تجربتي في دمج زخارف السفة بين خوصيات صفوى قطيف السعودية وبين بامبو جنوب شرق ريو دي جانيرو البرازيل – بقلم الفنانة معصومة الحمدان

الملتقى السنوي المقام في المعهد الملكي بالرياض يشارك خلاله الكثير من فناني الحرفة السعودية مع فناني الحرفة العالمية من أجل تقديم فعاليات وعروض متنوعة، ففي العام الماضي كان هناك ضمن الفعاليات تجربة لتنفيذ فكرة إبداعية جديدة مبتكرة تولدت نتيجة العروض والتي قام بتبنيها وتنميتها المسؤولون في المعهد وهي فكرة دمج تصماميم أعمال زخرفية متقاربة في الشبه مستوحاة من عملين فنيين أحدهما من السعودية والآخر من أي دولة أخرى مشاركة يقع الخيار على عمل بارز لها ليخرجا منه بعمل فني واحد مشترك ذو ضبغة مشتركة ابداعية جديدة مدمجة.

لقد بدأت هذه التجربة باختيار دمج تصماميم السدو السعودي مع تصاميم أعمال السدو الكوري في العام الماضي وقد تكللت نتائج هذه التجربة بالنجاح ونالت الإستحسان في العروض وتقبل الزوار مشاهدة تلك العروض المدمجة ما حدا بالمسؤولين إلى التمسك باستمرارية تكرار مثل هذه التجربة والتي رست في هذا العام على اختيار تصاميم الزخارف الخوصية وقد تم اختياري لتمثيل الجانب السعودي في تنفيذها مشتركة مع الجانب الآخر ممن سيشاركنا في هذا المجال من العالم،


وبعد أن تم الإطلاع على أعمال من سيشاركنا في هذا العرض وهم من البرازيل وتحديداً من جنوب شرق ريودي جانيرو والذي سبق لي اللقاء بهم في أحد الملتقيات وبعد أن تم الإتفاق على تصميم اللوحة الخوصية المشتركة التي كُلِّفتُ بتنفيذها بعد أن تم ترشيحي للقيام بهذه المهمة من قِبَل المعهد الملكي وقد تم هذا الاختيار بعد نتيجة البحث السعودي البرازيلي الذي أقيم في معهد بنان حيث نال العمل الخوصي الإعجاب وتم إستحسانه لأن يكون هو العمل المشترك في التنفيذ المقبل لهذا العام.

بعدها بدأت بمباشرة رسم الإسكتشات التي توضح تخطيط هذا التصميم المشترك ودمج ما احتوته من عناصر لوحتي البلدين بصورة متناسقة ومتناغمة، ثم شرعت في إفراغ ما تم رسمه من الورق إلى حقل التنفيذ وكان هذا هو مشروعي المتمثل في لوحتي الخوصية التي تتضمن تصاميم البلدين ليتم بعد ذلك عرضها في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض في الركن الخاص بي وستعرض فيه أيضاً بعض من أنماط منتجاتي الخوصية الأخرى التي تحمل طابع الحس الفني السعودي القطيفي الصفواني بالإضافة إلى تكليفي بإقامة ورشات عمل صغيرة مبسطة يتدرب من خلالها الراغبون من زوار المعرض ، كما وسيتواجد معي أثناء العرض في هذا الركن أيضاً ذلك الفنان البرازيلي القادم من إحدى القرى الريفية الجنوبية الشرقية من ريودي جانيرو والذي وضع لمسات تلك اللوحة البرازيلية المشتركة مع اللوحة السعودية في الزخرفة فقط والتي قمت شخصياً بتنفيذها كاملة في لوحة واحدة مدمجة.


ماقمت بتنفيذه هو مقتصر على الأعمال الخوصية النخلية الصرفة دون إضافة أي مواد أخرى وإن كل ماتم إضافته هو الألوان حيث يتم تقسيم الخوص إلى مجموعات يخضع بعضها إلى التلوين بألوان طبيعية خاصة بالخوصيات وليست صناعية وتبقى المجموعة الأساسية بلونها الطبيعي دون تلوين ، كما أن هذه الألوان متعارف عليها محلياً ومحدودة في عددها ويُراعى عدم تداخل أي لون مع أي لون آخر إلا حسب القانون المتعارف عليه في الوسط الخاص بعمل الخوصيات، وهذه الألوان الرئيسية المستعملة هي الأحمر والبرتقالي والأخضر بالإضافة إلى لون الخوص الطبيعي وهو الأساسي (المائل إلى البيج)، واللونان الأخيران البرتقالي والأخضر يستخدمان في تحديد الزخرفة حيث يشكلان خطان فاصلان.

ولكني أود هنا أن أشير إلى بعض التجاوزات التي لابد لي من الولوج فيها عند تنفيذي لهذه اللوحة فهي مزيج بين فن سعودي قد التزمت بتطبيق ألوانه المتعارف عليها عندنا محلياً وبين فن برازيلي لابد من التجاوزات بمزج بعض الألوان لأحصل على لونهم المستخدم وهو اللون الأسود فلا بد لهذه اللوحة أن تتضمن اللون الأسود ليمثل الطرف الثاني المشارك وهو البرازيلي. أما في القسم الخاص بنا فلابد لي من الإلتزام بتطبيق قوانين عملنا الفني التقليدي الأصيل المستوحى من الزخارف الخوصية المتوارثة أباً عن جد عند أهالي منطقتنا وتحديدا في صفوى القطيف.

أما الجهة الأخرى المشاركة في اللوحة اعني البرازيل فهم يستخدمون عدة خامات مختلفة كالأسل والليف وأيضا شرائح البامبو وشرائح من جذوع أشجار الموز. وأما بالنسبة للزخارف المشتركة فقد قمت بانتقاء الزخارف القريبة من زخارفنا والمعروفة عندنا في صفوى بالقمر وهي على شكل معين وحين تلتقي مجموعة من هذه الأقمار وتتصل ببعضها من الزوايا فإنها تعرف في القطيف عامة بالترملي وأحيانا الترمبلي.

لقد كانت أعمالهم التي أُرسِلت لي صورها عبارة عن سلة صُنِعت من شرائح سيقان البامبو (الخيزران) وقد استعملوا في زخرفتها خيوط منسوجة بطريقة سهلة وبسيطة جداً وسريعة التنفيذ عندهم ، وذلك لأن خاماتهم المستعملة والمتمثلة -كما أشرت- في شرائح البامبو وشرائح جذوع شجر الموز المتصفة بطولها الذي يصل إلى عدة أمتار بحيث يُمَكِّنهم من الإسترسال في عملية نسجه بشكل سريع ودون أي عقبات أو توقف لأجل أي إضافات جديدة من تلك الشرائح فيمتد العمل إلى عدة أمتار وينجز في مدة أقل،،،

على عكس نسج خوصيات النخيل التي لايتعدى طول الخوصة منها الثلاثين سنتيمتراً، فنسيج سف الخوص يحتاج إلى إضافات بين حين وآخر وهذه العملية تحتاج إلى دقة وبراعة فنية ومراعاة عالية بحيث لاينحرف مسار امتداد الخوص عن بعضه فيحدث حينها تخلخل وعدم تناسق في أشكال زخارفه وخصوصاً عند تثبيت الخوص الملون بألوان مختلفة بحيث يراعى تجنب تداخل الخوص المختلف الألوان في بعضه فتحدث عندها لخبطة في الألوان المكونة للشكل الفني، فكان هذا دوري في المحافظة على عدم الخروج من هذا النسق وقد تمكنت بحمدالله من انجاز هذا النسيج الخوصي والذي تم تقييمه من قِبَل الجهات المسؤولة عن ذلك وقد أضفى هذا العمل تسجيل رقم عالمي جديد منفرد بهذه الأبعاد الكبيرة والذي كان من سعف النخيل وقد استغرقت مدة تنفيذه ٧٠ يوماً.


لقد شكلت أوجه التشابهات في بعض الأشكال عوناً في تسهيل شق طريق الإنجاز من حيث المزج فقد تولد منه تآلف وامتزاج متناسق ساعد على الإنجاح بالخروج بنتيجة مرضية جداً جمعتها لوحة خوصية واحدة عالية التوافق والإمتزاج رغم اختلاف الخامات المستعملة عند المنطقتين.

بعد توضيح تلك الألوان المحدودة والمتعارف عليها لتشكيل الزخارف الخوصية في السفة فلا بد لنا هنا من توضيح المسميات الإصطلاحية لتلك الزخارف الخوصية التي كونتها تلك الألوان وإن أكثر هذه الزخارف يتم تنفيذها على المراوح اليدوية المصنوعة من الخوص وبعضها تنفذ على الزنابيل، فمن بعض مسميات الزخارف الخوصية الصفوانية بشكل أخص وفي القطيف عامة:
١. الزخارف القمرية وهي على نوعين: زخرفة القمرية الحمراء وزخرفة القمرية البيضاء وهي على شكل مربعات أو معينات.
٢. زخرفة الترملي (الترمبلي) إذا اتصلت مجموعة من هذه المعينات بأطراف زواياها فإنها تعرف بالترملي او الترمبلي وهي ماتعرف في أيامنا هذه بالكاروهات وذلك عندما تكون على القماش.
٣. زخرفة الرازقية وهي على نوعين: الرازقية الإعتيادية والرازقية على ديل (اي الجانبية)، الرازقية بلهجة القطيف عامة تعني زهرة الفل وهي زخرفة رباعية الأوراق في التنفيذ في الخوصيات.
٤. زخرفة المفنجلة: وهي مجموعة من معينات لترملي تظهر على شكل ثلاثي الأبعاد.
٥. الزخرفة المفححة أي المخططة وهي ذات خطوط متوزاية اعتيادية أو مائلة.
٦. زخرفة أم اشخيط وهو تصغير شخط وتعني الخطوط الصغيرة.
٧. هناك نقوش خلفية على عصا المروحة وهي مقبض المروحة حيث تثبت المروحة في العصا بواسطة خوص يلتف حول العصا ويتداخل بين مسامات المروحة وتعرف هذه العملية بالتنصيب فيستغل صُنّاع المراوح هذه المساحة الضيقة بتصميم زخرفة صغيرة إما من نوع الرازقي أو من الفحوح (الخطوط الصغيرة) بحيث تظهر خلف العصا لتضفي عليها جمال يسر الناظر.
٨. ومن أنواع المراوح التي تميز بها أهالي صفوى هي غرزات المراوح الصفوانية والمعروفة بالغرزة المشخلة (أي ذات المسافات المتباعدة أو الفراغات المسامية التي تسمح بالرؤيا من خلال مربعات مسامية صغيرة وسط المروحة)، وهذا النوع من المراوح ليس للتهوية أو لجلب الهواء وإنما هي مراوح بلا نصابات (بدون عصي) تُجَهزُ عادة في مواسم الحج لتضعها المرأة فوق رأسها بشكل مائل على الوجه لكي تستره أثناء أداء فريضة الحج وقد كان يخاط حولها قماش من خامة الإحرام نفسه من أجل تثبيتها فوق الرأس، وهذا النوع من السف صعب التنفيذ إذ يحتاج لمهارة فائقة واتقان في جودة العمل كما وقد كان من الضروريات اللازمة لكي لاتكشف المرأة عن وجهها أثناء تأدية فرضة الحج وقد استُخدِمت معها المقانع وهي نوع من الأردية النسائية التي تربط على الرأس وتساعد على تثبيت تلك المراوح.


لازلت أحتفظ بنموذج واحد من تلك المراوح بعد أن اندثر استعمالها وأصبحت نادرة الوجود وهي من صنع جدتي وقد قامت بسفها لنفسها في العام الذي حجت فيه منذ قرابة السبعين سنة، كما وقد عثرت على نموذجين منها في متحف الأستاذ سيد شبر القصاب فالبعض يحتفظ بها على سبيل الذكرى ومن أجل اطلاع الجيل الجديد على أعمال أسلافهم الفنية.

ويمتاز تصميم هذا النوع من المراوح بالدقة العالية المرتبة والنعومة في الملمس لصغر سماكة الخوصيات وكذلك الإبداع في نقوشها وزخرفتها السِفِيَّة بالخوص نفسه بدون استعمال الألوان فيها.

وأما عن جديدي فقد استلهمت من مراوح جداتنا هذه والضاربة في القدم فكرة إحياء هذا التراث وإعادة تدشينها من جديد في عالم سف خوصياتنا المحلية الحديثة في هذه الأيام منعاً عن اندثارها وتخليداً لاستمرارية وجودها.

3 تعليقات

  1. تجربة رائعة بالتوفيق
    صدر حديثا كتاب بعنوان صناعة الخوصيات للأخ طاهر بن محمد المدن

  2. مروه اسماعيل

    ماشاء الله دائما فنانة ومبدعه افتخر بما وصلتي اليه

  3. ناصر الناصر

    ماشاء الله عمل رائع جدا وتقرير اروع
    بارك الله في هذه الجهود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *