هل يمكن للسيكلوجيا الإيجابية أن تغير العالم؟ – ترجمة عدنان أحمد الحاجي

Can positive psychology change the world?
the University of New South Wales (UNSW) MEDIA

بحسب كتاب جديد صدر مؤخرًا إذا أردنا تغيير العالم للأفضل، فنحن بحاجة إلى تعلم كيف نتصرف بحكمة.

لا يمكن معالجة القضايا الاجتماعية والعالمية التي نواجهها إلا من خلال تحويل تركيزنا من “أنا” إلى “نحن”، ومن التفكير قصير الأمد إلى التفكير طويل الأمد، كما تقول فيليسيا هوبرت (Felicia Huppert) برفسورة زائر في كلية علم النفس بجامعة نيو ساوث ويلز الاسترالية.

“الأفكار من علم النفس الإيجابي التي ثبت أنها تفيد الازدهار الفردي لديها القدرة على خلق الازدهار على المستويين الجمعي والمجتمعي” ، كما تقول.

البرفسورة الفخرية في علم النفس من جامعة كامبريدج هي واحدة من العديد من الباحثين والممارسين البارزين في علم النفس الإيجابي وراء تأليف كتاب:  تهيؤة العالم الذي نريد أن نعيش فيه: كيف يمكن لعلم النفس الإيجابي بناء مستقبل أكثر إشراقًا.

الكتاب يدور حول الأمل ودعوة للعمل لجعل العالم أفضل من أجلنا جميعًا.

“هدفنا هو أن نحفز القراء حتى يعرفوا لماذا نحتاج بشكل ملح إلى مقاربة مختلفة لكيف نعيش حياتنا ونبدأ في إحداث تغييرات بمفردنا وبالتعاون مع الآخرين” ، كما تقول فيليسيا هوبرت.

تغير المناخ بسبب الخوف

تقترح البروفسورة هوبرت أن أحد أسباب تباطؤ انطلاق العمل بشأن تغير المناخ هو بسبب الخوف.

“لا يزال الخوف شالًا للتفكير، بينما المشاعر الإيجابية للأمل يمكن أن تمد الناس بالقوة وكذا المجتمعات والمجتمع ككل”، كما تقول هوبرت.

“عندما يجتمع عدد كافٍ من الناس العاديين لإظهار دعمهم لقضية ما، كالإضرابات للتي قام بها طلاب المدراس من أجل المناخ (1) ، ومسيرات حياة السود مهمة ومسيرات 4 مارس 2021 ، التي قامت بها حركة النساء من أجل العدالة (2) بعدها يبدأ السياسيون في الاستماع. لذلك مع أن كل خطوة صغيرة يتخذها الشخص يمكن أن تحدث فرقًا، إلا أن المشكلات الرئيسية لعالمنا لا يمكن حلها إلا عندما يجتمع الناس ويتصرفون بشكل تعاوني”.

يستند الكتاب إلى أدلة من علم النفس وعلم الأعصاب عما يؤدي إلى رفاهية الإنسان، وكيف تحدث رفاهيتُنا موجةً من التأثير الإيجابي على من حولنا والعالم الذي نعيش فيه. الرفاهية الشخصية مهمة كما تقول هوبرت.

“يتعلق الأمر بإدارة حياة سعيدة ومُرضية، وهذا يشمل الاحساس بالمعنى – وهذا يعني الإحساس بأننا نساهم بشيء يتجاوز أنفسنا”.

لكن الأمر لا يتعلق بالشعور بالإيجابية طوال الوقت. “لا يمكننا العمل بأفضل مما لدينا إلا عندما نكون قادرين على إدارة تجاربنا الصعبة، وكذلك تقدير تلك التجارب الإيجابية.

وتقول هوبرت: “لن يتحقق المجتمع العادل والمستدام إلّا من خلال العمل التعاوني ووضع الحكومات تحت طائلة المساءلة”. “فقط من خلال العمل معًا يمكننا حل المشكلات الكبرى في العالم”.

إذا أراد الناس والمجموعات تغيير العالم للأفضل، فهم بحاجة إلى التعلم أو التدريب على كيف يتصرفون بحكمة ، كما تقول.

“التصرف الحكيم هو فهم مدى تعقيد الوضع واختيار والعمل بما يحقق أكبر فائدة طويلة الأمد لنا وللآخرين”.

خمسة مبادئ للتصرف الحكيم

الكتاب حدد خمسة مبادئ للرفاهية النفسية وثلاث قدرات أساسية يتركز على أساسها التصرف الحكيم.

المبادئ الخمسة للرفاهية النفسية (3) هي: الشعور بالارتباط بالآخرين والشعور بالاستقلالية والشعور بالجدارة، والاهتمام بما هو مفيد / منتج / عامل  (working) وليس فقط معرفة ما هي المشكلة، وأن يكون لديه شعور بالمعنى.

القدرات الأساسية الثلاث هي العقل المنفتح والقلب المنفتح والتفكير الصافي.

“العقل المنفتح يلاحظ ما يحدث وهو يتكشف / يتطور أمامه من لحظة إلى أخرى، داخلنا وخارجنا – بعبارة أخرى، التأمل الواعي (اليقظة mindfulness)” ، كما تقول هوبرت.

“القلب المفتوح يتصرف بلطف ورحمة تجاه أنفسنا والكائنات الحية الأخرى.

التفكير الصافي هو عمل تقييم دقيق للمعلومات، بما في ذلك الاستعداد للاعتراف بوحود تحيز، سواء في أنفسنا أو في الآخرين”.

الخبر السار هو أنه يمكن تدريب الناس على هذه المبادئ والقدرات.

“التدريب على اليقظة / التأمل الواعي يفتح أذهاننا على كل ما نمر به ويساعدنا على إدارة التجارب الصعبة من خلال الاعتراف بها، والتوقف مؤقتًا قبل التسرع في الرد / الاستجابة”.

وتقول هوبرت إن الأمر يستغرق 10 دقائق فقط في اليوم من التدريب المقصود لإحداث تغييرات ملحوظة.

“عندما نفتح قلوبنا ونتصرف بلطف أو ورحمة، فإن ذلك يربطنا بالآخرين، وهذا الترابط يمكن أن يكون مفيدًا للآخرين والكائنات الحية الأخرى.

“عندما يتصرف الناس بلطف وبرحمة، فإن ذلك يثير مراكز المكافأة في أدمغتهم”.

تقول البروفسورة هوبرت إن التفكير الصافي يساعدنا على اتخاذ قرارات مستنيرة، “القدرة التي كانت ولا زالت هامة جدًا خلال جائحة كوفيد وهي مفتاح للتعرف على الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة – حيث لا أحد منا يحب أن نشعر أننا مخدعون”.

كيف يمكن أن تتوافق قيمنا مع تصرفاتنا

تقول البروفسورة هوبرت إن هناك العديد من الأمثلة على كيف تتوافق قيمنا مع تصرفاتنا في مواقف الناس وسلوكياتهم تجاه البيئة.

“مع أن معظم الناس يقدرون الطبيعة والحفاظ على الأنواع (species) والبيئة النظيفة، ولكن الكثير منهم لا يتصرف بطرق مفيدة للبيئة”، كما تقول هوبرت.

“هذا التصرف يمكن أن يؤدي إلى الشعور بعدم الراحة وحتى الشعور بالخزي. وعلى النقيض من ذلك، عدد متزايد من الناس يتصرفون بطرق مؤيدة للبيئة تتوافق مع قيمهم.  الأمثلة تشمل أنماط الاستهلاك والتخلص من النفايات بشكل فيه تروي. هذا التوافق بين القيم والتصرفات يجعلهم أكثر احتمالًا بالشعور بالسلام من جراء تصرفاتهم، بل ويفخرون بما يفعلونه، بشكل فردي وجماعي”.

تقر البروفسورة هوبرت أن التغيير ليس سهلاً أبدًا. “ولكن عندما يجتمع الناس ويتصرفون بشكل تعاوني – بالحكمة والشجاعة والأمل الواقعي – يمكننا خلق عالم مزدهر وعادل ومستدام”.

كتاب تهيئة العالم الذي نريد أن نعيش فيه: كيف يمكن لعلم النفس الإيجابي بناء مستقبل أكثر إشراقًا (Creating The World We Want To Live In: How Positive Psychology Can Build a Brighter Future) ، أصدرته روتليدج (Routledge) (انظر 4).

مراجعة: البرفسور رضي حسن المبيوق، جامعة شمال أيوا. 

مصادر من خارج النص: 

1- “الإضراب المدرسي من أجل المناخ، والمعروف أيضًا باسم فرايديز فور فيوتشر (إف إف إف)، شباب من أجل المناخ، إضراب المناخ أو إضراب الشباب من أجل المناخ، هو حركة دولية لطلاب المدارس الذين يأخذون إجازة من الفصل في أيام الجمعة للمشاركة في المظاهرات التي تطالب باتخاذ إجراءات صادرة عن القادة السياسيين للبت في منع حدوث الاحتباس الحراري واستبدال الطاقة المتجددة بصناعة الوقود الأحفوري” ، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:

https://ar.wikipedia.org/wiki/إضراب_مدرسي_من_أجل_المناخ

2- https://en.wikipedia.org/wiki/2021_March_4_Justice

3- ” نموذج العوامل الستة للرفاه النفسي هو نظرية طورتها عالمة النفس كارول ريف لكي تحدد ست عوامل تحدد رفاهية الفرد النفسية، اطمئنانه، وسعادته.[1] ينطوي الرفاه النفسي على العلاقات الإيجابية مع الآخرين، التمكن الشخصي، الاستقلالية، الشعور بالهدف والمعنى في الحياة، والنمو والتطور الشخصي. يصل المرء إلى حالة الرفاه النفسي إذا وصل لحالة اتزان تتأثر بأحداث الحياة الصعبة والمجزية” ، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:

https://ar.wikipedia.org/wiki/نموذج_العوامل_الستة_للرفاه_النفسي

4- https://www.routledge.com/Creating-The-World-We-Want-To-Live-In-How-Positive-Psychology-Can-Build/Grenville-Cleave-Gudmundsdottir-Huppert-King-Roffey-Roffey-Vries/p/book/9780367468859

المصدر:

https://newsroom.unsw.edu.au/news/science-tech/can-positive-psychology-change-world

الأستاذ عدنان أحمد الحاجي

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *