الطبيعة مقابل التنشئة: كيف يعيد العلم الحديث كتابتها – ترجمة عدنان أحمد الحاجي

?Nature versus nurture: how modern science is rewriting it
تأليف:
كيفن ميتشل: أستاذ مشارك في علم الوراثة وعلم الأعصاب ، كلية ترينيتي في دبلن
أوتا فريث: برفسورة  فخرية للتطوير الإدراكي  ، جامعة كوليدج لندن UCL
عدنان أحمد الحاجي

إن مسألة ما إذا كانت الجينات أو البيئة هي التي تشكل السلوك البشري إلى حد كبير قد نوقشت منذ قرون.  خلال النصف الثاني من القرن العشرين ، كان هناك معسكران من الباحثين العلميين – يعتقد كل من المعسكرين إما الطبيعة أو التنشئة (للتعريف ، راجع ١) حصرياً  على المحك ، أصبحت هذه النظرة نادرة بشكل متنامي ، حيث أثبت البحث أن الجينات والبيئة متشابكان بالفعل ويمكنهما تضخيم بعضهما البعض.  خلال فعاليّة في أسبوع برلين للعلوم في ٧ نوفمبر ٢٠١٩ ، الذي نظمته الجمعية الملكية (٢) ، ناقشنا كيف يتغير النقاش نتيجة لما وجدته الدراسات الأخيرة (٣).

القدرة على القراءة والكتابة literacy وجعل اللغة قابلة للرؤية هو واحد من أكثر الإنجازات غير العادية للإنسان.  القراءة والكتابة أمر أساسي لقدرتنا على الازدهار في العالم الحديث ، لكن بعض الأشخاص يجدون صعوبة في التعلم.  يمكن أن تنشأ هذه الصعوبة لأسباب عديدة ، بما فيها  عسر القراءة ، كاضطراب النمو العصبي (٤).  ولكن اتضح أن لا الجينات ولا البيئة مسؤولة بالكامل عن الاختلافات في القدرة على القراءة.

علم وراثيات (الجينتكس) وعلم أعصاب القراءة

القراءة ابتكار حضاري وليست مهارة أو وظيفة خاضعة للانتقاء الطبيعي.  انبثقت الحروف الهجائية المكتوبة حول منطقة البحر الأبيض المتوسط ​​منذ حوالي ثلاثة آلاف عام ، لكن القدرة على القراءة والكتابة أصبحت واسعة الانتشار فقط منذ القرن العشرين.  استخدامنا للأبجدية ، مع ذلك ، قائم على الطبيعة.  القدرة على القراءة والكتابة اختطفت دوائر circuitry الدماغ (٥) المتطورة لتربط اللغة المرئية باللغة المسموعة (٦) – عن طريق موضعة الحرف بالصوت letter-sound mapping.

تظهر عمليات مسح الدماغ أن “شبكة القراءة” هذه جلية (واضحة) في نفس المكان في الدماغ في كل شخص.  تتشكل شبكة القراءة هذه عندما نتعلم القراءة وتقوي الروابط بين مناطق اللغة والكلام في الدماغ (٧) ، وكذلك المنطقة التي أصبحت تُعرف باسم “منطقة شكل الكلمة المرئية” “visual word form area” وتختصر ب VWFA (٨).

التصميم لبناء الدوائر circuitry الأساسية مرمز / مشفر بشكل ما في جينوماتنا.  أي أن الجينوم البشري يشفر مجموعة من القواعد النمائية التي ، عندما تتطور، ستفضي الى  الشبكة.

ومع ذلك ، هناك دائمًا تباين في الجينوم وهذا يؤدي إلى اختلاف في طريقة تطور هذه الدوائر وعملها.  هذا يعني أن هناك اختلافات فردية في القدرة.  في الواقع ، فإن التباين في القدرة على القراءة أمر وراثي بشكل كبير في عامة المجموعات السكانية (٩) ، وعسر القراءة النمائي هو أيضًا وراثي في ​​الأصل (١٠) (راجع ١١ للمزيد من المعلومات).

هذا لا يعني أن هناك “جينات للقراءة”،  ولكن، هناك تباينات جينية تؤثر على كيف يتطور الدماغ بطرق تؤثر على كيف يقوم  بوظائفه (١٢).  لأسباب غير معروفة ، تؤثر بعض هذه المتغيرات بشكل سلبي على الدوائر المطلوبة للكلام والقراءة.

القراءة تغير الدماغ حرفياً

“البيئة مهمة جدا”

لكن الجينات ليست هي القصة كلها.  دعونا لا ننسى أن الممارسة experience والتوجيهات الفعالة ضروريان للتغيرات في اتصالية connectivity الدماغ التي تمكّن من القراءة في المقام الأول – على الرغم من أننا لا نعرف بعد إلى أي مدى.

 أظهرت الأبحاث أن مشاكل القدرة على القراءة والكتابة عادة ما تكون على الأرجح مدعومة بصعوبة في الفنولوحيا phonology (النطقيات، ١٣) – وهي القدرة على تجزئة/تهجئة صوتيات (الفونيم) وتغيير وتبديل حروف الكلمة (كتهجئة كلمة r u n وتغيير حرف r  بحرف s لتصبح الكلمة s u n , للمزيد من التوضيح ، راجع ١٤).  اتضح أن الأشخاص الذين يعانون من عسر القراءة قد عانوا أيضًا  في تعلم كيف تكلموا عندما كانوا رضعاً (اطفال في عمر الرضاعة).  لقد أظهرت التجارب أنهم كانوا أبطأ من الآخرين في تسمية الأشياء.  وهذا ينطبق أيضًا على الرموز المكتوبة (مثل الحروف المكتوبة) وربطها بأصوات الكلام.

وهنا تأتي التنشئة مرة أخرى.  الصعوبات في تعلم القراءة والكتابة تظهر بشكل خاص في اللغات ذات القواعد النحوية والإملائية المعقدة ، مثل اللغة الإنجليزية.  لكنها أقل وضوحاُ /ظهوراً  بكثير في اللغات ذات الأنظمة الإملائية البسيطة ،  كالإيطالية (١٥).  اختبارات النطقيات (الفونولوجيا) وتسمية الأشياء ، على أي خال، يمكنها  الكشف عن عسر القراءة في الناطقين باللغة الإيطالية أيضا (١٦).

لذا فإن الاختلاف الموجود في الأدمغة التي لديها عسر القراءة من المرجح أن يكون هو نفسه في كل مكان ، ولكن مع ذلك سوف يتطور بشكل مختلف للغاية (١٧) في أنظمة الكتابة المختلفة (للإطلاع على قائمة أنظمة الكتابة، راجع ١٨).

حلقات التغذية الإرتجاعية الإيجابية 

الطبيعة والتنشئة (١) تقليديا هما في وضعية تقابُل (عكس) لبعضهما البعض.  لكن في الحقيقة ، غالبًا ما تميل تأثيرات البيئة والممارسة إلى تضخيم استعدادتنا الفطرية.  والسبب هو أن استعداداتنا الفطرية (١٩) تلك تؤثر على الطريقة التي نواجه بها الأحداث المختلفة ونستجيب لها بشكل غير موضوعي (شخصي/ذاتي) ، وكذلك كيف نختار ممارساتنا experiences وبيئاتنا.  على سبيل المثال ، لو  كنت جيدًا بشكل طبيعي في شيء ما ، فمن المرجح أنك تريد أن تمارسه.

هذه الديناميكية جلية بشكل خاص للقراءة.  الأطفال الذين لديهم قدرة كبيرة على القراءة فمن المرجح أنهم يرغبون في القراءة (٢٠).  هذا بالطبع سيزيد من مهارات القراءة لديهم ، مما يجعل الممارسة  أكثر جدوى.  بالنسبة للأطفال الذين لديهم قدرة  أقل على القراءة الطبيعية ، فإن العكس قد يحدث – سيختارون القراءة بشكل أقل ، وسوف يتخلفون عن أقرانهم بشكل أكثر  بمرور الوقت.

إضافة حوافز خارجية (كالتعليم) تفتح نافذة للتدخل لتعزيز التقدم في الإتجاه الإيجابي أو لتجنب العوامل السلبية (بحسب ايميل تلقيناه من البرفسورة يوتا فريث من جامعة كوليدج لندن).  كما رأينا في حالة القرّاء الإيطاليين ، فإن التنشئة يمكن أن تخفف من آثار استعداد وراثي ضار.  وبالمثل ، يمكن للمدرس الجيد الذي يعرف كيف يقوم بتدريب مثمر أن يساعد القراء ضعيفي القراءة من خلال السماح لهم بنطق كلمة عن عمد لمحاكات طريقة تهجئتها: Lei-ces-ter بدلاً من Lester، والإتيان بنمط أو علاقة ربط لتهجئة الكلمة تساعد على تقوية ذاكرة التهجئة، مثل I قبل e ما عدا بعد c كما في كلمة brief أو chief ولكن ليس كما في كلمة ceiling (هذا التوضيح أرسلته لنا البرفسورة يوتا فريث عبر الإيميل).  بهذه الطريقة ، يمكن للقراء الذين يعانون من عسر القراءة أن يصبحوا قراءًا جيدين – وأن يستمتعوا بها.  المكافآت والممارسات تعزز بعضها البعض ، مما يؤدي إلى مزيد من التحفيز والمزيد من التدريب في حلقة تغذية إرتجاعية إيجابية (للتعريف، راجع ٢١).

لذا ، بدلاً من اعتبار الطبيعة والتنشئة عدوين متقابلين/متساويين، يجب أن نفكر فيها كحلقات التغذية الإرتجاعية (٢١) حيث التأثير الإيجابي لأحدهما يزيد من التأثير الإيجابي للآخر – أي لا يؤدي الى جمع التأثيرين بل الى تعزيز التأثير.  بالطبع ، ينطبق الشيء نفسه على التغذية الإرتجاعية السلبية (٢١) ، وبالتالي لدينا كل الدوائر الفاضلة والشريرة.

لأن الميراث (الجيني وكذلك الحضاري/الثقافي) مهم ، وهذا التأثير ملاحظ أيضًا على نطاق أوسع ممتداً لعدة أجيال.  في الماضي ، الآباء (الأبوين أو أحدهما) الذين أرسلوا أطفالهم إلى المدرسة خلقوا بيئة مواتية لهم ولأحفادهم.  لكن في المقابل ، استفاد الآباء من وجود ثقافة استثمرت في المدارس.  بطبيعة الحال ، فإن هذه الاستثمارات لا تنتشر دائمًا بالتساوي وقد تتدفق أكثر نحو تلك الموجودة بالفعل في وضع مواتٍ.  يشار إلى هذا التغذية الإرتجاعية الإيجابية في بعض الأحيان بإسم “تأثير ماثيو/متّى (٢٢)” – الغني يزداد غنى والفقير يزداد فقراً (للمزيد من التعريف والتطبيق لخصوص اكتساب مهارة القراءة ، راجع ٢٣).

تمتد الحلقات loops التفاعلية بين الطبيعة والتنشئة إلى ما بعد حياة الأشخاص ، حيث تتطور عبر المجتمعات وعلى مر الأجيال.  التعرف  على هذه الديناميكيات يمنحنا بعض القوة لكسر حلقات loops  التغذية الإرتجاعية (٢١)  هذه ، سواء في حياتنا الخاصة أو على نطاق أوسع في المجتمع والثقافة.

تعريفات ومصادر من داخل وخارج النص:
١-الطبيعة والتنشئة nature and nurture وتعرف أيضاً ب الطبع والإكتساب أو الخلقي والمكتسب أو الوراثة والتنشئة، وللمزيد من الإيضاح يرجى مراجعة النص على العنوان التالي   https://ar.m.wikipedia.org/wiki/الطبيعة_ضد_التنشئة
٢-https://www.britishscienceweek.org/?gclid=EAIaIQobChMIhcqAw9L55QIVSUHTCh0HCgWWEAAYASAAEgLBhfD_BwE
٣-https://royalsociety.org/science-events-and-lectures/2019/11/berlin-science-week/
٤-https://ar.m.wikipedia.org/wiki/شبكة_عصبونية_حيوية
٥-https://ar.m.wikipedia.org/wiki/اضطراب_النمو_العصبي
٦-https://theconversation.com/how-did-reading-and-writing-evolve-neuroscience-gives-a-clue-112337
٧-https://readinginthebrain.pagesperso-orange.fr/intro.htm
٨-منطقة شكل الكلمة المرئية (VWFA) هي منطقة وظيفية من التلفيف المغزلي fusiform gyrus الأيسر والقشرة المحيطة بها (الجانب الأيمن هو جزء من منطقة الوجه المغزلي) التي يُفترض أن تشارك في تحديد الكلمات والحروف من صور الحروف الصغيرة   ، قبل الارتباط  بالنطقيات (الفنولوحيا )    أو المعاني/الدلالات (semantics) . ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان :
https://en.m.wikipedia.org/wiki/Visual_word_form_area
٩-https://royalsocietypublishing.org/doi/full/10.1098/rspb.2014.3139
١٠-https://global.oup.com/academic/product/dyslexia-a-very-short-introduction-9780198818304?cc=gb&lang=en&
١١-https://www.werathah.com/special/school/reading2.htm
١٢-https://aeon.co/ideas/wired-that-way-genes-do-shape-behaviours-but-its-complicated
١٣-https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0959438803000357?via%3Dihub
١٤-http://reading.uoregon.edu/big_ideas/pa/pa_what.php
١٥-https://www.ncbi.nlm.nih.gov/m/pubmed/10607401/
١٦-https://www.ncbi.nlm.nih.gov/m/pubmed/11251124/
١٧-https://www.biorxiv.org/content/10.1101/834945v1
١٨-https://ar.m.wikipedia.org/wiki/قائمة_أنظمة_الكتابة
١٩-https://press.princeton.edu/books/hardcover/9780691173887/innate
٢٠-https://onlinelibrary.wiley.com/doi/full/10.1111/jcpp.12910
٢١-ارتجاع إيجابي /التغذية الإرتجاعية الإيجابية feedback loops
https://ar.m.wikipedia.org/wiki/ارتجاع_إيجابي
٢٢- https://www.tandfonline.com/doi/abs/10.1080/00313831.2011.554699
٢٣ – تأثير ماثيو / تأثير متّى: استخدم ستانوفيتش هذا المصطلح ليصف إحدى الظواهر التي لاحظها عندما أجرى بحثًا حول كيفية اكتساب القراء الجدد لمهارات القراءة: ويؤدي النجاح المبكر في اكتساب مهارات القراءة إلى المزيد من النجاحات في القراءة فيما بعد كلما تقدم المتعلم في العمر، بينما قد يكون الفشل في تعلم القراءة قبل السنة الدراسية الثالثة أو الرابعة مؤشرًا يدل على وجود مشاكل دائمة في تعلم مهاراتٍ جديدة. ويرجع ذلك إلى أن الأطفال الذين يتخلفون عن أقرانهم في تعلم القراءة سيقرءون بمعدل أقل، وبالتالي تزداد الفجوة بينهم وبين أقرانهم. وفيما بعد، عندما يحتاج الطلاب إلى “القراءة للتعلم” (حيث كانوا من قبل يتعلمون القراءة نفسها)، تشكل مشكلة صعوبة القراءة عندهم عائقًا كبيرًا في تعلم معظم المواد. وهكذا، يزداد معدل تأخر مستوى الطلاب عن أقرانهم في المدرسة بشكلٍ كبير.، اقتبسناه من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.m.wikipedia.org/wiki/تأثير_متى

المصدر الرئيسي:
Nature versus nurture: how modern science is rewriting it
November 22, 2019
Kevin Mitchell
Associate Professor of Genetics and Neuroscience, Trinity College Dublin
Uta Frith
Professor Emeritus of Cognitive Development, UCL
https://theconversation.com/nature-versus-nurture-how-modern-science-is-rewriting-it-127472

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *