لا تطفئ مصباح حياتك – د. عبد الجليل عبد الله الخليفه

المصباح مصدر الضياء والنور الذي يشع في حياتنا فينير لنا الطريق ويقشع عنا غشاوة الظلمة. قد يكون المصباح ماديًا كالشمس التي تضيء الطبيعة كلّ نهار، وقد يكون المصباح معنويًا يضيء القلوب بالإيمان والعلم والحكمة والمعرفة.

ما دور المصابيح في حياتك؟ وكيف تستفيد منها؟

وهل يضيء مصباحك للآخرين؟  

الفنان ميرزا حسين عبد الله الصالح رحمه الله

أنواع النور:

ليس هناك أجلى وأوضح وأعظم نفعًا من النور في حياة الإنسان، ومن النور أنواعٌ كثيرةٌ، فمثلًا:

  • نور الطبيعة تراه أبصار العيون حين ينبلج نور الفجر فيجلي ظلمة الليل الدامس رويدًا رويدًا حتى تشرق الشمس فتملأ الخافقين وتدبّ الحياة. هذا النور يعلن بداية يومٍ جديدٍ بعد ليلٍ طويلٍ، وفورة نشاطٍ بعد سباتٍ عميق. إنه أعظم ساعةٍ تنظم حياة البشر وتحدد جدولهم اليومي، فهو نعمةٌ عظيمةٌ تضفي للحياة نسقًا متواصلًا ينظم حياة الجميع،
  • نور الإيمان (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا)،
  • نور الفطرة والضمير الذي يدفع الإنسان للمكارم ويردعه عن المفاسد،
  • نور العلم (العِلْمُ نُوْرٌ يَقْذِفُهُ اللهُ فِيْ قَلْبِ مَنْ يَشَاءُ)، يرفع عن العقول حجب الجهل ويضيء لها أسباب المعرفة،
  • نور الحكمة يخرج القلوب من ظلمات الحيرة والضياع الى حيث الرضا والسعادة،
  • نور الرحمة تشعر به القلوب حين ترى محتاجًا فتسرع الى قضاء حاجته،
  • نور الأخلاق يملأ الإنسان محبةً للآخرين وأنسًا بهم،
  • نور العمل يحفظ كرامة الإنسان ويرفع عنه العوز والحاجة،
  • نور الكلمة الطيبة (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ)،
  • نور الطموح يدفع الإنسان لتحقيق الإنجازات وتخطي المصاعب،
لوحة فنية بريشة الفنان عبد الكريم الرامس

لا تطفئ المصباح:

خلق الله الإنسان واضاء حياته بمصابيح في كلّ جوانب حياته تهديه الى تحقيق كماله وسعادته. هذه المصابيح تشتعل نورًا وهدايةً منذ صغره الى كبره، فليس هناك مصدرٌ يشعّ بالظلمة، لكن حين يطفأ المصباح تحلّ الظلمة.

فهل هناك انسانٌ عاقلٌ يطفئ مصباحه ويعيش في ظلامٍ دامس؟

سؤالٌ محيرٌ!

 الجواب نعم هنا من يطفئ مصابيحه ويعيش في الظلام، لكن كيف، ولماذا؟

من أطفأ المصابيح:

  • فتاةٌ حسناءٌ وشمت وجهها بوشومٍ قبيحةٍ تقشعرّ منها القلوب والأبدان،
  • شابٌ في مقتبل العمر عصف بحياته ادمان المخدرات،
  • ابنٌ عاقٌ قطع رحمه فلا يصل والديه،
  • طالبٌ انشغل بمشاهدة المباريات في ليالي الامتحانات وأخفق في امتحاناته،
  • مغرورٌ نفخت النرجسية في أوداجه حتى خرّب بيته وأضاع أسرته،
  • عبقريٌ أطفأ طموحه وعاش كأقرانه دون أن يحقق مبتغاه،
  • حضارةٌ جعلت الثروة المادية والأنانية الفردية هدفها،

لقد ضربت أمثلةً صارخةً لأوضح الفكرة، فالمصابيح لا تعدّ ولا تحصى وكلّها نعمٌ عظيمةٌ في حياة البشر، لكن مع الأسف، يطفئ البعض بعضها او كلّها فيعيش في ظلامٍ دامس.

مسرح الحياة:

يوجد لدى الإنسان مصابيح نورٍ وهدايةٍ فطريةٍ تضيء جوانب حياته، ولديه أيضًا نوازع ماديةٍ وغريزيةٍ يمكن أن يلبيها في وضح هذا النور والضياء، فيعيش في هدوءٍ نفسي وجسماني يدفعه لتحقيق المزيد من النجاح والإنجاز. هذا التناغم بين النور المعنوي والحاجات الطبيعية المادية يحتاج الى توازنٍ دقيقٍ رسمته العناية السماوية عبر تشريعاتٍ الهيةٍ بلّغها الأنبياء والرسل فلا رهبانية كنسية ولا حياة حيوانية. ويوجد في مسرح الخلق العظيم ملائكةٌ سماويةٌ يعينون على الخير، كما أنّ هناك ابليس وشياطينه يوسوسون ويزيّنون له طريق الانحراف.

فهناك سبيلٌ مستقيمٌ مضيء بمصابيح الفطرة والنور يلبي فيه الإنسان غرائزه بتوازنٍ مشروعٍ، يعينه فيه الأنبياء والرسل بتشريعاتهم وتعينه الملائكة بتأييدهم، لكنّ ابليس بوساوسه وشياطينه يحاول جاهدًا أن يغوي الإنسان بالأنانية والغرائز والشهوات الحيوانية لينحرف عن هذا السبيل المستقيم الواضح. 

لذا يشتدّ الصراع بين دواعي الانحراف وبين الأنوار المضيئة للإيمان والفطرة والحكمة والفضيلة، وحين يحمي الوطيس، ينتصر البعض لأنواره المضيئة ويتمسك بصراطه المستقيم فيكون أفضل من ملائكة السماء، بينما يطفأ البعض بعض مصابيحه او كلّها ليلبي شهواته دون وازعٍ او ضمير وينحرف عن سبيل الخير فيصبح كالأنعام او أضلّ سبيلا. هذا الصراع والتنافس كما يحدث داخل الفرد، يحدث أيضًا بين المجتمعات والأمم لتحقيق مصالحهم المادية.

كيف نعالج هذا الصراع؟

الصراعُ في هذه الحياة حقيقةٌ لا ينكرها أحد، لكنّ السؤال: كيف نعالج هذا الصراع ونقلّل أخطاره؟

حين حارب الغرب الكنيسة وثار على اطارها الفكري الديني، كان لا بدّ أن يعالج هذا الصراع، فحاول بدايةً إجابة سؤال: لماذا الصراع؟

فقد رأى الفيلسوف نيتشه أنّ السعي لامتلاك القوة هو الدافع الرئيسي لتصرفات الإنسان، فبالقوة يستطيع أن يتحكم في قواعد اللعبة، بينما رأى آخرون أنّ الدافع الرئيسي هو رغبة الإنسان في تلبية مصالحه ولذاته الغريزية، ومهما كانت الدوافع، فكلها تسبّب الصراعات المختلفة.

وحيث أنّ الغربيين وجدوا أنّ الصراع مشكلةٌ تؤرقهم، نقلوا تفكيرهم الى كيفية تلافي الصراع وتقليل أخطاره. فرأوا أنّ تطبيق القانون هو الحلّ، لذا سنّوا القوانين وحاولوا تطبيقها على مستوى الفرد والمجتمع، لكنّ هذه القوانين لم تمنع اندلاع الحروب والصراعات.  هكذا يتفق الجميع في الغرب وغيره على تطبيق القانون، لكنهم يختلفون في كيفية تشريع القانون وضمان عدالته وخلق رادعٍ داخل الإنسان يمنعه عن التلاعب بتشريع القانون وتطبيقه.

أما الإلهيين فمن الواضح أنّ اطارهم الفكري العام الذي يؤمن بالخالق والرسل والدار الآخرة، يوفّر قانونًا تشريعيًا سماويًا يمكن تطبيقه، وكذلك رادعًا داخليًا يتمثل في الثواب والعقاب الإلهيين.

لكن يبقى سؤالٌ قد يطرحه بعض الماديين، وهو ما الحكمة من هذا الصراع، ولماذا لم يخلق الله الخلق بحيث لا يكون هناك صراعٌ، بل تبقى أنوار المصابيح مضيئة فلا يوجد انحرافٌ بل سبيلٌ مستقيمٌ لا انحراف عنه؟

الجواب هو:

  • التنافس والتدافع سنّةٌ طبيعيةٌ تكوينيةٌ بين الأمور وأضدادها، ففي الطبيعة يوجد تنافرٌ بين الماء والنار وبين الحرارة والبرودة وبين النور الظلام وهكذا في كلّ نواحي الحياة المادية. هذا التدافع والتنافس يوجد في البشر أيضًأ، ففي نفس الإنسان توجد نوازع ماديةٌ وغريزيةٌ تستديم بها حياته الطبيعية وهي تتنافس وتتدافع مع قيمٍ معنويةٍ تستديم بها حياته الاجتماعية، وكذلك التنافس بين البشر والأمم المختلفة،
  • كرّم الله الإنسان بنعمة حرية الاختيار ووفّر له مصابيح النور والهداية سواءً الفطرية من داخل نفسه او التشريعية السماوية من خارجها، لينظم ويوازن هذا التنافس والتدافع بين النوازع المادية الغريزية وبين القيم المعنوية،
  • لو افترضنا أنّه لم توجد حرية الاختيار حتى لا يوجد صراعٌ وتنافسٌ، فسيصبح الإنسان روبوتًا لا يستحق عظيم المنزلة ولن يذوق السعادة والكرامة المعنوية بحرية الاختيار. وإذا غاب التنافس لن تتطوّر التقنية والحياة المعيشية ولن يتحقق اعمار الأرض وجمالها،
  • هناك وعدٌ إلهي لكلّ من ينجح في هذا الصراع، بالمنزلة الرفيعة والقرب المعنوي من ربّ العالمين، وهي درجاتٌ أعلاها منزلة قاب قوسين او أدنى التي بلغها خاتم الرسل نبينا محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم.
الصور بعدسة محمد مرزوق آل غزوي

هل يضيء مصباحك للآخرين؟

نسأل الله أن تكون مصابيحنا مضيئةً وأن لا نطفأها بل نجعلها أكثر اضاءة ونورًا، تشعّ في حياتنا وفي حياة الآخرين.  ونظرًا لأنّ مصابيحنا باهتةً محدودة الإضاءة، علينا أن نستفيد من أولئك الذين هم مصابيح هدى للخافقين، والذين هم مصابيح رحمةٍ للعالمين، والحمد لله ربّ العالمين.  

4 تعليقات

  1. Sadiq Ali AlQatari

    انار الله طريقك بنور العلم و الحكمة ولا حرمنا الله عطائك و سلمت وسلم قلمك. تحياتي دكتورنا ابو محمد

  2. أمير الصالح

    الكتابات الناضجة والواعية و الملهمة بمثابة اضاءات و مصابيح و قناديل في طريق المتحمسين لنيل الفوز و تلمس الحلول الصحيحة و الخطوات الفعالة نحو رضى الله و سعادة النفس … بوركت ابا محمد 🌹

  3. أحسنتم دكتورنا الفاضل ابومحمد
    مقالة مختصرة ناهضة وهي نور الحياة ونور البصيرة ورفع مستوى الوعي والقرب الالهي وفقكم الله

  4. علي جعفر الرميح

    أحسنت دكتورنا ابو محمد
    كلمات جميلة ومضيئة لمن أراد النور والهداية في هذه الحياة الجميلة وسار على نهج محمد وآله الأطهار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *