[رحلة حنين الى قلعة القطيف: المشهد السابع]
“حين كان العيد يطرق الأبواب بلا تكلف…”
في قلعة القطيف، لم يكن العيد مجرّد مناسبة…
كان عودةً للقلوب إلى طمأنينتها،
وكانت الأزقة تعرف متى اقترب،
فالعطر يتسلل من النوافذ،
والنساء يُكثرن من الطرق على الأبواب:
“خبز العيد وصل… تفضّلوا”
الليلة التي تسبق العيد،
هي ليلٌ لا ينام…
الأم تجهّز ثياب الأطفال، تُلصق خرزة زرقاء في جيب الصغير كي لا يُصاب بالحسد،
وتهمس في أذنه:
“سلم على جدّك أول ما تصحى… لا تنسى”
وفي الفجر، حين تُفتح أبواب القلعة،
تخرج الرجال بثيابٍ بيضاء،
والشيوخ يمشون بثقل التاريخ،
والصبية يركضون بينهم كالعصافير.
صلاة العيد.
لحظةُ احتشاد الأرواح،
تكاد تتمايل فيها النخيل مع التكبير،
وتتفتّح فيها القلوب مثل نخل القطيف حين يُقبل عليه المطر.
وبعد الصلاة، تبدأ طقوس السلام.
قبلة على الرأس، دعاء بالرزق،
وكلمة “من العايدين” تُقال من القلب… لا من اللسان فقط.
في براحات القلعة،
يفترشون الأرض، يُقدَّم القهوى،
وتُوزَّع التمور بأنواعها كأنها جوائز السماوات،
ويُفتح باب البيت للضيف قبل أن يُطرق.
الأطفال هم فرح العيد الأكبر.
تدور الدوخة (المرجيحة) بين بيوت الطين،
ويضحكون حتى تدمع أعينهم،
يحمل كلٌّ منهم صرّته الصغيرة: فيها حلوى، وعُملة، وبعض حنّاء يابسة ربطتها الجدة بقطعة قماش.
وحين تغيب الشمس،
لا ينتهي العيد… بل يبدأ من جديد،
تُقام المجالس المسائية،
وتُقرأ القصائد،
ويُذكر من رحلوا… فالعيد لا ينسى من تركوا مقاعدهم خالية.
كان العيد في قلعة القطيف بسيطًا… لكنه عميق،
يمرّ على الجدران، فيُبهجها،
ويمرّ على الأرواح… فيطهرها.
