نظرية جديدة في أسباب مرض الزهايمر – ترجمة عدنان أحمد الحاجي

Alzheimer’s might not be primarily a brain disease. A new theory suggests it’s an autoimmune condition.
(بقلم: دونالد ويفر، أستاذ الكيمياء ومدير معهد أبحاث كيرمبيل (Krembil) ، شبكة الصحة الجامعية ، جامعة تورنتو – Donald Weaver)

قد لا يكون الزهايمر مرضًا دماغيًا في الأساس. تقترح نظرية جديدة أنها حالة من حالات أمراض المناعة الذاتية.

مقدمة غسان علي بوخمسين (صيدلاني أول، مستشفى جونز هوبكنز):

مرض الزهايمر (AD) هو مرض عصبي ضموري يدمر خلايا الدماغ ببطء وبشكل تدريجي.  باعتباره النوع الأكثر شيوعًا من الخرف، فإنه يؤثر في 60-65% من المصابين بالخرف.  صيغ اسم هذا المرض على اسم أخصائي الأعصاب الألماني ألويس ألزهايمر (Aloïs Alzheimer)، الذي وصف لأول مرة عام 1907 أعراض وسمات المرض العصبية، مثل لويحات الأميلويد والتشابكات في الدماغ.  يؤثر مرض الزهايمر في الذاكرة والوظائف المعرفية (الادراكية)، مما قد يؤدي إلى تغيرات في المزاج وارتباك الزمكان لدى المصاب.  

لكن يبدو أن فرضية تراكم لويحات بروتين البيتا أميلويد ليست رصينة بما يكفي حسب المعطيات والتجارب الأخيرة ، ولذلك برزت شكوك حول دقتها ومدى قدرتها لتفسير آلية المرض ، وهذا لوحظ  في المشكلة التي أثيرت حول دواء أدكانيماب (aducanumab) الذي أعتمدته هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (USFDA) ، نتيجة لمعلومات غير دقيقة، في صيف 2020، ونشرته مجلة العلوم (science) المرموقة في مقال مطول قبل بضعة أشهر. 

المقال المنشور والمترجم أدناه يشير الى علاقة مناعية للمرض وينبه على انبثاق تخصص دقيق في الاعصاب موجود حالياً، هو عِلْمُ المَناعَةِ العَصَبِيَّة (neuroimmunology)‏ وهو العلم المعني بدراسة كل من الجهاز العصبي، وعلم المناعة الذي يدرس الجهاز المناعي. تجري الكثير من أنواع التفاعلات في الجهازين العصبي والمناعي، بما فيها العمليات الفيزيولوجية الوظيفية للجهازين العصبي والمناعي في الصحة والمرض، وفي الخلل الوظيفي في أحد الجهازين أو كليهما، والذي يؤدي إلى اضطرابات وعوامل إجهاد فيزيائية وكيميائية وبيئية تؤثر فيهما بشكل يومي.

ولذى يسعى علماء المناعة العصبية إلى فهم التفاعلات بين هذين الجهازين المعقدين (الجهاز المناعي والجهاز العصبي) بشكل أفضل خلال عمليات التطور والاستتباب والاستجابة للأذية (آفة lesion)،  الهدف الطويل الأمد لهذا المجال البحثي سريع التطور هو تطوير فهمنا للآلية الإمراضية وراء الأمراض العصبية، والتي لا تُعرف لبعضها أسباب جذرية واضحة.  من شأن علم المناعة العصبية أن يساهم في تطوير أدوية جديدة لحالات عصبية عدة.

( الدراسة المترجمة )

محاولة إيجاد علاج ناجع لمرض الزهايمر أصبح مهمة تنافسية ومثيرة للجدل بشكل متزايد، حيث شهدت السنوات الأخيرة العديد من الخلافات المهمة.

في يوليو 2022 ، ذكرت مجلة العلوم {Science(1)} أن ورقة بحثية مهمة نُشرت عام 2006 في المجلة المرموقة نتشر {Nature(2)} ، والتي حددت نوعًا فرعيًا من بروتين الدماغ يسمى بيتا أميلويد (beta-amyloid) على أنه السبب لمرض الزهايمر، ربما كانت مستندةً إلى بيانات ومعطيات مفبركة.

في يونيو 2021 ، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على أدكانيماب{aducanumab(3، 4)} ، وهو بيتا أميلويد يستهدف الأجسام المضادة، كعلاج لمرض الزهايمر، على الرغم من أن البيانات التي تدعم استخدامه كانت غير كاملة ومتناقضة.  يعتقد بعض الأطباء أنه يجب ألّا يُعتمد أدكانيماب (aducanumab) أبدًا كعلاج، بينما يرى آخرون أنه ينبغي أن يُعطى فرصة للتجربة.

في وحود الملايين من مرضى الزهايمر الذين يحتاجون إلى علاج ناجع، لماذا لا يزال الباحثون يتخبطون في محاولتهم لإيجاد علاج لما يُزعم أنه أحد أهم الأمراض التي تواجهها البشرية؟

الخروج من روتين بروتين بيتا أميلويد

على مدى سنوات، لا زال الباحثون مركزبن جهودهم على محاولة التوصل إلى علاجات جديدة لمرض الزهايمر وذلك بمنع تكتل هذا البروتين الغامض المسمى بـ بيتا أميلويد، والذي يسبب تلفًا للدماغ(5).  في الواقع، يمكن القول أننا نحن الباحثون قد وضعنا أنفسنا في دوامة من الأفكار التي تركز بشكل شبه حصري على هذا المقاربة العلاجية، وغالبًا ما نهمل أو حتى نغفل التفسيرات الممكنة الأخرى.

الصورة: دراسة بروتين أميلويد بيتا كبروتين غير طبيعي يسبب مرض الزهايمر لم تُترجم إلى دواء أو علاج مفيد بعد.

ومما يؤسف له، فإن هذا التفاني في دراسة الكتل البروتينية غير الطبيعية لم تُترجم إلى دواء أو علاج ناجع بعد.  الحاجة إلى طريقة تفكير جديدة “بعيدة عن تكوِّن هذه الكتل البروتونية” المسببة لمرض الزهايمر تبرز كأولوية قصوى في الأبحاث العلمية التي تُجرى على الدماغ.

مختبري الكائن في معهد كرمبيل للدماغ {Krembil Brain(6)} ،وهو جزء من شبكة الصحة الجامعية في تورنتو، يعمل على طرح نظرية جديدة لمرض الزهايمر(7).  بناءً على خبرة الثلاثين سنة الماضية من الأبحاث التي أجريناها في هذا المضمار، لم نعد نعتقد أن مرض الزهايمر هو في الأساس مرض في الدماغ.  ولكنا نعتقد أن مرض الزهايمر هو في الأساس اضطراب يصيب جهاز المناعة داخل الدماغ(8).

جهاز المناعة، الموجود في كل عضو من أعضاء الجسم، عبارة عن مجموعة من الخلايا والجزيئات التي تعمل بانسجام للمساعدة في علاج الإصابات والجروح والحماية من الأجسام الدخيلة على الجسم [مثل البكتيريا والفيروسات والخلايا الأخرى].  عندما يتعثر شخص ويسقط، يتولى جهاز المناعة إصلاح الأنسجة التالفة.  وعندما يعاني أحد الأشخاص من عدوى فيروسية أو بكتيرية، فإن الجهاز المناعي يتولى محاربة هذه الميكروبات الدخيلة.

هذه العمليات نفسها بالضبط موجودة في الدماغ.  حين يكون هناك رضوض في الرأس، يتولى الجهاز المناعي في الدماغ إصلاح هذه الرضوض.  عندما توجد البكتيريا في الدماغ ، فإن الجهاز المناعي موجود وعلي أهبة الاستعداد لمقاومتها.

الزهايمر من أمراض المناعة الذاتية

نعتقد أن بروتين بيتا أميلويد بروتين يُنتج طبيعيًا، بل جزيء يتكون بشكل طبيعي وهو جزء من جهاز المناعة في الدماغ.  ومن الطبيعي أن يتواجد في الدماغ. عندما تقع رضوض (صدمة) في الدماغ أو عندما تكون البكتيريا حاضرة في الدماغ ، فإن بروتين بيتا أميلويد يعتبر مساهمًا رئيسًا في الاستجابة المناعية الشاملة للدماغ [المترجم: الاستجابة المناعية هى رد فعل الجهاز المناعي على أي دخيل غريب على الجسم من فيروسات وبكتيريا وخلايا أخرى(9)].  ومن هنا تبدأ المشكلة.

بسبب التشابه اللافت للنظر بين جزيئات الدهون التي تتكون منها أغشية البكتيريا وأغشية خلايا الدماغ، لا يستطيع بروتين بيتا أميلويد التمييز بين البكتيريا الدخيلة وخلايا الدماغ التي استضافت تلك البكتيريا، وعليه يهاجم بروتين بيتا أميلويد عن طريق الخطأ خلايا الدماغ ذاتها التي من المفترض أن يكون حاميًا لها.  وهذا يؤدي إلى فقدان تدريجي ومزمن لوظائف خلايا الدماغ ، وفي نهاية المطاف يتوج بالإصابة بالخرف – كل ذلك لأن جهاز المناعة في الجسم لا يستطيع التفريق بين خلايا البكتيريا وخلايا الدماغ.

الصورة: شريحة من دماغ بشري مصاب بالزهايمر معروضة في متحف التشريح العصبي في جامعة بافلو ، في بافلو ، نيويورك

عندما يُنظر إلى الزهايمر على أنه عبارة عن هجوم خاطيء من قبل الجهاز المناعي لخلايا الدماغ نفسه الذي من المفترض أن يحميها [هذا الحهاز المناعي]، فإن الزهايمر يتطور كمرض من أمراض المناعة الذاتية. هناك العديد من أنواع أمراض المناعة الذاتية، مثل التهاب المفاصل الروماتويدي(10)، حيث تلعب الأجسام المضادة الذاتية(11) دورًا مهمًا في تطور المرض، والتي يمكن أن تكون العلاجات القائمة على الستيرويد فعالة فيها.  إلَّا أن هذه العلاجات غير مفيدة ضد الزهايمر.

يعتبر الدماغ عضوًا خاصًا ومميزًا جدًا، ومعروفًا بأنه أكثر البنيويات تعقيدًا في الكون(12).  في نموذجنا الخاص بمرض الزهايمر، يفيد بروتين بيتا أميلويد في وقاية وتعزيز جهازنا المناعي، ولكن لسوء الحظ، يلعب أيضًا دورًا محوريًا في عملية المناعة الذاتية التي نعتقد أنها قد تؤدي إلى الاصابة بمرض الزهايمر.

نظريات أخرى عن المرض

بالإضافة إلى نظرية المناعة الذاتية لمرض الزهايمر، بدأت تُطرح العديد من النظريات الجديدة والمتنوعة.  على سبيل المثال، يعتقد بعض الباحثين أن مرض الزهايمر هو مرض يصيب البنيويات الخلوية الدقيقة التي تسمى المتقدِّرات ( الميتوكوندريون(13، 14)) – وهي مولدات الطاقة في كل خلية دماغية.  تقوم المتقدرة بتحويل الأكسجين من الهواء الذي نتنفسه والجلوكوز من الطعام الذي نتناوله إلى الطاقة اللازمة لعملية الذاكرة والتفكير.

الصور: من دواعي سروري أن أرى فكرة جديدة تُطرح عن هذا المرض القديم.

يؤكد البعض أن الزهايمر هو عبارة عن نتيجة نهائية لعدوى معينة أصابت الدماغ(15)، وغالبًا ما يُشار إلى البكتيريا في الفم على أنها هي المسبب لهذه العدوى(16).  لكن البعض الآخر يفيد بأن  المرض قد ينشأ من المعالجة غير الطبيعية للمعادن في الدماغ(17) ، وربما تكون واحدًا من هذه المعادن: الزنك أو النحاس أو الحديد.

إنه لمن دواعي سروري أن بدأنا في رؤية تفكيرًا جديدًا يُطرح فيما يتعلق بهذا المرض القديم(18).   حاليًا أكثر من 50 مليون شخص في جميع أنحاء العالم مصاب بالخرف، ويُشخص واحد بالمرض كل ثلاث ثوانٍ. وفي كثير من الأحيان، لا يتمكن المصابون بمرض الزهايمر من التعرف حتى على أولادهم (من البنين والبنات) أو حتى على زوجاتهم / أزواجهن الذين بقوا معًا لأكثر من 50 عامًا.

مرض الزهايمر هو أزمة صحية عامة في حاجة إلى أفكار مبتكرة وتوجيهات جديدة.  من أجل جودة حياة الذين يعانون من الخرف وعوائلهم الذين يعايشون هذه الحالة، ومن أجل التأثير الاجتماعي والاقتصادي في نظام الرعاية الصحية الذي يعاني بالفعل من الضغوط في محاولة التغلب على تكاليف ومتطلبات مرض الخرف الذي يتزايد باضطراد، نحتاج إلى فهم أفضل لمرض الزهايمر وأسبابه، وما الذي يمكننا القيام به لمعالجته ومساعدة المصابين به وأفراد أسرهم الذين يعايشون هذه الحالة.

مصادر من داخل وخارج النص:
1- https://www.science.org/content/article/potential-fabrication-research-images-threatens-key-theory-alzheimers-disease
2- https://www.nature.com/articles/nature04533
3- https://ar.wikipedia.org/wiki/أدكانيماب
4- https://www.fda.gov/drugs/postmarket-drug-safety-information-patients-and-providers/aducanumab-marketed-aduhelm-information
5- https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0141813020351308?via%3Dihub
6- https://www.uhn.ca/Krembil
7- https://alz-journals.onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1002/trc2.12283
8- https://www.eurekaselect.com/article/119208
9- https://ar.wikipedia.org/wiki/استجابة_مناعة
10- https://ar.wikipedia.org/wiki/التهاب_المفاصل_الروماتويدي
11-https://ar.wikipedia.org/wiki/ضد_ذاتي_(مناعة)
12- https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK234155/#
13- https://ar.wikipedia.org/wiki/ميتوكندريون
14-https://www.sciencedrect.com/science/article/abs/pii/S1567724922000423?via%3Dihub
15- https://journals.lww.com/nrronline/Fulltext/2022/12000/Unfolded_p53_in_non_neuronal_cells_supports.10.aspx
16- https://onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1111/prd.12429
17-https://www.mdpi.com/2218-273X/12/5/714
18- https://jnnp.bmj.com/content/92/11/1231

المصدر الرئيس:
https://theconversation.com/alzheimers-might-not-be-primarily-a-brain-disease-a-new-theory-suggests-its-an-autoimmune-condition-189047

الأستاذ ترجمة عدنان أحمد الحاجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *