انعدام الجاذبية هي الحدود النهائية للطب [إليكم السبب] – ترجمة* محمد جواد آل السيد ناصر الخضراوي

Microgravity Is The Final Frontier For Medicine. Here’s Why
(Michelle Starr – بقلم: ميتشيل ستار)

في 13 مايو 2025، سقط جسم دوار على شكل “دوامة” عبر الغلاف الجوي للأرض من مرتفعات الفضاء الشاهقة، ليستقر على رمال الصحراء الأسترالية ذات اللون البني المحمر.

هذه كانت الكبسولة “دبليو-3” (W-3)، الثالثة من نوعها التي أطلقتها شركة أبحاث الفضاء الأمريكية “فاردا لصناعات الفضاء”. ولمدة شهرين، عملت الكبسولة كمختبر تجريبي في مدار أرضي منخفض، وكانت مصممة لتصنيع أدوية جديدة لا يمكن تصنيعها على كوكبنا.

هذا الجسم الغريب يحتوي على مختبر للأدوية. مصدر الصورة: شركة فاردا لصناعات الفضاء.

وتزعم شركة “فاردا” أنها أول شركة خاصة تُصنّع منتجًا دوائيًا في الفضاء، والأهم من ذلك، تُعيده إلى الأرض سليمًا، مُثبتةً أن عمليات التبلور التي تحدث في انعدام الجاذبية [يحدث عندما يكون الجسم في حالة سقوط حرّ مستمر، مما يتسبب في طفو الأجسام والأشخاص، كما هو الحال مع رواد الفضاء في المدار. تُستخدم هذه الحالة لإجراء التجارب العلمية، ولها آثار مهمة على صحة الإنسان] تبقى محفوظة حتى بعد العودة إلى بيئة الجاذبية الأرضية.

وصرح أدريان رادوسيا، كبير مسؤولي العلوم في شركة “فاردا”، لموقع “ساينس أليرت” (ScienceAlert): “قد تختلف البُنى البلورية المتكونة في انعدام الجاذبية عن تلك المتكونة على الأرض، على الرغم من أن كليهما يحتوي على نفس المادة الدوائية الفعالة”.

إطلاق مهمة الناقل-13 التابع لشركة “سبيس إكس”، حاملةً كبسولة “دبليو-3”. مصدر الصورة: فاردا لصناعات الفضاء.

وأضاف: “يمكن أن يكون لهذا الاختلاف في البنية البلورية تأثيرات مختلفة على الجزيء، سواءً كان ذلك تحسين تركيبات الأدوية الحالية أو تأمين مسار للوصول إلى خصائص الحركية الدوائية وطرق التحكم التي تُمكّن من الموافقة الأولى على دواء قيد التطوير السريري”.

ونحن نعتبر الجاذبية أمرًا مسلمًا به. ففي النهاية، هي موجودة هنا على الأرض؛ والطريقة الوحيدة للهروب منها هي من خلال لحظات قصيرة من السقوط الحر. وكل ما تفعله البشرية تقريبًا يحدث في جاذبية تساوي قوة الجاذبية الواحدة، وهي تسارع الجاذبية نحو الأسفل على سطح الأرض. فإذا أسقطت شيئًا، فأنت تعلم غريزيًا أنه سيسقط مباشرة إلى الأسفل.

وهذا الجذب المستمر يُبقينا على قيد الحياة، ولكنه يؤثر أيضًا على العمليات التي تحدث داخلنا. وبالنسبة للجزيئات الصغيرة، تؤثر الجاذبية على طريقة تبلورها، مما يتسبب في تكتلها ونموها بشكل غير متساوٍ. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الحمل الحراري – وهي ظاهرة تتطلب الجاذبية – يمكن أن يحرك البلورة أثناء تشكلها، مما يؤدي إلى المزيد من العيوب وعدم الاستقرار.

شاهد عودة “دبليو-3”: (منظر الكبسولة):

https://youtu.be/CP4hG0QmHog

وقد أظهرت جهود بحثية، أُجريت على مدار عقود، على متن رحلات فضائية مكافئة وعلى متن محطة الفضاء الدولية، أن بيئة انعدام الجاذبية تُثبّت عملية التبلور، وتُبطئها، وتُزيل العوامل التي تُؤدي إلى نمو غير متساوٍ.

وأوضح رادوسيا قائلاً: “نظرًا لقمع انعدام الجاذبية لتيارات الحمل الحراري، والطفو، والترسيب، فإن البلورات الناتجة تكون أكثر اتساقًا في الحجم والبنية. ورغم أن تأثير الجاذبية ضئيل على التفاعلات الكيميائية، إلا أنها تلعب دورًا هامًا في هيدروديناميكية التبلور [الهيدروديناميكية أو الديناميكا المائية هي فرع من العلوم يهتم بالقوى المؤثرة على السوائل أو التي تمارسها (خاصة السوائل)] وديناميكيات المفاعل، مما يعني أن الوصول إلى بيئة انعدام الجاذبية يُمكن أن يُمكّن من إحداث تغيير جذري في طريقة تصنيع الأدوية”.

وأضاف: “إن تحقيق تحكم دقيق في التبلور والنمو يُؤثر على توزيعات حجم الجسيمات، ونتائج تعدد الأشكال، ومورفولوجيا الجسيمات [في علم الأحياء، المورفولوجيا هو دراسة شكل وحجم وبنية الكائنات الحية، من مظهرها الخارجي إلى أجزائها الداخلية]، ونقاء البلورات، والتي لها تطبيقات واسعة النطاق في كل من الجزيئات الصغيرة وتطوير المواد الدوائية البيولوجية”.

وليست فكرة التصنيع الجزيئي في الفضاء جديدة بالضرورة، ولكن بدا تحقيقها على نطاق واسع مستحيلاً حتى وقت قريب نسبيًا، مع تطوير الصواريخ التجارية القابلة لإعادة الاستخدام. وقد أطلقت شركة فاردا كبسولتها الأولى، “دبليو-1″، في يونيو 2023؛ وبعد أشهر في المدار، عادت بنجاح إلى الغلاف الجوي في فبراير 2024.

بلورات ريتونافير. مصدر الصورة: فاردا للصناعات الفضائية.

كانت تحمل مكونات ريتونافير [مثبط للبروتياز يستخدم لعلاج فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز]، وهو دواءٌ مدروس جيدًا لفيروس نقص المناعة البشرية الأيدز (HIV). وعندما عادت الكبسولة إلى الأرض، احتوت بشكلٍ غير متوقع على ريتونافير من النوع الثالث، وهو مُتعدد الأشكال تم اكتشافه مؤخرًا على الأرض عام 2022.

( ولم تتوقف المفاجآت عند هذا الحد )

وقال رادوسيا: “سلط منشورنا الأخير حول الجاذبية المفرطة الضوء على العديد من النتائج غير المتوقعة. كان أبرزها بالنسبة لي أنه حتى في ظلّ التحريك، تؤثر تأثيرات الجاذبية على حجم الجسيم”.

وأضاف: “ثاني أكبرها هو كيف يُمكن أن يؤدي التنافس بين الترسيب وتدرجات التركيز إلى اتجاه مُعقّد وغير رتيب مع زيادة الجاذبية. وهذا يُثبت أن إجراء الاختبارات وتوليد البيانات من أفضل طرق التعلم”.

ويُخطط الفريق لمواصلة التركيز على الجزيئات التي تُعاني من مشاكل تبلور معروفة، وإيجاد مسارات جديدة للأدوية التي لا يُمكن تصنيعها هنا على الأرض. وكبسولة “دبليو-4” موجودة هناك الآن، تُحلّق فوق رؤوسنا. ومن المقرر إطلاق “دبليو-5″ و”دبليو-6” في أوائل عام 2026.

شاهد كيف تصنع شركة فاردا الأدوية في المدار:

https://youtu.be/s9XSN_wvMzs

وفي غضون ذلك، أعلنت شركة فاردا للتو عن شراكة مع شركة ساوثرن لاونش، مزود خدمات الإطلاق الأسترالي، لإطلاق 20 كبسولة في ميدان اختبار “كونيبا” في صحراء جنوب أستراليا حتى عام 2028. خطط الشركة طموحة، وقد لا يطول الأمر حتى تُنقذ أرواح باستخدام عقاقير مُصنّعة في الفضاء.

وصرح رادوسيا: “نخطط لحقن دواء في جسم الإنسان خلال السنوات العشر القادمة”.
وتابع: “سيزداد عدد الرحلات خلال السنوات القليلة القادمة حتى نصل إلى مرحلة إعادة دخول كل شهر أو أكثر. التحدي الذي نواجهه هو صنع هذا العدد من الكبسولات وملؤها!”

*تمت الترجمة بتصرف
المصدر:

https://www.sciencealert.com/microgravity-is-the-final-frontier-for-medicine-heres-why

المهندس محمد جواد آل السيد ناصر الخضراوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *