كيفية تغلب نموذج الذكاء الاصطناعي الصيني الرائد على العقوبات الأمريكية – ترجمة* محمد جواد آل السيد ناصر الخضراوي

How a top Chinese AI model overcame US sanctions
(Caiwei Chen – بقلم: كايوي تشين)

بفضل نموذج استدلال جديد يطابق أداء “تشات جي بي تي أو 1” (ChatGPT o1)، تمكنت شركة “ديب سيك” (DeepSeek) من تحويل القيود إلى ابتكار.

أصبح مجتمع الذكاء الاصطناعي متحمسًا للغاية بشأن الاصدار الأول “آر 1” من تطبيق الذكاء الاصطناعي لشركة “ديب سيك”، وهو نموذج استدلال جديد مفتوح المصدر.

وقد تم تطوير النموذج بواسطة الشركة الناشئة الصينية للذكاء الاصطناعي “ديب سيك”، والتي تدعي أن الاصدار الأول – “آر 1” – يضاهي أو حتى يتفوق على [اصدار] “تشات جي بي تي او 1” من شركة “اوبن ايه آي” في العديد من المعايير الرئيسية ولكنه يعمل بجزء بسيط من التكلفة.

حقوق النشر: ستيفاني أرنيت/ نشرة “مراجعة تقنية” الصادرة عن معهد ماساتشوستس للتقنية | راوبيكسل

ويقول البروفيسور هانتشنغ كاو، الأستاذ المساعد في أنظمة المعلومات بجامعة إيموري [في مدينة اتلانتا بولاية جورجيا]: “قد يكون هذا اختراقًا متساويًا حقًا رائعًا للباحثين والمطورين ذوي الموارد المحدودة، وخاصة أولئك من الجنوب العالمي”.

إن نجاح “ديب سيك” هو أكثر بروزًا، نظرًا للقيود التي تواجه شركات الذكاء الاصطناعي الصينية في شكل زيادة ضوابط التصدير الأمريكية على الرقائق المتطورة. ولكن الأدلة المبكرة تظهر أن هذه التدابير لا تعمل كما هو مقصود. وبدلاً من إضعاف قدرات الذكاء الاصطناعي في الصين، يبدو أن العقوبات تدفع الشركات الناشئة مثل “ديب سيك” إلى الابتكار بطرق تعطي الأولوية للكفاءة وتجميع الموارد والتعاون.

ولإنشاء الاصدار الأول “آر 1″، كان على “ديب سيك” إعادة صياغة عملية التدريب الخاصة بها لتقليل الضغط على وحدات معالجة الرسومات (GPU) الخاصة بها، وهي مجموعة متنوعة أطلقتها شركة “إنفيديا” (Nvidia) للسوق الصينية، والتي يقتصر أداؤها على نصف سرعة منتجاتها الرائدة، وفقًا لـ “زيهان وانغ”، موظف سابق في “ديب سيك” وطالب دكتوراه حالي في علوم الكمبيوتر في جامعة نورث ويسترن [بولاية الينوي].

وقد أشاد الباحثون بالاصدار الأول (آر 1) لشركة “ديب سيك” لقدرته على معالجة مهام التفكير المعقدة، وخاصة في الرياضيات والترميز. ويستخدم النموذج نهج “سلسلة الأفكار” المماثل لذلك المستخدم بواسطة اصدار “تشات جي بي تي او 1″، والذي يسمح له بحل المشكلات من خلال معالجة الاستعلامات خطوة بخطوة.

ويقول ديميتريس بابايلوبولوس، الباحث الرئيسي في مختبر أبحاث “ايه آي فرونتيرز” (AI Frontiers) التابع لشركة مايكروسوفت، إن ما فاجأه أكثر في اصدار “آر 1” هو بساطته الهندسية. ويتابع: “كانت [شركة] ديب سيك يهدف إلى الحصول على إجابات دقيقة بدلاً من تفصيل كل خطوة منطقية، مما أدى إلى تقليل وقت الحوسبة بشكل كبير مع الحفاظ على مستوى عالٍ من الفعالية”.

وأشارت الأمة [الولايات المتحدة الأمريكية] إلى أنها مستعدة للرد بقوة أكبر، بطرق قد تلحق ألماً اقتصادياً خطيراً بأكبر منافس اقتصادي لها.

وأصدرت شركة “ديب سيك” أيضًا ستة إصدارات أصغر من “آر 1″، وهي صغيرة بما يكفي للتشغيل محليًا على أجهزة الكمبيوتر المحمولة. وتزعم أن أحدها يتفوق حتى على اصدار “ميني – 01” (o1-mini) من شركة “اوبن ايه آي” في معايير معينة. “لقد قامت شركة ديب سيك باستنساخ ميني 01 إلى حد كبير وجعلته مفتوح المصدر”، كما غرد أرافيند سرينيفاس الرئيس التنفيذي لشركة بيربليكستي” (Perplexity).

ولم ترد شركة “ديب سيك” على طلب التعليق من نشرة “مراجعة التقنية” الصادرة عن معهد ماساتشوستس للتقنية (MIT Technology Review).

وعلى الرغم من الضجة حول اصدار “آر 1″، تظل شركة “ديب سيك” غير معروفة نسبيًا. فقد تأسست في هانغتشو، الصين، في يوليو 2023 بواسطة ليانغ وينفنغ، خريج جامعة تشجيانغ بخلفية في هندسة المعلومات والإلكترونيات. وتم احتضانها من قبل “هاي-فلاير” (High-Flyer)، وهو صندوق تحوط أسسه ليانغ في عام 2015. وكما سام ألتمان من “اوبن ايه آي”، يهدف ليانغ إلى بناء الذكاء الاصطناعي العام (Artificial General Intelligence – AGI)، وهو شكل من أشكال الذكاء الاصطناعي الذي يمكنه مطابقة أو حتى التغلب على البشر في مجموعة من المهام.

ويتطلب تدريب نماذج اللغة الكبيرة (LLMs) فريقًا من الباحثين المدربين تدريبًا عاليًا وقوة حوسبة كبيرة. وفي مقابلة حديثة مع منفذ الإعلام الصيني “ليت بوست” (LatePost)، قال كاي-فو لي، رجل الأعمال المخضرم والرئيس السابق لشركة “غوغل تشينا” (Google China)، إن “اللاعبين في الصف الأمامي” فقط هم من يشاركون عادةً في بناء نماذج الأساس مثل “تشات جي بي تي”، لأنها كثيفة الموارد [أي تحتاج لموارد بشكل مكثف].

إن الوضع معقد أكثر بسبب ضوابط التصدير الأمريكية على أشباه الموصلات المتقدمة. ومع ذلك، فإن قرار صندوق “هاي-فلاير” بالمغامرة في مجال الذكاء الاصطناعي مرتبط بشكل مباشر بهذه القيود. وقبل فترة طويلة من العقوبات المتوقعة، استحوذ ليانغ على مخزون كبير من رقائق “ايه 100” [التي تصنعها] شركة “إمفيديا”، وهو النوع المحظور الآن من التصدير إلى الصين.

وتقدر وسيلة الإعلام الصينية “36 كي آر” (Kr36) أن الشركة لديها أكثر من 10000 وحدة في المخزون، لكن ديلان باتيل، مؤسس شركة استشارات أبحاث الذكاء الاصطناعي “سيمي أناليسز” (SemiAnalysis)، يقدر أن لديها ما لا يقل عن 50000 وحدة. إن إدراك إمكانات هذا المخزون للتدريب على الذكاء الاصطناعي هو ما دفع ليانغ إلى إنشاء شركة “ديب سيك”، والتي كانت قادرة على استخدامها مع الرقائق ذات الطاقة المنخفضة لتطوير نماذجها.

طفل جديد على الساحة
تهيمن شركات التقنية العملاقة مثل “علي بابا” و”بايت دانس”، فضلاً عن حفنة من الشركات الناشئة ذات المستثمرين الأثرياء، على مجال الذكاء الاصطناعي الصيني، مما يجعل المنافسة صعبة على الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. وشركة مثل “ديب سيك”، التي ليس لديها خطط لجمع الأموال، نادرة.

وقال زيهان وانغ، الموظف السابق في “ديب سيك”، لنشرة “مراجعة التقنية” الصادرة عن معهد ماساتشوستس للتقنية، إنه كان لديه إمكانية الوصول إلى موارد حوسبة وفيرة وكان لديه حرية التجربة عند العمل في الشركة، “وهي رفاهية لن يحصل عليها سوى عدد قليل من الخريجين الجدد في أي شركة”.

وفي مقابلة مع وسيلة الإعلام الصينية “كي آر 36” في يوليو 2024، قال ليانغ إن التحدي الإضافي الذي تواجهه الشركات الصينية بالإضافة إلى عقوبات الرقائق، هو أن تقنيات هندسة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها تميل إلى أن تكون أقل كفاءة. وقال: “يتعين علينا [معظم الشركات الصينية] استهلاك ضعف قوة الحوسبة لتحقيق نفس النتائج. جنبًا إلى جنب مع فجوات كفاءة البيانات، قد يعني هذا الحاجة إلى ما يصل إلى أربعة أضعاف قوة الحوسبة. هدفنا هو سد هذه الفجوات باستمرار”.

ولكن شركة “ديب سيك” وجدت طرقًا لتقليل استخدام الذاكرة وتسريع الحساب دون التضحية بالدقة بشكل كبير. ويقول وانغ: “يحب الفريق تحويل التحدي المتعلق بالأجهزة إلى فرصة للإبداع”.
ويظل ليانغ نفسه منخرطًا بشكل عميق في عملية البحث في شركة “ديب سيك”، حيث يجري التجارب جنبًا إلى جنب مع فريقه. ويقول وانغ: “يتقاسم الفريق بأكمله ثقافة تعاونية وتفانيًا في البحث المتشدد”.

مفتوح للجميع
بالإضافة إلى إعطاء الأولوية للكفاءة، تتبنى الشركات الصينية بشكل متزايد مبادئ المصدر المفتوح. أصدرت شركة “سحابة علي بابا” (Alibaba Cloud) أكثر من 100 نموذج جديد مفتوح المصدر للذكاء الاصطناعي، تدعم 29 لغة وتلبي تطبيقات مختلفة، بما في ذلك الترميز والرياضيات. وعلى نحو مماثل، قامت شركات ناشئة مثل “مينيماكس” (Minimax) و”ايه آي.01″ )01.(AI بفتح نماذجها.

ووفقًا لتقرير أبيض أصدرته العام الماضي [2024] أكاديمية الصين لتقنية المعلومات والاتصالات، وهو معهد بحثي تابع للدولة [الصين]، فقد وصل عدد نماذج الذكاء الاصطناعي ذات اللغات الكبيرة في جميع أنحاء العالم إلى 1328، مع 36٪ منها أصلها في الصين. وهذا يضع الصين في المرتبة الثانية من حيث المساهمة في الذكاء الاصطناعي، بعد الولايات المتحدة.

ويقول البروفيسور توماس تشيتونغ كاو، الأستاذ المساعد لسياسة التقنية في جامعة تافتس[1]: “يتعاطف هذا الجيل من الباحثين الصينيين الشباب بقوة مع ثقافة المصدر المفتوح لأنهم يستفيدون منها كثيرًا”.

ويقول مات شيهان، الباحث في مجال الذكاء الاصطناعي في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: “دفعت ضوابط التصدير الأمريكية الشركات الصينية إلى الزاوية حيث يتعين عليها أن تكون أكثر كفاءة بكثير مع موارد الحوسبة المحدودة لديها”. ويضيف: “من المحتمل أن نشهد الكثير من الدمج في المستقبل فيما يتعلق بنقص الحوسبة”.

وربما بدأ هذا يحدث بالفعل. فقبل أسبوعين، أعلنت “سحابة علي بابا” أنها دخلت في شراكة مع شركة “أيه آي.01” الناشئة في بكين، والتي أسسها كاي-فو لي، لدمج فرق البحث وإنشاء “مختبر نموذج صناعي كبير”.
ويقول البروفيسور كاو، أستاذ جامعة تافتس: “من الطبيعي أن يظهر نوع من تقسيم العمل في صناعة الذكاء الاصطناعي”. ويتابع: “يتطلب التطور السريع للذكاء الاصطناعي المرونة من الشركات الصينية للبقاء على قيد الحياة”.

*تمت الترجمة بتصرف
المصدر:

https://www.technologyreview.com/2025/01/24/1110526/china-deepseek-top-ai-despite-sanctions

الهوامش:
[1] جامعة بحثية خاصة في مدينتي ميدفورد وسومرفيل، بولاية ماساتشوستس، في الولايات المتحدة، مع مرافق إضافية في مدينتي بوسطن وجرافتون، بالإضافة إلى مدينة تالوار في فرنسا. كما يوجد لديها العديد من برامج دكتوراه في العلاج الطبيعي في المدن الأمريكية بوسطن وفينيكس وسياتل. المصدر: ويكيبيديا

المهندس محمد جواد آل السيد ناصر الخضراوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *