وادي الخليج العربي وصلته بمصطلح جنة عدن – بقلم صادق علي القطري

جنة عدن هو مصطلح يستخدم ويعني الحديقة الغناء حيث أشجار الفاكهة والخضرة والماء العذب ، وعدن تستخدم بمعنى الخلود، فجنات عدن تعني جنات الخلود أو جنات الخُلد وبمعنى الحلاوة واللذة والمتعة.

ومصطلح “جنة عدن” ورد ذكرة بعمق في الروايات الدينية والأسطورية والثقافية التي نشأت في كل الأديان السماوية. ففي القران الكريم ورد ذكر جنات عدن حيث قال تعالى “جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّىٰ” (سورة طه آية “76”), وقال في اّية أخرى “جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا” (مريم: 61). وطبقا للكتب السماوية الابراهمية فقد ذكر مصطلح جنات عدن على انها “مكان الخلق الأول حيث خلق الله آدم وحواء”.

لقد وصفت هذه الجنة في الكتب المقدسة، على انها مكانًا يتمتع بجمال ووفرة لا مثيل لهما، وغالبًا ما يُشار إليه على أنه جنة وافرة وإنها الجنة التي أقام فيها اول الخلق، آدم وحواء، قبل نزولهم الى الارض. ومصطلح “عدن” يرتبط في حد ذاته بمفهوم الخلود او البهجة أو السعادة، مما يعزز فكرة الجنة كمكان للنعيم والكمال والخلود. وقصة جنة عدن ليست مجرد رواية دينية ولكنها أيضًا بمثابة قصة رمزية تشرح الانتقال من البراءة إلى معرفة الخطيئة والفناء.

وبالرغم من ان مصطلح جنة عدن غالبًا ما يعتبر عالمًا أسطوريًا أو روحيًا في بعض الاحيان، إلا أن هناك إشارات إلى موقع جغرافي حرفي في حد ذاته، ويعتقد انه يقع في “الهلال الخصيب” وهو جزء من بلاد ما بين النهرين، الذي يشمل أجزاء من العراق والكويت وسوريا الحديثة. والكلمة العبرية المترجمة “عدن” توحي بالمتعة أو البهجة، ولكنها قد تكون مرتبطة أيضًا بالكلمة الأكادية “Edinu”، المشتقة من كلمة “Eden” السومرية، والتي تعني “سهل” أو “سهوب”.

واما في الثقافة السومرية فهناك سرد تاريخي لملحمة جلجامش الذي سعى للحياة الأبدية والخلود. وملحمة جلجامش الاسطورية، هي قصيدة قديمة من بلاد ما بين النهرين، تحكي قصة عميقة وتستكشف الحالة الإنسانية للسعي العالمي للخلود.

بدأت القصة في بحث جلجامش عن الحياة الأبدية بعد وفاة صديقه المقرب إنكيدو، مما غرس فيه خوفًا عميقًا بعد فنائه حيث دفعته هذه الخسارة إلى رحلة محفوفة بالمخاطر للتغلب على الموت والبحث عن الخلود. فأثناء سعي جلجامش، يلتقي بأوتنابيشتيم (وهو اسم النبي نوح في الثقافة السومرية)، الفاني الوحيد الذي منحته الآلهة الحياة الأبدية، والذي ينقل الحقيقة القاسية بأن الخلود ليس مخصصًا للبشر.

وعلى الرغم من هذا الوحي، أُعطي جلجامش اختبارًا للبقاء مستيقظًا لمدة ستة أيام وسبع ليالٍ، لكنه فشل فيه، مما يرمز إلى طبيعة سعيه الذي لا يمكن التغلب عليه. فبالرغم من حصول جلجامش على “نبتة” تعده باستعادة شبابه، ولكن أثناء استراحته، سرقتها ثعبان، مما يوضح عدم جدوى سعيه حيث يؤكد هذا الحدث الدرس القائل بأنه في حين قد يسعى البشر إلى الخلود، إلا أنهم في نهاية المطاف يخضعون لأهواء القدر وهو الفناء.

مصدر الصورة: موقع .ibelieveinsci

وتنتهي الملحمة بقبول جلجامش بحقيقة موته حيث يعود إلى أوروك، ويحافظ على إرثه من خلال كتابة قصة رحلته على جدرانه. وهذه الملحمة هي بمثابة استعارة لنوع الخلود الذي يمكن للبشر تحقيقه وهو العيش من خلال القصص والذكريات التي نتركها وراءنا.

وباختصار، مصطلح “جنة عدن” هو مفهوم متعدد الأوجه تم تفسيره بطرق مختلفة عبر التاريخ، وهو بمثابة رمز للجنة والبراءة والسعادة المطلقة. إنها لا تزال استعارة قوية تتناغم مع رغبة الإنسان في العودة إلى حالة من الانسجام التام.

وبالعودة الى اين تقع اسطورة جنة عدن الاسطورية التي وردت في الكثير من الاساطير القديمة وكذلك بعض الكتب الدينية المقدسة وربما كان تعبير مجازي عن بقعة جغرافية من الأرض كانت تتصف بخضرتها وخصوبة ارضها وكذلك بوفرة المياه والأنهار فيها ومكانا يتمتع بجمال ووفرة لا مثيل لهما وهو ما يشار الية على انه جنة وافرة يرتبط في حد ذاته بمفهوم الخلود او البهجة أو السعادة، مما يعزز فكرة الجنة كمكان للنعيم والكمال والخلود.

فمثلا الوصف المذكور في كتاب الانجيل في تكوين 2:14-8 ربما يكشف عن هذا المكان المجازي ونصة: “وكان نهر يخرج من عدن ليسقي الجنة. ومن هناك انفصل إلى أربعة منابع. اسم الأول بيشون. وهو المحيط بجميع أرض الحويلة حيث الذهب. (وذهب تلك الأرض جيد، ويوجد فيها أيضًا الصمغ والعقيق العطري). واسم النهر الثاني جيحون. وهو المحيط بجميع أرض كوش. واسم النهر الثالث هو دجلة. ويجري على طول الجانب الشرقي من آشور. والنهر الرابع هو الفرات”

وقد استخدم العلماء والباحثون على حدٍ سواء هذه المعلومات لمحاولة تحديد الموقع الدقيق للحديقة حيث استنتجوا أنه بسبب ذكر كوش (إثيوبيا) أو نهري دجلة والفرات، فإن الحديقة ربما كانت تقع في مكان ما بين إثيوبيا والهلال الخصيب في الشرق الأوسط.

وفي مورد اخر، أشار الدكتور جواد علي في كتابه “المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام” (ج1 ص442) إلى أن هومل ذكر أن الفردوس الواردة في التوراة تقع في القسم الشرقي من جزيرة العرب بين “مجان” و “بيت نبسانو” التي هي جزيرة “دلمون” وقد حملت هذه التسمية بعض العلماء على التفكير في أن ما ورد عن جنة عدن في التوراة إنما أريد به هذه المنطقة التي تقع في القسم الشرقي من جزيرة العرب وعلى سواحل الخليج العربي.

بالإضافة الى ذلك، ربما يقصد بها الجنة في الدار الاخرة (وهي اسم لمجموع من الجنان) وتذكر هذه الجنة كونها للمؤمن الذي يكافئه الرب على طاعاته وعمله الصالح والتزامه بتعاليم دينه بجنات تكثر فيها النعم والمسرات. ولهذه الجنان أنواع ودرجات فهناك الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة والفردوس.
كذلك, يعتقد جوريس زارين وهو عالم آثار أمريكي-لاتفي وبروفسور في جامعة ولاية ميسوري الأمريكية ومتخصص في الشرق الأوسط أنه توصل إلى حل اللغز، فقد سافر إلى شبه الجزيرة العربية في عام 1971 لإجراء بحث حول آثار الحضارات القديمة هناك فاكتشف بأن شبه الجزيرة العربية لم تكن على الدوام صحراء قاحلة وإنما كانت تحوي على مياه وافرة جداً على عكس أيامنا هذه، وتشكلت الدلتا من نهري الفرات ودجلة بالقرب من مصبهما وتسمى دلتا وادي الباطن وهي نظام نهري مذهل وضخم يروي المنطقة الشمالية الغربية من شبه الجزيرة العربية ويمضي تدريجيا نحو المنطقة الشمالية الشرقية منها، وهذا أثار اهتمام الباحث زارين لدراسة المنطقة عن كثب.

وأثناء البحث طلب زارين تزويده بصور التقطت من قمر لاند سات الصناعي، ولم يستطع زراين أن يلتقط أنفاسه لدى رؤيته للصور، فقد كشفت الصور عن ما بدا أنه آثار مستحاثيه لنهرين أصبحا جافين الآن ويقعان في وقتنا الحاضر في كل من أراضي المملكة العربية السعودية وإيران، وهذا يتطابق مع آثار ما ورد ذكره في النص التوراتي؟، حيث يتحدث التوراة عن اربعة أنهار تلتقي عند المنبع لكن زارين يعتقد أنها كانت تلتقي عند المصب في منطقة قريبة من نهري دجلة والفرات اللذان يصبان الآن في الخليج العربي.

يقول زارين:”مع أنهما لا يلتقيان الآن إلا أنهما ألتقيا مرة في الماضي لما كان مستوى البحر منخفضاً وذلك في 6000 إلى 7000 سنة قبل الميلاد. لذلك أقترح أن الموقع كان في المنطقة التي التقت فيها الأنهار الأربعة”.

مصدر الصورة: https://ar.wikipedia.org

ففي عام 600 قبل الميلاد كان مستوى البحر أقل بمقدار 500 قدم (145 متراً) من مستواه الحالي وكان الخليج العربي وادياً ضحلاً مع أربعة أنهار تجري باتجاه البحر وتشكل نهراً واحداً يجري في هذا الوادي الخصيب الذي ربما كان هو الذي ورد في النص التوراتي، حيث يطلق علماء الآثار على تلك الفترة اسم العصر الحجري الجديد (Neolithic) والتي شهدت استخدام الإنسان القديم للأدوات وهي تأتي في أواخر العصر الحجري حيث كان البشر في حينها يعتمدون على الصيد بشكل جماعات لكن أمراً ما تغير بشكل كبير وهو بداية معرفة الإنسان للزراعة التي تعود أول آثارها إلى 6000 سنة قبل الميلاد.

وهذه هي نفس الفترة التي كانت تجري فيها الأنهار الأربعة، ووفقاً للنص التوراتي لم يكن بوسع آدم وحواء مجالاً للعودة إلى الجنة بسبب خطيئتهما، لكن العلم يقترح سبباً ملموساً أكثر وموجود أيضاً في التوراة وهو حدوث فيضان كارثي في المنطقة، ففي حوالي 7800 قبل الميلاد انتهى العصر الجليدي وأصبح الجليد يتكسر ويبدأ بالذوبان بسبب حالة الدفء، ويتحول الجليد إلى ماء والماء يصب في البحر، تدفق الماء يزيد من مستوى البحر.

يقول زارين:”في معظم المناطق يستغرق ارتفاع منسوب البحر سنوات لكنه سيحدث فجأة في واد محاط بالسلاسل الجبلية كما هو الحال في الخليج العربي، ارتفاع منسوب المياه سيؤدي إلى تدفقها من الممرات الجبلية وتسقط كالشلال العظيم في الوادي الخصيب مدمرة كل شيء في طريقها، إن الأدلة الجيولوجية على حدوث تلك الكارثة موجودة ليس فقط في الخليج العربي بل أيضاً في البحر الأسود في تركيا فهناك أيضاً أخرى من حقبة العصر الحجري الجديد (Neolithic) كما حدث مع طوفان نوح، سجلت ذاكرة البشر ذلك الفيضان الكارثي من خلال التاريخ الشفوي ليصبح بعدها جزءاً من القصة السومرية عن الطوفان الكبير في ملحمة جلجامش الأسطورية أو أسطورة أتلانتس المفقود (الأرض الغارقة) في الميثولوجيا الإغريقية”.

وفي الختام، مصطلح جنة عدن، هو مفهوم متجذر بعمق في التقاليد الإبراهيمية، وموضوعًا لقصص الاساطير والتكهنات لعدة قرون. سواء أكان ذلك موقعًا ماديًا يمكن اكتشافه أو عالمًا أسطوريًا موجودًا خارج العالم الملموس، فإن جنة عدن تستمر في أسر الخيال البشري.

تتراوح النظريات حول موقع الحديقة من نهري دجلة والفرات في بلاد ما بين النهرين إلى قلب أفريقيا، وحتى فكرة أنها تقع خارج عالمنا المعروف، في مساحة أسطورية في الأفق الشرقي. وعلى الرغم من هذه الفرضيات المتنوعة، فإن البحث عن موقع محدد لا يزال بعيد المنال، حيث ينظر الكثيرون إلى جنة عدن على أنها أكثر من مجرد موقع جغرافي – فهي رمز للبراءة والنعيم والحالة الإنسانية قبل السقوط من النعمة.

إن رواية جنة عدن ليست مجرد قصة من الماضي ولكنها أيضًا انعكاس للقيم الثقافية والروحية. إنه يجسد الشوق إلى الجنة المفقودة، المدينة الفاضلة الموجودة في اللاوعي الجماعي كمصدر نهائي للوفرة والانسجام حيث لا يقتصر هذا الشوق على المعتقدات الدينية، بل يمتد إلى شوق الإنسان إلى العودة إلى حالة الكمال والوحدة مع الطبيعة.

في سياق الأساطير، تعتبر جنة عدن بمثابة مرآة لتركيبتنا الثقافية والنفسية. إنها قصة تتجاوز التفسير الحرفي، وتقدم نظرة ثاقبة لطبيعة ثقافتنا، والأيديولوجيات التي تشكل وجهات نظرنا العالمية، والمعرفة الثنائية التي قادت البشرية إلى طريق الانقسام والانفصال عن العالم الطبيعي.

وبالتالي فإن أسطورة جنة عدن ليست مجرد لغز تاريخي أو جغرافي يجب حله. بل إنها رواية عميقة تتحدانا للتفكير في أصولنا وقيمنا ومصيرنا. سواء كانت مكانًا حقيقيًا ازدهر ذات يوم على الأرض أو كمشهد طبيعي أسطوري موجود في العالم الروحي، تظل جنة عدن رمزًا قويًا لبحث الإنسان عن المعنى، ومكان المنشأ والعودة المحتملة، وتذكيرًا بالتاريخ.

الجنة التي ربما لا تزال أمامنا، إذا اخترنا رؤيتها. إن جنة عدن، سواء كانت حقيقة أم أسطورة، تمثل نسيجًا معقدًا من الفكر والمعتقد الإنساني. وتشير جاذبيتها الدائمة إلى أنها تحمل حقيقة تاريخية ومجازية، وتدعو كل جيل إلى استكشاف أعماقها واكتشاف أهميتها في رحلتهم عبر الحياة.

المهنس صادق علي القطري

المصادر:
• https://www.sciencedaily.com/releases/2010/12/101208151609.htm
• https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AC%D9%86%D8%A7%D8%AA_%D8%B9%D8%AF%D9%86
• https://www.journals.uchicago.edu/doi/abs/10.1086/657397
• https://www.qatifscience.com/?p=22191
• https://www.qatifscience.com/?p=22024
• https://www.qatifscience.com/?p=21916
• https://www.qatifscience.com/?p=19137
• https://www.qatifscience.com/?p=19168
• https://www.qatifscience.com/?p=19174
• https://www.qatifscience.com/?p=19312
• https://jehat.net/?act=artc&id=104266
• https://jehat.net/?act=artc&id=103264
• https://reasons.org/explore/publications/articles/lost-civilization-beneath-the-persian-gulf-confirms-genesis-history-of-humanity
• https://www.livescience.com/10340-lost-civilization-existed-beneath-persian-gulf.html
• https://gizmodo.com/a-75-000-year-old-human-settlement-may-lurk-beneath-the-5710957
• https://archaeologymysteries.com/2019/02/11/sea-level-rise-and-its-impact-on-human-civilization/
• https://blogs.baruch.cuny.edu/ux13b/2010/09/21/genesis-and-gilgamesh-comparison/#:~:text=use%20of%20a%20female%20figure%20as%20the%20cause%20of%20enlightenment%20between%20good%20and%20evil
• https://www.asa3.org/ASA/PSCF/2000/PSCF3-00Hill.html
• https://www.biblestudytools.com/bible-study/topical-studies/where-is-the-garden-of-eden.html
• https://answersingenesis.org/genesis/garden-of-eden/where-was-the-garden-of-eden-located/

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *