القرآن والعقل – بقلم السيد موسى العلوي

{أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون (الطور ٣٥)}؟

مقدمة:
للتقابُل منطقيا أربعة أقسام:

١- (تقابل النقيضين) أو السلب والإيجاب.
وهما: أمْران وجودي وعدمي لذلك الوجود, وهما لا يجْتمِعان ولا يرتفِعَان ببدِيهَة العقل, ولا واسطة بينَهما.

٢- (تقابل الملكة والعدم), وهما أمرَان وجودي وعدمي لا يجتَمعان, ويجوز أن يرْتفعَا في موضع لا تصح فيه الملكة.

٣- (تقابل الضدين) وهما الوجودِيَّان المتعاقِبَان على موضوع واحد, ولا يتصور اجتِماعِهما فيه, ولا يتوقف تعقل أحدهما على الآخر, ولكنَّهما يرتفِعَان.

٤- تقابل المتضايفين, وهما الوجودِيَّان اللَّذان يتعقَلَان معا, ولا يجتَمِعان في موضوع واحد من جهة واحدة, ويجوز أن يرتفعا.

مصدر الصورة: pinterest.ca

الآية المباركة أتت في صيغة سؤال:
أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون؟؟؟

القسم الرابع, وهو: التَّضايف, هو الذي سوف يخدمنا في هذه المسألة.
فالعلة والمعلول أمرَان متضايفَان, فالعِلَّة دوما تسبق المعلول, كاستِّعمال المِفتاح في فتح باب السيارة أو باب البيت.
فتقول: حركت بيدي المفتاح, فانفَتح الباب. ولو لم تحرك المفتاح لبقي الباب مقفَلا أبد الآبدين.

بعد هذا المقدمة, ما هو جوابك على:
{أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون}؟

والجواب البَدِيهي: (لابد لكل مخلوق خالق) فمن المستحيل أنْ يوجد شيء بلا علة توجِده وتُبرزه في الخارج.

وهنا تبرز ثلاث قضايا, وهي:
١- نظرية التسلسل
٢- ونظرية الدَّور
٣- ونظرية الّا نهائي

١- فنظرِيَّة التسلسل, ومثالها: أن يجيب شخصٌ عند سؤاله: من أوجدك؟
فيُجيب: أبي وأمي.

ثم مَنْ؟ جدي وجدتي. ثم مَنْ؟ أدم وحواء. ثمَّ مَنْ؟ ثمَّ مَن؟ ثمَّ مَنْ؟ (والسير في هذا التسلسل باطل)…

لماذا؟؟

لأنه لابد لكل شيءٍ من بداية, غنية عن البداية والإيجاد, وهو الغني الحميد. فالذَّهاب للتسلسل, ونظريات الصدفة لا تغني عن الحقِّ شيئا, ولا تجدي نفعًا.

٢- نظرية الدَّوْر, ومثالها: هل البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة, وهذي النظرية باطلة, كما التسلسل باطل.

ولو فرضنا الوجود كان اساسا للبيْضَة أو الدجاجة, فما النتيجة؟ لابد أن نحدد واحدة على أنها هي الأصل والبداية.
فمن أوجدها؟ وبذلك نعود للتسلسل, والتسلسل باطل, وكذلك الدور باطل.

٣- نظرية الَّا نهائي, ومثاله: الخطَّان المُتوازِيَان لا يلتقِيَان مهما امتدا, وهذي أيضا باطلة.
يقول تبارك و تعالى:
{قُلۡ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِینِكُمۡ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ} [سُورَةُ الحُجُرَاتِ: ١٦]

فهل الخطَّان المتوازِيان لا يلتقيان, مع العلم أنَّ الله بكل شي محيط؟ (أيعقل ان نسلم بهذه النظرية؟)

{وَكَذَ ٰ⁠لِكَ أَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَۚ فَٱلَّذِینَ ءَاتَیۡنَـٰهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ یُؤۡمِنُونَ بِهِۦۖ وَمِنۡ هَـٰۤؤُلَاۤءِ مَن یُؤۡمِنُ بِهِۦۚ وَمَا یَجۡحَدُ بِـَٔایَـٰتِنَاۤ إِلَّا ٱلۡكَـٰفِرُونَ}
[سُورَةُ العَنكَبُوتِ: ٤٧]

{بَلۡ هُوَ ءَایَـٰتُۢ بَیِّنَـٰتࣱ فِی صُدُورِ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡعِلۡمَۚ وَمَا یَجۡحَدُ بِـَٔایَـٰتِنَاۤ إِلَّا ٱلظَّـٰلِمُونَ} [سُورَةُ العَنكَبُوتِ: ٤٩]

{وَإِذَا غَشِیَهُم مَّوۡجࣱ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُا۟ ٱللَّهَ مُخۡلِصِینَ لَهُ ٱلدِّینَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ فَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدࣱۚ وَمَا یَجۡحَدُ بِـَٔایَـٰتِنَاۤ إِلَّا كُلُّ خَتَّارࣲ كَفُورࣲ} [سُورَةُ لُقۡمَانَ: ٣٢]

وهنا يأتي التساؤُل: لماذا البعض يَنْكر وجود الخالق؟

والجواب هو الجحود بآيات الله, كما أوضحنا في الآيات الثلاث أعلاه.

أكيد المسألة هي مسألة هروب وجحود. لأنَّ الاعتراف بخالِق يتحتَّم عليهم إطَاعَة الخالق, وتنفيذ أوامِرَه واجتناب نواهيه, وهم لا يحبون ذلك, فأقَرب طريق هو الكفر بذلك الخالق. (وَجَحَدُوا۟ بِهَا وَٱسۡتَیۡقَنَتۡهَاۤ أَنفُسُهُمۡ ظُلۡمࣰا وَعُلُوࣰّاۚ فَٱنظُرۡ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِینَ) [سُورَةُ النَّمۡلِ: ١٤].

السيد موسى العلوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *