العلم يطابق أحداث موسى مع التفسير – د. محمد حسين آل هويدي

بسم الله الرحمن الرحيم: إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا «1» وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا «2» وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا «3» يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا «4» بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا «5» يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ «6» فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ «7» وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ «8» صدق الله العلي العظيم – الزلزلة.

على عكس الجهل، لا يعتمد العلم على التفسيرات الأسطورية وخوارق الطبيعة، ويرى لكل شيء تفسير، قد نجهله اليوم، ولكن ربما يكتشفه أهل المستقبل.

في السابق، عزا الناس أمراض الصرع والفصام إلى تلبس الجن. ولكن اليوم، توصل العلم أن الأمر يتعلق بخلل في الدماغ يمكن مكافحته بالأدوية أو العمليات الجراحية. ولا أظن بأن الجن ستستجيب إلى أدوية أو جراحة، كونها خارج إدراكنا وعلمنا المادي.

للوصول إلى نتائج مقبولة، لم يعد العلم يعتمد على تخصص واحد فقط. زمن التخصص الأوحد -الذي يتدخل في كل شيء وعنده إجابة لكل شيء- لحل أي مسألة قد ولَّى، وهذا أمر لا يستوعبه أهل الأهواء لأنهم أساسا لا يعرفون كيف تتداخل التخصصات فيما بعدها، ومن الصعوبة جدا أن تشرح لهم لأنهم لا يرتكزون على مبدأ علمي في الأساس. والناس في حيص بيص لأن دماغ الإنسان كسول، فيأخذ النتائج ممن يثق فيهم، أو على حسب الأمنيات، لا من أهل العلم. والعلم ليس بحاجة لثقة. العلم بحاجة إلى برهان (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).

اشترك عديد من العلماء ذوي التخصصات المختلفة، ومن مختلف الدول، لدراسة أوضاع الفراعنة لإسقاط قصة موسى على تلك الابتلاءات التي أصابت آل فرعون. وتطلبت هذه الأبحاث متخصصين في علوم المصريات القديمة (Egyptology)، هندسة الميكانيكا (mechanical engineering)، علم الزلازل (seismology)، علم البراكين (volcanology)، علم الجيولوجيا (geology)، علم الأحافير (archeology)، علم الفيزياء (physics)، علم الرياضيات (mathematics)، علم الحوسبة (computer science)، وعلم دراسة النصوص القديمة (Paleography). ولا نريد الدخول في تفاصيل تضافر هذه العلوم للكشف عن أسرار مضت من أكثر من 3500 سنة. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3 – البقرة). بعض التفاصيل موجودة مع المراجع المذكورة في الهامش.

في عام 1646 قبل الميلاد (ما يقارب 3700 سنة خلت) انفجر أضخم بركان شهدته البشرية في جزيرة ثيرا (Thera) والتي تسمى حاليا سانتوريني (Santorini) ، التابعة لجزر اليونان المتناثرة في البحر الأبيض المتوسط (طالع الخريطة). الانفجار لم يكن مزحة. وأثر على محيطه، ووصل شعاع أثره إلى مصر السفلى (الدلتا – شمال مصر).

“فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ” (133 – الأعراف).

“كريستين رومي” تناقش الطوفان الذي أحدثه البركان في ناشيونال جيوغرافيك (Romey, 2021).

ما قصة الدم؟ عندما نفث البركان أحماضه الكبريتية، وقعت في نهر النيل، وتفاعل معها، فانقلب لون النيل إلى لون الدم الأحمر (هذا ممكن إعادة تجربته). وبسبب ارتفاع نسبة الحموضة في النيل، ماتت الأسماك. ثم هربت الضفادع منه لأنه لم يعد صالحا لحياتها. فانتشرت الضفادع في كل مكان، لدرجة أنها دخلت البيوت تبحث عن مأوى جديد وماء نظيف. ثم نفقت.

أثناء هذه الكارثة، وبسبب الحيوانات النافقة التي ماتت على الأثر، انتشر الذباب والبعوض، حتى انتقلت الأمراض بصورة متسارعة، ومنها الطاعون والملاريا. القمل، مثله مثل البراغيث، ينقل الطاعون من القوارض -التي هاجت حينها- إلى الإنسان . (Welford & Bossak, 2010).

ما قصة الجراد؟ لبيض الجراد قدرة عجيبة للتعايش مع الجفاف لمدد طويلة جدا. انظر (Duncan, 2021). بسبب التغيرات المناخية المفاجئة، سقطت أمطار في أماكن جافة تختزن بيوض الجراد، ففقست وهاجت على محاصيل الفراعنة. الجوع كافر، والجرادة الواحدة تأكل طعاما بحجم كتلتها يوميا. ونفس النوع من غزو الجراد، وبهذا الحجم، ولنفس الأسباب، غزا كينيا في ديسمبر 2019م . راجع (Njagi, 2020).

لماذا مات الأولاد الأبكار؟ في بعض الأوقات؛ خصوصا حينما لا تكون البيئة صحية، يصيب القمحَ مرضٌ بسبب بعض الفطريات التي لا ترى بالعين المجردة. هذه الفطريات سامة، وتقتل من يأكلها. طالع (Simón, Börner, & Struik, 2021). في التقاليد الفرعونية القديمة، وفي حال القحط، يُقَدَّمُ الطعام الأساسي (العيش) للأولاد الأبكار على حساب إخوانهم وباقي أفراد العائلة. ولذلك، تم تقديم الخبز لهم ولم يذقه الباقون. فمات الأبكار وبقي الآخرون. وجد علماء الآثار المصرية مقابر جماعية، دُفن في القبر الواحد أكثر من جثة. وهذا يدل على كثرة عدد الموتى في اليوم الواحد. طالع (Miniaci, 2019).

نعود الآن لقصة موسى (ع). حسب ما وصل إلينا من تواريخ، عاش موسى (ع) بين عامي 1391 و 1271 قبل الميلاد. وهذا التاريخ لا يتناسب مع تاريخ انفجار البركان. من خلال علم الأحافير، قد يخطئ تحديد تاريخ الانفجار بثلاثة عشر سنة، كحد أقصى. من خلال التاريخ الذي وصل لنا عبر الأفواه، أي عن حياة موسى، قد يكون هناك خطأ في هذا التأريخ لأنه لم يتم تدوين الحدث في سفر الخروج إلا عام 600 قبل الميلاد.

بعض العلماء الذين درسوا الحادثة يقولون بأن العبريين (بني إسرائيل) أخذوا ينقلون قصصهم للأجيال التالية عبر الأفواه، ولقد برزت شخصية موسى كبطل أنقذ بني إسرائيل من عذاب الفراعنة، فاختلطت الأمور، ونسب الأمر إلى موسى.

هذا البحث، لا يختص بحياة موسى. ولكنه يرجح وقوع هذه الأحداث في تلك الحقبة بسبب تضافر الكثير من الأدلة من خلال البركان والتدوينات الفرعونية، والسبب مجرد أمور طبيعية – مثل ما حدث مؤخرا لتركيا وما حواليها من زلزال، لم يستطع الناس حينها تفسيرها تفسيرا علميا فعزوها إلى غضب الإله (أو الآلهة – إن كانوا يؤمنون بأكثر من إله).

مصدر الصورة: www.livescience.com/4846-eruption-thera-changed-world.html

الغرض، يبدو أن هذه الأحداث الموجودة في القرآن لم تعد مجرد أسطورة، كما يظن البعض إذ استدل علماء علمانيون على هذه الأحداث من خلال علم الأحافير ومن خلال النظر للمدونات المصرية والعبرية القديمة، والتي تتطابق أحداثها مع سرد القصة القرآنية.

ونعود الآن لسورة الزلزلة، التي تم الافتتاح بها، ونربط علاقتها بهذا الحدث. في الغالب، يرتبط البركان بالزلزال. والبركان يخرج أثقال الأرض، وكأنه يكتب التاريخ من جديد بصورة أدق من نقل الألسن أو التدوينات المتأخرة، بحديث موضوعي صادق غير منحاز، إستطاع أن يقرأه علماء العلوم التجريبية (الطبيعية). بسبب القوة النووية الضعيفة، وبسبب إشعاع بعض النظائر، اختزنت الأرض حرارة في باطنها تسببت في إذابة الصخور وعجنها، وهذا تسبب في حركة الصفائح الأرضية التي تتسبب في الزلازل والبراكين كتنفيس لذلك الثقل (الحرارة) المكتنزة (Murthy, 2007).

كتبت هذه المقالة بصورة بحثية رسمية، وتم تدوين المراجع باستخدام (APA format). ولن يخفى عن القارئ المحترف كيف يتعاطى مع المصادر ومراجعتها، ولا بأس أن نشرح الأمر للمستجدين أو الذين يحتاجون إلى تذكير.

تدون المراجع على حسب اسم العائلة للمؤلف (المؤلفين) ويشار إليه في نص المقال؛ مثلا، (Baldwin, 2022) والذي يشر إلى دراسة بالدوين بخصوص بركان ثيرا. أحيانا، وفي حال تعثر وجود اسم المؤلف، وهذا نظام تتبعه بعض المؤسسات أو الصحف، يوضع المصدر تحت اسم غير معروف، مثل (Anonymous, Thera Greece 3650 years before Present, 2023).

المراجع:

  • Anonymous. (2023, 02 04). Thera Greece 3650 years before Present. Retrieved 02 21, 2023, from Climate Policy Watcher: https://www.climate-policy-watcher.org/plate-tectonics/thera-greece-3650-years-before-present.html
  • Anonymous. (n.d.). Volcanic Eruption at Thera (Santorini). Retrieved 02 21, 2023, from Canadian Museum of History: https://www.historymuseum.ca/cmc/exhibitions/civil/greece/gr1040e.html
  • Baldwin, T. (2022, 05 09). Thera Volcano & Eruption. Retrieved 02 21, 2023, from Study: https://study.com/academy/lesson/thera-volcano-eruption-facts-quiz.html
  • Blatsiou, N. (2015, 10 09). The Fiery and Volcanic Birth of Santorini: One of the most awe-inspiring volcanic eruptions in the history of mankind, 3,500 years ago, created one of the most beautiful and dramatic island landscapes in the world. Retrieved 02 21, 2023, from Greece Is: https://www.greece-is.com/born-of-fire
  • Borschel-Dan, A. (2018, 08 23). New carbon-dating tool could pinpoint ancient eruption, gauge if tied to Exodus. Retrieved 02 21, 2023, from The Times of Israel: https://www.timesofisrael.com/new-carbon-dating-tool-could-determine-if-ancient-eruption-tied-to-exodus/
  • Borzo, G. (2017, 01 17). Heat from Earth’s core could be underlying force in plate tectonics. Retrieved 02 21, 2023, from The University of Chicago News: https://news.uchicago.edu/story/heat-earths-core-could-be-underlying-force-plate-tectonics
  • Duncan, F. (2021, 04 26). Brown locusts have survived a long drought in South Africa – here’s how. Retrieved 02 21, 2023, from The University of Witwatersrand: https://www.wits.ac.za/news/latest-news/general-news/2021/2021-04/brown-locusts-have-survived-a-long-drought-in-south-africa–heres-how.html
  • Grassie, W. (2010). The Old Sciences of Religion. In W. Grassie, The New Sciences of Religion (pp. 41-63). New York, NY, USA: Metanexus Imprints. doi:10.1057/9780230114746_3
  • Laskow, S. (2018, 08 16). No One Knows the Exact Year of the Largest Volcanic Eruption of Our Age: Scientists are hoping archaeology, carbon dating, and tree rings together can help solve the mystery. Retrieved 02 21, 2023, from Atlas Obscura: https://www.atlasobscura.com/articles/when-did-thera-eruption-happen
  • Miniaci, G. (2019, 12 06). Multiple Burials in Ancient Societies: Theory and Methods from Egyptian Archaeology. Cambridge Archaeological Journal, 29(2), 287 – 307. doi:10.1017/S095977431800046X
  • Murthy, V. R. (2007). Radioactive Isotopes, Their Decay in Mantle and Core. doi:10.1007/978-1-4020-4423-6_274
  • Njagi, D. (2020, 08 07). East Africa is seeing its worst swarms of locusts in many decades. How can these ravenous pests be stopped? Retrieved 02 21, 2023, from BBC: https://www.bbc.com/future/article/20200806-the-biblical-east-african-locust-plagues-of-2020
  • oceancontent. (2008, 09 11). Thera Volcano. Retrieved 02 21, 2023, from YouTube: https://www.youtube.com/watch?v=WRBC-TFtxHw
  • Oviedo, L. (2019). Religion, Scientific Study of. doi:10.17421/2037-2329-2019-LO-1
  • Pinkstone, J., & Randall, I. (2020, 03 31). Minoan civilisation was wiped out by the devastating Thera volcanic eruption exactly 3,580 years ago, study claims. Retrieved 02 21, 2023, from Daily Mail: https://www.dailymail.co.uk/sciencetech/article-8168939/Minoans-wiped-3-500-years-ago-devastating-volcanic-eruption-Thera.html
  • Romey, K. (2021, 12 27). 3,600-year-old tsunami ‘time capsule’ sheds light on one of humanity’s greatest disasters. National Geographic. Retrieved 02 21, 2023, from https://www.nationalgeographic.com/history/article/3600-year-old-tsunami-time-capsule-sheds-light-on-one-of-humanitys-greatest-disasters
  • Simón, M. R., Börner, A., & Struik, P. C. (2021, 03 30). Editorial: Fungal Wheat Diseases: Etiology, Breeding, and Integrated Management. Front Plant Sci. doi:10.3389/fpls.2021.671060
  • Videography, H. (2016, 01 29). Santorini – The Thera Cataclysm. Retrieved 02 21, 2023, from YouTube: https://www.youtube.com/watch?v=z0JfNXIgpYw
  • Welford, M., & Bossak, B. (2010, 10). Body Lice, Yersinia pestis Orientalis, and Black Death. Emerg Infect Dis, 16(10), 1649-1651. doi:10.3201/eid1610.100683
  • Whipps, H. (2008, 02 25). How The Eruption of Thera Changed the World. Retrieved 02 21, 2023, from Live Science: https://www.livescience.com/4846-eruption-thera-changed-world.html

 

 

تعليق واحد

  1. عبدالباقي الخابوري

    صحيح ان هذه الابتلاءات و العذاب الذي انزله الله على الامم السابقة يمكن تفسيره علميا من خلال العلوم الطبيعية كما اشار الدكتور أل الهويدي ولكن السؤال الذي يطرح نفسه من امر بركان موسى بالانفجار في ذلك الوقت بالتحديد؟ ولماذا المواد المتطايرة من البركان حولت ماء النيل الى اللون الاحمر اليس ذلك كله بامر من الله؟
    تفسير الظاهر الطبيعية لا ينافي الغضب الالهي كما هو واضح من الايات التي اسشهد بها الكاتب.
    ودمتم بود
    دكتور/ عبدالباقي الخابوري
    عمان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *