الحفاظ على التوازن النفسي والاجتماعي أثناء أزمة كورونا وما بعدها (8) – د. رضي حسن المبيوق*

اللقاح سيعالج الجانب الصحي للبدن ولكن الآثار النفسية (قليلها أو كثيرها) قد تكون طويلة الإستمرار والبقاء وخاصة إذا تركت وشأنها. لابد أن ينال الجانب النفسي درجة كبيرة من الإهتمام، ومفردة “الجانب النفسي” عامة وأتمنى من خلال أسئلتكم أن نسلط الضوء على جوانب نفسية معينة. أتطلع بإهتمام إلى أسئلتكم ومداخلاتكم.

السؤال الحادي عشر:

هل من الممكن أن هذه الجائحة قد تنتج أفراد منفصلة عن العائلة لتأكيد حماية أنفسهم من قرارات أفراد آخرين قد تؤدي بضررهم وعدم قدرتهم على السيطرة على ما قد يسبب لهم الضرر؟ مثال على وجود أفراد غير مسؤولة مما قد يسبب عدوى للأفراد المسؤولة؟ (إطار العائلة والمجتمع).

***

هل تنتج الجائحة أفراد منفصلين عن العائلة لتأكيد حماية أنفسهم؟ وعي الفرد بمصلحته والحفاظ على سلامة نفسه هي من مقومات البقاء ومن الغرائز الإنسانية العميقة والقوية. وهذه النزعة الفطرية تقود الفرد على سلك السبل التي  تبعد عنه الضرر والأذى. فالجواب على السؤال هو بنعم إن الجائحة قد تنتج أفراد منفصلين عن العائلة اذا تطلب الأمر ذلك لحماية  أنفسهم. وأقرأ بين السطور في هذا السؤال بأن العائلة فيها أفراد غير ملتزمة وغير مكترثة بتعاليم وقوانين الحجر الصحي والتدابير الضرورية لتجنب الإصابة أو نشر العدوى حال الإصابة.

قرارات أفراد آخرين قد تؤدي بضررهم

وأرى أن دوافع الإنفصال عن العائلة هو تجنب تبعات التصرفات والقرارات الغير مسؤولة لأفراد في العائلة، وهذه دوافع حميدة. من الضروري على الأفراد توجيه النصح والتشجيع لأفراد العائلة التي تجنح للمغامرة على حساب أنفسهم والآخرين. وإذا لم تكن هناك سلطة أبوية رادعة للأفراد الغير مسؤولة، فعلى الأفراد المسؤولون أن يتخذوا أي إجراء لحماية أنفسهم.

عدم قدرتهم على السيطرة على الضرر

التهاون وعدم المسؤولية يجلب الويل والأذى لمن هو ملتزم ومتقيد بالتعاليم الصحية وبقوانين الحجر الصحي. ومتى ما حل الضرر فإنه ينتشر ويعدي منهم في دائرة العائلة ولهذا الكثير ركز على إن الإلتزام بالتعاليم واجب إنساني وأخلاقي وديني. فالمتهاون يأثم على عمله ومحاسب عليه.

أفراد مسؤولة وأفراد غير مسؤولة

بعض الأفراد تكون غير مسؤلة، لماذا؟ اللامسؤولية هي نقص في الوعي بالنتائج المُحتملة للقرارات المجازفة على النفس وعلى الآخرين، وفي فترة المراهقة يزيد عنصر المغامرة ونلاحظ بأن قرارات المراهقون غالبا ما تتخذ بدون تفكير في العواقب على قاعدة “إعمل الآن وفكر فيما بعد”.

وسبب آخر للمجازفة والمغامرة الغير محسوبة هو شعور الفرد بأنه محصن ضد أي أَذى وأي مكروه، وإن الضرر والأذى يلحق بالآخرين وليس بهم. وسبب آخر للسلوك المغامر هو الشعور بأن الأقران سيغرقون المغامر بعبارات البطولة والجرأة والإقدام وهذا الإطراء يشجعه على الإستمرار في تصرفاته اللامسؤولة.

الفرد المسؤل سواء كان صغير او كبير في السن يتمتع بوعي عال على وقع وتأثير تصرفاته على الآخرين فيتجنب عمل ما يجلب الضرر والإيذاء للآخرين ويقدم على عمل ما يجلب النفع والحماية للنفس وللآخرين. سمعنا في بداية ازمة كورونا عن أفراد التزموا الصمت ولم يعلنوا عن تعرضهم لبيئة موبوءة وكيف أدى صمتهم اللامسؤول في إيذاء الكثير من أحبتهم  ومعارفهم.

في مثل هذه الحالة لا يلام الأفراد الذين يقرروا الإنفصال المؤقت من العائلة، وهذا إنفصال بمعنى تباعد إجتماعي جسدي وليس تباعدا قلبيا أو عاطفيا. وهذا تصرف حميد يستحق الثناء.

السؤال الثاني عشر:

هل هناك ضرر نفسي طويل الأمد من الحجر الممزوج بضغوطات الأسرة على المدى البعيد؟ خصوصا على الأفراد الغير اجتماعيين الذين كان الخروج من المنزل مهرب لهم من الضغوطات النفسية والإزدحام في حيّز الوجود الفردي الذي يعتبر متنفس من الضغوطات الكثيرة.

***

ضرر نفسي طويل الأمد بسبب الحجر الصحي

تأثير الحجر الصحي يختلف من شخص لآخر وعدة عوامل تساعد على التأقلم السليم مع ظروف الحضر كما هناك عوامل تعقد عملية التأقلم معه. العوامل المساعدة تشمل وجود بيئة عائلية مساعدة ومساندة وكل فرد يسعى الى عمل مايمكن عمله ليسود الإنسجام والروح التفاؤلية والنظرة الإيجابية. في أجواء هذه العائلة نرى الإستثمار الإيجابي والمنتج للوقت بحيث كل فرد مشغول بنشاط او نشاطات يومية لا تعطي مجالا لليأس او القلق او التوتر أن يدخل إليها. فالفرد الذي يعيش الحجر الصحي في هذه الأجواء لن تظهر عليه أعراض نفسية سلبية في المدى القصير او البعيد.

وهناك أجواء عائلية ينعدم فيها التعاون والمشاركة على مواجهة تحديات الحجر. او أن مسؤوليات التربية والعناية والرعاية بالأطفال تنهك مع الوقت قوة التحمل لدى الأبوين فيصاب الآباء بالإعياء والإرهاق النفسي والذي يؤدي للتوتر والإنفعال وإلى فقدان الصبر والإستسلام لليأس وتتراكم هذه المشاعر يوما بعد يوم لتنتج حالات نفسية صعبة تحتاج الى الإستشارة والرعاية الطبية كالكآبة والقلق والخوف وعدم التحكم او ضبط مشاعر الغضب. هذه الحالة مرشحة للإستمرار أي أنها تتعدى حالة الآنية لتصبح أضرارها طويلة المدى.

الأشخاص الغير اجتماعيين والهروب من الضغوطات النفسية

بالنسبة لتأثير الحجر على الأفراد الغير إجتماعيين سيكون مختلفا لأن العزلة الإجتماعية لن تكون أحد الأشياء التي سيفتقدونها ويحتاجون إليها، وإنما احتياجاتهم تكمن في تغيير جو البيت عن طريق الذهاب الى أماكن خارج البيت للإستمتاع ولكن بإنفراد وليس بصحبة أحد أو زيارة أحد. الأفراد الغير إجتماعيين قد يكونوا أقل عرضة للتأثيرات السلبية للضغوطات النفسية بعكس الأفراد الذين هم روح المجموعة والمجموعة روحهم،  منها يشحنون بطارياتهم الإجتماعية من أنس ومسرة بلقاء الأقران والأصدقاء.

طرق لتخفيف ضغوطات الأسرة

١- أن تناط مسؤلية تجاه أعباء البيت على كل أفراد الأسرة، كل على حسب قدرته وفيما يفضل من مهام (غسيل اواني الطبخ، تنظيف احد غرف او صالات البيت).

٢- التحدث والدردشة اليومية بين أفراد العائلة وخاص وقت الوجبات، ووضع أدوات التواصل جانبا أثناء الحديث.

٣- تقسيم مسؤوليات رعاية الأطفال بين الأبوين لتجنب الإرهاق الجسدي والنفسي.

٤- إشغال كل فرد بنشاطات ترفيهية وتعليمية عن قرب وإجتماعية عن بعد (عبر وسائل ومنصات التواصل).

٥- تخصيص وقت يومي للعائلة للتحدث بشفافية عن أي تحديات او صعوبات وهذا يتيح المجال لمعالجة اي مشكلة قبل إستفحالها.

٦- تخصيص وقت راحة  للأبوين للتخلص من اي توتر أو إعياء وذلك بالإسترخاء وأخذ قسط من الراحة والتحدث عن أمور الأسرة والتخطيط لليوم الثاني.

٧- المحافظة على جدول نوم الأطفال ومنعهم من السهر في الليل قدر الإمكان. النوم يريح أعصاب الأطفال ومهم لعملية النمو التي تحدث خلال النوم.

٨- ممارسة الرياضة بشكل منتظم ولو للوقت قصير كل يوم.

* أستاذ بجامعة شمال أيوا الأمريكية ومدير المعهد البحثي بمدينة شيكاغو.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *