?What happens the day after humanity creates AGI
(بقلم: الدكتور لويس روزنبرغ – Dr. Louis Rosenberg)
خلال الأسابيع القليلة الماضية، كنت أسأل الأشخاص في دائرة معارفي من محترفي الذكاء الاصطناعي عما إذا كانوا مستعدين نفسيًا وذهنيا لظهور الذكاء الاصطناعي الفائق (الخارق). وغالبًا ما يكتفون بهز أكتافهم ويبدون مخاوف متنوعة: مثل التأثيرات المحتملة على سوق العمل أو تهديد المعلومات المضللة المدعومة بالذكاء الاصطناعي. كما يشيرون إلى الجوانب الإيجابية المحتملة، مثل قدرة الذكاء الفائق على مساعدتنا في علاج الأمراض، وإحداث ثورة في مجال الطاقة النظيفة، وكشف أسرار الكون، وربما حتى تحقيق السلام العالمي.
بعبارة أخرى، لم يفكروا فعليًا في كيف ستكون الحياة في اليوم الذي يصبح فيه الذكاء الاصطناعي العام (AGI) متاحًا على نطاق واسع ويتجاوز قدراتنا الإدراكية. بدءًا من المعرفة والخبرة وصولًا إلى التخطيط، والاستدلال، والإبداع، وحل المشكلات، قد نجد أنفسنا قريبًا عاجزين تمامًا عن مجاراة هذه القدرات. هذا احتمال حقيقي في المستقبل القريب، ولا أحد ممن أعرفهم يواجه بصدق الأثر العميق – (والمحتمل أن يكون محبطًا) – الذي قد يُحدثه ذلك على هويتنا كبشر.
وأنا أوجه هذا النقد لنفسي أيضًا. فقد كنت أكتب عن مخاطر الذكاء الفائق لأكثر من عقد من الزمان، وركزت بدوري على مخاطر تكتيكية محددة مثل مشكلة التلاعب بالذكاء الاصطناعي (AI manipulation problem) ومفارقة وصول وعي الذكاء الاصطناعي بمستوى العقل البشري (‘arrival-mind paradox.’.) وفي الوقت نفسه، فشلت في مواجهة حقيقة ما سيشعر به البشر جماعيًا عندما ندرك أننا فقدنا السيادة الإدراكية (التفوق المعرفي Cognitive Supremacy) على كوكب الأرض، وأننا على الأرجح لن نستعيدها أبدًا.
لا، هذا التصريح الأخير ليس شخصيًا بما فيه الكفاية.
ما فشلت في مواجهته هو كيف ستكون حياتي حقًا عندما أقف بمفردي في مصعد – أنا وهاتفي فقط – ويكون أذكى كائن بيننا هو الهاتف نفسه. عندما تسمح لنفسك بالتفكير في هذا المشهد، تدرك أن الأثر الأكبر على البشرية لن يكون في الاضطراب الوشيك في سوق العمل، ولا في التقنيات الجديدة الخطيرة التي سنستخدمها بلا شك في التلاعب ببعضنا البعض.
لا، إن الأثر الأكبر على الإنسانية سيكون أزمة الهوية التي ستضربنا بقوة وكأنها لكمة روبوتية على الوجه، لتصعقنا بواقع جديد حيث الذكاء الاصطناعي الموجود في جيوبنا (وسرعان ما سيصبح مزروعًا في نظاراتنا أو سماعاتنا أو حتى قلائدنا الذكية) يمكنه أن يحل أي مشكلة نواجهها في حياتنا اليومية، وبسرعة وذكاء وإبداع يفوق قدرتنا نحن البشر.
في هذا الواقع الجديد، سنلجأ بشكل تلقائي إلى الذكاء الاصطناعي طلبًا للنصيحة قبل أن نُتعب أدمغتنا بالتفكير. وفي كثير من الحالات، لن نحتاج حتى إلى السؤال – فالإرشادات ستتدفق مباشرة إلى أعيننا وآذاننا. وذلك لأن الذكاء الاصطناعي في أجهزتنا القابلة للارتداء سيكون مزودًا بكاميرات وميكروفونات مدمجة، ما يتيح له أن يرى ويسمع كل ما نراه ونسمعه، وبذلك يتابع سياق حياتنا بالكامل في الوقت اللحظي. كما سيقوم بتجميع سجل تاريخي لأفعالنا وردود أفعالنا، مما يمكنه من التنبؤ بدقة بسلوكياتنا وعواطفنا في معظم المواقف، ويتوقع احتياجاتنا ورغباتنا قبل أن تظهر حتى في أذهاننا.
بمعنى آخر، سيقدم لك هذا المساعد الافتراضي (المعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي) المدرك للسياق نصائح دون أن تحتاج إلى قول كلمة واحدة. وأنت تسير في الشارع مثلًا، قد يرى الذكاء الاصطناعي محل مجوهرات أمامك ويذكرك بأن ذكرى زواجك العشرين قادمة، وأنك بحاجة لشراء هدية لزوجتك. وسيُساعدك بعد ذلك في اختيار شيء ستعجب به زوجتك، لأن الذكاء الاصطناعي سيكون على معرفة بذوقها أكثر منك. هذا سيغير من نحن، وكيف نعيش، وكيف نتعامل مع الآخرين.
أول مرة كتبت فيها عن التأثير العميق لوكلاء الذكاء الاصطناعي المدركين للسياق على المجتمع كانت في روايتي المصورة “الترقية UPGRADE” عام 2012. أطلقت على هؤلاء الوكلاء اسم “المتحدثون Spokegens” لأنهم كانوا متحدثين افتراضيين يُولّدهم الذكاء الاصطناعي لمساعدتنا وتوجيهنا، بينما يتولون أيضًا مهمة التأثير علينا لصالح مجموعة من الرعاة الذين يدفعون المال لشركات تقنيات الذكاء الاصطناعي. ما لم أدركه في ذلك الوقت هو أن أكبر مخاطر وكلاء الذكاء الاصطناعي المدركين للسياق لا تكمن في التأثير التوجيهي المتعمد.
تخيل أن لديك مساعدًا فائق الذكاء يجلس على كتفك، يراقب حياتك ويهمس بالنصائح في أذنيك. في البداية، سيبدو هذا وكأنه قوة خارقة، لكن مواجهة رقمية كبرى ستتبع ذلك حتمًا عندما ندرك تدريجيًا أن الصوت في آذاننا أذكى من حوارنا الداخلي. ماذا سيحدث عندما نثق في الصوت الذي يصل إلى سماعات الأذن أكثر من الصوت الذي في رؤوسنا؟ أخشى أن نصبح دمى طيعة لمساعدينا الافتراضيين (المعتمدين على تقنيات الذكاء الاصطناعي)، ليس بسبب خطة خبيثة للسيطرة علينا، بل ببساطة لأنهم سيقدمون لنا سيلًا من النصائح يتفوق على كل ما يمكن أن نبتكره بأنفسنا.
أعلم أن العديد من القراء سيعارضون هذا الرأي، وسيصرون على أنهم لن يفضلوا أبدًا صوت الذكاء الاصطناعي في آذانهم على أفكارهم الداخلية الخاصة. وأود أنا أيضًا أن أصدق ذلك، لكني أشك أنني لست الأحمق الوحيد الذي اتبع تعليمات نظام الملاحة جي بي اس (GPS) حتى اوصله في النهاية الى زقاق مظلم، رغم معرفتي أن الأمور ليست على ما يرام.
ونظام الملاحة جي بي اس (GPS) بعيد كل البعد عن الذكاء الفائق؛ فهو مجرد أداة للملاحة تستبدل حاجتك للنظر إلى الخريطة. لكن الاعتماد على ذكاء خارق يمكنه التفوق عليك في التفكير، والتخطيط، والتفاوض، والقيام بكل ذلك بشكل أكثر إبداعًا مما تستطيع أنت فعله على الإطلاق — هذا سيضرب بالتأكيد جوهر ما يعنيه أن تكون إنسانًا. كيف لا يمكن أن يكون ذلك محبطًا؟
نحن نسابق الزمن نحو عصر جديد نفوض فيه القدرات الإدراكية التي تشكل جوهر هويتنا كبشر مفكرين. بعض الخبراء يعتقدون أن ذلك سيجعلنا نشعر بأننا أكثر ذكاءً وقدرة، ويرونه نوعًا من التعزيز، لكن هذا ليس هو المسار الوحيد المحتمل. إن هذا العصر المسمى “العقلية المعززة” قد يجعلنا نشعر بسهولة بأننا أصغر حجمًا، وأقل ثقة، وأقل أهمية. بل قد يصل الأمر إلى تقويض علاقاتنا الشخصية. فعلى سبيل المثال، عندما يقدم لك شريك حياتك هدية، قد تتساءل ما إذا كان الذكاء الاصطناعي الخاص به هو من اختارها لك. بل وقد تتساءل حتى إذا كانت الكلمات التي ينطقها عند تقديم الهدية تعبر عن مشاعره الحقيقية أم أنه يتلقى توجيهًا من الذكاء الاصطناعي المرافق له باستمرار.
شاهد (الفيلم القصير “ضياع الخصوصية PRIVACY LOST” للاطلاع على أمثلة ممتعة):
أطرح هذه المخاوف باعتباري شخصًا قضى كامل مسيرته المهنية في تطوير تقنيات تعزز القدرات البشرية، بدءًا من عملي المبكر في تطوير الواقع المعزز لسلاح الجو الأمريكي قبل عقود، وصولًا إلى عملي الحديث في مجال الذكاء الاصطناعي لتحقيق الذكاء الجمعي الفائق. أنا أؤمن أن التكنولوجيا يمكن أن تعزز من ماهيتنا بشكل عميق، فتوسّع من قدراتنا الجسدية والذهنية بشكل هائل، مع الحفاظ في الوقت ذاته على إنسانيتنا.
للأسف، هناك خط رفيع يزداد ضبابية بين تعزيز ذواتنا وبين تقويضها، أو حتى استبدالها بالكامل. وإذا لم نكن واعين في كيفية نشر هؤلاء المساعدين الافتراضين (المعتمدين على تقنيات الذكاء الاصطناعي) والمدركين للسياق، أخشى أن نتجاوز هذا الخط دون أن نشعر. ومع اقتراب هذا الخطر بسرعة، أناشد الباحثين ورجال الأعمال في مجال الذكاء الاصطناعي أن يفكروا فيما بعد اليوم المصيري الذي ننجح فيه جماعيًا في ابتكار الذكاء الاصطناعي العام، وأن يركزوا على كيف سيكون شعورنا كبشر في اليوم التالي.
تنصل:
هذه الترجمات لا تعكس بالضرورة تأييدًا أو معارضةً للأفكار والآراء الواردة في النصوص الأصلية، بل تهدف إلى إثراء المحتوى العربي بتقديم معارف ووجهات نظر متنوعة من مصادر متعددة مع مراعاة نقل المعنى والسياق بدقة قدر الإمكان. وقد تتضمن هذه المواد رؤى أو معلومات لا تتوافق مع بعض القناعات الشخصية، إلا أن نشرها يأتي كجسر للتواصل الثقافي والفكري وفتح المجال للنقاش الموضوعي في مجالات كالصحة والتقنية والاقتصاد وغيرها. ونأمل أن تسهم هذه الترجمات في توسيع آفاق القارئ العربي وتعزيز الحوار البنّاء حول مختلف القضايا، مع التأكيد على حق كل قارئ في انتقاء الأفكار أو نقدها بوعي واحترام.
المصدر:
https://bigthink.com/the-future/what-happens-the-day-after-humans-create-agi/
