ومضات معرفية من كتاب: قوة تدوين الأفكار: عادة بسيطة لإطلاق قدرات عقلك وإعادة تصور حياتك – ترجمة* عبدالله سلمان العوامي

إسم الكتاب: 
قوة تدوين الأفكار: عادة بسيطة لإطلاق قدرات عقلك وإعادة تصور حياتك
[The Power of Writing It Down: A Simple Habit to Unlock Your Brain and Reimagine Your Life]

تنصل:
هذه الترجمات لا تعكس بالضرورة تأييدًا أو معارضةً للأفكار والآراء الواردة في النصوص الأصلية، بل تهدف إلى إثراء المحتوى العربي بتقديم معارف ووجهات نظر متنوعة من مصادر متعددة مع مراعاة نقل المعنى والسياق بدقة قدر الإمكان. وقد تتضمن هذه المواد رؤى أو معلومات لا تتوافق مع بعض القناعات الشخصية، إلا أن نشرها يأتي كجسر للتواصل الثقافي والفكري وفتح المجال للنقاش الموضوعي في مجالات كالصحة والتقنية والاقتصاد وغيرها. ونأمل أن تسهم هذه الترجمات في توسيع آفاق القارئ العربي وتعزيز الحوار البنّاء حول مختلف القضايا، مع التأكيد على حق كل قارئ في انتقاء الأفكار أو نقدها بوعي واحترام.

تعريف مختصر بالكتاب من شركة أمازون (Amazon):
اكتشف قوة التخلص أخيرًا من الجمود والتحرر من القيود، واكتساب الوضوح، والتحول إلى الشخص الذي ترغب أن تكونه – وكل ذلك من خلال ممارسة بسيطة للعناية الذاتية يمكنك دمجها في روتينك اليومي.
لكل من يحاول فهم حياته، أو يرغب في التحرر من الأنماط التي تعيقه، إليك هذا الخبر الرائع: كل ما تحتاجه لنيل الحرية التي ترغب بها هو في متناول يدك تمامًا. هذه الممارسة والمسار متاحان مجانًا، ويمكنك تطبيقهما كل يوم في حياتك، ولا يحتاجان سوى دقائق قليلة من وقتك، ويمكن لأي شخص القيام بهما.
تغيّرت حياة المؤلفة ومدربة الكتابة والمتحدثة السيدة أليسون فالون (Allison Fallon) عندما اكتشفت قوة ممارسة الكتابة اليومية. فقد تبيّن أن استخدام كلماتك هو من أقوى الوسائل التي تمتلكها لتحرير وفتح آفاق حياتك.
كتاب “قوة تدوين الأفكار” (The Power of Writing It Down) هو دليلك لهذه الأداة التحويلية المتاحة لنا جميعًا. في خمس إلى عشرين دقيقة فقط يوميًا، تُظهر الأبحاث العلمية أن هذه الممارسة اليومية يمكن أن تساعدك على:
• التعرف على الأنماط السلبية في حياتك وخلق مسارات عصبية جديدة تؤدي إلى عادات أفضل
• إيجاد دافع جديد وتحمل مسؤولية زمام حياتك
• الشفاء من آلام الماضي والصدمات
• تخفيف القلق والاكتئاب
• وضع إخفاقات الحياة وإحباطاتها البسيطة في سياقها الصحيح
• عيش حياة أكثر ثقة وتوازناً وصحة
• … والكثير غير ذلك
استنادًا إلى سنوات من تدريب المئات على الكتابة – من المبتدئين إلى مؤلفي الكتب الأكثر مبيعًا في قائمة صحيفة نيويورك تايمز – تشارك السيدة أليسون (Allison Fallon) ممارسات مجرّبة وفعّالة للانطلاق، والحفاظ على الإلهام، واستخدام هذه العادة البسيطة لتغيير مشاعرك وطريقة حضورك في حياتك.
القلم والورقة مجرد وسيلة، لكن المكافأة الحقيقية تكمن في السحر: أعماق جديدة من اكتشاف الذات، والإبداع، والعيش بوعي وهدف.

مؤلفة الكتاب:
السيدة أليسون فالون (Allison Fallon) هي كاتبة أمريكية حائزة على جوائز، ومتحدثة عامة مطلوبة على نطاق واسع، ومدربة كتابة مشهورة على المستوى الوطني في الولايات المتحدة. قامت بتدريب مئات الآلاف من الكتّاب – من مؤلفي الكتب التي تصدرت قائمة صحيفة نيويورك تايمز (New York Times) للأكثر مبيعًا إلى المبتدئين – وساعدتهم في تحقيق حلمهم بنشر كتبهم ووضعها على رفوف المكتبات.
أصدرت السيدة أليسون فالون (Allison Fallon) العديد من الكتب التي لاقت استحسانًا كبيرًا، من أشهرها كتاب “قوة تدوين الأفكار” (The Power of Writing It Down)، والذي يشجع على الكتابة اليومية كأداة للتحول الذاتي وتحسين الصحة النفسية. تُستضاف السيدة فالون بانتظام في المؤتمرات والبرامج التدريبية، وتُعتبر من الأصوات المؤثرة في مجال تطوير مهارات الكتابة الإبداعية والتعبير الشخصي.
تعيش السيدة أليسون فالون (Allison Fallon) في مدينة باسادينا (Pasadena) بولاية كاليفورنيا (California) الأمريكية مع زوجها مات (Matt) وابنتهما نيلا (Nella). تكرّس جزءًا من وقتها للتدريب الفردي والجماعي عبر منصات رقمية، وتشارك خبراتها عبر مقالات ومنشورات في صحف ومجلات مرموقة. عُرفت السيدة أليسون بإسهامها الكبير في تشجيع الأفراد على كتابة قصصهم الحياتية وتجاوز العقبات الشخصية عبر قوة الكلمة المكتوبة.

منصة الوميض** (Blinkist) قامت بتلخيص الكتاب في “ست ومضات” معرفية ومقدمة وخلاصة نهائية، وتعتبر كل ومضة تلخيصا لفصل كامل من الكتاب وهي كالتالي:

مقدمة – استثمر قوة الكلمات
الكلمات لها أهمية جوهرية على أعمق المستويات. فقط تخيّل كيف يمكن للكلمات أن تغيّر كل شيء في لحظة:
• “هي لن تنجو.”
• “تهانينا، إنه ولد!”
• “لا أظن أن هذا الأمر سينجح بعد الآن.”
• “أنا أحبك.”
ولكن كيف نستثمر قوة الكلمات لصالحنا؟ ذلك يكون من خلال الكتابة. عندما ندوّن أفكارنا، ونعبر عن أنفسنا بالكلمات، ونفصح عن أعمق رغباتنا، فإننا نصل إلى الإمكانات التحويلية للغة.
سترشدك هذه الومضات من مواجهة الصفحة البيضاء والتحديق فيها إلى التحكم في زمام قصتك الشخصية، موضحًا كيف يمكن لـ ”تدوينها” أن يساعدك في أن تعيش حياة أكثر إشباعًا وصدقًا.

الومضة الأولى – أنت كاتب
هل سبق لك أن فكرت يوما في نفسك ككاتب؟ قبل أن تقول لا، فكر في هذه الأمور، ومنها: كم عدد رسائل البريد الإلكتروني التي كتبتها اليوم؟ كم عدد الرسائل النصية؟ في عالمنا الحديث، الكتابة ليست اختيارًا. نحن جميعًا نكتب، طوال الوقت. مما يعني أنك، في الواقع، كاتب.

والأهم من ذلك، أنه بإمكانك الوصول إلى شكل خاص من الكتابة يتجاوز التواصل اليومي. يُسمّى هذا النوع “الكتابة التعبيرية”. الكتابة التعبيرية أبسط مما تتخيل. إنها الكتابة التي تساعدك على استكشاف أفكارك ومشاعرك دون القلق بشأن القواعد أو الصياغة المثالية أو النثر المصقول. فكّر بها كمحادثة مع نفسك على الورق، حيث يمكنك أن تكون صادقًا بالكامل وبدون قيود. يمكن أن تساعدك الكتابة التعبيرية على توضيح رغباتك، وربطك بعقلك الباطن، وكشف صوتك الحقيقي. من خلال الكتابة التعبيرية، يمكنك معالجة المشاعر الصعبة، والتعامل مع التحديات، وتحديد أهداف أوضح، أو حتى الشفاء من تجارب الماضي. إن هذا الفعل البسيط المتمثل في وضع الكلمات على الورق يمكن أن يشعل تغييرات عميقة في حياتك.

ولكن لكي تستفيد من هذه القوة، تحتاج إلى الالتزام. إليك كيفية إنشاء ممارسة مستدامة للكتابة التعبيرية:
• أولًا، أنشئ مساحة مادية (مكان) مخصصة للكتابة. لا يجب أن تكون هذه المساحة فاخرة – المهم أن تشعر بأنها مميزة وخاصة بك. جرّب أن تضيف محفزات حسية إلى روتين الكتابة، مثل إشعال شمعة مميزة لا تستخدمها إلا في أوقات الكتابة. هذه الإشارات الحسية تساعد دماغك على فهم أن الوقت قد حان للكتابة.
• ثانيا، خصص وقتًا في جدولك واعتبره التزامًا لا يقبل التأجيل. انظر إلى جدولك بصدق: كم من التزاماتك الحالية تضيف معنى أو مكافأة حقيقية؟ حتى خمس دقائق من الكتابة يوميًا يمكن أن تكون ذات تأثير كبير، وكثيرون يجدون أن الصباح الباكر أو وقت متأخر من الليل هو الأنسب للتركيز دون مقاطعة.
• ثالثا، خصص مساحة ذهنية للكتابة. جرّب هذا التمرين: اجلس في مساحة الكتابة الخاصة بك في الوقت الذي حددته، واكتفِ بمراقبة أفكارك دون أن تكتب شيئًا. يساعدك هذا التمرين على فهم ما تواجهه: وهو نشاط الدماغ الحوفي (limbic brain)، وهو الجزء المسؤول عن المشاعر وردود الفعل الغريزية. هذا الدماغ العاطفي غالبًا ما يولّد ضجيجًا ذهنيًا يشتت انتباهنا، مثل القلق بشأن اليوم القادم، أو استرجاع محادثات سابقة، أو تدوين قوائم مهام عقلية. من خلال الاعتراف بهذه الأفكار أثناء وقت الملاحظة الصامتة، ستفهم حالتك العاطفية بشكل أفضل، ويمكنك الاستفادة منها في كتابتك.

الومضة الثانية – مواجهة الصفحة البيضاء والتحديق فيها
ما هو الشيء الأبيض والمستطيل والمخيف للغاية؟ إنها الصفحة البيضاء. تمنحنا الكتابة مفاتيح التحكم في حياتنا، لكن علينا أولاً أن نبدأ في ممارستها، وغالبًا ما يكون ذلك هو الجزء الأصعب. غالبًا ما تبدو الكلمات الأولى التي تكتبها غير مناسبة تمامًا. ربما تجد نفسك تتراجع قبل أن تتقدم، وتقضي ساعات تعتقد أنها ضاعت هباءً، لكنها في الحقيقة جزء ضروري من العملية.

عندما تبدأ ممارسة الكتابة، ستواجه نوعين من الدراما: خارجية وداخلية. الدراما الخارجية تشمل كل الأمور التي فجأة تطالب انتباهك بمجرد أن تجلس لتكتب – كالبريد الإلكتروني العاجل، أو الصحون المتسخة، أو المكالمة الهاتفية المنسية. والمفارقة أن الكتابة تجعلك أخيرًا تدرك مدى تشتتك طوال الوقت. المفتاح هنا أن تسأل نفسك: هل هذا الأمر أكثر أهمية من كتابتي؟ وإذا كان كذلك، هل يمكنني أن أفعل شيئًا مثمرا حيال ذلك الآن؟ أم أنني أستخدمه فقط كذريعة للتهرب والقلق؟

الدراما الداخلية تنبع من داخلك. إنها تلك المخرب الداخلي الذي يهمس لك: “من تظن نفسك؟” أو “هذا أمر فظيع” في اللحظة التي تواجه فيها الصفحة البيضاء. على عكس المشتتات الخارجية العشوائية، ترتبط هذه الدراما تحديدًا بالكتابة. لكن الجزء المفاجئ هنا: إنها في الواقع علامة جيدة. لقد أدركت “ملكة الدراما” في داخلك أن الصفحة البيضاء هي مساحة آمنة حيث يمكن لمشاعرك الحقيقية أن تتدفق فيها.

السر هو في إدارة مستوى هذا الصوت الداخلي. أحيانًا تحتاج أن تخرج كل ما بداخلك في جلسة كتابة حرة مكثفة: اضبط مؤقتًا لمدة 30 دقيقة واكتب كل ما يخطر ببالك دون أي تعديل. وفي أوقات أخرى، جرب أسلوبًا ألطف: اكتب عن يومك فقط لخمس دقائق، ودع المشاعر تظهر تدريجيًا.

عندما تتعلم كيف تجلس مع كلا النوعين من الدراما، سيحدث أمر رائع. ستتحول تلك الصفحة البيضاء المخيفة إلى حليف لك. ستصبح مساحة يمكنك فيها أخيرًا سماع أفكارك الخاصة، ومعالجة تجاربك، واكتشاف ما تعتقده وتشعر به حقًا. سيهدأ ضجيج الحياة اليومية، ويخف النقد الداخلي، ويظهر صوتك الحقيقي. لذا خذ الخطوة الأولى: أمسك القلم، وافتح دفتر ملاحظاتك، ودع الصفحة تكون بابًا لفهم نفسك بشكل أفضل، لا مصدرًا للخوف. ففي النهاية، الصفحة البيضاء ليست فارغة حقًا؛ إنها مليئة بالفعل بقصصك الكامنة في داخلك والتي تنتظر أن تُروى.

الومضة الثالثة – تساءل وشكك في كل شيء
بمجرد أن تتصالح مع الصفحة البيضاء، ماذا ينبغي عليك أن تكتب فعليًا؟ ابدأ بالأسئلة بدلًا من محاولة إنتاج شيء متقن. فالأسئلة تفتح الأبواب التي غالبًا ما تبقيها التصريحات مغلقة. إنها تدعوك للاستكشاف بدلاً من أن تطالبك بالكمال.
جرب هذه التمارين:
• اكتب عن لحظة غيرتك، ثم اسأل: “ماذا لو سارت الأمور بشكل مختلف؟” غالبًا ما يكشف هذا عن آمال أو مخاوف خفية نحملها.
• أوصف شخصًا يثير فضولك واسأل: “ما الذي أود حقًا معرفته عنه؟” ربما تكتشف أن فضولك تجاه الآخرين يكشف ما يهمك أنت بالذات.
• يمكنك أيضًا استكشاف تحدٍ تواجهه حاليًا بسؤال: “ما هي المشكلة الحقيقية هنا؟” ثم: “كيف سيبدو الأمر لو كان سهلًا؟”
• يمكن للأسئلة أن تساعدك على التعمق أكثر في الفهم، طبقة تلوى الأخرى.

جمال الكتابة القائمة على الأسئلة هو أنها تزيل عنك الضغوط في أن تكون عميقًا أو مثاليًا. فبدلًا من محاولة كتابة القصة الحاسمة عن طفولتك، اسأل: “ما هي أول ذكرى لي عن الشعور بالشجاعة؟” وبدلًا من إجبار نفسك على حل مشكلة ما، اسأل: “ماذا كنت سأفعل لو كنت أعلم أنني لن أفشل؟” دع أسئلتك تقودك إلى الأعماق. فهناك يكمن كنز الذهب الحقيقي، في الاستكشاف وليس في الإجابات.

تذكر، الهدف ليس إنتاج نص متقن مباشرة. الهدف هو فتح أبواب عقلك، اتباع فضولك، ورؤية إلى أين سيقودك. ستتطور أسئلتك أثناء الكتابة، وكل سؤال سيقربك أكثر إلى ما تحتاجه فعلاً لاستكشافه.

الومضة الرابعة – سلاحك السري: محفز اللانهاية
كشفت دراسة رائعة أجريت عام 1994 عن القوة الخفية للكتابة التعبيرية. بعد خسائر غير متوقعة للوظائف، اتبعت مجموعتان من الموظفين ذوي الخبرة الطويلة، وجميعهم يشعرون بالغضب والمرارة واليأس – نهجين مختلفين في الكتابة. المجموعة الأولى كتبت وصفًا جافًا لروتينهم اليومي في العمل. أما المجموعة الثانية، فكتبت بشكل تعبيري عن مشاعرهم، وخططهم التي تغيرت، وآمالهم للمستقبل. وبينما حضر أفراد المجموعتين العدد نفسه من مقابلات العمل، كان الذين مارسوا الكتابة التعبيرية أكثر احتمالًا بنسبة 30% للحصول على عروض عمل. لماذا؟ على الأرجح لأنهم أفرغوا مشاعرهم السلبية عبر الكتابة، ما مكنهم من التركيز بشكل أوضح على مستقبلهم.

تعكس هذه الرؤية ما يحدث في الأساليب العلاجية مثل العلاج السلوكي المعرفي (CBT: Cognitive Behavioral Therapy)، حيث نتعلم فهم وإعادة تشكيل سردياتنا الشخصية. فكما يساعدنا العلاج السلوكي المعرفي على إدراك كيف تؤثر أفكارنا على تجاربنا، تساعدنا الكتابة التعبيرية، خصوصًا من خلال أداة قوية تُسمى محفز اللانهاية، على فهم وتغيير القصص التي نرويها لأنفسنا.

محفز اللانهاية يتكون من خمس أسئلة يمكنك تطبيقها على أي موقف صعب:
1. ما هي الحقائق المجردة لما حدث؟
2. ما هي القصة التي ترويها لنفسك حول تلك الحقائق؟
3. كيف تشعر تجاه الحدث وتجاه تفسيرك له؟
4. كيف تفاعلت أو لم تتفاعل مع تلك المشاعر؟
5. ما هي نتيجة رد فعلك أو اختيارك؟
على سبيل المثال، تخيل أنك تلقيت ملاحظات نقدية في العمل. الحقائق قد تكون: “مديري اقترح ثلاث تحسينات على مشروعي”. لكن القصة التي ترويها لنفسك ربما تكون: “أنا سيئ في عملي والجميع يعرف ذلك”. قد تشمل مشاعرك الخجل والقلق، مما يدفعك إلى الانسحاب وتجنب اجتماعات الفريق، وهو ما يؤدي بدوره إلى المزيد من التغذية الراجحة (التعليقات) السلبية، فيتكرر هذا النمط بلا نهاية.

تكمن قوة هذا المحفز في إدراكك للمكان الذي يمكنك فيه التدخل في هذه الدورة. من خلال فهم الفرق بين الحقائق وتفسيرك لها، بين ما حدث فعلاً وبين القصة التي ترويها لنفسك، يمكنك أن تبدأ في كتابة سرد جديد – سرد يفتح أمامك المزيد من الاحتمالات للمستقبل بدلاً من إبقائك عالقاً في الأنماط القديمة.

الومضة الخامسة – اسرد قصتك بنفسك
تخيّل أنك تشاهد فيلماً تعرف فيه شيئاً لا يعرفه البطل. ترى الصديق يقترب بأخبار سارة بينما يجلس البطل مكتئباً، يظن أن كل شيء قد ضاع. عندما تكتب عن حياتك، يمكنك أن تكون كلاً من البطل الذي يعيش القصة والراوي الذي يرى الصورة الأكبر. قد يكون البطل غارقاً في مشاعر اللحظة، لكن الراوي يستطيع أن يلاحظ الأنماط، ويحدد نقاط التحول، ويفهم المعاني الأعمق التي لم تكن واضحة في حينها.

هذا المنظور المزدوج يمكن أن يمنحك مفاتيح حياتك. فصوت الراوي في داخلك قد يصبح المرشد الحكيم، يساعدك على ملاحظة متى أنت على وشك ارتكاب خطأ متكرر، أو يُظهر لك الفرص التي قد يغفل عنها البطل الذي في داخلك. إنه الصوت الذي يمكنه أن يخبرك إلى أي طريق تتجه عندما تحتاج إلى التوجيه، ويقدّم حلولاً للمشاكل التي تؤرقك، ويذكّرك بأن الأمور ستكون على ما يرام.

ولكن كن حذرًا. ليست كل أصوات الرواة تخدمك جيدًا. احذر من الرواة الزائفين الذين يرددون ببساطة ما يعتقده الآخرون عنك، أو يعيدون سرد قصص سلبية وغير مفيدة اكتسبتها من وسائل الإعلام والمجتمع. صوت الراوي الحقيقي هو الذي يستمد حكمته من خبرتك وتجاربك الشخصية.

صحيح أن الراوي في داخلك لا يستطيع التنبؤ بالنتائج أو التحكم في كل موقف، لكنه يستطيع أن يساعدك في رؤية ظروفك بوضوح أكبر وتحديد ما يمكنك تغييره. جرّب هذه التمارين لتقوية صوت الراوي لديك:
اختر تجربة صعبة مررت بها مؤخراً، واكتب عنها مرتين: أولاً كأنك البطل تعيش الحدث في تلك اللحظة، ثم كأنك الراوي الذي ينظر إلى الوراء. ماذا لاحظ الراوي ولم ينتبه إليه البطل؟ أو جرّب قراءة شيء كتبته في وقت صعب من ماضيك، ودع صوت الراوي يطبق أسئلة الـ (محفز اللانهاية Infinity Prompt):
• ما هي الحقائق الفعلية؟
• ما هي القصة التي كنت ترويها لنفسك حينها؟
• كيف كنت تشعر تجاه كل منهما؟
• ماذا فعلت بتلك المشاعر؟
• وما كانت النتيجة؟
كلما مارست الوصول إلى صوت الراوي في داخلك، أصبحت أفضل في الابتعاد عن المواقف الصعبة، ورؤية الأنماط في سلوكك، وكتابة فصول جديدة من قصتك بوعي وهدف أكبر.

الومضة السادسة – اكتبها كرسالة حب
هل لاحظت يومًا كيف تروي قصة بشكل مختلف حسب من يستمع إليك؟ ربما تشارك نجاحك في العمل بتفاصيل دقيقة مع مرشدك، لكنك تحولها إلى قصة طريفة مع صديقك المقرب. هذا الدافع نفسه – أي تشكيل كلماتنا لمستمع معين – يمكن أن يحول كتابتك التعبيرية من أفكار مبعثرة وتأملات غامضة إلى رحلة قوية لاكتشاف الذات.

عندما تكتب بشكل تعبيري، فإن تخيلك لمتلقي محدد يمكن أن يحول الأفكار المجردة إلى حوار حميمي. وكأنها رسالة حب، يسمح لك هذا الأسلوب بأن تكتب بدفء وصدق وانتباه عميق – سواء كنت تكتب لصديق يفهمك دائماً، أو لنفسك الأصغر سناً التي تحتاج إلى الطمأنينة، أو لنفسك المستقبلية التي تجاوزت الصعوبات.

تنجح هذه التقنية لأنها تمنح كتابتك تركيزًا وحرية في آن واحد. بدلاً من محاولة شرح كل شيء للجميع (أو لا أحد)، أنت تجري حوارًا صادقًا مع شخص يهمك أمره. على سبيل المثال:
• الكتابة إلى مديرك حول مشكلة في العمل قد تساعدك في التعبير عن إنجازاتك واحتياجاتك بشكل أوضح مما تفعله تدوينة يومية غاضبة.
• أما مخاطبة والديك فقد تمكِّنك من فهم اختياراتهم من زاوية أكثر تعاطفًا.
• أما رسالة إلى شريك حياتك فقد تكشف عن مشاعر يصعب عليك البوح بها وجهًا لوجه،
• في حين أن الكتابة لنفسك في سن المراهقة عن التحديات الحالية قد تمنحك راحة وحكمة غير متوقعة.
قد يتغير المتلقي الافتراضي من يوم لآخر. اليوم قد تكتب لابنتك المراهقة عن معنى النضج، وغدًا لوالدتك عن التسامح، والأسبوع القادم لمرشدك عن أحلامك. كل متلقٍ يستخرج جانبًا مختلفًا من صوتك ورؤيتك.

تمامًا كما تكشف رسائل الحب غالبًا عمّا نرغب حقًا في قوله، فإن الكتابة إلى شخص محدد يمكن أن تساعدك في الوصول إلى حقائق ومشاعر أعمق. قد تجد نفسك أكثر صدقًا، وأكثر دقة في التعبير، أو أكثر تعاطفًا مما تكون عليه عندما تكتب “إلى الفراغ”. يصبح المتلقي بمثابة عدسة تساعدك على رؤية أفكارك بوضوح أكبر والتعبير عنها بشكل أكمل. وكأي رسالة حب جيدة، تذكّرنا هذه الطريقة في الكتابة بأن قصصنا مهمة وملهمة لأنها تعني الكثير لشخص ما.

خلاصة نهائية
الخلاصة الأساسية من هذه الومضات هي أن للكلمات قوة هائلة، ونحن جميعًا كتّاب سواء أدركنا ذلك أم لا. من خلال الكتابة التعبيرية – وهي ممارسة تتطلب مساحة خاصة، والتزامًا، وجرأة في مواجهة الصفحة البيضاء – يمكننا أن نفتح أبواب فهم أعمق لأنفسنا وتجاربنا. تقنيات بسيطة مثل طرح الأسئلة، وفحص السرد الذاتي لحياتنا، والكتابة كما لو كنا نخاطب شخصًا محددًا، يمكن أن تحوّل الأفكار المبهمة إلى رؤى قوية تساعدنا على أن نعيش حياة أكثر أصالة ووضوحًا مع الذات.

*تمت الترجمة بتصرف.

**المصدر: منصة الوميض (Blinkist) وهي منصة تقوم بتلخيص الكتب ، ومكتبتها تحتوي على آلاف الكتب ويشترك في هذه المنصة الملايين من القراء.

الأستاذ عبدالله سلمان العوامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *