شحنات النفط “معوضة الكربون” – بقلم محمد جواد آل السيد ناصر الخضراوي

نشرت “نشرة الطاقة الاسبوعية” التي تصدر من واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية في عددها الصادر في 30 مايو 2025 خبرا تحت عنون ” 5 شحنات نفط لأرامكو السعودية.. الأولى من نوعها في الشرق الأوسط” كتبه مراسل النشرة أحمد عمار من وحدة أبحاث الطاقة؛ ذكر فيه أن شركة أرامكو السعودية نجحت في تصدير شحنات نفط خام معوضة الكربون خلال العام الماضي (2024) من راس تنورة والجعيمة، هي الأولى من نوعها في منطقة الشرق الأوسط، لتؤكد الشركة موقعها ضمن أقل شركات الطاقة عالميًا، من حيث الكثافة الكربونية.

وخلاصة الخبر أن شركة أرامكو اشترت نحو 1.1 مليون طن من أرصدة الكربون خلال عام 2024 عبر مزاد سوق الكربون الطوعي في المملكة، وأسهمت أرصدة الكربون الطوعية في توفير الدعم لـ17 مشروعًا مناخيًا بأكثر من دولة؛ منها: بنغلاديش والبرازيل وإثيوبيا وماليزيا وباكستان وفيتنام. واستعملت 513.1 ألف طن من أرصدة الكربون لتعويض انبعاثاتها.


وكانت أول شحنة من هذا النوع قد تمت في العام 2023، وكان اجمالي حجم الشحنات حتى تاريخ نشر الخبر بلغ 10 ملايين برميل من النفط الخام العربي الخفيف بمتوسط كثافة انبعاثات يبلغ 7.48 كغم ثاني اكسيد الكربون لكل برميل نفط مكافئ وبأرصدة كربون مستعملة لتعويض الانبعاثات بلغ 92.55 ألف طن من مكافئ ثاني اكسيد الكربون، 75% منها من مشروعات إزالة الكربون و25% من مشروعات لتجنب الكربون.

وهذا يؤكد دور شركة أرامكو السعودية الريادي في تمويل مشروعات لتعويض الكربون وخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وصولا الى مستهدفاتها بتحقيق الحياد الكربوني من الغازات المسببة للاحتباس الحراري للنطاقَيْن (1) و(2) بجميع الأنشطة التي تديرها وتملكها بحلول 2050.

ومقالتي هذه تحاول الإجابة على مجموعة من الأسئلة حول شحنات النفط المعوضة الكربون، تتعلق بمعنى هذا المصطلح وأهدافه، وكيف يعمل، وتاريخ ظهور مصطلح “شحنات نفط معوضة الكربون”، وأسباب لجوء الشركات المنتجة للنفط والغاز لهذا النموذج، وآلية الرقابة ودور جهات المراقبة، وفاعلية التعويضات فعالة.

وقبل الاجابة على هذه الأسئلة، أود الاشارة الى انخفاض كثافة انبعاثات قطاع التنقيب والانتاج في أرامكو السعودية من 10.7 كغم ثاني اكسيد الكربون لكل برميل نفط مكافئ الى 9.7 كغم، كما أوضحته بطاقة المعلومات الرسومية (الانفوغرافيك) الذي أعدتها النشرة المذكورة والذي تقارن أبرز انجازات أرامكو السعودية التشغيلية في العامين 2023 و 2024.

شحنات النفط المعوضة الكربون (Carbon-Offset Oil Shipments)
هي شحنات نفطية يتم تعويض انبعاثات الكربون الناتجة عن استخراجها، نقلها، وتكريرها، وحتى استهلاكها، من خلال مشاريع تقلل أو تمتص كمية مكافئة من انبعاثات الكربون في مكان آخر. وتعتبر هذه الخطوة حلاً مؤقتًا في انتظار التحول الكامل إلى الطاقة النظيفة، وهي مثار جدل بين الخبراء.

ومن الشركات التي تقدم نفطًا أو غازا معوضًا شركة “بي بي” (BP) في إطار الحياد الكربوني وشركة شل (Shell) ببعض شحنات الغاز المسال المعوضة، وشركات نفطية نرويجية مثل “اكوينور” (Equinor).
أهدافها:
• الحد من الأثر البيئي للنفط، رغم استمرار استخدامه
• جذب المستثمرين والعملاء المهتمين بالاستدامة
• الاستعداد للقوانين البيئية المشددة في بعض الدول (مثل ضرائب الكربون).
كيف تعمل؟
• حساب البصمة الكربونية: يتم قياس إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة (مثل ثاني أكسيد الكربون) المرتبطة بدورة حياة النفط، من الإنتاج إلى الاستهلاك.
• شراء تعويضات الكربون: تقوم الشركة المنتجة أو المشترية بتمويل مشاريع خفض الانبعاثات، مثل: زراعة الأشجار (امتصاص الكربون)، ومشاريع الطاقة المتجددة (الرياح، الشمسية، الكهرومائية)، وحماية الغابات من الانحدار، وتحسين كفاءة الطاقة في الصناعات.
• إصدار شهادات التعويض: يتم التحقق من هذه المشاريع عبر جهات مستقلة [مثل غولد ستاندرد (Gold Standard) و فيرا (Verra)] لتأكيد تحقيق تخفيض فعلي في الانبعاثات.
وهناك انتقادات ومخاوف منها: عدم حل المشكلة جذريًا فالتعويض لا يوقف الانبعاثات بل يحاول موازنتها، ومشاكل في مشاريع التعويض حيث أن بعضها غير فعال أو غير قابل للقياس بدقة، اضافة الى إمكانية “الغسل الأخضر” (Greenwashing) حيث تستخدم بعض الشركات التعويضات كذريعة لمواصلة التلوث.

تاريخ ظهور مصطلح “شحنات نفط معوضة الكربون”
بدأ استخدام هذا المصطلح بشكل بارز في العقد الأخير (2010-2020) مع تزايد الضغوط البيئية على شركات النفط، لكنه أصبح أكثر انتشارًا بعد اتفاقية باريس للمناخ (2015) التي دفعت الشركات إلى تبني استراتيجيات لخفض الانبعاثات، وإعلان شركات كبرى مثل “شل” و”بي بي” في 2019-2020 عن خطط للحياد الكربوني بحلول 2050 ، اضافة الى توسع أسواق كربون طوعية لتمويل مشاريع تعويض الانبعاثات.

لماذا تلجأ الشركات لهذا النموذج؟
أهم الأسباب التي تلجئ الشركات المنتجة للنفط والغاز الى هذا النموذج هو الضغوط التنظيمية، التي تترجم على ارض الواقع كالتالي:
• تفرض دول مثل الاتحاد الأوروبي ضرائب كربون أو تشترط تعويض الانبعاثات
• تلزم قوانين جديدة الشركات بالإفصاح عن بصمتها الكربونية
• تتعرض الشركات النفطية الى ضغوط المستثمرين كصناديق الاستثمار (مثل “بلاك روك” BlackRock) التي تفضل شركات تتبنى المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة
• تطلب بعض الشركات (مثل خطوط طيران أو مصانع) وقودًا معوضًا كربونيًا لتحسين سمعتها لدى عملائها، اضافة الى المنافسة بمحاولة إظهار “الاستدامة” في سوق يتجه نحو الطاقة النظيفة.

من يراقب هذه العملية؟
لا توجد جهة حكومية عالمية واحدة مسؤولة، لكن تتم المراقبة عبر منظمات تصديق تعويضات الكربون (غير حكومية) ومنها “غولد ستاندرد” (Gold Standard) التي تأسست في 2003 بمبادرة من الصندوق العالمي للطبيعة (World Wide Fund for Nature – WWF) ، وشركة “فيرا” (Verra) الغير ربحية التي تأسست في 2007 على يد رواد في مجال البيئة والأعمال ويقع مقرها في مدينة واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية ولها هياكل ربحية، و”كلايمت أكشن ريزيرف” (Climate Action Reserve) وهي منظمة بيئية غير ربحية ويقع مقرها في مدينة لوس أنجلوس، ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، ومؤسسة “بلان فيفو” (Plan Vivo Foundation) وهي منظمة غير حكومية ويقع مقرها في مدينة إدنبرة، اسكتلندا.

وهناك جهات رقابية حكومية ودولية منها اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) التي تتابع التزامات الدول لكن لا تتدخل مباشرة في تعويضات الشركات، والبنك الدولي الذي يدعم بعض آليات كربون عبر صندوقي “تحالف قيادة تسعير الكربون” (Carbon Pricing Leadership Coalition) و”شراكة الكربون الغابي” (Forest Carbon Partnership) ، والحكومات المحلية مثل ولاية كاليفورنيا (نظام “كاب اند تريد” cap-and-trade) أو الاتحاد الأوروبي (نظام تجارة الانبعاثات EU ETS). ويوجد جهات رقابة مستقلة كالمنظمات غير الربحية مثل “كاربون ماركت واتش” (Carbon Market Watch) التي تراقب وتنتقد مشاريع التعويض غير الفعالة، الى جانب وسائل الإعلام التي تكشف عن حالات “غسل أخضر”.

دور جهات المراقبة: توفر جهات المراقبة معايير لقياس فعالية مشاريع التعويض، وتصدر “شهادات كربون” لكل طن من الانبعاثات المعوضة.

هل التعويضات فعالة حقًا؟
نعم إذا كانت المشاريع دائمة (مثل طاقة متجددة بديلة عن الفحم) وقابلة للقياس والتحقق. وإلا إذا كانت مشاريع وهمية (مثل زراعة أشجار لا تُحافظ عليها) تُستخدم كذريعة لعدم خفض الانبعاثات الفعلية. والخلاصة أن الشركات تلجأ لتعويض الكربون بسبب مزيج من الالتزامات القانونية والضغوط السوقية، والرقابة تتم عبر منظمات تصديق خاصة وحكومات، لكن النظام ليس مثاليًا ويحتاج إلى مزيد من الشفافية.

المهندس محمد جواد آل السيد ناصر الخضراوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *