لا تسقط من هو دونك كي لا يسقطك من هو فوقك – بقلم صادق علي القطري

إلى كل من ظنّ أن القوة في الازدراء، أو أن العظمة في الدوس على ما هو أضعف…

الإنسان، في لحظة غروره، ينسى أنّ الحياة تقوم على دوائر متشابكة؛ فلا شيء يعلو إلا على ما تحته، ولا شيء يثبت في مكانه إلا بما يسنده. فحين يسقط المرء ما هو دونَه استصغارًا أو احتقارًا، فكأنما يحفر حفرةً في أساسٍ يقف عليه، غير مدرك أن الاهتزاز سيصل إليه، وأن الانهيار سيلامس قدميه قبل أن يلامس الأرض.

إنّ هذه المقولة ليست وعظًا أخلاقيًا فحسب، بل هي قانونٌ اجتماعيّ ونفسيّ يعمل في صمت. فالمتعالي الذي يسقط الضعفاء من نظره، أو يهدم ما هو أصغر منه من قيم وعلاقات، لا بد أن يأتي يومٌ يجد فيه من هو فوقه يمارس معه الفعل ذاته. وكأنّ الكون يعيد إليه صدى فعله، ليذيقه من الكأس التي صبّها لغيره.

ولعلّ أعظم ما في هذه الحكمة أنها تُعيد ترتيب العلاقة بين القوي والضعيف. فهي تذكّرنا أنّ ما هو دونك ليس عدوّك ولا خصمك، بل هو جزء من قاعدتك التي ترتكز عليها. الطفل الذي تحت رعايتك اليوم قد يكون سندك غدًا، والعامل الذي ترى أنه دونك قد يحمل بين يديه رزقك، والضعيف الذي تستصغره قد يدعو لك دعوةً تفتح لك أبواب السماء، أو عليك دعوةً تُغلقها في وجهك.

إنّ السقوط الحقيقي لا يبدأ من الأعلى، بل من اللحظة التي يُسقط فيها المرء ما يظنّه دون قيمة. فكما أنّ الشجرة لا تسقط من قمتها مباشرة، بل حين يذبل جذرها الذي في الأسفل، كذلك الإنسان؛ لا تهوي مكانته إلا إذا انقطع عن جذوره، عن من حوله ومن تحته.

فلنحذر إذن من وهم العلوّ؛ فالقيم الإنسانية لا تقاس بارتفاع المقام، بل بقدرة المرء على أن يصون ما تحته كما يصون ما فوقه. ولنتذكّر أن من يرفع رأسه متكبرًا على الصغار، سيجد من هو أكبر منه يطأه بالطريقة نفسها.

إن العظمة ليست أن ترى نفسك فوق أحد، بل أن ترى أنّك لا تكون إلا بالجميع؛ أن تفهم أن ما هو دونك هو جزء من صرحك، وأن احترامه وصيانته هو الضمانة الوحيدة لثباتك في مكانك، بل وارتقائك إلى ما هو أعلى.