Nastasic/E+/Getty Images

لماذا تزداد نزلات البرد وغيرها من التهابات الجهاز التنفسي العلوي في فصل الشتاء- ترجمة عدنان أحمد الحاجي 

Why Upper Respiratory Infections Are More Common in Colder Temperatures
(بقلم: رايان جاسلو، مستشفى ماساتشوستس للعين والأذن – By RYAN JASLOW,  Mass Eye and Ear Communications) 

[كشف باحثون عن آلية بيولوجية تفسر الظاهرة]

اكتشف باحثو كلية الطب بجامعة هارفارد ومستشفى ماساتشوستس للعين والأذن (Mass Eye and Ear)، بالتعاون مع زملائهم من جامعة نورث إيسترن، استجابة مناعية غير معروفة سابقًا داخل الأنف تقاوم الفيروسات المسؤولة عن التهابات الجهاز التنفسي العلوي [ومنه نزلات البرد](1).  كشفت الاختبارات الإضافية أن هذه الاستجابة الوقائية تصبح مكبوتةً في درجات الحرارة الباردة، مما يزيد من احتمالية حدوث الإصابة بالعدوى.

الدراسة الجديدة، التي نُشرت في 6 ديسمبر 2022 في مجلة الحساسية والمناعة السريرية {Allergy and Clinical Immunology(2)} اقترحت أول آلية بيولوجية لتفسير لماذا احتمالية الاصابة بحالات مثل حالات نزلات البرد والإنفلونزا وكوفيد-19 تزداد في الفصول الباردة من السنة، وفقًا للمؤلفين.

“كان يُعتقد تقليديًا أن موسم البرد والإنفلونزا يحدث في الشهور الباردة لأن الناس لا يبارحون بيوتهم بحيث يمكن للفيروسات المحمولة في الهواء أن تنتشر بأكثر سهولةً” على حد قول بنجامين بليير (Benjamin Bleier)، الأستاذ المشارك في جراحة الأنف والأذن والحنجرة في مستشفى ماساتشوستس للعين والأذن وكبير مؤلفي الورقة.

“دراستنا تشير إلى أن السبب البيولوجي الجذري للتفاوت الموسمي في الالتهابات الفيروسية في الجهاز التنفسي العلوي التي نشهدها في كل سنة،  شهدناها مؤخرًا بشكل جلي خلال جائحة كوفيد-19”.

خط الدفاع الأول يكمن في الأنف

الأنف هو أحد نقاط الاتصال الأولى بين البيئة الخارجية وداخل الجسم، وبالتالي فهو نقطة دخول محتملة لمسببات الأمراض.

تُستنشق مسببات الأمراض أو تترسب مباشرة (كما هو الحال في انتقالها من اليدين إلى مقدمة الأنف) حيث تشق طريقها عبر مجرى الهواء إلى داخل الجسم، وتصيب الخلايا بالعدوى، مما قد يؤدي إلى التهاب الجهاز التنفسي العلوي.  كيف يقي مجرى الهواء نفسه من هذه العوامل الممرضة لم يُفهم فهمًا جيدًا على مدى فترة طويلة من الزمن.  استمر ذلك حتى كشفت دراسة نُشرت عام 2018 بقيادة بليير ومنصور أميجي (Mansoor Amiji)، برفسور العلوم الصيدلانية المتميز في جامعة نورث إيسترن، عن استجابة مناعية فطرية (خلقية)(3، 4) تنطلق عندما تُستنشق البكتيريا عن طريق الأنف.

الخلايا الموجودة في مقدمة الأنف تجس البكتيريا ثم تفرز مليارات من أكياس صغيرة مملوءة بسوائل مخاطية تسمى حويصلات خارج الخلية أو (EVs) لمحاصرة البكتيريا ومهاجمتها.  بليير، مدير أبحاث طب الأنف والأذن والحنجرة في مستشفى ماساتشوستس للعين والآذن،  قارن انطلاق سرب حويصلات خارج الخلية (EVs) هذا بـ “العبث بعش الدبابير”.

الصورة: حويصلات خارج الخلية، المصدر: https://www.abcam.com/primary-antibodies/extracellular-vesicles-an-introduction

أثبتت دراسة نشرت في 2018 أيضًا أن حويصلات خارج الخلية (EVs) تنقل البروتينات الواقية المضادة للبكتيريا عبر المخاط من مقدمة الأنف إلى الخلف على طول مجرى الهواء، مما يقي الخلايا الأخرى من البكتيريا قبل أن تتوغل في الجسم.

بالنسبة للدراسة الجديدة هذه، فقد سعى الباحثون إلى معرفة ما إذا كانت هذه الاستجابة المناعية ناتجة أيضًا عن فيروسات مستنشقة عبر الأنف، والتي تعد مصدرًا لبعض أكثر التهابات الجهاز التنفسي العلوي شيوعًا.

اختبار آلية مكافحة الفيروسات

بقيادة المؤلف الأول للدراسة، داي هوانغ (Di Huang) ، زميل أبحاث كلية الطب في جامعة هارفارد في طب الأنف والأذن والحنجرة في مستشفى ماساتشوستس للعين والأذن، قام الباحثون بتحليل كيف استجابت عينات الخلايا والأنسجة الأنفية التي جمعت من أنوف مرضى يخضعون لعملية جراحية ومن متطوعين أصحاء لثلاثة فيروسات: واحد من فيروسات كورونا، واثنين من فيروسات الأنف المسببة لنزلات البرد. وجد الباحثون أن كل فيروس تسبب في استجابة مجموعة حويصلات خارج الخلية من الخلايا الأنفية، وإن كان ذلك باستخدام مسار تشويرات (signaling pathway) مختلف عن ذلك المستخدم لمقاومة البكتيريا.

اكتشف الباحثون أيضًا آلية تلعب دورًا في الاستجابة ضد الفيروسات.  عند إفرازها، تصبح حويصلات خارج الخلية بمثابة أفخاخ، تحمل مستقبِلات يكوِّن الفيروس مع جزيئاتها رابطة (يربط بها الفيروس) بدلًا من ارتباطها بالخلايا الأنفية.

“كلما زاد عدد هذه الأفخاخ، زادت قدرة حويصلات خارج الخلية على التخلص من الفيروسات في المخاط قبل أن تتاح للفيروسات فرصة للارتباط بخلايا الأنف، مما يكبح الاصابة بالعدوى”. حسبما قال هوانغ ، وهو أيضًا زميل باحث في جامعة نورث إيسترن.

ثم بعد ذلك اختبر الباحثون كيف أثرت درجات الحرارة المنخفضة (الباردة) في هذه الاستجابة، والتي لها صلة خاصة بمناعة الأنف بالنظر إلى أن درجة الحرارة الداخلية للأنف تعتمد بشكل كبير على درجة حرارة الهواء الخارجي المستنشق من خلال الأنف نفسه.

أخذ الباحثون بعد ذلك متطوعين أصحاء من بيئة حرارتها في درجة حرارة الغرفة (حوالي 74 فهرنهايت أو 23 درجة مئوية) وعرَّضوهم لدرجات حرارة منخفضة،  39.9 فهرنهايت ( 4.3 درجة مئوية)، لمدة 15 دقيقة ووجدوا أن درجة الحرارة داخل الأنف انخفضت بنحو 9 درجات فهرنهايتية [أي ما يقابل انخفاض الى حوالي 18 درجة مئوية داخل بيئة الاختبار] ، ثم قاموا بتطبيق هذا الانخفاض في درجة الحرارة على عينات الأنسجة الأنفية، ولاحظوا أن الاستجابة المناعية ضعفت  وانخفضت كمية حويصلات خارج الخلية التي تفرزها الخلايا الأنفية بنسبة 42 في المائة تقريبًا، كما تضررت البروتينات المضادة للفيروسات في حويصلات خارج الخلية.

“هذه النتائج مجتمعة تقدم تفسيرًا ميكانيكيًا للتباينات الموسمية في التهابات الجهاز التنفسي العلوي” حسبما قال هوانغ، وهو أيضًا باحث في جامعة نورث إيسترن.

امكانية العلاج

ستهدف الدراسات المستقبلية إلى تكرار النتائج باستخدام مسببات أمراض أخرى. يمكن إجراء الدراسات كدراسات تحدي، وهي نموذج من الدراسات فيها تجرى التجارب المنضبطة وذلك بتعريض حيوان أو انسان لفيروس(5) ومن ثم تقاس استجابة الأنف المناعية.

من النتائج التي توصلوا إليها مؤخرًا، قد يستطيع الباحثون أيضًا تخيل الأساليب التي يمكن أن تقوم العلاجات بحثّ وتقوية الاستجابة المناعية الفطرية (الخلقية) للأنف(3).  على سبيل المثال، يمكن تصميم علاج دوائ على شكل رذاذ أنفي، لزيادة عدد حويصلات خارج الخلية في الأنف أو المستقبلات الرابطة [التي ترتبط بالفيروسات] داخل الحويصلات.

“لقد اكتشفنا آلية مناعية جديدة في الأنف تتعرض لفيروسات باستمرار، وبينا العوامل التي تجعل المناعة ضعيفة”. “السؤال قد تبدَّل الآن إلى كيف يمكننا استغلال هذه الظاهرة الطبيعية ومحاكاة آلية وقائية في الأنف وتعزيز هذه الآلية الوقائية، خاصة في الشهور الباردة”.

المؤلفون المشاركون الآخرون هم ماي طه (Maie Taha) وأنجيلا نوسيرا (Angela Nocera) وآلان وركمان (Alan Workman) من مستشفى ماساتشوستس للعين والآذن.

مصادر من داخل وخارج النص:
1- “عدوى المجاري التنفسية العلوية مصطلح عام يصف مجموعة من الأمراض التي تصيب الجزء العلوي من الجهاز التنفسي وتشمل الأنف والجيوب الأنفية والحنجرة والبلعوم والقصبة الهوائية والشعب الهوائية الكبرى.  المثال الأول على هذه الأمراض هي النزلة البردية، بالإضافة إلى التهاب الحلق والتهاب الجيوب الأنفية والتهاب الرغام والقصبات. يصيب مرض الأنفلونزا أيضا الجزء العلوي من الجهاز التنفسي” ، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/عدوى_الجهاز_التنفسي_العلوي
2- https://www.jacionline.org/article/S0091-6749(22)01423-3/fulltext
3- https://altibbi.com/amp/مصطلحات-طبية/علم-المناعة/مناعة-سليقية
4- https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/30442371/
5- https://en.wikipedia.org/wiki/Human_challenge_study

المصدر الرئيس:
https://hms.harvard.edu/news/why-upper-respiratory-infections-are-more-common-colder-temperatures

الأستاذ عدنان أحمد الحاجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *