[دزني باطيح] ملامح الشخصية القطيفية في فلكلور الأمثال الشعبية (7) – بقلم علي عبد المحسن الجشي

{دزني باطيح}

مثلٌ لطيفٌ خفيفٌ لا يخلو من طرفة وتفكه وخاصة بطريقة قوله اللينة، فهو من الأمثال التي ترسِم عند سماعها صورة تخيلية. وأنتَ تقرأُ هذا المثل الآن لا بد أنك ترى صورة لأحد تم دفعه وهو في حركته آيلٌ للسقوط، وهذا منظر، ولو فيه شيء من الاستياء، مثيرٌ للدهشة والعواطف.

وكلمة دزَ في اللغة الدارجة المحلية تعني دفع ، والفعل منها دزَ، يدزُ، دزْ، والاسم دزة، وربما قُصِد بها الدفع الغير قوي فيقال “لا تدزني أي لا تدفعني“، ويُقال “مدازز” أي تدافع غير عنيف. ولم يذكر لسان العرب معنَا لكلمة “دز”، لكنه ذكر كلمة “دعز” وعرفها بمعنى الدَّفْع.

كما إن كلمة الدز تُستخدم مجازًا بمعنى العطاء فيقال “دزه بكم ريال” أي أعطه شيئًا من النقود” لينجز عملك، ويقال أيضًا “أدهن سيره” و “ما يُخدم بخيل“.

والطيح يعني الوقوع أو السقوط، ويقال “طايح حظ” أي ليس بفالح أو يعوزه التوفيق، وهي أيضًا عبارة دعابية فيها مُزاح وتستخدم في حدودها بسبب امتعاض من شيء ما. ويقال “طايح فيه طيح” لمن انهمك في الاستفادة من شيء كقولهم على سبيل المثال طايح في أكل الرمان.

وهناك قول آخر يتقارب في مقصده مع “دزني باطيح“، وهو قولهم “يبغى أدناة العلفة” أي ينتظر أقل وابسط حجة كي يغير أو يتخذ موقف لا يناسب الطرف الآخر أو ليتنصل من عهدٍ عهده أو موعد وافق عليه.

والفاء في كلمة العلفة ثاء وأُبدلت فاء وذلك لأن أهل القطيف في الأصل يستخدمون الفاء في محل الثاء في كثير من الكلمات فهي إذن بالفصحى المتعارف عليها في هذا الزمن علثة.

فمن الواضح إن علفة إبدال لعلثة من علث: وعَلَثَ الشيءَ يَعْلِثُه عَلْثاً، وعَلَّثه، واعْتَلَثَه: خَلَطَه. والمُعْتَلِثُ مِنَ السِّهَامِ: الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ. ورجلٌ عَلِثٌ: مُلازم لِمَنْ يُطالِبُ فِي قِتَالٍ أَو غَيْرِهِ وفي تعبيرنا المحلي “لزقة”. والعَلَثُ، بِالتَّحْرِيكِ: شِدَّة الْقِتَالِ، واللزومُ لَهُ، بِالْعَيْنِ وَالْغَيْنِ جَمِيعًا. وعَلِثَ الذئبُ بِالْغَنَمِ: لَزِمَها يَفْرِسُها. وعَلِثَ القومُ عَلَثاً: تَقاتَلُوا. وعَلِثَ بعضُ الْقَوْمِ بِبَعْضٍ. ورجلٌ عَلِثٌ: ثَبْثٌ فِي الْقِتَالِ.

وفي إبدال الحروف قالوا: هي فروغ الدلو وثروغها (لمصبّ مائها)، فالثاء إذن بدل من الفاء لأنه من التفريغ. والنُّكاث والنُّكاف من هذا الإبدال. وأُبدلت الثاء من الفاء في كلمات منها: لِثام ولفام، وفوم وثوم، وجدف وجدث، وجفل وجثل.

قال أبو الطيب اللغوي: وتبدل الثاء من أربعة عشر حرفاً هي: الجيم والحاء والخاء والدال والذال والراء والسين والشين والصاد والضاد والفاء والكاف والميم والياء، من غير اختلاف في معنى الكلمة التي يجري عليها الإبدال.

وفي استخدام آخر لكلمة “دز” يقال “الدز من المز والقوة من العافية” أي إن الكسب يأتي من العطاء والقوة البدنية تأتي من الصحة”.

والمِزُّ، بِالْكَسْرِ: القَدْرُ. والمِزُّ: الْفَضْلُ، وَالْمَعْنَيَانِ مُقْتَرِبَانِ. وشيءٌ مِزٌّ ومَزِيزٌ وأَمَزُّ أَي فَاضِلٌ. وَقَدْ مَزَّ يَمَزُّ مَزازَةً ومَزَّزَه: رأَى له فضلًا.أَو قَدْراً. ومَزَّزَه بِذَلِكَ الأَمر: فَضَّلَهُ؛ قَالَ الْمُتَنَخِّلُ الْهُذَلِيُّ:

لَكَانَ أُسْوَةَ حَجَّاجٍ وإِخْوَتِهِ … فِي جُهْدِنا، وَلَهُ شَفٌّ وتَمْزِيز

وَيُقَالُ: هَذَا شيءٌ لَهُ مِزٌّ عَلَى هَذَا أَي فَضْلٌ. وَهَذَا أَمَزُّ مِنْ هَذَا أَي أَفضل. وَهَذَا لَهُ عليَّ مِزٌّ أَي فَضْلٌ. وَفِي حَدِيثِ النَّخَعِيِّ: إِذا كَانَ الْمَالُ ذَا مِزٍّ فَفَرِّقْه فِي الأَصناف الثَّمَانِيَةِ، وإِذا كَانَ قَلِيلًا فَأَعْطِه صِنْفًا وَاحِدًا.

ومضرب المثل “دزني باطيح” إن هناك من عنده جهوزية واستعداد ذاتي وينتظر سبب ما لا يكون عادة منطقي ولا يكون كافٍ وربما ليس له علاقة ليتنصل من عهد عهده على نفسه أو ليرفض شيئًا لا مبرر منطقي لرفضه أو لعمل عملًا غير مناسب. وربما من السهل ملاحظة هذا النمط من السلوك في تصرفات البعض ممن يفقدون مصداقيتهم عند الآخرين مع تكرار هم لهذا التصرف كونه يرسم تصورًا عن شخصياتهم لا يكسبهم موثوقية، فيكون ممن ينطبق عليه القول: “كلمة توديه وكلمة تجيبه“، فيكون في “في مهب الريح“.

من تعاليمه لكميل ابن زياد النخعي، يقول الإمام علي عليه السلام: يا كُمَيلُ بنَ زيادٍ، إنَّ هذه القلوبَ أَوْعيةٌ، وخيرَها أَوْعاها للعلمِ، احفَظْ عنِّي ما أقولُ لكَ، الناسُ ثلاثةٌ: عالمٌ رَبَّانيٌّ، ومتعلِّمٌ على سبيلِ نجاةٍ، وهمَجٌ رَعاعٌ أتباعُ كلِّ ناعقٍ، يميلونَ مع كلِّ ريحٍ، لم يستضيئوا بنورِ العلمِ، ولم يَلْجؤوا إلى ركنٍ وثيقٍ.

قال أخي ميرزا مهدي العلوان، أبو ميثم ذات مرة في حديثِ عابر معبرًا عن موقف تجاه حدث تعبيرًا عفويًا: “ما يندز إلا المتوقل” وهو قولٌ يتناغم مع مثلنا الدارج، وبعفويته يصبحُ هذا التعبير مثلًا قطيفيًا بامتياز ولميرزا على هذا الأبداع حق الملكية لفكرته وبراءة تأليفه.

وما قُصِد من معنى في هذه الأمثال والأقوال إن الإنسان الثابت والمؤمن بما يعتقده أو يعمله ليس من السهل أن يتبدل ويتلون بمجرد تعرضه لمؤثر بسيط أو طارئ بل يتريث ليتخذ القرار السليم في الوقت المناسب.

وتوقل، على وزن تغول وتوجل، وتعني: جلس واضعًا باطن قدميه عل الأرض لا يلامسها غيرهما، ومستقيم الظهر بميل بسيط إلى الأمام، وحامل كل جسمه عليهما، وهي جلسة غير مفضلة صحيًا إذا طال بها الوقت، وهذا الوضع لا يعطي صاحبه القدرة على التوازن عندما يتعرض لدزة وربما حتى لو كانت خفيفة، وكذلك هي المبادئ. قال لسان الدين أبن الخطيب:

«أَبَـا ثَـابِـتٍ» كُـنْ فِي الشَّدَائِدِ ثَابِتَا…أُعِـيـذُكَ أَنْ يُـلْـفَـى عَـدُوُّكَ شَـامِـتَـا

المهندس علي عبد المحسن الجشي

3 تعليقات

  1. علي حسن المسعود

    وفيه مثل قريب من المعنى وهو طير على سعفه…اي انه غير ثابت في موقفه وقد ينسحب ايضا معنى مهزوز الموقف…جميل جدا تناولك لامثال ونفض الغبار عنها على الأقل للأجيال الجديده ومعرفة معانيها…تسلم ابو حسن…الله يحفظكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *