دور الهندسة المعمارية للتصدي لفيروس كورونا – سلمى آل سيف*

{حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} ﴿سورة النمل – آية ١٨﴾

قالت نملة ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده … وفي ظل هذه الجائحة قلنا ادخلوا مساكنكم لا يتفشى فيروس كورونا بينكم. نعم هذه الوظيفة الأساسية للمنزل منذ القدم هي الشعور بالسلامة والأمان. شكلت الكتل المعمارية قديمًا ملجأً للإنسان ليبتعد عن سوء الأحوال الطقسية والحيوانات المفترسة ، أو يبتعد عن الأعداء أو الإختباء من الحروب.

لوحة فنية للفنان منير الحاجي

منذ إكتشاف البترول وانطلاق ثورة التغيير ، زحف الناس من القرى والمنازل الصغيرة للأحياء السكنية الجديدة. وتشكلت المنازل الجديدة (المتحضرة)  بشكل عشوائي وغير مدروس في أغلب الأحيان ، بعدها وبشكل تدريجي وبمقتضى الحاجة أُدخلت بعض التعديلات على المخططات المنزلية. وبعد حرب الخليج الثانية عام 1991م ، لجأ الناس وبتشجيع من البلديات الى إضافة دور أرضي (قبو) في المخططات السكنية وخاصة في المناطق المعرضة للقصف ، حماية للناس من التعرض للصواريخ والمواد الكيماوية ، واليوم في ظل هذه الجائحة أصبح الناس يمكثون طول يومهم في المنازل لتوفير العزلة الاجتماعية والحد من إنتقال العدوى.

لقطة جوية للمصور الفنان خالد الطلالوة

في ظل جائحة كورونا المنتشر حول العالم وهو نوع من أنواع الفيروسات التي (تجتاح البشر بين الحين والآخر) ، تُعد الحلول التي نراها الآن مؤقتة في محاولة لتقليص عدد المصابين حول العالم والحد من انتشار الوباء. ولأن هذا الوباء لن يكون الأخير ، والفيروسات تتطور مع الزمن ، بالإضافة الى إحتمال وقوع حروب بيولوجية بفعل بني البشر ، وسهولة إنتشار هذه الأوبئة عن طريق مخالطة الإنسان للحيوان بطريقة مباشرة. كل هذا يدعونا أن نطرح سؤالًا مهما وهو:

هل المعماري له دور في محاربة فيروس كورونا ؟ وهل يمكنه التصدي له من خلال العمارة ، بعيدًا عن العلاجات الصحية؟

كما هو معروف أن من أهم أساسيات الفن المعماري هو خلق بيئة آمنة للإنسان، والتخطيط الاستراتيجي الحضري لاحتواء انتشار الفيروس.

كمعمارية أحببت أن أسلط الضوء على ضرورة تطبيق الحلول المعمارية للمدن والمباني التي تساهم في الحد من انتشار الأوبئة بشكل عام ، وأخذ مسألة تفشي الأوبئة على محمل الجد في تصاميمنا المعمارية. أقرب كتلة معمارية للإنسان هو المنزل. ثمانية عناصر مهمة ستغير من توزيع الفراغات في المنازل ، بها نستطيع أن نتمكن من تقليل قدرة الفيروس من الفتك بنا ، وحماية الملاذ الأهم في حياتنا وحصننا المنيع من الفيروسات الخطرة. ويجب علينا من الآن وصاعدا التفكير بجدية بإدخال هذه العناصر الثمانية حين تجديد المنزل أو تصميم مخططات جديدة:

  1. غرفة التطهير والتعقيم (استقبال)
  2. فصل دراسي منزلي (بيئة تعليمية).
  3. المكتبة ومكتب العمل.
  4. ملحق عزل.
  5. توسعة غرف النوم.
  6. غرفة اللياقة البدنية.
  7. تفعيل السطح.
  8. الزراعة المنزلية الداخلية.

سنكتفي هنا بتسليط الضوء على مساحة التطهير والتعقيم والتنظيف (استقبال) لأنها الأهم ، فالغالبية العظمى لمخططات البيوت في منطقتنا تحتوي على ثلاثة أبواب على الأقل. باب رئيسي وباب مخصص لمجلس الضيوف والآخر في منطقة المطبخ.  يقترح التخطيط بتجهيز إحدى المداخل وتخصيصها كغرفة تطهير وتنظيف حتى يتمكن سكان المنزل من ترك أحذيتهم وملابسهم وأي ممتلكات أو مشتريات في هذه الغرفة ليتم تعقيمها وتنظيفها قبل نقلها لداخل المنزل ، تضاف في هذه المساحة أماكن مخصصة للاستحمام والتطهير والتغسيل.

ومن الأفضل أن تُنقل غرفة غسيل الملابس لهذه المنطقة ، وتزود الغرفة بمنتجات المنزل الذكي (Smart home) لفتح الأبواب والإضاء والمياه عن بعد بواسطة التطبيقات الهاتفية الذكية. أيضًا يزود المدخل “بضوء الأشعة فوق البنفسجية بعيدة المدى” (Far-UVC light) التي تُصنف كسلاح فعال منخفض التكلفة للفحص والحد من انتشار الفيروسات و الميكروبات المنتقلة والأوبئة الموسمية في المنزل دون الإضرار بالأنسجة البشرية. هذه المساحة سوف تخلق بيئة آمنة لأفراد الأسرة وستساعد على التعايش الآمن من أي جائحة أخرى.

لقد أدركت نملة سليمان أن النجاة هو الاختباء في المساكن بعيدًا عن جنوده ، لكن ما نواجهه اليوم يمكن أن يتسلل إلى بيئتنا الآمنة ، فعلينا مواجهته ومحاربته والإستعداد له قبل أن يطرق أبوابنا.

*مهندسة معمارية

 

8 تعليقات

  1. كورونا ضيف ثقيل وسيرحل بإذن الله
    على بال ما الناس تغير من أنظمة البناء
    سيكون بإذن الله كورونا في خبر كان

    • أستاذة بتول

      ان شاء الله بيختفي … ولكن لا نعلم هل سيزورنا فايروس اخر او جائحة اخرى ربما علينا التجهز من الان معماريا وعقليا ونفسيا وتكنولوجيا….

  2. صديقةالخباز

    الله يوفقك ويعطيكِ الف عافية والى الامام ان شاء الله تعالى

  3. أنوار المصطفى

    جميل جداً 👍👏👏

  4. المقال ممتع ويعالج كيفية التعامل مع الجائحة من زاوية جديدة ومهمة.
    نتمنى أن تكون هناك حلقات أخرى من الدراسة حول العناصر الأخرى المذكورة في المقال.
    ممكن أقترح عنصر إضافي لمن لديه مساحة أرض كبيرة ولديه مقدرة مادية بعمل كورت يارد في الحديقة تجعله وعائلته يستمتعون بالجلسات الخارجية مع المحافظة على الخصوصية ويتمتعون بالجلسات وحفلات الشواء وغيرها مما يساعد على القضاء على الروتين الناتج من طول مدة البقاء في المنزل.

  5. مقال خفيف ولطيف … نظرة جديدة لتصدي هذا الفايروس او التعايش معه بحذر … ننتظر فقرة الغرفة الدراسية والاقتراحات المقدمة منكم … قبل بدئ الدراسة

  6. ام سعيد آل سيف

    المقال جميل جدا ويسلط الضوء على احد جوانب العناء التي تحمل همها ربة المنزل الا وهو كيفية التعامل مع كل ما ومن يدخل المنزل بعيدا عن خطر الفيروس.
    فكرة مسددة وقابلة للتطبيق في الوضع الحالي لان اغلب البيوت يكون فيها قسم خاص باستقبال الضيوف يمكن تحويله لموقع للتعقيم والتطهير بلمسات بسيطة. ننتظر بقية المقال بشغف.

  7. أم علي أمان

    طرح جميل و جديد يلامس الحاجة و الواقع المعاش ، الله يوفقك ويعطيكِ الف عافية والى الامام ان شاء الله تعالى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *