الطبيعة والمجتمع: بين الثابت والمتغير – د. عبد الجليل عبد الله الخليفه

تصوّر أنّ الشمس تشرق أحيانًا من المشرق وأحيانًا تشرق من المغرب، تصوّر أنّ شجرة الطماطم أحيانًا تثمر طماطم وأحيانًا تثمر بطاطس، تصوّر أنّ الإنسان يولد بعينين وأحيانًا يولد بأربعة عيون، تصوّر وتصوّر، سيصيبك الدوار من هول هذه الإمكانات المزعجة التي لو حدثت لجعلت الحياة عشوائيةً يصعب تكيف البشر معها.

لاشكّ أنّ هذا الكون تحكمه أسبابٌ تكوينيةٌ طبيعيةٌ ذات قوانين صارمة لا تتأخر ولا تتبدّل، تشمل الكون والطبيعة والمخلوقات ومنها الإنسان. هذه الأسباب الصارمة مسخرةٌ لخدمة الإنسان، فهو الكائن العاقل المفكر الذي يستطيع فهم هذا الكون ونظامه البديع ليبني عليه حضارته البشرية.

فكيف فهم الإنسان لغة الطبيعة وطوّر علومها؟

ومن الواضح ايضًا، أنّ الإنسان يعيش في مجتمعات بشرية تشمل الكثير من الناس يحتاجون للتوافق على أمورٍ وأعرافٍ وتقاليدٍ واعتباراتٍ اجتماعيةٍ لتصريف شؤونهم وتدبير حياتهم، قد تختلف من مجتمعٍ الى آخر، فهل هي صارمةٌ ودقيقةٌ؟ ثم كيف وُلٍدًت هذه الاعتبارات الاجتماعية؟ وكيف فهمها الإنسان؟

طبيعة الكون:

هل وصلت الى يقينٍ بأنّ هذا النظام الدقيق الذي يحكم الكون ضروريٌ جدًا لحياة البشر؟ هذا النظام يحكم الذرة والمجرّة، فلا خلل ولا اختلاف يومًا بعد آخر، لا في تركيب الذرة وقوانينها ولا في حركة المجرّة وانتظامها. حتى الثقوب السوداء والمادة الغير مرئية، سيكتشف العلماء مستقبلًا أنّها تتبع نظامًا دقيقًا، لا يعبث بحركة الكون العامة ولا يخلّ بحياة البشر.

الرياضيات والعلوم الطبيعية:

عاش الإنسان وهو يتأمل في هذه الطبيعة ليعرف أسرارها ويتنبأ بمستقبلها، فرأى هذا النظام الصارم الدقيق، فأراد أن يكون دقيقًا ومنتظمًا في أفكاره ودراسته لهذا الكون والطبيعة، فحاول بالرسومات والرموز أن يفك طلاسم هذا الخلق العجيب لألاف السنوات حتى أكتشف لغةً عصريةً دقيقةً عقليةً عالميةً يفهمها كلّ البشر فهي لا تقبل الخلل والاختلاف، ألا وهي لغة الرياضيات.

بدأ الإنسان مشواره العلمي في دراسة الكون والطبيعة بالأرقام والمعادلات ليفهم قوانين المكان والزمان والحركة واختلاف الليل والنهار. وكان أهم شيءٍ لديه هو الزراعة ومحصولها الذي يتأثر بالطقس والأجواء وعلاقة ذلك بالفصول السنوية وحركة الكواكب والنجوم فيها، فسخّر وقته وعقله لدراسة علم الهيئة أي الفلك، وتنبأ بحركة القمر والأرض والكواكب الأخرى القريبة من الأرض كزحل والزهرة وشروق الشمس وغروبها.

ثم تطوّرت العلوم فأهتمّ بجسد الإنسان وتشريحه ودراسة أعضائه وعلاج بعض أمراضه. وحاول أن يستخرج بعض المعادن النفيسة كالذهب والفضة ويعالجها ببعض المحاليل وأن يصنع من المواد الطبيعية مواد جديدة بالتفاعل والإضافة، فوُلٍدً علم الكيمياء، ووُلٍدً من قلب الطب علم الأحياء، ومن قلب علم الهيئة علم الفيزياء، ثم أراد الإنسان أن يبني البيوت والمدن والجسور وأن يحفر في بطن الأرض ليستخرج الكنوز والمواد الأولية، فوُلٍدًت الهندسة بكافة تخصصاتها.

لكنّ هذه العلوم المختلفة تكتب بلغة الرياضيات، فبها يكتب قانون الجاذبية وقوانين الهندسة، وبها يتم وزن المعادلات الكيميائية، فالرياضيات هي لغة العلوم جميعًا. لذا فالعلوم تتسم بدقة الرياضيات التي تتكأ على بديهيات عقلية يتفق البشر عليها، (واحد زائد واحد يساوي اثنين).

مصدر الصورة: discovermagazine.com – (Credit: Marina Sun/Shutterstock)

لقد فسّر العلماء هذا النظام الدقيق في الطبيعة بوجود ثوابت كونية تحكم هذا الكون من أولّه الى آخره ويبلغ عددها حوالي 26 ثابتًا كونيًا، منها مثلًا: سرعة الضوء وهي أعلى سرعةٍ ممكنةٍ تبلغ   300 ألف كلم في الثانية، وثابت الجاذبية وثابت بلانك وشحنة الالكترون وغيرهم.

طبيعة الإنسان:

 يمكن فهم الخلق العجيب للإنسان والكائنات الأخرى من تعقيد الشفرة الجينية الوراثية التي كشفت عظمة هذا الخلق من وحيد الخلية الأميبي الى 37 تريليون خلية في الجسم البشري، كلّ خلية منها تحمل الجين الوراثي وأجهزة الاستقبال والإرسال التي تمكنها من التفاعل والتكامل مع بقايا الخلايا في جسم المخلوق.

هذا الإنسان تعمل أعضاء جسمه لا إراديًا لضمان حياته، فهو يتنفس ويجري الدم في عروقه دون إرادة. وتوجد لديه العديد من الغرائز التي تدفعه لتلبيتها وهي ضرورية لبقائه مثل المأكل والمشرب. هكذا صمّم الخالق الكون والإنسان تصميمًا رائعًا لضمان بقاء الكون وحياة الإنسان فيه، (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنّه الحق).

فطرة الإنسان:

بالإضافة الى تصميم جسم الإنسان بأعضائه وغرائزه، هناك سماتٌ تكوينيةٌ طبيعيةٌ في الإنسان، منها:

  • حبّ الإنسان لذاته، وهذا الحبّ ضروريٌ لبقاء الإنسان، حيث يدفعه الى الهرب من الوحوش المفترسة والبحث عن الأمان والسعادة والحياة المريحة،
  • تعلّق الإنسان بقوةٍ وكمالٍ وجمالٍ عظيم، يحسّ بالحاجة اليه في المرض والشدّة وتسمو اليه روحه في سعيها نحو التكامل، وتطمئن اليه وقت الحاجة،
  • القدرة على التفكير ومعرفة المجهول والإرادة والاختيار،
  • القدرة على التخاطب والحديث مع الآخرين، مما يؤهله للعيش مع الآخرين.

المجتمع:

عاش الإنسان منذ نعومة أظفاره في أسرةٍ صغيرة من أبٍ وأمٍ، تطوّرت الى عائلةٍ من عدة أسرٍ، ومنها الى قبيلةٍ من عدة عوائل، ثم انتشر في الأرض في مناطق مختلفةٍ ومتباعدةٍ عن بعضها. ولم تكن وسائل التنقل والتواصل متوفرة، فأثّر التباعد على عادات البشر وتقاليدهم، فأصبح كلّ تجمعٍ بشري له أعرافه الخاصة به. ومع مرور الزمن، أصبح لكلّ تجمعٍ بشري لغته وثقافته وهويته التي تميزه عن بقية الأمم والشعوب.

السؤال: كما كان الإنسان شغوفًا ومهتمًا بدراسة الكون والطبيعة وأكتشف أن لغة الرياضيات هي المناسبة لفهم الكون ومعادلاته وبها طوّر العلوم الطبيعية المختلفة، فهل كان الإنسان شغوفًا أيضًا بدراسة المجتمعات والشعوب وفهمها، وماهي العلوم التي تطوّرت نتيجة ذلك؟

الحقيقة، أنّه كما أحتاج الإنسان لفهم أثر الفصول على زراعته فدرس علم الهيئة والكواكب لفهمها، إحتاج الإنسان الى السير في الأرض والسفر من مكانٍ الى آخر للتجارة والمعرفة، وأحيانًا أعتدى على غيره للنهب والسرقة، فأصابه الذهول حين سمع لغاتٍ مختلفة ورأى عاداتٍ لا تنسجم مع ثقافته. فكيف تطوّرت واختلفت اللغات والثقافات؟

الاعتبارات الاجتماعية:

الأسباب والثوابت الكونية الطبيعية تحكم وتنظم عالم الكون، فماذا ينظم عالم المجتمع؟

حين بدأ الإنسان في العيش مع أخيه الإنسان والعمل معًا للصيد او تربية الحيوان ثم الزراعة، إحتاج للتخاطب مع الآخرين، فبدأ التفاهم بالإشارة والرموز التي توافقوا عليها تدريجيًا، ثم ازدادت الحاجة الى أمورٍ أكثر، فتوافقوا على بعض الألفاظ والأصوات والكلمات وهكذا وُلِدَت اللغة لسدّ هذه الحاجة الماسّة (هناك آراء أخرى لولادة اللغة، ترى أنها ربما جاءت عبر الوحي والرسالات).

وضمن هذه الحياة الاجتماعية البسيطة، توافق الناس على تدبير شؤون حياتهم، فتبادلوا السلع ثم اتفقوا على استخدام بعض المعادن النفيسة كأثمانٍ للسلع ثم أخيرًا توافق الجميع على عملات نقدية قد تكون ورقية. وهكذا تشكلت حياة الناس في المجتمع عبر اعتبارات وتوافقات بينهم، ابتداءً باللغة والأدب والفن والمرور في الشوارع والتبادل النقدي أسلوب التحية وطريقة المعيشة وتخطيط المدن والشوارع والمنازل والمسميات والألقاب والمناصب.

لوحة فنية بريشة الفنان منير الحجي

وقد وجد الإنسان من الضروري الالتزام بهذه التوافقات والتقاليد والأعراف كقوانين اجتماعية يلتزم بها جميع الناس في المجتمع المعين لتنظيم حياتهم بدءًا من المرور في الشوارع الى قبول النقد الى لغة الحديث الى أدب التعامل وغيرهم. بل وأصبح النظام الاقتصادي وغيره نتيجة توافق واعتبار اجتماعي بين أفراد المجتمع، لذا تجد المجتمع الغربي يتوافق على الرأسمالية بينما يتوافق المجتمع الشرقي على الشيوعية مثلًا، (الملاحظ أنّ هذه الاعتبارات والتوافقات اجتماعية قد تختلف من مجتمعٍ الى آخر فهي ليست كونية صارمة ودقيقة، بل قد يتغير بعضها تدريجيًا في نفس المجتمع المعين عبر الأجيال المختلفة). لكن هناك سؤالان سنجيب عنهما، وهما:

  • هل هناك ثوابت او سنن اجتماعية تحكم بها جميع المجتمعات عبر تاريخ البشرية؟
  • ما هو الداعي الى الدين؟ ولماذا لا نكتفي بالثوابت والاعتبارات الاجتماعية؟

الثوابت الاجتماعية:

يحتاج المجتمع البشري الى عدة ثوابت تؤهله للتعاون والثقة بين أفراد المجتمع الواحد وبين المجتمع والمجتمعات الأخرى.  هذه الثوابت لا يمكن أن تتغير من مجتمعٍ الى آخر كمبدأ، بل قد تتغير تطبيقاتها العملية. من هذه الثوابت مثلًا، وجوب العدل والأمانة والوفاء بالعهود ومنع الظلم والسرقة والخيانة وقتل الآخرين والاعتداء عليهم.

لكن ما هو مصدر هذه الثوابت؟ لم يجتمع البشر تاريخيًا في قارات الأرض للتوافق عليها، لذا يرى البعض أنّ العقلاء والحكماء في كلّ مجتمعٍ التزموا بهذه القيم والأخلاق الإنسانية، حتى استحسنها الآخرون في مجتمعاتهم فأصبحت تقليدًا اجتماعيًا ملزمًا في كلّ المجتمعات.

بينما يرى البعض الآخر، أنّ العقل الإنساني الذي يدلّ الإنسان على الطريق السوي يرى مثلًا حسن العدل والأمانة وقبح الظلم والسرقة، وهذا الحسن والقبح يلتزم به كلّ البشر حسب فطرتهم السوية. نستنج مما سبق، وجود ثوابت اجتماعية يلتزم بها جميع البشر كقيمٍ إنسانيةٍ عبر تاريخ البشرية. هذه الثوابت قد يخالفها مجتمعٌ ما لفترةٍ معينةٍ لكنّه سرعان ما ينهار ويتحطم، لأنّ وجود هذه القيم ضرورية لبقاء المجتمع وسعادته.

ما هو الداعي الى الدين:

إذا كانت الحياة تنتظم بالثوابت الاجتماعية العقلانية في مساحةٍ معينةٍ، وبالاعتبارات الاجتماعية التوافقية في بقية الحياة الاجتماعية، فما هو الداعي الى الدين؟ 

لن نتعرض هنا الى ضرورة الدين، كغذاء روحي يجلب الطمأنينة وتشريعات كاملة تحقق السعادة الدنيوية والأخروية، بل سنكتفي بأثر الدين في الحياة الدنيوية الاجتماعية.

 السؤال هو: هل نستطيع تنظيم الحياة الاجتماعية فقط عبر الثوابت الاجتماعية والاعتبارات التوافقية الاجتماعية، دون الحاجة الى الدين؟

  • لا شكّ أنّ الثوابت الاجتماعية والقيم الإنسانية ضرورةٌ قصوى لسعادة المجتمع البشري وديمومته، لكن كيف يمكن التأكد من التزام المجتمع بها؟ قد يرى البعض أنّ القانون يكفل ذلك، لكنّ الحقيقة أنّ القانون لا يغني عن الوازع الداخلي والرقيب الحقيقي الذي يحققه الدين. ثمّ أنّ بعض هذه القيم الثابتة قد تكلّف الإنسان التضحية بمصالحه الدنيوية، وهنا نحتاج الى الدين الذي يتعهد بالأجر والوفاء في اليوم الآخر، لنضمن الالتزام بها دنيويًا.
  • الاعتبارات التوافقية الاجتماعية قد تحقق مصلحة مجتمعٍ ما او طبقةٍ معينةٍ من المجتمع على حساب المجتمعات او الطبقات الأخرى، خذ مثلًا الرأسمالية التي تحقق مصالح الطبقة الثرية على حساب الطبقات الأخرى في المجتمع الغربي والتي تسمح للغرب حسب فلسفته البراغماتية أن يسيطر على ثروات الأمم الفقيرة ويكتسح أسواقها. هذه الاعتبارات التوافقية الاجتماعية كانت سببًا لنزوع الخلافات التي أدّت للحروب العالمية.

من هنا يتبين دون أدنى شك، أنّ الدين ضرورة لتطبيق الثوابت الاجتماعية ولضمان سلامة الاعتبارات التوافقية الاجتماعية وعدم اخلالها بالتوازن داخل وبين المجتمعات البشرية. 

الهوية والثقافة:

ذكرنا سابقًا، أنّ بعض الاعتبارات والتوافقات الاجتماعية تبدأ بين شخصين او أكثر ثم تنتشر لتعمّ المجتمع ثم تتأصّل عبر الأجيال، وتصبح إرثًا وضميرًا جمعيًا يحافظ عليه المجتمع كتراثٍ وثقافةٍ خاصةٍ تميزه عن غيره وتؤطر هويته الخاصة به.

فكلّ مجتمعٍ له هويته (الهوية هي جواب سؤال: من هذا المجتمع؟) فهي ثقافته التي تشمل لغته ودينه وأدبه وفنه وأعرافه وتقاليده وتاريخه وطريقة حياته، يولد فيها الفرد ويرثها من أبويه ومجتمعه، فإن وُلٍدَ الفرد في مجتمعٍ عربي تحدّث العربية مثلًا. هكذا اختلفت المجتمعات حسب هوياتها وثقافتها، فكيف يتم دراسة هذه الهويات والثقافات المختلفة؟

العلوم الإنسانية:

لقد شدّ انتباه الإنسان عبر الزمن، نهوض مجتمعاتٍ وقوتها وتمددها عبر مساحاتٍ شاسعةٍ وقيام حضاراتٍ واندثارها كالصينية والهندية والفينيقية والآشورية والفرعونية واليونانية والرومانية والإسلامية والغربية، وكيف إستطاع القوي أن يؤثر في الضعيف فيهندس ثقافته ويعلمه لغته، وكيف ذابت المجتمعات الضعيفة في المجتمعات القوية فاندثرت عاداتها وتأصلت فيها عادات وتقاليد أخرى.

فأعتنى الإنسان منذ سالف العصور بدراسة تاريخ الأمم وخاصة الأحداث الكبرى، فكان أصحاب الجاه، يأمرون بكتابة تفاصيلها وتأريخ موت الشخصيات بالشعر تارةً وبالنثر أخرى، وهكذا وُلٍدَ علم التاريخ. وهاجر بعض الرحّالة الى بلدانٍ بعيدةٍ عبر البر والبحر ودونوا طريق سفرهم، ولغات الأقوام وأعمالهم وطقس بلدانهم وتضاريسها، فوُلٍدَ علم الجغرافيا.

كذلك وجد الباحثون خيطًا يربط بين المجتمعات المختلفة، وهو الممارسات الدينية التي عبّرت عن نفسها في رسومات الكهوف التي تشير الى العبادات المختلفة والطقوس التي تمارس حتى الآن في القبائل البدائية وفي المناطق النائية. هذه الممارسات والأفكار الدينية جاءت في كتب سماوية او مدونة في شرق الأرض وغربها، لذا فإنّ علم الأديان من العلوم الغزيرة مادةً وتاريخًا.

رسومات جدارية قديمة في كهف ماجورا في بلغاريا- مصدر الصورة: chalkboardpublishing

وقبل حوالي قرن ونصف، أي في منتصف القرن التاسع عشر، وُلِدَ رسميًا علم الاجتماع لدراسة آثار الثورة الصناعية على الشعوب الأوربية التي انتقلت من حياة الريف والزراعة الى حياة المدن والصناعة فانفرطت الحياة الاجتماعية في الأسر الممتدة ريفيًا وضعفت الرقابة الاجتماعية في المدن، وتوافق المجتمع المدني والصناعي على أعرافٍ وتقاليدٍ تخالف بعض ما ورثوه من مجتمع الريف.

كان هدف العلماء الكشف عن قوانين اجتماعية تحكم حركة المجتمع كما تحكم الثوابت الكونية حركة الكون وعلاج بعض الظواهر الاجتماعية كالانتحار وغيره. ووُلِدَ علم النفس لعلاج بعض الحالات النفسية المرضية كالاكتئاب والقلق والشعور بالضياع. وهكذا تطوّر علم النفس والاجتماع عبر القرنين الأخيرين وتشعبت منها الكثير من التخصصات الفرعية. 

إتضح جليًا أن الطبيعة تحكمها أسبابٌ كونيةٌ طبيعية صارمةٌ لا تتبدل ولا تتخلف كما هي لغة الرياضيات، ويدخل الإنسان بتركيب جسمه وحاجاته الأساسية للمأكل والمشرب ضمن هذه الأسباب التكوينية الصارمة.

أما المجتمع فتحكمه ثوابت اجتماعية يتبناها جميع البشر عبر التاريخ ومنها الأمانة والقيم الفاضلة، وتحكمه أيضًا الاعتبارات الاجتماعية التي يتوافق عليها المجتمع فتصبح ثقافةً وهويةً وتقاليد وتراثًا اجتماعيا يحافظ عليه المجتمع. ولا تكفي الثوابت والتوافقات الاجتماعية لضمان سعادة البشرية بل تحتاج الى الدين الذي يضمن التزام البشر بالثوابت وعدم اخلال الاعتبارات والتوافقات الاجتماعية بمصالح الأفراد والمجتمعات الأخرى. والحمد لله ربّ العالمين. 

3 تعليقات

  1. عدنان احمد الحاجي

    أفكار سلسلة للغاية يربطها خيط واحد يؤدي الى نتيجة مقنعة جدًا يحكمها السبب والنتيجة cause and effect ، كما يقولون، استفدت منه كثيرًا ليس فقط في معلوماته الثرية فحسب بل في تنظيم افكاره . سلمت يداك من مهندس ليس في مجال البترول فحسب بل أيضًا في هندسة الأفكار والخروج منها بنتائج مفيدة
    مقنعة. نفع الله بعلمك الناس

  2. مقالة علمية جميلة وثرية في الافكار وربطها وتحدثت عن صناعة الثوابت العلمية والاجتماعية وتأثيرها على سعادة وسلامة المجتماعات. كذلك ربطها بالخالق من خلال مفهوم الدين والحاجة اليه ضمن المتغيرات المتنوعة وصناعة القيمة الانسانية الثابته عبر العصور كالامانة والصدق وحب الخيرات وغيرهما.
    ابدعت دكتورنا في التسلسل والشواهد الجميله الراقية

    • عبدالجليل الخليفه

      الشكر الجزيل للاخ عدنان و الاخ حسين على وقتهما الثمين و الاضاءات الرائعة التي تفضلا بها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *