علوم القطيف مقالات علمية في شتى المجالات العلمية
إنها الصورة النمطية، ولكن الكثير منا قد افترض أن العلماء (في العلوم الطبيعية) غير مرنين وأقل فنياً artistic من غيرهم. الفنانون، من ناحية أخرى، غالبا ما ينظر إليهم على أنهم أقل من الناحية المنطقية من بقيتنا. هذه الحالات توصف أحيانا على أنها الجانب الأيسر من الدماغ مقابل الجانب الأيمن منه – أو ببساطة مجرد تفكير منطقي مقابل إبداع فني – غالبا ما ينظر إلى الاثنين كما ينظر الى الأضداد القطبية. 
قد بين علماء الأعصاب مؤخراً (١) أن كل شخص يستخدم كلا الجانبين من الدماغ عندما يقوم باداء أي مهمة. في حين أن بعض أنماط النشاط الدماغي قد يُربط (٢) في بعض الأحيان بالتفكير الفني (الإبداعي) او التفكير المنطقي فإنها لا تفسر من هو الجيد في أي مهمة ولماذا. ذلك لأن استبعاد التفاعل الدقيق بين ماهو فطري وبين ماهو مكتسب nature and nurture أمر بالغ الصعوبة. ولكن لو وضعنا الدماغ جانباً لبعض الوقت وركزنا فقط على قدرة موثّقة، فهل يوجد هناك أي دليل يدعم المنطق مقابل الصورة النمطية للفن؟
البحوث النفسية قامت بمقاربة هذا السؤال بالتمييز بين أسلوبين من التفكير: المتقارب والمتباعد (٣). التشديد في التفكير المتقارب هو على التفكير التحليلي والإستنباطي، كما يقاس في اختبارات معدل الذكاء IQ. التفكير المتباعد، من ناحية أخرى ، هو أكثر عفوية وينساب بحرية. وهو يركز على الحداثة ويقاس بالمهام التي تتطلب منا إيجاد حلول متعددة للمشكلة. وكمثال التفكير في استخدامات مبتكرة جديدة لأشياء مألوفة (٤).
الدراسات التي أجريت في الستينات من القرن الماضي أشارت الى أن المفكرين المتقاربين يمكن أن يكونوا جيدين في المواد العلمية في المدرسة (٥) . أما المفكرون المتباعدون فقد بُين على أنهم أكثر شهرة في الفن والعلوم الإنسانية (٦) .
ومع ذلك، نحن نتعلم بإزدياد أن الأنماط الفكرية المتقاربة والمتباعدة لا يلزم أن تستبعد بعضها بعضاً. في عام ٢٠١١، قيم الباحثون ١١٦ من طلاب الفنون والعلوم الطبيعية في السنة النهائية لشهادة البكلوريوس في المملكة المتحدة على مقاييس في التفكير المتقارب و التفكير المتباعد والحل الإبداعي للمسائل (٧). هذه الدراسة لم تجد فرقاً معتداً به بين القدرة بين مجموعات الفنون والعلوم الطبيعية والعلوم الإجتماعية في أي من هذه المقاييس (٨).
دراسة أخرى وجدت أنه ليس هناك فرق معتداً به في مقاييس التفكير المتباعد بين طلاب جامعيين في الفنون والعلوم الطبيعية والعلوم الإجتماعية (٨). طلاب الفنون والعلوم الطبيعية قيموا أنفسهم على أنهم أكثر إبداعاً من طلاب العلوم الإجتماعية.
السباحة مع التيار
الدراسات كشفت في الحقيقة أن هناك تداخلاً في العمليات الإدراكية مساندة كلاٌ من الإبداع العلمي و الفني. المفهوم السايكلوجي: “الانغماس flow” الذي وضعه ميحالي شيكيينتميخيلي Mihály Csíkszentmihályi في كتابه:
Flow: The Psychology of Happiness: The Classic Work on How to Achieve Happiness (٩)
في التسعينات من القرن الماضي يصف حالة من الوعي حيث يكون الشخص مُستَوعباً بالتمام ونشطاً أثناء قيامه بنشاط معين. الشعور بالإنغماس مرتبط بقوة بأداء الذروة في العديد من المجالات الفنية والإبداعية.
مجموعتي البحثية قامت بدراسة الإنغماس خلال عملية إبداع بصري ووجدت أن الإخساس يمكن أن يُزاد بالمزاج الإيجابي (١٠). ووجدنا أيضاً أن الناس الذين شعروا بالإنغماس كانوا أكثر إحتمالاً في أن يقيّموا إنتاجاتهم على أنها إبداع.
ومع ذلك، لا يقتصر الإنغماس على التوجهات الفنية. ويمكن أيضا أن يُشعر به خلال الأنشطة التي تركز على العلوم الطبيعية science. طلبت إحدى الدراسات من باحثين صغار أن يتعاونوا في إملاء المادة البحثية و ذكر نصف المشاركين أنهم شعروا بحالة تشبه الإنغماس خلال عملية الإملاء (١١)،.
هناك تداخل كبير في استخدام كلمتي التصور والتخيل العقلي خلال عمليات التفكير في العلوم الطبيعية والفنية (١٢). علماء كبار مثل ألبرت أنشتاين ومايكل فارادي ونيكولا تيسلا قالوا أنهم استخدموا التخيل العقلي عندما كانوا يصفون عملية تفكيرهم الذهنية (تعريف من خارج النص: قطار الأفكار حيث تجر فكرة واحدة إلى سلسلة من أفكار ذهنية أخرى). الدراسات وجدت ايضاً أن التخيل العقلي يلعب دوراً مركزياً خلال إنشاء وتقييم كثير من التجارب الفكرية والتي يقوم الباحث فيها بتقييم الآثار المترتبة على فرضية معينة. يمكن أن يكون الأمر أكثر وضوحاً في هكذا تخيل عقلي في تشكيل المعزوفة الموسيقية والرسم والتصميم المعماري (١٣).
قوة الصورة النمطية
قدرات التفكير التقاربي والتباعدي ليست بالضرورة غريزية. دراسة حديثة (١٤) في النمطيات الإبداعية طلبت من أفراد أن يكملوا مهمة تفكير تباعدي وهم يتبنون منظور “شاعر غريب الأطوار” أو “مكتبي (شخص يعمل في المكتبة – صحاف) صارم “.
الذين تخيلوا أنهم في دور شاعر غريب الأطوار كان أداؤهم أفضل بكثير في المهمة الإبداعية من أولائك الذين تخيلوا أنهم في دور مكتبي صارم مما يشير الى أن تفعيل المنظور النمطي على التفكير الإبداعي يمكن أن يعزز او يعطل أداء الأفراد.
على الرغم من أن هكذا تصورات سابقة عن الطرق التي فيها تكون أنماط التفكير المنطقي وغير المنظم مرتبطة بالإبداع فليس من الصعب أن تجد أمثلة لأفراد لا ينتمون الى هذه الصورة النمطية. ألبرت أنشتاين كان موسيقياً متحمساً يلعب البيانو والكمان بينما كان الفائز بجائزة نوبل ريتشارد فينينان يعمل كفنان يستخدم إسما مستعاراً: “اوفي Ofey” (١٥). والموسيقيون بريان ماي وبريان كويس وقريق قرافين كلهم حصلوا على الدكتوراه في العلوم.
دراسات حالات لمتخصصين في العلوم الطبيعية منخرطون في أعمال فنية والعكس بالعكس تم تقديمها على أنها حالات غير طبيعية ولكن علماء النفس قاموا مؤخراً بإجراء مراجعة شاملة للبعد الذي سُجل فيه فائزون بجائزة نوبل في العلوم وأعضاء في الجمعية الملكية والأكاديمية الأمريكية للعلوم أنهم منخرطون في الفن وتوجهات معتمدة على الحرف اليدوية ووجد الباحثون أن أعضاء الجمعية الملكية والأكاديمية الوطنية للعلوم كانوا أكثر إحتمالاً بمرتين للإبلاغ عن الإنخراط في أنشطة فنون وحرف يدوية كما يفعل عامة الناس. وكان العلماء البارزون الحائزون على جائزة نوبل أكثر احتمالا بنحو ثلاث مرات للإبلاغ عن مثل هذه الأنشطة.
النتائج توضح بما لا لبس فيه، أن النظرة النمطية بأن متخصصي العلوم الطبيعية وآخرين من المفكرين المنطقيين هم أقل إحتمالاً أن يكونوا فنانين أو مبدعين هو بعيد عن الهدف، وبحسب ما قاله أنشتاين (١٦) ” العلماء الكبار فنانون ايضاً”.
مصادر من داخل النص:
١- https://theconversation.com/mondays-medical-myth-you-can-selectively-train-your-left-or-right-brain-4704
٢-https://www.bbc.com/news/science-environment-26925271
٣-http://www.creativitypost.com/psychology/creativity_and_iq._what_is_divergent_thinking_how_is_it_helped_by_slee
٤-https://onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1111/j.2044-8295.2007.tb00467.x/full
٥ -https://books.google.co.uk/books?id=xUO0BQAAQBAJ&pg=PA225&lpg=PA225&dq=Cropley+%26+Field,+1968&source=bl&ots=aopsbYLqMd&sig=XciUr0pg-i7If8O34FnvZxZBr-8&hl=en&sa=X&ved=0ahUKEwij9qPUo5rMAhVFWRQKHe6EAnQQ6AEIITAB#v=onepage&q=Cropley%20%26%20Field%2C%201968&f=false
٦- https://onlinelibrary.wiley.com/doi/abs/10.1111/j.2044-8279.1968.tb02026.x
٧-https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S1871187110000301
٨-https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S1871187111000186
٩-https://www.amazon.co.uk/Flow-Psychology-Happiness-Classic-Achieve/dp/0712657592
١٠-https://www.tandfonline.com/doi/abs/10.1080/02699931.2014.913553
١١-https://bmcmededuc.biomedcentral.com/articles/10.1186/1472-6920-13-106
١٢-http://britishacademy.universitypressscholarship.com/view/10.5871/bacad/9780197264195.001.0001/upso-9780197264195-chapter-9
١٣-https://onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1111/j.1756-8765.2009.01031.x/full
١٤-https://journals.plos.org/plosone/article?id=10.1371/journal.pone.0142567
١٥-https://www.brainpickings.org/2013/01/17/richard-feynman-ofey-sketches-drawings/
١٦-https://www.psychologytoday.com/intl/blog/imagine/201003/einstein-creative-thinking-music-and-the-intuitive-art-scientific-imagination
المصدر الرئيسي: