ساحل جزيرة تاروت يدق ناقوس الخطر… نفوق الفلامنغو وصوت البحر المستغيث – بقلم صادق علي القطري

في يوم السبت، العشرين من سبتمبر 2025، سجّل ساحل جزيرة تاروت مشهدًا بالغ الخطورة ويبعث للقلق؛ إذ عُثر بالقرب من غابة المانغروف على زوج نافق من طيور الفلامنغو الرمادي، ذلك الطائر المهاجر الذي ارتبط حضوره بجمال السواحل وتوازنها البيئي.

للوهلة الأولى قد يُظن أنّ الحادثة عابرة، غير أنّ القراءة العلمية والبيئية الدقيقة تكشف أنّها مؤشر خلل بيئي عميق، لا يمكن تجاهله أو التهوين من خطورته.

دلالات علمية لنفوق الطيور المهاجرة:
الطيور المهاجرة تُعدّ من أهم الكائنات المؤشِّرة على صحة النظم البيئية، فهي حسّاسة للتغيّرات الكيميائية في المياه، ولتراجع الغذاء، ولارتفاع نسب الملوثات. ونفوق زوج من الفلامنغو في هذا التوقيت من السنة، حيث تبدأ هجراتها الموسمية، يُنبئ بوجود أحد الاحتمالين أو كليهما:
• تلوث كيميائي أو عضوي ناجم عن تصريفات أو نفايات بحرية أثّرت مباشرة على حياة الطيور.
• تغيرات بيئية مقلقة كارتفاع الملوحة، أو تراجع غطاء المانغروف، أو انخفاض مستويات الغذاء البحري الصغير الذي تعتمد عليه هذه الطيور.
إنّ هذه المؤشرات ليست محلية الطابع فحسب، بل ترتبط بمنظومة بيئية أوسع، قد تمتد آثارها إلى ابعد من ذلك، باعتبار السواحل حلقات مترابطة في شبكة بيئية واحدة.

المانغروف… الرئة التي تختنق:
لم يكن عبثًا أن يقع نفوق الطيور على مقربة من غابة المانغروف. فهذه الأشجار الساحلية لا تُعد مجرد نباتات، بل هي رئة البحر التي تحمي الشاطئ من التعرية، وتوفّر ملاذًا للطيور والأسماك وصغار الكائنات البحرية. وأي تراجع في صحتها أو تلوّث محيطها يعني بالضرورة انهيارًا تدريجيًا في التوازن البيئي. إنّ المانغروف في تاروت ليست ملكًا جماليًا للمكان فحسب، بل هي خط الدفاع الأول في التنوع البيولوجي.

رؤية 2030… بين الطموح والتحدي:
لقد أطلق عرّاب الرؤية، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان “حفظه الله” دعوة صريحة لحماية البيئة البرية والبحرية ضمن برامج رؤية المملكة 2030، مؤكّدًا أنّ التنمية لا تنفصل عن الاستدامة. لكن ما يشهده ساحل تاروت اليوم من إهمال بيئي وضعف في المراقبة والتنظيف يتنافى مع هذه التطلعات السامية، ويجعل من الضروري إعادة النظر في آليات التنفيذ والمتابعة على أرض الواقع. والرؤية السامية من سموه، لا تُترجم بالشعارات، بل بالخطط الميدانية، وبالمساءلة الجادة، وبالتكامل بين المجتمع المحلي والجهات المختصة.

دعوة إلى التحرك العاجل:
إنّ ما حدث ليس حادثة عابرة تُسجّل في تقارير عابرة، بل هو ناقوس خطر يستدعي تحركًا عاجلًا على عدة مستويات:
• تشكيل فرق رصد بيئي لمتابعة جودة المياه ورصد الملوثات.
• تشديد القوانين البيئية ومحاسبة الجهات المسببة لأي تصريف ضار.
• إطلاق برامج توعوية ومجتمعية تُشرك سكان الجزيرة في حماية سواحلهم.
• إعادة تأهيل غابات المانغروف وتوسيع نطاق حمايتها كمحميات طبيعية.

إرث لا يُقدّر بثمن:
إنّ ساحل جزيرة تاروت ليس مجرد خط بحري على خريطة جغرافية، بل هو إرث بيئي وإنساني، شهد مرور الحضارات، واحتضان الطيور المهاجرة، ووفّر ملاذًا للأحياء البحرية. الحفاظ عليه ليس خيارًا، بل مسؤولية وطنية وأخلاقية، تضعنا أمام سؤال صريح:

هل سنترك للأجيال القادمة بحرًا حيًا، أم رمالًا صامتة فقدت أصوات الطيور ورقصات الموج؟

المهندس صادق علي القطري

12 تعليقات

  1. ‫فياض العمران‬‎

    شكر الله سعيكم أستاذ أبى حسام… مع الأسف الشديد البيئة أصبحت هشة وضعيفة من العبث وإلقاء المخلفات وعدم الوعي والاستخفاف بهذه القيمة والثروة الحيوية….

    • أخي العزيز أبا مازن، أشكر لك مرورك وتعليقك النبيل، وكلماتك تُلامس جوهر المشكلة بدقّة. نعم، للأسف البيئة أصبحت *هشّة ومستباحة* بفعل الإهمال والجهل، وكأنها لا تستحق هذا القدر من الرعاية والاحترام، رغم أنها تمثّل *روح المكان وذاكرته الحيّة*. ما نحتاجه اليوم ليس فقط أنظمة رقابية، بل *وعيًا مجتمعيًا راسخًا* يعيد للبيئة مكانتها، ويُعلّم الأجيال أن احترام الأرض هو احترام للذات وللحياة. دمت صوتًا صادقًا للبيئة، وأملًا في أن يتحول هذا الوعي إلى *حراك حقيقي* يحمي ما تبقى من جمال هذا الوطن.

  2. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شكرا لموضوعك واهتمامك والمعلموات الكثيرة والشرح المستفيص الذي يدل على اهتمام وخوف على التنوع البيئي والحياة الفطرية ولان الحفاظ على الحياة الفطرية ضروري لنا .ولكن لي ملاحظة على مفردتين اجنبيتين عنا ولغتنا الحمد لله تسع كل المفردات اولا كلمة منقروف والثانية لفلامنقو .لماذا نستخدم جمل واسماء غير عربية والموضوع باللغة العربية هذا ضعف فينا ماذا يحدث لو قلنا غابات القرم وهو الاصح وطائر النحام او الفنتير .تحياتي لمجلتكم المحترمة ارجو الرد والتعليق

    • وعليكم السلام اخي العزيز رامسي ورحمة الله وبركاته، أشكركم أولًا على مروركم الكريم وعلى ملاحظتكم القيّمة التي تدل على حرص صادق على اللغة العربية وثرائها، فهي بحق لغة واسعة رحبة قادرة على استيعاب كل المفردات العلمية والطبيعية. بالنسبة لما تفضّلتم به حول استخدام كلمتي مانغروف وفلامنغو:
      بالفعل، الكلمة العربية الأصيلة لـ Mangrove هي “القرم”، وهي مستخدمة في العديد من المراجع العربية، وقد تبنّتها بعض الدول الخليجية رسميًا في أدبياتها البيئية. أما الفلامنغو فله أكثر من مقابل عربي، أبرزها: “النحام”، وأحيانًا “الفنتير” كما ورد في بعض المعاجم. غير أن السبب في شيوع الأسماء الأجنبية في الإعلام البيئي هو أن كثيرًا من القرّاء والباحثين يتداولون المصطلحات العالمية كما هي، فيرتبط الاسم الأجنبي مباشرة بالموضوع عند البحث أو الاطّلاع. لذلك يُذكر المصطلح الأجنبي أحيانًا بجانب العربي لتوضيح المقصود وربطه بالسياق الدولي، لكن هذا لا يقلّل من أهمية اعتماد الأسماء العربية وتشجيع استخدامها. ونحن في الحقيقة نرى أن الجمع بين المفردتين (العربية والأجنبية) قد يكون أنسب في الكتابات التوعوية: “غابات القرم (المانغروف)” وطائر النحام أو الفلامنغو، بحيث نرسّخ المصطلح العربي ونحافظ في الوقت نفسه على الوضوح لدى القارئ. ختامًا، ملاحظتكم في محلها وتُسجَّل باهتمام، وسنعمل على تعزيز حضور المصطلحات العربية الأصيلة في مقالاتنا القادمة.
      تحياتنا وتقديرنا لكم من القلب

  3. محمد الرضوان - مصري مقيم بالشرقية

    شكراً لهذا المقال العلمي التوعوي
    صراحة أنا مقيم بالمنطقة الشرقية وعند زيارتي لمثل هذا المواقع البيئة أمتن للقائمين على رعايتها والإهتمام بها لكن المؤسف أحياناً أرى بعض مواسير للصرف المياه قريب من مثل هذه الأماكن ،لست مختص بمافيه الكفاية لنقد هذا الأمر لكن يترك في ذهنى دائما علامات استفهام

    – أتفق مع كاتب المقال وشكراً لهذا الطرح

    كما سعت بالحوار الراقي في التعليقات وهذا ما شجعني على كتابة تعليقي

    • أخي العزيز محمد الرضوان، أشكرك جزيل الشكر على هذا التعليق الصادق والمُحفّز، والذي يعكس وعيك واهتمامك الصادق بالبيئة. ما ذكرته من ملاحظات حول وجود *مخارج للصرف الصحي قرب المواقع البيئية الحساسة* هو أمر مقلق فعلاً، ويستحق أن يُطرح للنقاش والبحث، حتى لو لم نكن متخصصين، فالصوت الواعي من أبناء المجتمع هو البداية لأي تغيير إيجابي.وجود أمثالك ممن يُقدّرون جمال البيئة ويطرحون التساؤلات بمسؤولية، هو ما نحتاج إليه لتوسيع دائرة الوعي ودفع الجهات المعنية نحو التصحيح.سعدت كثيرًا بتعليقك، والحوار الراقي يكتمل بحضور عقول مثلك. دمت بخير، ومرحبًا بك دائمًا في كل حوار هادف.

  4. الشكر لك على تسليط الضوء على هذة الظاهرة المفجعة للبيئة،حيث ناقوس الخطر لم يدق 2025 وانما من اكثر مايقارب نصف قرن عندما ردمت الاراضي البحرية واستحداثها كاراضي سكنية! ،فلماذا يكون التمدد للمناطق شرقا باتجاه البحر وعدم التمدد غربا باتجاه الاراضي الصحراوية !!!!!!
    كنت ارى طيور اللقلق عندما كان البحر مجاورا لطريق الخليج الممتد من الدمام وحتى القطيف شمالا ومن جمال المنظر للبيئة البحرية استوحيت صورة لباب منزلي ،
    كان البحر جارًا لطريق الدمام شمالًا، وكنت أستلهم من منظره هدوءًا وجمالًا رسمته حتى على باب منزلي…
    لكن ماذا حدث بعد استحداث مخطط النايفية ( كورنيش عنك )؟
    اختفى البحر، وهاجرت الطيور، وتحولت الأصوات الطبيعية إلى ضجيج شاحنات وردم وآلات.
    اختفى المشهد، ولم يبقَ إلا ذكرى تتردد في ذاكرة من عاش المكان يومًا قبل أن يُختطف

    إن ما حدث ويحدث اليوم ليس مجرد تغيير عمراني، بل اقتلاع للهوية الطبيعية للمكان.
    نحتاج إلى وقفة جادة، لا فقط بالبكاء على الأطلال، بل بإعادة التفكير: كيف نحمي ما تبقّى؟ وكيف نوقف هذا العبث قبل أن نصحو على بيئة لا نعرفها، ولا تعرفنا؟
    فمن عاش في القطيف يعرف جمال الواحة ،الا وهي واحة على ضفاف الخليج

    • وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، الأخت الكريمة سهى المسلم، أشكر لكِ هذه المداخلة العميقة والمفعمة بالصدق والحنين والوعي، فقد لامستِ جوهر القضية حين ربطتِ بين الحاضر وما جرى عبر عقود من التعدّي على البحر وردم أراضيه. بالفعل، ناقوس الخطر لم يبدأ اليوم، بل بدأ منذ أن استُبدلت المياه والرمال البيضاء بالخرسانة والطرقات، فتحوّل الامتداد الطبيعي شرقًا إلى فقدان لهوية البحر وأسراره. صورتكِ التي استلهمتِها من منظر البحر وطيوره لتزيين باب منزلك، هي شهادة وجدانية على أن البحر لم يكن مجرد مساحة طبيعية، بل جزءًا حيًا من تفاصيل حياتنا وذاكرتنا الجمعية. وما ذكرتِه عن طيور اللقلق واختفاء أصواتها أمام ضجيج الآلات يلخّص قصة فقدان نغمة المكان. إن ما تفضلتِ به يؤكد حقيقة مؤلمة: أن ما يحدث ليس مجرد “تطوير عمراني”، بل اقتلاع تدريجي للهوية البيئية ولهذا فإن دعوتكِ إلى وقفة جادّة لحماية ما تبقّى، ووقف هذا العبث قبل فوات الأوان، هي صرخة يجب أن تُسمع على كل المستويات؛ الرسمية والمجتمعية. فالقطيف لم تكن يومًا مجرد واحة على الخليج، بل كانت الخليج ذاته وهو يطل عبر نخيله وعيونه وبحره وطيوره، وهذه الهوية الطبيعية لا يجوز أن تختفي في غفلة منا. دمتِ صوتًا صادقًا للبيئة، وحافظةً لذاكرة المكان.

  5. دخيل المطيري

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
    أشكر الأخ صادق على مقاله التوعوي القيّم، ويسعدني أن أشارك مقترحًا قد يسهم في تعزيز المحافظة على شاطئ تاروت:

    نقترح إطلاق مبادرات تطوعية يشارك فيها طلاب المدارس وأهالي المنطقة، مع تنظيم أنشطة دورية مثل حملات تنظيف الشاطئ أو مسابقات بحرية، بحيث يتحول الشاطئ من مجرد موقع للاسترخاء إلى مساحة حية تُرسّخ قيم المسؤولية والانتماء في ذاكرة الأطفال والشباب.

    كما نطالب البلدية والجهات المختصة بضم شاطئ تاروت إلى قائمة المحميات الطبيعية أسوة بالمحميات المنتشرة في المملكة ودول الخليج، ليكون تحت رقابة وحماية بيئية مستمرة. ونقترح أن يتم التنسيق مع وزارة البيئة والمياه والزراعة و القوات الخاصة للأمن البيئي لإنشاء مقرات بحثية متخصصة على الشاطئ لدراسة أحوال البحر ومراقبته بشكل أدق، بما يسهم في حماية الحياة البحرية والمحافظة عليها للأجيال القادمة.

    وفي الختام، فإن نجاح هذه المبادرات لن يتحقق إلا بتكاتف الجميع؛ المواطنين والمقيمين والبلدية والجهات البيئية، حتى يصبح شاطئ تاروت نموذجًا وطنيًا يحتذى به في حماية البيئة البحرية وتعزيز المسؤولية المجتمعية.

    • وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، الأخ العزيز دخيل المطيري، أشكرك جزيل الشكر على تفاعلك القيّم ومبادرتك الكريمة التي تنمّ عن وعي بيئي رفيع وإحساس وطني عميق بالمسؤولية. لقد أضأتَ على نقاط بالغة الأهمية، خصوصًا فيما يتعلّق بدور الطلاب والأهالي في تحويل الشاطئ من مجرد فضاء للراحة إلى مدرسة حيّة تغرس قيم الانتماء والحفاظ على البيئة في الأجيال الناشئة. مقترحك بشأن إدراج شاطئ تاروت ضمن المحميات الطبيعية وتخصيصه ببرامج بحثية ورقابية خطوة جوهرية تتسق مع التوجهات الوطنية لحماية التنوع البيئي والبحري. ولا شك أن إشراك وزارة البيئة والمياه والزراعة، والقوات الخاصة بالأمن البيئي، والجهات الأكاديمية والبحثية، سيعطي هذه المبادرة بعدًا استراتيجيًا يضمن استدامتها وفاعليتها. أتفق تمامًا معك أن النجاح لا يمكن أن يتحقق إلا بتكاتف الجميع؛ الأفراد، المؤسسات، والجهات الرسمية، ليصبح شاطئ تاروت نموذجًا وطنيًا يُحتذى في الوعي البيئي والتكامل المجتمعي. دمتَ سندًا للبيئة وصوتًا مخلصًا للوطن.

  6. السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
    فعلا نحتاج الى وقفة جادة في حماية واحتنا
    شكرا للكاتب على المعلومات و على التنبية على الحدث الذي غفل عنه الكثيرون

    • وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته الأخت الكريمة أزهار سعيد،
      أحسنتِ وأصبتِ في تعليقك، ففعلاً ما يحدث اليوم من نفوق طائر الفلامنغو ليس مجرد خبر عابر، بل ناقوس خطر يستدعي وقفة جادة ومسؤولية مشتركة تجاه بيئتنا وواحتنا. فالطبيعة حين تفقد أحد عناصرها، ترسل لنا إنذارًا مبكرًا بأن هناك خللاً يهدد التوازن الذي نحيا في ظله جميعًا.شكرًا لتفاعلك وحرصك، فوعي المجتمع ومشاركته هو الركيزة الأساسية في حماية ما تبقى لنا من إرث بيئي ثمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *