[ضربة من الأم ولا بوسة من الخالة]
من الأمثال الشعبية الجميلة التي تحمل معاني عميقة من التراث، ويتعلّق بالعاطفة والنية الحقيقية وراء الأفعال. كما أن المثل يؤرّخ لحقبة اجتماعية تختلف عن واقع اليوم في الشأن الأسري.
يقارن هذا المثل قساوة الأم بدافع المحبة في مقابل حنان زائف صادر عن شخص أقل قربًا أو صلة، ليُبرز فكرة أن ليس كل من يعاملك بلين يحبك، ولا كل من يشتد عليك يكرهك. هكذا كانت تقول لي أمي، رحمها الله، كلما رفضتُ قسوة أسلوب تربوي في البيت أو المدرسة. وكنت، من فرط حنانها وصدقها، أقتنع بكل ما تقول، فأؤمن به وأرضى.
وبمعنى موازٍ، يذكّرنا هذا المثل بأن المحبة الحقيقية قد تكون مؤلمة لكنها صادقة، بينما المظاهر الجميلة قد تُخفي فراغًا أو مصلحة. فتودد الشخص أحيانًا يُظهر محبة زائفة، بينما العداوة الصريحة قد تكون أقل ضررًا، وأوضح نية.
من الناحية البلاغية، يتكوّن هذا المثل من عبارة قصيرة ذات إيقاع موسيقي متوازن، ويحمل معنى نفسيًا واجتماعيًا عميقًا. وتكمن بلاغته في المفاضلة المعكوسة: يُفضَّل الفعل المؤلم (الضربة) على الفعل الحنون (البوسة)، لأن النية والمصدر هما الفيصل، لا المظهر الخارجي.
هذا التناقض الظاهري يخلق مفارقة بلاغية قوية تعيد النظر في المفاهيم السائدة عبر رمزيتين عاطفيتين:
• “الأم” ترمز إلى الأصل، والصدق، والحب الحقيقي،
• و”الخالة” ترمز مجازيًا إلى البديل، أو العلاقة غير الأصيلة، أو الحنان المصطنع.
وهذا ما يُحدث صراعًا نفسيًا داخليًا: هل أقبل القسوة الصادقة أم أركن إلى حنان لا أصل له؟
فـ”ضربة من الأم” تشير إلى العقاب أو القسوة الظاهرة الصادرة عن قلب مليء بالحرص والمحبّة،
أما “بوسة من الخالة” فهي تعبير ظاهري عن الود، قد يكون خاليًا من العمق، أو لا ينبع من مسؤولية حقيقية كتلك التي تتحملها الأم.
في منطقة القطيف، تُستخدم كلمة “الخالة” للإشارة إلى زوجة الأب، ولا يقتصر معناها على أخت الأم فقط، كما قد يكون شائعًا أيضًا في مناطق أخرى. وهذا مهم لفهم المثل، فالخالة هنا لا تمثل الحنان الطبيعي المرتبط بالأمومة، بل قد ترمز إلى البديل المفروض، أو العلاقة القسرية التي لا تُضاهي الأصل، خصوصًا في بيئة كان فيها الزواج باثنتين شائعًا ومقبولًا، وإن كان قبوله على مضض. فكأن المثل يقول: إذا كان لا مفرّ من المقارنة، فالصدق الجارح خير من التزييف اللطيف.
ومن الأمثال العربية المشابهة في المعنى والمغزى:
• “ضرب الحبيب مثل أكل الزبيب” – أي أن العقاب من الحبيب لا يُؤلم، لأنه نابع من حب.
• “عصا الوالد ولا نظرة عدو” – تفضيل تأديب الوالد الصادق على ذلّ العدو أو خداعه.
• “الضربة الموجعة أهون من مكر المخادع.”
وقد عبّر المعري عن هذا المعنى بقوله:
لا يَخدعَنّكَ مِنْ عَدُوٍّ دَمْعُهُ
وَارْحَمْ شَبابَكَ من عَدُوٍّ تَرْحَمُ
وهو مماثل لقول المتنبي:
وَمِنَ العَداوَةِ ما يَنَالُكَ نَفْعُهُ
وَمِنَ الصّداقَةِ ما يَضُرّ وَيُؤلِمُ

ما شاءالله ابو حسن ابدعت في شرح المعنى للمثل وتعمقت في معانيه حيث حنان الأم الذي لا يضاهيه شي اخر في الحياة والنقاط المذكوره اصبت بها جمال المعنى من هذا المثل الشعبي والذي يرمز الى عمق العلاقه العاطفيه بين الأم وابنائها او بناتها….شكرا جزيلا لك على اتحافنا والله يحفظك