بلد المنشأ المحير للصفر – ترجمة عدنان أحمد الحاجي

The elusive origin of zero 
(بقلم: ايلا هايمان – Ella Heiman)

شونيا / سونيا [Sunya] (صفر في اللغة الهندية)، زيرو [zero] (صفر في اللغة الانجليزية)، صفر [sifr] (في اللغة العربية)، زيڤرو (صفر في الايطالية)، الرمز البريدي، أيٌ من هذه هي أسماء من ضمن الأسماء العديدة للمفهوم الرياضي لـ لاشيء.  حدد المؤرخون والصحفيون وغيرهم منشأ الصفر على أنه جبال الأنديز في أمريكا الجنوبية، والسهول الفيضية(1) لنهري دجلة والفرات، وسطح الجدول الحسابي في عهد أسرة تانغ (2) الحاكمة في الصين (الممتدة من 6018 م – 907 م)، وعمود من الحديد الزهر ونقوش من معبد في الهند و في الآونة الأخيرة، عثر على نقوش(3) كتابية [ابيغرافية(4)] على حجر في كمبوديا.

تَتبُع التراث الصفري كان ولا يزال بعيد المنال.  فقدرة أي دولة على الادعاء أنها منشأ العدد صفر من شأنه أن يوفر إحساسًا بالملكية وسيكون مصدر فخر قومي كبير لها.

طوال القرن العشرين، كانت هذه المنطقة تحت مسؤلية الهند. والتي كانت المكان الذي اُكتشف النقش فيه(3) الذي يحتوي على الرقم “0”، في إشارة إلى أطوال أرض داخل معبد في مدينة قاليور بوسط الهند…في عام 1883، قام باحث علم.الهنديات(5) وباحث فقه اللغة(6) الألماني الشهير يوجين يوليوس تيودور هولتزش (Eugen Julius Theodor Hultzsch) بنسخ وترجمة النقش (الرقيم) إلى اللغة الإنجليزية، مزمِّنًا النص إلى عام 876م.

وقد قُبل هذا التاريخ باعتباره أقدم تاريخ معروفًا لظهور الصفر.  بيد أن سلسلة من الأحجار فيما يعرف الآن بسومطرة تدعو إلى التشكيك في ملكية الهند لـ لاشيء (للصفر)، ويتفق العديد من الباحثين على أنه من المحتمل أن أقرب مرجع للصفر قد يكون موجودًا في مجموعة من الأحجار في جزيرة سومطرة.

في عام 1891، اكتشف فريق من علماء الآثار الفرنسيين مسلَّة (شاهدًا) حجرية بالقرب من بلدة سامبور (Sambor)، على ضفاف نهر ميكونغ (Mekong)، فيما كان يعرف آنذاك بالهند الصينية الفرنسية، والذي أصبح فيما بعد كمبوديا / كمبوتشيا.  كان على الحجر نقش ابيغرافي للخمير يتضمن تاريخ السنة الخميرية 605، المحسوبة ضمن نظام ساكا الهندوسي(7)، وهو تقويم تاريخي مبني على حكم الإمبراطور الهندي شاليڤانا (Shalivahana). تتوافق السنة المرجعية للتقويم (صفر) مع السنة اليوليانية(8) 78.  وبالتالي، فإن التاريخ المنقوش هو 685 م(9).

الصورة: يظهر الصفر كنقطة في حجر k-127

حالت الاضطرابات السياسية دون إجراء مزيد من الدراسات العلمية على هذا الحجر، واستمر حتى القرن العشرين حين جاء باحث غربي آخر وتولى هذه المهمة.  قام الفرنسي جورج كوديس (Georges Cœdès) ، الذي أصبح في عام 1918 مديرًا للمكتبة الوطنية في تايلاند، بتحديد موقع ما يسمى بحجر سامبور (Sambor)، والذي أُطلق عليه التصنيف الأثري (K-127) من قبل فريق علماء الآثار الذي اكتشفه.

وفي عام 1931، خلص كوديس إلى أن نظام الترقيم المستخدم في التاريخ المدرج، 605، كان عشريًا في طبيعته وموضعي في بدايتة وأن الصورة الرمزية المركزية كانت خانة فارغة، أي صفر.

الصورة: صقل حجر K-127 قام به متحف كمبوديا الوطني عام 2015. حجر K-127 ، نقش قديم وجد في كمبوديا مع أحد أقدم الأصفار المعروفة.

هذا التقييم يعني أن سنة 605م سلطت الضوء على أقدم صفر معروف وموثَّق.  لذا فإن الشرف البارز المتمثل في ادعاء الصفر، وهو الوحدة الحسابية المهمة والمحيرة، صار لكمبوديا.

لم يحظ هذا الادعاء باهتمام يذكر في ذلك الوقت؛ وهكذا حافظت الهند على مكانتها باعتبارها منشأ الصفر.  في فترات توقفات الحرب العالمية الثانية، نسي الناس حجر سامبور وفُقد.  بعد ما يقرب من قرن من الزمان، حاول الكاتب العلمي المشهور أمير آجزال (Amir Aczel) العثور على الحجر المفقود وتوثيق وجوده ودلالته.  وجده في مستودع للآثار بالقرب من أطلال الخمير القديمة في أنغكور وات (Angkor Wat).

وثق أجزل (Aczel) بحثه ومغامراته في كتابه المعنون ب، البحث عن الصفر: ملحمة عالم رياضيات للكشف عن منشأ الأرقام(10) ، أصدره عام 2015.  وأكدت إفادته وجود الصفر ومُنحت كمبوديا تراثًا مواربًا.  احتُفل باقتراح أجزال في وسائل الإعلام(11) بأنه الذي وجد “الأصفار الأولى”. لكن ربما كانت هذه النشوة سابقة لأوانها.

كتاب أمير أجزل

حوالي عام 1918، افترض كوديس (Cœdès) وجود إمبراطورية ملايو قديمة ومهيمنة في جنوب شرق آسيا ولكن لم تكن معروفة من قبل(12)، والتي سبقت الخمير.  كانت تسمى سريفيجايا [Sriwijaya(13)] K وكان يحكمها مهراجا، ومركزها جزيرة سومطرة فيما يعرف الآن بإندونيسيا، وازدهرت من 650م إلى 1377م.

كانت سريفيجايا قوة تجارية وبحرية رئيسة، حيث كانت تتحكم في الطرق البحرية من مدغشقر، عبر المحيط الهندي ومضيق ملقا وبحر الصين الجنوبي بأكمله وجزر الفلبين.  كانت سريفيجايا أيضًا واحدة من أوائل مراكز التعاليم والتبشير البوذية.

كشفت الاستكشافات الأثرية عن كنز غني بالقطع الأثرية والسجلات السريفيجاية.  اكتشف المسؤولون الاستعماريون الهولنديون ثلاثة أحجار احتفالية مؤرخة بالأرقام التاريخية 605 و 606 و 608 ، والتي كانت علامات على سنوات وفقًا للتقويم الهندوسي لعصر ساكا.  تُرجمت هذه الأرقام إلى أنظمة التسلسل الزمني للعصر الميلادي، أي: 683م و 684م و 686م.

سُميت الأحجار على اسم أماكن اكتشافها: كدوان بوكيت (Keduan Bukit) وتالانغ توو (Talang Tuwo) وكوتو كابور (Kota Kapur).  كانت هذه الأحجار مصقولة ومنقوشة وربما كانت مخصصة للاستخدام في طقوس احتفالية، ربما للغسل المقدس، مما يشير إلى أنها نشأت في القرن السابع الميلادي.  إذا كان هذا صحيحًا، فإن وجود الصفر في النقوش الحجرية يسبق ادعاء اكتشافات قاليور (Gwalior) الهندية بقرنين!

يقوم باحثون في مركز حوار الحضارات بجامعة مالايا في كوالالمبور بدراسة تاريخ أنظمة الترقيم الأقدم في جنوب شرق آسيا.  عززت النتائج التي توصلوا إليها الإدعاء ان المنشأ كان في سومطرة، وهي النتائج التي نتفق معها نحن المؤلفون.  اعترافًا بالتأثير الاقتصادي القوي والأنشطة التجارية لهذه الدولة، ووجود ثلاثة نقوش لصور رمزية ضمن نطاقها تحمل الرقم صفر، هذا الادعاء يتمتع بمصداقية كبيرة.  كما اقترحت ورقة نُشرت عام 1995 في مجلة الفرع الماليزي للجمعية الملكية الآسيوية هذه الحدسية.

في عام 1976، أثناء زيارة بحثية إلى سومطرة لدراسة أنظمة الأرقام في المنطقة، أعجب أحدنا (Swetz) بالمهارات الرياضية لشعب الباتاقيون (Batak) التقليدي(14).  عند عودته إلى ماليزيا، نقل انطباعاته إلى زملائه الماليزيين.  ثم وجه فريق من مركز حوار الحضارات برئاسة شخص آخر منا (اسمه زين Zain) انتباههم إلى سومطرة وخلصوا إلى أن الصفر كان له وجود مبكر في المنطقة.

على الرغم من أن الموضوع يتطلب مزيدًا من المداولات والدراسة التاريخية، فإن اكتشاف رمز محتمل فجأة لهو أمر مثير للاهتمام.  هل يمكن تصور الصفر من الناحية المفاهيمية واستخدامه في مجتمع جنوب شرق آسيوي قديم وبالكاد كان معروفًا؟ هل كان صفر الخمير الحمر متأثرًا جدًا بثقافة السريفيجاية؟ هل انتشر استخدام الصفر من هذه المنطقة غربًا إلى الهند وأخيراً إلى أوروبا؟ هل مصداقية مصطلح الأرقام “الهندية العربية” مهددة بشكل جدي؟ تتطلب هذه الأسئلة مزيدًا من الاستقصاء، ولكن، كما رأينا، فتاريخ الرياضيات يطرح الكثير من الألغاز التي قد تكون محيرة ومدهشة لطلاب الرياضيات أنفسهم.

مصادر من داخل وخارج النص:
1- https://ar.wikipedia.org/wiki/سهل_فيضي
2- https://ar.wikipedia.org/wiki/سلالة_تانغ_الحاكمة
3- “تُفهم النقوش بشكل عام على أنها إشارات (غالبًا ما تكون كتابة، ونادراً ما تكون رموزًا) مضمنة على حامل مستقر، والأغلبية منها على أشياء لها موقع ثابت. ومع ذلك فإنه لا يوجد تعريف دقيق وغير مختلف بشأنه للمصطلح. التصورات اللغوية عنها هي في المقام الأول تطال نصبًا تذكاريًا، شاهدة قبر، لوحة تكريس، لوحة تشريف، ذكرى نحات، نقوش تذكار بناء، نذور، هدايا للآلهة، لوحات مراسيم، نقوش خاصة وقانونية” ، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:  https://ar.wikipedia.org/wiki/نقوش
4- https://ar.wikipedia.org/wiki/علم_النقائش
5- https://ar.wikipedia.org/wiki/علم_الهنديات
6- https://ar.wikipedia.org/wiki/فقه_اللغة
7- https://ar.wikipedia.org/wiki/تقويم_هندي_وطني
8- https://ar.wikipedia.org/wiki/تقويم_يولياني\
9- https://amiraczel.org/khmer-zero-test/
10- https://www.amazon.com/Finding-Zero-Mathematicians-Odyssey-Uncover/dp/1250084911/ref=tmm_pap_swatch_0?_encoding=UTF8&qid=1656618515&sr=1-1
11- https://www.npr.org/2015/01/03/374737120/the-zig-zagging-history-of-the-number-zero
12- https://www.jstor.org/stable/41493264
13- https://ar.wikipedia.org/wiki/سريفيجايا

المصدر الرئيس:
https://story-level.com/the-elusive-origin-of-zero-story-level/

الأستاذ عدنان أحمد الحاجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *