إدارة الحياة – الدكتور عبدالجليل عبدالله الخليفه

من منّا لا يريد أن يُبدع ويُنجز ويَسعد؟
من منّا لا يريد أن تكون حياته قدوةً للآخرين؟

الكلّ يريد ذلك، لكن، لماذا يبدع البعض، بينما يفشل آخرون؟ لماذا يسعد البعض، بينما يشقى آخرون؟ لماذا تفخر بالبعض ونقتدي بحياتهم، بينما ننفر ونشمئز من آخرين؟

ليس السبب هو النسب او اللون او الجنس، بل السبب هو مواقف وانجازات قدًمها البعض للبشرية عبر حياةٍ حافلةٍ بالإيثار والعطاء، بينما عاش آخرون حياةً ملؤها الأنانية والسعي وراء السراب.  السبب الحقيقي هو إدارة الحياة التي يتميز فيها البعض بينما يفشل آخرون.

مصدر الصورة: bloggang.com

قضيت فترةً من حياتي في الإدارة فصبغت تفكيري، حتى بدأت أفكّر أن الإدارة هي سرّ النجاح والفشل، فأحببت أن أناقش في هذه المقالة سؤالًا سهلًا صعبًا في آنٍ واحدٍ، وهو: كيف يدير الإنسان حياته؟ سؤالٌ يستحق الكثير من التأمل والتفكير، فليس عندنا إلّا حياتنا الثمينة هذه، ألا تستحق منّا قليلا من الوقت، لنفكّر معًا: كيف ندير حياتنا؟

حياة الإنسان هي تسجيلٌ على كتاب المكان والزمان لجميع حركات النفس البشرية وما تملكه من طاقات وجوارح فهي فكره وعمله وأكله ونومه وعطاؤه وأخلاقه وكلّ ما يصدر عنه.  هذه النفس فيها الكثير من الأهداف والنوازع والعواطف، وكأنها شركة فيها عدة إدارات ويرأس كل إدارة مدير، ففي النفس مدير دائرة الجسد المادي، وفي النفس مدير دائرة المعيشة والاقتصاد، وفي النفس مدير دائرة الحياة الفكرية وفي النفس مدير دائرة الحياة الاجتماعية وفي النفس مدير دائرة العائلة، وهكذا بوجد في نفس الإنسان مئات المدراء ويرجع جميعهم الى رئيس الشركة الذي هو (النفس الكلية).  لكن كيف يتعامل رئيس الشركة هذا (النفس الكلية) مع مئات المدراء داخل النفس المسؤولين عن الجسد والفكر والروح وغيرهم والذين يسيرون حياة الإنسان اليومية؟

مصدر الصورة: insideoutmastery.com

رئيس الشركة:

نتائج أي شركة تعتمد على اخلاص وجهد رئيس الشركة وأدائه المسؤوليات المناطة به وهي:

  • وضع رؤية طموحة وغايات سامية للشركة، وتوزيع هذه الأهداف على الدوائر ووضع خطط عملية لتحقيقها،
  • متابعة مدراء الدوائر والتأكد من أداء أدوارهم المناطة بهم،
  • التنسيق بين المدراء والعمل معهم بروح الفريق،
  • إذا تعرضت دائرة الى عملٍ متزايد او تحدياتٍ مفاجئة، فعلى رئيس الشركة أن يدعم مدير الدائرة بالتوجيه وتسخير الموارد المتاحة لمقاومة التحديات،
  • اجراء مراجعات دورية مع كل مدير لمتابعة أدائه وتقييم أدائه.

مدراء الدوائر:

أداء أي دائرة يعتمد على كفاءة المدير وعمله الجاد واستقامته وتبنيه لرؤية الشركة وقناعته التامة بالأهداف والخطط المرسومة لدائرته. فعلى المدير التنسيق باستمرار مع مدراء الدوائر الأخرى والعمل معهم بروح الفريق والرجوع الى رئيس الشركة للتأكد من رضاه عن الأداء. المهم هو عدم خروجه عن الهدف العام للشركة وتبنيه أهدافًا أنانية على حساب دوائر الشركة الأخرى.

شركة النفس بين الرئيس والمدراء:

النفس الكلية الجامعة لكل الطاقات الجسدية والفكرية والروحية والاجتماعية وغيرهم هي رئيس شركة النفس، وهذا الرئيس يدير هذه النفس ولا يملكها، بل هو مستخلفٌ ومؤتمنٌ عليها وعليه أن يدير هذه الشركة لتحقيق الغاية العظمى والهدف الأسمى الذي خلقت لأجله. وهذا الرئيس يحتاج الى فهمٍ كاملٍ لمسؤولياته أمام المالك الحقيقي والى دعم وتوجيه المالك الحقيقي المتواصل ليضمن عدم العتاب والعقاب لو أساء إدارة موارد شركة النفس او أفلس بها، لا قدّر الله.

عندما يفهم الرئيس (النفس الكلية) مسؤوليته العظمى كرئيسٍ للشركة أمام المالك الحقيقي الذي وهبه الحياة، سيوزع المسؤوليات على مدراء دوائر النفس الصحية والفكرية والروحية والاجتماعية وغيرهم، وسيتابع معهم، وسيضمن توازن أدوارهم وتقييم أدائهم. فلو طغت مثلا الاهتمامات المادية الاقتصادية على الاهتمامات الروحية والفكرية، فسيجمع المدراء في جلسة تقييم ومراجعة وسيضع حلولا تضمن توازن الأدوار. ولو شعر بضعف أحد المدراء فسيدرجه في تدريبٍ متواصلٍ لرفع كفاءته.

مصدر الصورة: (nytimes.com – (Lan Truong

مخاطر شركة النفس:

لو أصاب رئيس الشركة وهو النفس الكلية بعض الغرور فنست مسؤوليتها أمام من وهبها الحياة وابتعدت عن الغاية العظمى والهدف الأسمى وخانت أمانتها، فستنحرف الشركة عن مسارها وستفشل في إدارة حياتها.

كذلك لو تضخّمت شخصية أحد مدراء دوائر النفس كالجسد مثلا فاختطفت القرار من رئيس الشركة وأصبح الجسد هو الهدف الكلي للنفس، فسيختل التوازن بين الدوائر المختلفة وستكون موارد الشركة مسخرةً لدائرة الجسد فقط على حساب دوائر الروح والفكر والمجتمع وغيرهم، عندها سيسود النزاع وستدبّ الفوضى داخل النفس وستفشل الحياة.

ولو أهمل أحد المدراء دوره المناط به او كسل عن أدائه، فسيختل توازن النفس وسيؤثر سلبًا على أداء دوائر النفس الأخرى، فمثلًا، لو ضعف جسد الإنسان او أصابه المرض فقد ينعكس ذلك سلبًا على أدائه الفكري والاجتماعي.

سرّ النجاح والفشل:

الحياة هي تسجيل لحركات الإنسان وأفكاره ومشاعره وكأنها أعمال وإنجازات حققتها شركة النفس البشرية، فمعادلة النجاح والفشل بيد رئيس شركة النفس وفريقها الإداري:

  • إن قام رئيس الشركة (نفس الإنسان الكلية) بدوره كاملًا، فحملت النفس أمانتها وأخلصت في عملها وحقّقت غاياتها، سعدت وأفلحت وأصبحت منارًا وقدوةً للأجيال.
  • أمّا إن ضعف رئيس الشركة (النفس الكلية) عن أداء دوره او تضخمت شخصية أحد المدراء، او فشل أحد المدراء في أداء دوره لكسلٍ او لجهلٍ فانحرفت النفس عن مسارها، وأختل توازنها، ودبّت الفوضى في أطرافها، وترسخت الأنانية في جذورها، شقت النفس وانطفأت أنوارها وخاب مسعاها.

أسأل الله أن يجعل حياتكم نبراسًا ونورًا وأن يجعل نفوسكم الكلية أمينة مخلصةً مدركةُ لغاياتها، محققةً لطموحها، والحمد لله ربّ العالمين.

 

5 تعليقات

  1. أحسنتم موضوع ابداعي جميل..

  2. على معتوق الحسين

    مع قصر المقالة الا انها اختزلت عمقا في المعاني والايخاءات. شكرا من القلب للدكتور عبدالجليل ابو محمد

  3. عبدالجليل الخليفه

    الشكر للاخوين العزيزين علي الجشي و علي الحسين على اضافتهما الكريمة. لكما كل المودة و التقدير.

  4. عبدالمحسن السلطان

    مبدع و رائع
    استمر يادكتور

  5. من القلب تحياتي لك دكتورناز اوجزت و ابدعت

اترك رداً على Sadiq A Al Qatari إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *