[رد على تعليق]
… يبدو أنك حدث السن ولم تعايش هذه المباني ويتضح أنك ولدت بعد قدوم الكهرباء إلى منطقتنا…
أنت عاشق للماضي لانك لم تعايش مرارة العيش في ذلك الزمان وإنما تنسجه من الخيال بأنه جميل… ، اسمح لي أن أختلف معك…
لا بأس أخي العزيز… وإليك بعض التوضيح… أنا من مواليد مطلع الستينات الميلادية ، نشأتُ في زمنٍ كانت فيه الحياة أقل صرامة وقسوة (مما اسمعه) ، والعيش مشدودًا بين الضرورة والقناعة ، ورغم أنني كنت أعيش في أسرة ميسورة الحال مقارنة بمن حولنا من الأقارب والجيران.
عام 2017م ، كانت بداية الإهتمام والتوجه لهذا الفن المعماري بالصورة الضوئية ، كانت هذه البيوت القديمة بالنسبة لي ، تاريخ حقيقي ومشاهدات معمارية تستحق دراستها وتوثيقها وتدوين تفاصيلها.
لم تكن الصندقة أو البرستج! أو بيوت الجص والحجر والطين والرماد، ولا الأبواب الخشبية العتيقة، مجرد مأوى لنا، بل كانت هي السياق الذي تشكّلت فيه طفولتنا، ووعينا، ومفاهيمنا الأولى عن الجمال، والكرامة، والانتماء ، والأمان ، والاستقرار…
عايشتُ جيل الآباء في بعض تفاصيلهم اليومية ، في تعبهم الصامت، ورضاهم القنوع، وفي قدرتهم العجيبة على صناعة بيئة متوازنة من امكانات محدودة ومواد بسيطة ، حين أكتب عنهم، وعن بيوتهم، وعن الأزقة والصوابيط الضيقة، والسقوف التي كانت تحمي ولا تُباهي، فأنا لا أمارس نوستالجيا سطحية، ولا أستحضر الماضي بشروط الحنين العاطفي، بل أكتب من موقع الشاهد، ومن رغبة حقيقية في توثيق ما (كان) ، بلغة عصرية بسيطة ، أدبية، وفنية، ومعمارية بحتة ، تتوافق مع رؤية المملكة 2030 ، تحفظ لنا ولأجيالنا تاريخ الذاكرة المعمارية القطيفية! دون زيادة أو تهميش! بعيدة عن التمجيد أو تغييب الحاجة و الألم.
نصوصي أو كتاباتي أو حتى صوري الفوتغرافية ، ليست دعوة للعودة إلى حياة القسوة ، أو دعوة للتشكي والتذمر والتباكي والتحسر والتأفف! بل هي محاولات بعيدة جداً عن كل ذلك السلوك البسيط! ، كتاباتي هي لفهم العلاقة العميقة بين الإنسان ومحيطه ،،،
(كثير من المتابعين أو حتى بعض الأصدقاء! قد يقرأ النص أو الخاطرة! يظن أنني أدعو للرجوع إلى حياة الفقر والتقشف أو تمجيدها!) ، لكن الحقيقة أنني أكتب عن الوعي المعماري الذي كان يُشكّل العمارة التقليدية المحلية بشكل عام ، والسلوك والمكان ، عن الرواشن والجصة والخلوة والحوي ، النقوش والتكوين والفراغ المدروس رغم عفويته،،،
وعن تفاصيل غابت عن وعي المخطط المهندس المعماري ، وبين جمود وقساوة الطابوق ، وصناديق الأسمنت البليدة! أنا أكتب لأنني أخشى على ماتبقى من البيوت القديمة أن تُنسى دلالاتها ورمزياتها وتفاصيلها! لا لأنها صارت أطلالاً و غير صالحة للسكن، بل لأن بها ذاكرة لن تعود! إن انهارت أسقفها وجدرانها!
أكتب لأن في الضوء الداخل من الشمسة والدهليز وفتحات (الرواشن) ، والدرايش ، وفي ظل النخلة والسدرة ، وفي اتساق الألوان مع الجص والحجر والطين والضوء ، درسٌ لا يمكن أن يشرحه الغير متخصص ، أو الرسم الهندسي وحده ،،،
الكتابة عندي فعل حبّ لهذه الأرض وذاكرتها ، فعل انتماء لتاريخ وطن واسع ممتد ومتنوع ، لا فعل تحسّر ، وتباكي ، أو جهل ونكران للماضي! هي وعي بأن للزمن لوناً، ورائحةً ، وصوتاً، وإذا فقدنا هذه الطبقات من الفهم، سنبني جدراناً (بيوتًا) جميلة تتباهى في شكلها، فارغة من مضمونها وروحها.

يا ساحلَ الذكرى، ويا مهدَ الصِبا
يا “القطيفَ” اسمًا في فؤادي قد رَسا
أهفو إلى أيامِك الغرِّ التي
مَرَّت كطيفٍ، حلوةً، ثم انقضى
أتذكرُ البيوتَ الطينيةَ التي
كانت لنا حصنًا من البأسِ الأسا
ورائحةَ النخيلِ في أزقتِها
تُنعشُ روحي كلما فيها مشى
وهمسَ الموجِ على شاطئِ الأمانِ
يُروي حكاياتِ الزمانِ وما مضى
مجالسَ الأهلِ، وقهوتَهم التي
تفوحُ عِطرًا، يُذهبُ الهمَّ والعَنا
أينَ الليالي الساحراتُ بنورِها؟
وأينَ سَمرُ الأصحابِ تحتَ الدُجى؟
تلكَ المراكبُ الشراعيةُ التي
كانت تجوبُ البحرَ سعيًا ورَجا
أحنُّ إلى صوتِ المؤذنِ شامخًا
يُجلجلُ الحقَّ، فيهِ للقلبِ شِفا
وإلى حقولِ الخيرِ خضراءَ النَّدى
تُعطي ثمارًا، بَلسَمًا مُستَعذَبا
يا “القطيفَ” يا حبي الذي لا يزولُ
ذكراكِ في قلبي ستبقى سرمدا
رغمَ التغيرِ الذي طالَ رُبَاكِ
يبقى لكِ في الروحِ عهدٌ قد صَدَقا
كتابة مميزة نابعة من قلبك – عايشت جميع طبقات المجتمع بين الماضي والحاضر وكنت علم من الاعلام ووثقت تراث القطيف تراث الاباء والاجداد وبرزتها للمجتمع واي شخص يتكلم عن التراث يقول لازم نرجع الي صاحب الفن المعماري الاستاذ الفاضل اسماعيل هجلس ..(وأنا من الناس).. لن نستغني عنكم والرجوع اليكم في مناسبات وانا وثتقها في بيتي🇸🇦🇸🇦🇸🇦
انك تبحث عن الفطرة الاصيله حين تتعلق بما في داخلها من حب وحنين رغم تطور الحياة بكل ابجدياتها …ولكن الرجوع الى ذلك الماضي هو أصاله نحتاج ان نوثقها ليس في المحيط فقط ولكن في علاقاتنا معها باسلوب عصري دافئ وحنون كما كانت …اكتب ووثق وتابع كل ذلك الجمال فهناك من يراه من زاوية صغيره وهناك من يراه بأن تكبر هذه الزاويه لتكون بصمة لتاريخ معماري بكل بساطته الذكيه …
وفقك الله
مقال جميل بو مصطفى وجهود موفقة
فعلا هناك فرق بين ان نكون اناسا قابعين في التراث
وبين ان نكون اناسا متفاعلين مع الواقع والمتغيرات ولكن لنا تراث وتاريخ فيه الكثير من الجماليات والفن والصناعة
والثقافة يسجل في ذاكرة الانتماء والحضارة ..
اخي العزير أبو مصطفى لا الوم على من علق على مقال لك سابق فلربما قاسى ما قاسى من قسوة الحياة وربما نظر الى النصف الفارغ من الكاس بعكس نظرتك الى النصف الممتلئ من الكاس والفرق بين الاثنين كبير. وكتابتك عن عمارة القطيف ليست مجرد توثيق لحجارة وطين، بل هي فعل حب، وحنين نقيّ يتجاوز صعوبة الحياة التي عاشها آباؤنا وأجدادنا. واعلم اخي أبو مصطفى ان كتاباتك التوثيقية كتبتها لا للنوح على قسوة الماضي، بل لتنصت لنداء الجدران، وتلتمّس في تضاريس الطين حكمة البسطاء وجمال البقاء. سلمت وسلم قلمك تحياتي لك من القلب.