ليس كل خطرٍ يُرى، وبعض الكائنات لا تعيش في الجسد، بل في الأثر الذي تتركه بعد مرورها. في الذاكرة القطيفية، لم يكن الخوف دائمًا ذا ملامح. لم يكن دائمًا نابًا، أو مخلبًا، أو صرخةً واضحة. أحيانًا كان الخوف اسمًا يتردّد، وخُطى تُخطئ الطريق، وصوتًا في الرأس لا يُعرف إن كان من الداخل أم الخارج. من هنا ظهرت اسطورة أبو مِغْوِي.

الاسم… حين يكون التحذير صريحًا
لا تخفي الأسطورة مقصدها هذه المرّة. فـ”مِغْوِي” في اللغة هو المُضِلّ من يُخرج عن الجادّة ومن يأخذك حيث لا تقصد وأما “أبو”، فليست أبوة حنان، بل أبوة فعل، وصاحب صفة.
الاسم ذاته رسالة:
هذا كائن يغوي…لا يهاجم، بل يقودك خطوة خطوة إلى الخطأ. كائن بلا هيئة بخلاف كثير من الأساطير، لا يملك أبو مِغْوِي جسدًا محددًا. ففي الروايات، لا يُوصَف شكله بدقة فهو ليس مسخًا واضحًا ولا شيطانًا صريحًا، بل إنه حضور أكثر منه شخصًا. قد يُسمَع ولا يُرى، وقد يُرى طرفه ولا يُمسك، وقد لا يُدرَك أصلًا، لكن أثره ظاهر وهو التيه. وهو أخطر أنواع الكائنات، الذي لا تملك وسيلة للإشارة إليه.
الإغواء بدل العنف
أبو مِغْوِي لا يخطف، ولا يفترس، ولا يهجم. بل يفتح فكرة، يزرع خطوة يُخفّف ثِقل الحذر فأسطورته ذكيّة؛ فأعنف الأخطار ليست التي تواجهك، بل التي تجعلك تمشي إليها بنفسك. أبو مِغْوِي لا يدفع، هو فقط يهمس.

المكان… حيث يضلّ الاتجاه
لا يظهر أبو مِغْوِي داخل البيت. ولا تحت نظر الجماعة. بل يظهر في الطرق المتشابهة، النخيل المتداخل، الصحارى القصيرة بين القرى والأماكن التي تكثر فيها الخيارات… وتغيب العلامات حيث الأسطورة تفهم الإنسان أكثر ما تضيعه، حين تتشابه السبل.
أبو مِغْوِي كصورة للتيه الداخلي
في قراءة أعمق، لا يكون أبو مِغْوِي كائنًا خارجيًا فقط، بل حالة نفسية. فهو التردد، الفضول غير المحسوب، الثقة الزائدة والرغبة في الاختصار وهو الجزء الذي يقول “جرّب… لن يحدث شيء” ثم يحدث كل شيء.
وظيفة الأسطورة تربويًا
في مجتمع قديم حيث لا خرائط، لا إنارة، ولا وسائل إنقاذ حيث كان الضياع خطرًا حقيقيًا. جاءت الأسطورة لتقول، لا تذهب وحدك، لا تمشِ بلا دليل، لا تثق بالطريق الذي لا تعرفه فأبو مِغْوِي هو اسم الخطر حين لا يمكن شرحه.

العلاقة مع أساطير أخرى
يقف أبو مِغْوِي على الضفة المقابلة لـ: أمّ حمار (الخطر المتجسّد), أمّ الصبيان (الخطر الغريزي) والسعلوة (الخطر المفترس) بينما هو، الخطر الصامت…الذي لا يجرحك، بل يُضيّعك.
لماذا بقي؟
لأن الضياع لم ينتهِ. تغيّرت الطرق، لكن الفكرة واحدة. واليوم حيث نضيع في الخيارات، في القرارات، في الأصوات المتعددة ولا نحتاج كائنًا ليليًا، فأبو مِغْوِي يتلبس الآن في رأيًا, وعدًا, وطريقًا سهلاً
وفي الختام
أبو مِغْوِي ليس أسطورة رعب، بل أسطورة وعي. لم يُخلق ليخيف، بل ليُبطئ الخطوة. هو الاسم الذي أطلقه الأجداد على التيه، حين لم يكن لديهم علم نفس، ولا خرائط ذهنية، لكن كان لديهم حكاية…والحكاية كانت كافية لينجو مَن سمعها.

علوم القطيف مقالات علمية في شتى المجالات العلمية