لماذا أطلق القطيفيون مسمى الدمام على حاضرة الشرقية الحديثة – بقلم عبد الرسول الغريافي

ماذا تعني كلمة الدمام في الأصل؟
وهل شمل هذا الإسم في البداية جميع أنحاء الدمام الحالية أم أنه أُطلِق على بقعة صغيرة معينة منها؟ وكيف كان ذلك؟
وهل تولى القطيفيون أيضاً أمر تسمية بعض من المناطق الأخرى المجاورة؟
ولعل سائل يسأل أيضاً: لماذا تولى القطيفيون بالذات أمر تسمية الدمام وبعض المناطق المجاورة دون غيرهم من أهالي الدمام – مثلاًً؟ أو كيف تأتي تسمية الدمام من القطيف؟ فأين أهالي الدمام حينها؟

قلعة الدمام

نقول أولاً أن إسم الدمام هذا أول ما أُطلِق فإنه لم يشمل هذه الدمام الحالية وإنما انحصرت التسمية على بقعة صغيرة جداً ناتئة في وسط مياه بحر الخليج التي تطل عليها أرض حاضرة الدمام الحالية إذ لم تتجاوز تلك المساحة عن عدة أمتار مربعة فقط وأن تلك التسمية قد أُطلِقت عليها قبل قدوم سكان الدمام الحالي إليها وقبل تكوين أي بناء معماري فيها يذكر،،،

أما إن رجعنا إلى إسم القطيف في ذلك الوقت فهو إسم شامل لمنطقة كبيرة جداً تمتد بمحاذاة الخليج العربي قبل تعرضها لأكثر من مرحلة من الإنكماشات أو التقلصات والتقسيمات بسبب تمدد العديد من المناطق والحاضرات المحيطة بها والمجاورة لها والتي نالت فيما بعد تقدماً قد تَفَوَّقَ في التطور العمراني الحديث عن المنطقة الأساسية -القطيف- وبالتالي يتم انفصال تلك المناطق عنها بشكل تلقائي فتحاصرها من جميع الجهات لتمنع تمددها شيئا فشيء غير أن الإسم البارز لهذه الحاضرة في تلك الآونة ظل صامداً كما هو،،،

فما الدمام آن ذاك إلا منطقة صيد لهم وجزء من امتدادها البري حين كانت منطقة جرداء يطل جانبيها الجنوبي والشرقي على البحر، لذلك نلاحظ أنه حين ضم المغفور له الملك عبد العزيز المنطقة الشرقية إلى المملكة العربية السعودية فإن الوثائق المسجلة للأحداث التاريخية لم تذكر أي مناطق أخرى تمثل الشرقية سوى القطيف والأحساء على أنهما المنطقتان الوحيدتان الممثلتان للمنطقة الشرقية وذلك لشموليتهما على جميع المناطق وتبعياتهم لهما وقد انحصرت ما وثقته التفاصيل التاريخية عن دخول جيش الملك عبدالعزيز رحمه الله فقط على هاتين المنطقتين دون ذكر غيرهما وقد كانتا واحتان متصلتان ببعضهما ما سهل ضمهما إلى مملكة نجد والحجاز حينها ولم يُذكر غيرهما من الأسماء في المنطقة الشرقية سوى بعض توابعهما.

امتداد رقعة القطيف الأولى (من سواحل عمان الجنوبيه وحتى حدود البصرة شمالاً)

هذا الإنكماش الذي لعب دوره في تقليص القطيف ظل مستمراً بسبب سرعة ظهور مدن عدة نالت استقلالية في مسمياتها حسب نظام المدن والمحافظات الحديثة في أنحاء المملكة وإن هذا الإنكماش لم يتوقف بل ظل مستمراً حتى أيامنا هذه، وأما عن أكبر مرحلتين في هذا التقلص هو أن الأولى قد حدت من امتدادها الطبيعي أساساً والذي كان يبدأ من شمال عمان حتى حدود الكويت الجنوبي ولم يتوقف هذا الإمتداد إلى هذا الحد وإنما استمر في المضي نحو الشمال بعد أن يضيق ليشكل شريطاً ممتداً بمحاذاة الكويت حتى يصل إلى حدود بصرة العراق تاركاً آثار ممتلكات عقارية زراعية وأخرى سكنية سُجِّلت في وثائق ملكيتها بمسمى القطيف،،،

وقد بلغ الأمر لهذا الإمتداد المتسع لدرجة أنه فرض على بحر الخليج أن يتشح بمسميات قطيفية كخليج القطيف وخليج الخط وكذلك كما أسماه الغزاة الإغريقيون في سالف الأوان بخليج كيتوس تعريبا لمسمى الخط أو القطيف (La Mare de Caetus) وأحيانا في خرائط فرنسية بمسمى: (MERE El CATIF) وكذلك باللغة الإنجليزية بمسمى: (THE SEA ELCATIF).

ثم بعد ذلك يدخل تقلصها في مرحلته الثانية ليقتصر حدودها من الجنوب مبتدئاً من بعد حدود قطر اي من منطقة العقير بما فيها الميناء والتي ظلت دفة إدارتها تحت تصرف وإشراف جمرك وميناء القطيف حتى نهاية ستينات قرن العشرين، فيستمر هذا الإمتداد الجديد بعدها نحو الشمال حتى ينتهي بعد خور البلبول المتاخم لحدود الكويت والذي وصل إلى جبل المنيفة، ثم تستمر هذه الحدود بهذه الوضعية تحت مسمى القطيف حتى مابعد فترة ضم الشرقية للمملكة بسنين عديدة.

وفي هذا توضح لنا بعض الوثائق كالرسالة التي أرسلها الملك عبد العزيز آل سعود إلى أمير الكويت الشيخ مبارك الصباح رحمهما الله وذلك بعد المعاهدة التي أُبرِمت في مؤتمر العقير سنة ١٩٢٢م بين المملكة العربية السعودية والكويت وبمشاركة بريطانيا كطرف ثالث للتسوية والتي فيها يحث الملك عبد العزيز الشيخ مبارك بسرعة المبادرة بوضع الحدود حسبما جاء في المؤتمر وحسب توصيات بريطانيا وذلك بين حدود سواحل خور البلبول بالقطيف وحدود الكويت لما لها من حاجة ملحة من أجل استقرار المنطقة وتوضيح وضع الحدود وكذلك لما للأمر من أهمية كبرى في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.

وهنا يعزز الكاتب الإنجليزي المعروف جون قوردون لوريمر (John Gordon Lorimer) (١٨٧٠ – ١٩١٤) مدى اتساع رقعة القطيف في ذلك العصر ويذكر بعض توابعها من المناطق ووصف حالات بعضها. ولوريمر هو أبرز المؤرخين والجغرافيين الذين وصفوا منطقة الخليج العربي في بداية القرن العشرين، وقد أعد دليلاً خليجياً في كتاب أسماه «دليل الخليج» الذي أرخ فيه أحوال دول ومناطق ومدن الخليج العربي.

وقد جاء في القسم الجغرافي منه ما يذكر فيه الأمكنة التابعة للقطيف كذكر الدمام وكذلك الخبر والظهران، وقد جاء في بعض نصوصه -مثلاً: “الدمام يقع على الساحل على بعد تسعة أميال جنوب شرق القطيف وهو الآن صحراء فيه بقايا قلعة كبيرة تقع على جزيرة صخرية صغيرة فيها ينبوع ماء عذب وبجوارها قلعة صغيرة”.

من هذه الحالة ومن أعالي قلعتها انحدر اسم الدمام كالسيل الجارف ليغطي حاضرة الدمام اليوم وقد تجلببت بعدها بمسمى قلعة الجلاهمة الذين استخدموها للقرصنة في مابعد.

أما عندما نتتبع العديد من مسميات المناطق الساحلية المتاخمة للساحل وكذلك التي في وسط مياه بحرها وما يتعلق ببيئتها الطبيعية التي تطلق احياناً كمسميات خاصة بها دون غيرها وأحياناً كمصطلحات محلية تطلق على مكامن الصيد أو مغاصات اللؤلؤ أو المصطلحات الخاصة بالمياه الضحلة أو العميقة وغيرها،،،

وكذلك ما يستعمل من عبارات تشكل لغات محلية خاصة بالعاملين في بحر الخليج فإننا سندرك حينها أن جميعها كانت عباره عن مسميات اصطلاحية وبعضها تكونت بطابع يحمل صبغة لغوية مستقلة ذات علاقات مرتبطة بأعمال بحرية يتفق عليها الصيادون والغواصون والبحارة وربان السفن من أبناء هذه المنطقة الساحلية بل وحتى صانعي سفنهم أو من يقومون بصيانتها والذين عُرِفوا بالقلاليف وإن هذه الصبغة اللغوية المستقلة متداولة بينهم بحيث لا يفهمها من هو خارج نطاق هذا المجال، وقد تولدت هذه اللغة الإصطلاحية أساساً من أعماق الثقافة البيئية لهذه المنطقة البحرية.

قبيل الوصول لخور ملك وينابيع الماء التي في قاع البحر وعند المثلث المنحصر بين القطيف وعنك ودارين والذي تقع فيه بقايا من آثار برج أبو الليف ومركز تجمع الحظور

لقد تطرقتُ مرات عديدة إلى شرح وتوضيح مثل هذه المسميات الإصطلاحية المتعلقة بالحياة البحرية وكان من جملتها حين كتبت ذات مرة بحثاً حول الحظور (بالظاد) بعنوان: “سواحل القطيف مهد الحظور” وقد أشرت إلى أن المقصود بالحظور هي المكامن التي يبنيها البحارة وصيادي الأسماك من أجل الصيد على امتداد السواحل كما وقد وضحت فيها العديد من هذه المسميات الإصطلاحية سواءً التي كانت تُطْلَق على الأدوات أو صياغة الأفعال الاصطلاحية الخاصة بالتصرفات والأعمال والعمليات البحرية بما تتضمنه من أوامر ونواهي وتوجيهات أو مسميات للمواقع البحرية المغمورة منها او التي هي على الشواطئ كالأخوار والمجافر والمقالع والمقصات والركسات والمقاصير والدامات والأهيرة وغيرها.

فلو شرعنا في رحلتنا من مناطق شمال الدمام بدءًا من الساحل الجنوبي للقطيف تحديدا من شمال عنك حتى سيهات ثم الإنعطاف نحو الشرق يساراً حيث مدخل الدمام الحالي لقابلتنا بيئات بحرية طبيعية متنوعة، فقبيل الوصول إلى خور مَلَكْ أو ملاك (كما يسمى أحيانا) والذي يمتد بمحاذاة سيهات فأول ما سيقابلنا بقعة بحرية فاصلة عن ذلك الخور إلى الشمال منه وتتوسط أعماقها المالحة ينابيع حلوة متدفقة في قاع البحر! فواحد منها يعرف بعين الخالي والآخر يعرف بعين خور الشَيف وكان البحارة وأصحاب السفن يغطسون إليها وهم يحملون القِرَب (الواحدة قِربة) ويملأونها بالمياة العذبة الصالحة للشرب اثناء فترة الصيد أو عندما يصعدون على ظهور سفنهم، وهذه المنطقة هي التي قد أصبحت اليوم حي المجيدية كما انها كانت منطقة تُبْنى فيها الحظور والتي تبدأ من عنك إلى القطيف باتجاه الشمال بمحاذاة الشاطيء.

أما إذا اتجهنا إلى الجنوب لنبدأ رحلتنا وإياكم للكشف عن سر تسمية الدمام بهذا الإسم فإنه بعد خور مَلَكْ من الجنوب ستقابلنا بداية مرتفعات صخرية بحرية تعرف محلياً بجبل القصّار وهي شريط يبدأ من بعد منتصف سيهات بإتجاه الجنوب وتتخلله أشجار القرم (المنجروف) أحياناً. والقصّار هو كتل صخرية حجرية بحرية بيضاء اللون والتي منها تقلع الحجارة المعروفة محلياً بالفروش التي تبنى بها البيوت الخليجية سابقاً والتي يعتبرها البعض في مناطق أخرى أنها أحجار مرجانية.

في النهاية الجنوبية لهذا الجبل المغمور بمياه البحر يبدأ في التقطع عند نهايته الجنوبية وخصوصا عندما بنعطف نحو الشرق ليتجه إلى الدمام وفي هذه المناطق التي يتقطع فيها يحط أهالي سيهات فيها حظورهم الكثيفة التي تصل إلى الدمام والمعروفة بحظور جنوب لجليعة وفيها مناطق طينية وبها يتكاثر أفضل أنواع الربيان وإلى الشرق منها تحدها الركسة الشرقية الواقعة شرق مقص حجارة القصّار، والمقص هو نوع من المقالع التي تقلع منها الحجارة من أجل البناء.

لقد تعود أهالي سيهات بالقيام ببناء بعض الحظور في هذه المنطقة بطريقة غير الطريقة المألوفة التي تُبْنى من جريد النخل وجذوعها! فهم في هذه المرة يبنونها حول جبل القصّار بنفس شكل الحظور المعتاد ولكن بأسوار من الحجارة المتراكمة فوق بعضها وهي تعرف بالقصيصير (إقصيصير) ويعتبرها البعض أنها نوع من (لمساكر/المُساكَر) وهي طريقة أخرى لصيد الأسماك عُرِفَت عند أهالي المنطقة منذ القدم.

يقوم السيهاتيون أحياناً ببناء بعض هذه لقصيصيرات عند الطرف الشمالي لخور مَلَك المتاخم لعنك ويشترك العنكيون معهم في ذلك ولكن بشكل أقل إذا ماقورنت باللتي هي في المنطقة الجنوبية والتي تلي تَقَطُعات جبل القصّار والمتجه جنوبا نحو الدمام حيث يشكل كتل تشبه الجزر الصغيرة، ثم بعد ذلك ينعطف هذا الجبل بانعطاف الساحل نحو الشرق ويأخد في التقطع بدرجات أكبر ليتحول الى مايشبه الجزر الحجرية الصغيرة جداً والتي تعرف خليجياً (بالحالة) ومثال على ذلك جزيرة حالة زعل وجزيرة حالة جنا وحالة جنة، والحالة في العادة غير مأهولة بالسكان لأنها مهما كبرت فلا تتعدى أبعادها مئات الأمتار كما أنه في حالة المد القوي قد تطمسها الأمواج أو أنها تغطي منها الجزء الأكبر وخصوصاً إن كان هذا المد مايعرف بماية الهلال في بداية الشهر العربي وفي منتصفه، وأما إن كانت من الرمال أو الرمل والحجارة فعندها يطلق عليها مسمى العيچة أو العيچ أيضاً وهي تنغمر تحت الماء بكاملها.

جزيرة حالة زعل وتبعد تقريبا ٧ كيلو إلى الشمال الشرقي من جزيرة تاروت

بعد انعطاف هذا الشاطئ نحو الشرق وذلك بعد اجتيازه سيهات وكذلك انعطاف تقطعات جبل القُصَيِّر معه الذي يقبع في وسط مياهه وعلى بعد أقل من كيلوين اثنين في امتداده نحو الشرق تنقطع هناك بقعة من هذا المرتفع بشكل مستقل وهي بعيدة عنه لتشكل ما يُعْرف بالحالة او الجزيرة الصخرية الصغيرة وقد تميزت بارتفاعها عن مستوى البحر واتخذ شكلها المستطيل الممتد من الشرق إلى الغرب وأيضاً تميزت بما هو في وسطها وهو ينبوع ماء عذب دائم التدفق، وقد لاتتعدي مساحتها الخمسة آلاف متر مربع.

فوق هذه الحالة أو الجزيرة الصخرية الصغيرة تم بناء قلعة فوقها لتظل شاهقة ومشرفة على البحر لتكمل سلسلة القلاع والبروج التي بنيت على شواطئ المنطقة باتجاه الشمال كبرج سيهات المعروف بالبري (البرج) وإلى الشمال منه قلعة الخيّالة أو قصر الميَّالة بعنك وقلعة أخرى إلى الشمال منها وسط غابات نخيل العيّاشي وبعدها الى الشمال الشرقي منها يقع برج أبو الليف في القطيف القابع في وسط البحر فوق حالة صغيرة جداً وهكذا وصولاً إلى قلعة دارين وقلعة حمام تاروت وقلعة القطيف وقلعة صفوى.

قلعة الدمام هذه اُنشِئت لتؤدي مهمتها كباقي القلاع والأبراج من مراقبة السفن وهدايتها ليلاً بواسطة إنارتها بالمصابيح في اعالي بروجها وقد تستخدم للدفاع عن المنطقة ولكنها قد تميزت بدور آخر منقطع النظير وهو أنه في وقت الشعور باكتشاف الخطر أو عند قدوم سفن يُشَكُ في أمرها فإن مجموعة من المتخصصين والمراقبين للسفن يقومون على الفور بالدمدمة وهم على سطوح تلك الأبراج وذلك بالقرع أو النقر على الدمام!

فماهو الدمام إذن؟ وماهو الشيء الذي يمكن أن يُقْرَعُ فوقه؟ وما هو الشيء الذي يدمدم؟

دعنا ننتقل لنُحَلِّق بكم خلال برهة قصيرة في عالم يختلف عن العالم الذي نحن في صدده الآن وكأننا نتنزه قليلاً! فلندخل لنخوض قليلا في عالم الصوتيات اللغوية ونحاول أن نتطرق أيضاً لشيء بسيط من علم الصوت اللغوي (phonology) الذي يعنينا هنا في الإستعانة به لشرح مسمى الدمام فعندما نقوم بتحليل نوع من الأصوات التي تنبثق من بعض الكلمات والتي نشعر انها تجسد معنى له دلالة معيّنة من خلال نطقها حتى وإن لم نفهم معناها على وجه التحديد فإننا حتما سنشعر بما تعنيه هذه الكلمة من خلال سياقها وذلك لقوة وقع أصواتها التي تشبه معناها المقصود!

هذا النوع من الألفاظ اللغوية يُعْرَف عند علماء اللغة وعلماء الصوت “بالمحاكاة الصوتية (onomatopiea)” فعندما نقرأ الآية الكريمة الرابعة عشر من سورة “الشمس” في قوله تعالى: “فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا” فإننا سندرك من سياق الآية أن الله قد أنزل عقاب شديد على قوم ثمود وهم قوم صالح عندما “فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا” أي عقروا الناقة بعدما نصحهم قائلاً: “نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا”، سنشعر أن كلمة “دمدم” من سياق صوتها وكذلك من سياق كلمات السورة أنه عقاب شديد ففيها تكرار أربعة أصوات متمثلة في أربعة حروف على نظام (١+٢+١+٢ = د+م+د+م) كلمات تصدر اصوات يترجمها العقل البشري بمفهوم عام وإن لم يعرف معناها المقصود.

فمعنى كلمة دمدم هي كما توقع كل واحد منا: معناها دمدم على القوم أي غضب الله عليهم فأهلكهم بأن أرجف بهم الأرض وواضح أن صوت هذه الكلمة يحمل نوع من الشدة القاسية إذ حين نقول دمدم الرعد أي أحدث صوتا مدوياً.

هناك الكثير من أسماء المحاكاة الصوتية (onomatopiea) وفي جميع لغات العالم وبالأخص اللغات البدائية، وجدير بالذكر أن اللغات العالمية عند بدايات نشأتها جميعاً كانت النسبة الكبرى لألفاظها من أسماء وأفعال -حسب تقييم علماء اللغة العام- قد اعتمدت على نظام المحاكاة الصوتية (onomatopiea) ثم بعد ذلك بدأت تُسْتبدلُ تدريجياً لتحل محلها ألفاظا أكثر جزالة كلما تقدمت في التوسع رغم أنه لاتزال هناك العديد من اللغات في أيامنا هذه تعتمد على هذا النوع من الألفاظ بنسبة عالية جداً كما هو في بعض اللغات الأفريقية التي تعتمد في لغتها على أسلوب “التمطق” و “الخنخنة” وغيرهها.

وفي نظرية نشأة اللغة البشرية، هناك فرضية تُعرف بـ نظرية “البَوّْ-بو” أو “البَوو-واو” (bow-wow theory)، وهي تقول: “أن اللغة البشرية بدأت من تقليد البشر للأصوات التي يسمعونها في الطبيعة”.

هذه المحاكات الصوتية تمتاز بتصنيفات مختلفة ويطلقها الإنسان في لغته كرموزا اسمية على الأصوات التي تنبعث من الآلات والحيوانات والأصوت الصادرة من الظواهر الطبيعية كأصوات الرعد والأعاصير وتساقط الأمطار -مثلاً- فجميعها تعد من أسماء المحاكاة الصوتية وهي عديدة ومتنوعة في جميع اللغات فمن مسميات اصوات الحيوانات في العربية -مثلا- الخوار والنهيق والصهيل والصفير والزئير والفحيح ، وخرّير (لصوت الماء) ، ونقنقة (لصوت الدجاج) ، وطَنين (لصوت النحل) ، ودويّ (للانفجار) وغيرها.

وهناك بعض الكلمات بدأت كمحاكاة صوتية، ثم تطوّرت واكتسبت استخدامات لغوية أوسع مثل: صوت المطر: “رَشّ” ، صوت الثعبان: “فَسْ” أو “سسسس” ، صوت الريح: “هَسْهَس” أو “وووش. ومن هذه المسميات أيصاً ما تتخاطر وتتلاقى في التقارب في كثير من اللغات العالمية فلنختار على سبيل المثال لا الحصر اللغة الإنجليزية مع العربية: زئير الأسد (roaring) ، وفحيح الثعابين (hissing) ، والصفير (Whistling) ، يرشرش (بالماء) (splash).

ولو سلطنا الأضواء على أحد المسميات لاكتشفنا أنه أكثر الأسماء شهرة في التخاطر والإتفاق على اشتقاق اسمه من صوته في اغلب لغات العالم هو (الطبل) الذي يصدر صوتا واحداً في جميع بقاع العالم بمختلف لغاتها وإن اختلف من حيث النعومة أو الخشونة او درجة الصوت، فهاهي بعض مسمياته في بعض لغات العالم -مثلاً لا حصراّ:

العربية: اشهر مسمياته (طبل)
التركية: (Davul)
الهندية (الأردو): (Dol)
الفارسية: (طبل Tabol)
الإسبانية: (Tambor)
الإنجليزية: (Drum)
الإلمانية: (Trommel)
الفرنسية: (Tambour)
اليونانية: (Timpano)
الإيطالية: (Tambouro)
النيجيرية: (Dundun)
السنيغالية والغامبية: (Tama)
مالي: (Djembe)
زيمبابوي: (Nagoma).

نلاحظ ان جميع اسمائه اشتقت من صوته وهي متقاربة في المسميات وقد اشتركت في أغلب الأصوات مثل (D) او (T) أو ط وكذلك الصوت (M) وكذلك (B) او (P) وأخيرا (R) أو (L). فلو جمعنا هذه الأصوات وفصلناها بأصوات متحركة (علة) (vowel) لأصدرت أصوات عالية مزعجة تشبه أصوات الطبول. وهناك العديد فيما لايتسع ذكرها في هذا المضمار لكي لانغرق في عالم الصوتيات وننسى موضوعنا الرئيسي (تسمية الدمام).

جزيرة حالة زعل

فالدمدمة هي إصدار أصواتاً مدوية أيضاً وفي الأساس هي الأصوات الصادرة من الدمام، والدمام كلمة من كلمات المحاكاة الصوتية (onomatopiea) التي تعني الطبل الكبير الذي يصدر أصواتاً عالية تملأ الرحب وتصل دبدباتها إلى مسافات طويلة وخصوصا إن كانت في الهواء الطلق وقد جاء هذا المسمى كإسم فاعل على وزن فعّال دمَّام (أي طبَّال) لأن هذا الطبل الكبير عندما يقرع سطحه يصدر الصوت الذي اشتق منه اسمه وهو: دِم..دِم..دِم. وقد كان هذا الإسم متداولاً في كثير من دول الخليج ولازال العراقيون يطلقون اسم “الدمام” على الطبل بشكل عام.

قبل قدوم سكان الدمام الحالي كان أهالي القطيف يستغلون مساحة هذه المنطقة للصيد وكمقالع للحجارة ومنطلق للسفر نحو الجنوب الشرقي ومنطقة منارة لهداية السفن وكذلك للمراقبة، فبعد بناء هذه القلعة الذي يقدر بداية انشائها في عام ٩٣٠ هجري تقريبا أصبحت المراقبة من فوق برجها بشكل مستمر على مدار الساعة وهذا يعني أن هذا العمل قائم بنظام التناوب،،،

وعند قدوم السفن الغريبة المريب أمرها فإنه تقرع الطبول المدوية الكبيرة والمعروفة لديهم (بالدمام) لتصل أصواتها إلى القلاع الأخرى باتجاه الشمال عندها يدرك المسؤولون وجود خطر محدق لوجود سفن غريبة قادمة او أمرها مريب فيقولون حينها: (دمدم الدمَّام). وحيث أن العمل على إصدار الدمدمة قائم ومستمر بواسطة القرع على الدمام اي الطبول فقد أصبح إسم الدمام مناط بتلك القلعة فعرفت عند الجميع بقلعة الدمام فأول ما أُطلق إسم الدمام كان على هذه القلعة وعلى الموقع الذي بنيت عليه دون سائر المنطقة فهذا الإسم كان حصرياً لتلك القلعة فقط.

وقد استمر هذا الإسم يُطْلقُ حصرياً على القلعة وموقعها لردح من الزمان حتى قدوم جمع من قبيلة الدواسر الذين قطنوا البحرين وعلى إثر خروجهم منها بسبب نفورهم من تصرفات الإنجليز بعد عزلهم حاكم البحرين الشيخ عيسى بن علي آل خليفة (الأول) وتعيين إبنه حمد بن عيسى بن علي (الأول) حاكما بدلاً منه وكان من جملة ما أوعز الإنجليز للشيخ أحمد بن عيسى هو إخراج الدواسر من البحرين وتهجيرهم إلى أقرب منطقة وقد تم نزع ملكياتهم العقارية – ما أغضب الدواسر – وكانوا من سكان البِدَيِّع فتوجهوا إلى السعودية عام ١٣٤١هـ الموافق ١٩٢٢م وقد اختاروا منطقتي الدمام والخبر للإستقرار فيهما للسكن لخلوهما من السكان وذلك بعد طلب الإذن من الملك عبد العزيز وكانت المجموعة التي توجهت للدمام برئاسة الشيخ أحمد بن عبدالله الدوسري وأما المجموعة التي استقرت في الخبر فكانت برئاسة محمد بن راشد الدوسري.

الشيخ محمد بن راشد العمور الدوسري شيخ الدواسر في مدينة الخبر

لقد وصلوا إلى الدمام (كما وصفها حمد الجاسر في معجمه الجغرافي للمنطقة الشرقية) في قوله عن استيطانهم في الدمام “في عُشر الخمسين من قرن العشرين”. فأين استقر الشيخ أحمد بن عبدالله الدوسري ومجموعته من الدواسر في الدمام؟

استقر الشيخ أحمد ومن معه من الدواسر على جزء صغير من المنطقة الساحلية من الدمام القريبة من القطيف وذلك لسهولة الحصول على المواد الغذائية ومتطلبات الحياة لكونها منطقة زراعية وحضارية ولكونها أول جمرك وميناء في الشرقية ترسو فيها السفن لجلب وتصدير البضائع من مناطق مختلفة من العالم. لذلك فإن الدواسر قد اختاروا بالتحديد الجزء المقابل للقلعة المسماة بالدمام وأصبحوا يشكلون أول لبنة من سكان الدمام الجديد المتمثل في هؤلاء الدواسر فبيوتهم بمحاذاة الشاطئ وبمساعدة اهالي القطيف.

فريق الدواسر بالدمام في بدايته

فمن نافلة القول أن أهالي القطيف هم من قّدَموا تعريف المسمى الحالي لأول من سكنها حين كانوا يطلقون هذا الإسم على القلعة التي بُنيت فوق الحالة في وسط البحر المحاذية للشاطئ والذي كان بناؤها قبل ضم القطيف والأحساء للمملكة بكثير.

في البداية بدأ الجميع منهم بناء بيوتهم من البرستجات والعشش بعد جلب السعف والجذوع وبقية مواد البناء كالجص والأبواب والنوافذ والبوابات (الدروازات) من القطيف بل وإن جميع اساتذة البناء كانوا من القطيف وقراها ومدنها فقد بنوا لهم مختلف من أنواع البيوت مبتدئين من العشيش والمنادب والَكَبر إلى البيوت الجصية المتوسطة والكبيرة الشبيهة بالقصور كما بنوها أيضاً في الظهران والراكة والخبر والثقبة وتوابعهم.

نماذج لبيوت المنادب والكبرات التي بناها القطيفيون في الدمام تحديدا في حي الدواسر وهي على غرار نماذج البيوت البسيطه في بعض الاحياء القطيفية الفقيرة.

لقد استمر هذا الإمداد لبناء بيوتهم التقليدية المحلية المعروفة بالبيوت العربية وذلك بالإستعانة بأساتذة البناء وعمّالها من أهالي القطيف حتى منتصف سبعينات قرن العشرين بعد أن حل نظام بناء الخرسانة المسلح بشكل تام وخصوصاً بعد تأسيس صندوق التنمية العقارية بموجب المرسوم الملكي رقم (م/23) والصادر في تاريخ 1394/06/11 هـ الموافق 1974م حيث اضمحل بعده نظام البناء العربي التقليدي بشكل نهائي تماشياً مع شروط صندوق التنمية في تطبيق بناء البيوت المسلحة الحديثة وقد أزال الكثير منهم تلك البيوت في هذه الفترة لإحلال بيوت مسلحة حديثة بدلا منها ولكن ظلت بعض البيوت كما كانت عليه مع ادخال بعض الترميمات ولعله لازالت القلة من بعضها قائما حتى أيامنا هذه.

بعض المتبقيات من فريق الدواسر بالدمام

حين بدأ بناء بيوت الدواسر فقد فرضت طبيعة الجوار بأن تبنى هذه البيوت لتشكل صفاً واحداً يمتد قبالة البحر وقد تلاصقت البيوت في بعضها كما هو الحال في بيوت القطيف إذ كان هذا البناء على وجه التحديد عند القلعة المعروفة بالدمام ثم تلته صفوف اخرى خلفه وهكذا حتى تكون الحي بشكل كامل والذي عرف فيما بعد (بفريق الدواسر).

ولكن قبل انتشار إسم الدمام وتعميمه دعنا الآن نتتبع كيف تم تعميم مسمى الدمام وانتشاره وكيف انحدر من هذه القلعة الشاهقة الى تلك الجزيرة الصخرية الصغيرة التي تقبع فوقها فانجرف من فوقها كما تنجرف مياة السيل من أعالي الجبال ومن بين جلاميده ليملأ الوديان والشعاب بطموحه الوثاب وهو يسيل منتشراً في أرجاء أرض هذه الحاضرة متنقلاً وشاملا عموم المنطقة الكبري اليوم وهي حاضرة الشرقية اليوم.

أما هذه القلعة بعد فور تنصلها من إسمها الأصلي والذي كست به تلك الأرض المترامية الاطراف من حولها فقد تجلببت بإسم جديد آخر ولم تنضه عنها حتى فترة اندثارها، فما إسمها الجديد؟

قلعة الدمام

من الأمور المُسَلّمة بها والتي تحدث بشكل بديهي فطري هي أنه لابد لأي منطقة يقطنها الإنسان ان يجعل لها معلماً تُعرف به أو رمزاً تسمى به وأنه في البداية لابد أن يكون هناك سر أو سبب ملموس لتلك التسمية، فبعدما اكتمل ذلك الحي السكني وأخذت خدماته تتجه نحو التمام فقد باتت ملامحه تخطوا صوب التمدن العمراني ليصبح سكناً لمجتمع مستقر متنامي فهو الآن حي يخص بعض من قبيلة الدواسر، فعندما يُطْرحُ السؤال بشكل عفوي: أين يقع ذلك الحي؟ فالإجابة يتفق عليها الجميع وبشكل فطري وإن لم يجتمعوا من أجل الإتفاق لوضع تسميتة فإن الجواب سيكون: (الحي عند قلعة الدمام)، وبمرور الزمن يتعمم الإسم إلى الدمام.

وبالفعل فقد انتقل الإسم بعد فترة زمنية من تلك القلعة إلى ذلك الحي وكلما توسع فقد توسع معه المسمى ليشمل كل المنطقة إلى أن أصبح مسمى الدمام يطلق على مدينة حديثة كلما ترامت اطرافها فقد اتسع معها ذلك المسمى حتى لقد نسي الناس بعدها أن إسم الدمام كان خاص بقلعة كانت في يوم من الأيام اسمها الدمام لأنهم كانوا يقرعون فيها الدمام أي الطبول الكبيرة! وما زاد الطين بلة أنه حين تولى أمر تلك القلعة في الأخير الجلاهمة الذين كانوا يترددون على هذه المنطقة منذ زمن بعيد وقد ساعدوا في إعادة بنائها من أجل الإستفادة منها وذلك بعد تعرضها للهدم من قِبَل بعض الغزاة، فبهذا يقول لسان الحال هي قلعة الجلاهمة حيث قام الجلاهمة بترميمها من جديد علماً بأنها رُمِّمت أيضاً في عهد من تبقى من الغزاة الأتراك وهو ابراهيم باشا عام ١٢٣٣هجر الموافق ١٨١٨م.

لقد استقر حولها البعض من قبيلة الجلاهمة الذين وصلوا الشرقية بعد ضم المنطقة للمملكة وهم أحد الفروع الثلاثة الرئيسية التي كوّنت قبيلة العتوب وأما الفرعان الآخران فهما آل صباح وآل خليفة. وبذلك تحَوَّل إسم القلعة من قلعة الدمام إلى قلعة الجلاهمة حتى وقت إزالتها وأما اسمها الأصلي -فكما أشرت بل وكما ترون- أنه قد حلّق لينتقل إلى عالم الشهرة والإنتشار ليظلل على كافة محافظة الدمام اليوم والمعروفة بحاضرة الشرقية بأكملها.

ثمة أسماء أخرى كان لأهالي القطيف التصدر في ريادة تصنيفها وتسمياتها فحين نواصل المسير بمحاذة الساحل شرقاً وهو يميل بنا نحو الجنوب الممتد من سيهات شمالاً إلى الجنوب الشرقي مرورا بالدمام فالراكة التي اتُخِذت في يوم ما كمحطة قوافل لإستراحة المسافرين القادمين من الشمال للوصول لنهاية الساحل الشرقي من طرفه الجنوبي وكملتقى لبيع البضائع على بعض من المتسوقين هناك كما وبإمكان غواصي اللؤلؤ عند نزولهم من سفنهم تلقي بعض الأطعمة كالتمور والحبوب لتزويد سفنهم بما يعرف (بالماچلة).

من هذه المنطقة أثناء مواسم الغوص حيث أن المغاصات (الأهيرة) في تلك الآونة لم تكن حكراً على أصحاب المنطقة وإنما كان قانون أهالي مناطق الخليج المتفق علية هو حرية الإختيار لأي نوخذة خليجي أن يوجه دفة سفينته ليبحر ويغوص في أي منطقة مغاصات شاء في انحاء الخليج قد اِرْتَأَى فيها الخير له ولمن معه من طاقم بحارة السفينة وغواصيها وما توفر في تلك المناطق المختارة من أهيرة المحّار،،،

ولا يخفى على أحد في تلك الآونة أن المنطقة الخليجية المحصورة بين البحرين والقطيف وتوابعها مروراً بالخبر والدمام وحتى الجبيل ورأس تنورة كانت هي أثرى منطقة في الخليج بمواطن مغاصات وأهيرة اللؤلؤ ومحّارها لذلك نلاحظ أنه في سنة الطبعة والمؤرخة بعام ١٣٤٣هجري والموافق ١٩٢٤م (حسب رواية الغواص الناجي من الغرق الشاعر أحمد الصايغ والمعروف بالكوفي من أهالي القطيف) وحين ثار البحر وأغرقت أمواجه سفن غوص اللؤلؤ جميعها ولم ينجُ منهم إلا قلة قليلة فقد عُثر على جثامين العديد من الغرقى في البحر الذي هو في قبالة منطقة القطيف وما جاورها وقد كان الكثير من هؤلاء الغرقى مواطنين من مختلف بلدان الخليج وهذا يدل على شدة إقبال الكثير من أهالي الخليج على الغوص في هذه المنطقة البحرية التي هي بين البحرين والقطيف (كما أشرت).

فتواجد سفن غوص من مختلف مناطق الخليج حول هذه المنطقة هي أيضاً أحد الأسباب التي جعلت هذه البقعة المعروفة بالرّاكة أن تحظى باهتمام كبير ولأن تُنْشأ فيها بعض مخازن وكناديد التمور وجابيات دبسها وقد بُنِيَ فيها بعض الدكاكين والدور والحمامات ماجعلها أن تكون محطة تَوقُّف قصيرة فقد بُنِيَ فيها بعض الملحقات وأُطلِق عليها مسمى الرّاكة!

فلماذا يُطلَقُ عليها مسمى الراكة؟ فما الراكة إذن وماذا تعني في أصل اللغة العربية وماذا تعني في بعض لهجات أهالي الخليج كالقطيف والبحرين؟

الرّاكة هو إسم فعل جاء من الإسم رَكّ فقد اطلقوه عليها ليدل على الاستراحة بشكل عام، كما ويقال أيضاً ركَّ البضائع أي ركمها على بعضها وجسّها ليعرف حجم القيد وهذا كما جاء في المعجم الغني وفي معجم المحيط في اللغة: ويقال (ركّ الدابة في السير أي اجهدها) وهذا يدل على أنها منطقة استراحة بعد الاجهاد.

وفي القطيف والبحرين يقال الدجاجة راكّة أي انها توقفت عن البيض استعداداً للرقود على بيضها السابق لتفقس منه صغارها من الفراخ ويعرفها أصحابها بأنها قد ركت حين تصدر أصواتا معينة بنغمة فيها نوع من الإزعاج فيقال عنها الدجاجة راكّة فهي تكاكي ويعرف صوتها أيضاً بصوت الدندنة عندما تعشش فيقال إنها راقدة على بيضها. هكذا أُطلِق على هذه المنطقة مسمى الراكّة لأنها منطقة استراحة ومنطقة تفريغ البضائع.

ثم بعد ذلك يستمر المسير حتى الوصول إلى نهاية المطاف الساحلي الجنوبي لساحل الخليج الشرقي في السعودية، هذه النهاية عرفها الناس حين أُنشِئت على أرضها أحدث منطقة واكبت متطلبات العصر الحديث ولاسيما أن مقر شركة الزيت (أرامكو) تقع في الجهة الشمالية الغربية منها فشكلت مدينة بمواصفات عصرية حديثة حيث سكنها موظفي وعمال أرامكو من المواطنين وغيرهم من التجار الّذين تمت على أيديهم إنشاء اسواقاً حديثة لموظفي أرامكو من المواطنين والمغتربين الأجانب وغيرهم من السائحين والقادمين من المناطق المجاورة،،،

ولكن مهلا! لايفوتني هنا أن أُذكركم بما سبق القول عنه في أن نواة سكّان الخبر في البداية وهم الفرع الآخر من الدواسر الذين قَدِموا من البحرين عام ١٣٤١هـ الموافق ١٩٢٢م، وكما أشرت انهم انقسموا إلى مجموعتين حيث استقرت المجموعة الكبرى في الدمام وكانت برئاسة الشيخ أحمد بن عبدالله الدوسري وأما المجموعة الثانية فهي التي استقرت في الخبر بريادة محمد بن راشد الدوسري فكانت لهذه المجموعة اليد الطولى في إكمال تشكيل نواة مدينة الخبر التي بُنيت على احدث الأطرزة آن ذاك وبتعاون من شركة أرامكو،،،

وأما البناء في بداية تكوينها فكما هو الحال في الدمام فقد لعب أهالي القطيف ومناطقها دور كبير في بناء المنطقة وتزويدها بما يلزمها من أطعمة ومنتجات زراعية ووسائل مواصلات ومستلزمات الحياة اليومية وعلاجات شعبية وقد استمر ذلك حتى ثمانينات قرن العشرين الماضي وقد كانت هذه المنطقة تعرف عند أهالي القطيف بالخبر قبل أن تكون منطقة سكنية فمنها ينطلق الكثير بسفنهم إلى البحرين كمرفأ يختصرون فيه الإنتقال بدلا من البدء من القطيف.

أما سبب هذه التسمية فقد جاءت من أصل عربي، فمسمى الخبر يعزى أمر مصدره إلى كلمة الخَبر وهي جمع خَبْرة وتعني الغليل أو نقعات المياه البحرية المالحة، والخبار هو ما لان واسترخى من الأرض وتَحَفَّرَ وساخت فيه القوائم والخبار هو الأرض اللينة أو الرخوة أيضاً، فهي من مناقع المياه المعروفة والواحدة منها تعرف بالنقعة وكانت مركز لقلافة وصيانة السفن الخشبية المحلية التقليدية.

لقد بدأت الخبر كمدينة حديثة صغيرة جداً، ثم وصلت إلى ما وصلت إليه الآن من ترامي المساحة فقد امتدت امتداد اخطبوطي من جميع الجهات بالإضافة إلى الأحياء التي تنشأ في وسطها؛ فإلى الغرب مع الميول الشمالي نشأت مدينة العزيزية وحديثاً إلى الشمال نشأ حي العقربية ومن قبل كل ذلك الثقبة الواقعة إلى الغرب منها بالإضافة إلى العديد من الأحياء الحديثة.

مبدأ تسميات المناطق غالباً مايكون مرتبطا نبعه من طبيعة المنطقة نفسها أو من سمة اتسمت بها أرضها أو مناسبة وقعت أحداثها على أرضها أو احيانا تعرف بمسمى القبيلة أو المجتمع الذي يقطن المنطقة أو معلم طبيعي من خلق الله سبحانه أو من تنصيب البشر على أرضها أو بإسم حقل أو بستان قديم وقد يتعرض اسمها للتغيير بسبب ظرف ما ولكن في العادة غالبا ما يظل هذا الإسم مرتبطا بها وبأهلها طالما انها قائمة وأهلها أحياء يرزقون.

المؤرخ الأستاذ عبد الرسول الغريافي

9 تعليقات

  1. توثيق جميل و متعوب عليه يستحق ان يوثق في كتاب. تحياتي لك من القلب اخي العزيز عبد الرسول و لجهودك لتوثيف التراث المنسي.

  2. ثراء في المعلومات ومهمة جدا لحاضر ومستقبل القطيف ااتاريخية قبل أن بتم سلب وتزوير تاريخها ، واتمنى من الكاتب الباحث القدير أن يجمع تراثه في كتاب قبل أن يسرق السارقون تحوير وتشويه ومن ثم اختطاف تاريخ القطيف وتجييره امناطق اخرى فعملية التزوير في التاريخ قديمة.

  3. السيد هاشم السيد محمد الماجد النجار

    ما شاء الله. إجتهدت وأحسنت.
    معلومات ثرية وطرح جميل شيق لا يمله القارئ.

    الله يعطيك الصحة والعافية وتتحفنا بالمزيد

  4. فرج أحمد الامرد

    شكرا حزيلا للاستاذ عبدالرسول الغريافي
    على هذه المعلومات الثرية لتاريخ القطيف
    الحبيبة وفعلا ماكنت اتوقع ان قطيفنا لها
    حدود ممتده وعريقه في مملكتنا الحبيبة

  5. باسم بن عبدالملك الشيخ حسن الخنيزي

    بارك الله فيك أستاذ وخبير وعالم ومؤرخ، بسطت المعلومات بشكل علمي وتاريخي وثقافي وسلسل والأكثر أنه شيق وممتع ويستحق فعلا بأن يكون وثيقه تاريخية وكتاب للجيل الحاضر والمستقبل المشرق، جزاك الله عنا كل خير ووفقك إلى مزيد من الإنتاج الذي يحتاجه الناس لربط الماضي بالحاضر والمستقبل

  6. علي آل فريج

    مقال رائع ثري وفيه توثيق في غاية الاهمية
    ليسد ثغرة تاريخية قد تحدث مستقبلا مع تقادم الاجيال
    بوركت جهودكم في حفظ تاريخ المنطقة
    وجميل لو وثقت هذه الابحاث في كتاب يحفظ استمراريتها
    وانتشارها

  7. مجهود كبير يشكر عليه الكاتب. اتمنى توثيق هذا الجهد في كتاب لحفظ هذه المعلومات للأجيال.

  8. نعم استاذ علي ال فريج سأقتبس نص كلامك “مقال رائع ثري وفيه توثيق في غاية الاهمية
    ليسد ثغرة تاريخية قد تحدث مستقبلا مع تقادم الاجيال
    بوركت جهودكم في حفظ تاريخ المنطقة
    وجميل لو وثقت هذه الابحاث في كتاب يحفظ استمراريتها
    وانتشارها”

  9. أبو احمد العبيدان

    مقال رائع وجميل للأستاذ عبدالرسول الغريافي لكن يا ليت توثق هذه المعلومات في كتيب صغير مع ذكر المصادر حفاظا على تراث المنطقة وبالخصوص القطيف فشكرا لكم

اترك رداً على أبو احمد العبيدان إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *