السقي بين الفلاحين وغيرها الكثير . حتى انا لحقت عليها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *