تاريخ حملات التنقيب عن الاثار في القطيف التاريخية (الجزء السادس) – بقلم صادق علي القطري

عندما نتحدث عن القطيف التاريخية فنحن نتحدث عن منطقة شاسعة تمتد من الشمال من حدود البصرة (في العراق حاليا) الى عمان في الجنوب ومن الاحساء في الغرب الى جزر الخليج في الشرق (البحرين تاروت دارين وغيرها) اي المنطقة الشرقية بأكملها من المملكة العربية السعودية.

هذه المنطقة الشاسعة من الأرض وموقعها الاستراتيجي الواقعة بين مراكز الحضارات القديمة جعلها تتبوأ وتلعب أدوارا حيوية في تاريخ الحضارات القديمة، فمن الشمال تقع حضارات بلاد الهلال الخصيب متمثلة بحضارة ما بين النهرين (حضارة بلاد الرافدين) وحضارة بلاد الشام وسواحل البحر المتوسط (حضارة الفينيقيين واليونانيين) ومن الجنوب ممالك وحضارات شبة الجزيرة العربية ومن الشرق حضارة بلاد فارس ومن خلفها حضارات بلاد الهند والسند والحضارات الاسيوية الاخرى. فهي حضارة قديمة يعود تاريخها لأكثر من 3500 عاما قبل الميلاد.

مصدر الصورة: https://upload.wikimedia.org/

وفي هذا الجزء من سلسة التوثيق لتاريخ حملات التنقيب عن الاثار في القطيف التاريخية سنتطرق الى الدراسات المنجزة للمواقع المكتشفة في مواسم التنقيب المتعددة واسهامات المؤرخين السعوديين وكذلك إسهامات دانيال بوتس على التوالي:

الدراسات المنجزة للمواقع المكتشفة

في عام 1990م قامت وكالة الآثار والمتاحف السعودية بنشر تقرير عن التاريخ القديم للمملكة العربية السعودية حيث إنه يحتوي على عينات من مواقع مختلفة تم تحليلها وتأريخها بواسطة كربون 14 المشع. يعتبر هدا التقرير من المصادر القليلة النادرة في نوعها والمهمة للباحث الرجوع إليه لمعرفة تاريخ موقع معين، أو طبقة استيطان ضمن موقع معين؛ ومن ثم معرفة الفترة الزمنية للمادة الأثرية ذات الصلة، وما يتفرع عن ذلك من معلومات.

تعتبر الدراسة التي أجريت خلال موسمي التنقيب 1983م-1984م التي تمت في مستوطنة ثاج والتي غطت موضوع الدمى الفخارية في هذه المستوطنة من اهم المصادر المهمة في دراسة تاريخ الفن ودراسة التاريخ القديم بشكل عام لهذه المنطقة والتي تحمل سمات فنية واستدلالات تاريخية مقارنة وكذلك دراسة تاريخ المعتقدات الدينية في المستوطنة في هذه المستوطنة والفترة الزمنية العائدة إليها. حيث لا غنى للباحث عن الرجوع اليها لدراسة التاريخ القديم لهذه المنطقة من المملكة العربية السعودية.

واما في عام 2000م ظهرت دراسة لمعثورات القبر 29ب من موقع جنوب الظهران. تجدر أهمية هدة الدراسة للقبر المذكور توفر نتائج كربون 14 المنفذ على بعض المعثورات من هذا القبر، إلى جانب تنوع معثورات القبر الأثرية. انحصرت الدراسة على الكسر الفخارية الموجودة في متحف الدمام حيث اعتمد الباحث على مسودات تقرير حفرية جنوب الظهران للموسم 1985م-1986م.

يقع المدفن 29ب وسط تل قطره 20م وارتفاعه 2.5م في النهاية الشرقية للمنطقة ب قرب الطريق الترابي حيث توصل الباحث إلى أن المدفن كان يحتوي على 26 جثة، وأنه يعود في تاريخه إلى ما بين الفترتين الأكادية والبابلية القديمة، أي نهاية الألف الثالث وحتى 1700 ق. م، واعتماداً على نوعية معثوراته وتحليل الكربون 14 فقد أؤرخ بتارخ 1580 ق. م.

المؤرخين والباحثون السعوديين وإسهاماتهم

من الباحثين السعوديون الدين اسهموا بتوفير مادة علمية في التاريخ القديم للمنطقة حمد الجاسر، علي إبراهيم الدرورة، علي المسلم، الأستاذ عبدالله حسن منصور آل عبد المحسن وعبدالله محمد إبراهيم الشمري والتي تعتبر مصادر مهمة يرجع اليها الباحثون لدراسة التاريخ القديم للمنطقة. وسنتطرق الى كل واحد منهم باختصار شديد:

الباحث حمد الجاسر

انجز الباحث حمد الجاسر معجم جغرافي للمواقع القديمة والذي يجمع فيه معلومات مكانية وتاريخية بالإضافة الى تاريخ اسم الموضع، ومعلومات تاريخية عن استيطانه ومستوطنه. وهذا المعجم يعتبر من المصادر المهمة لدراسة التاريخ القديم للمنطقة. كذلك نشر الباحث مقالاً خصصه لمستوطنة ثاج القديمة حيث تعرض فيه للحالة الأثرية لموقع ثاج في وقت كتابته، وأضاف إليه ما تمكن من مشاهدته نفسة من خلال زيارته الشخصية للموقع الاثري نفسة. بالإضافة الى ذلك، نشرة مقال خصصه عن الاحساء قبل نصف قرن وتكمن أهمية المقال المذكور بان معلوماته قائمة على المشاهدة الشخصية حيث كان مقيماً في المنطقة لمدة من الزمن.

الباحث علي إبراهيم الدرورة

من ابرز إنجازات الباحث علي إبراهيم الدرورة نشرة مقالا عن جزيرة تاروت يتميز بأنه يحتوي على معلومات أثرية، ووصف جغرافي للجزيرة، وللمواقع الأثرية التي تقع فيها؛ بالإضافة إلى معلومات عن مواد أثرية اكتشفت عن طريق الصدفة خلال تنفيذ مشاريع عامة مثل الشوارع، والكهرباء، والمياه، والجسر الذي يربط الجزيرة باليابسة. وتكمن أهمية المقال انه تطرق الى ذهاب بعض المعثورات في أيدي خاصة مما قد يحول دون معرفة مكانها في الوقت الحاضر وعليه فإن المقال المذكور يُعَدُّ سجلاً لمعلومات لا يمكن وجودها في موضع آخر.

الباحث علي المسلم

تكمن اسهامات الباحث علي المسلم بإصدارة لكتاب تتوفر فيه معلومات في غاية الأهمية خصص فيها جزء من هذا الكتاب الجانب الآثاري بالإضافة الى الجانب التاريخي القديم للمنطقة. كذلك قام الباحث بنشر مقالا عما كانت عليه المنطقة في زمن ما قبل التاريخ حيث يعتبر مرجعا مهما مخصصا لموضوع معين ويحتوي على معلومات قد لا تتوافر في غيره. كذلك، اصدر الباحث كتابا اخر يحتوي على معلومات جيدة عن الآثار، والمواقع الأثرية في القطيف. بالإضافة الى أنه يحتوي على مواضيع جيدة كدراسة جذور السكان، والمعتقدات الدينية، والأساطير القديمة، وعرض تاريخي مختصر لاستيطان واحة القطيف بشكل عام.

الباحث الأستاذ عبدالله حسن منصور آل عبد المحسن

نشر الباحث الأستاذ عبدالله حسن منصور آل عبد المحسن كتابا عن جزيرة تاروت يحتوي على معلومات جغرافية، وتاريخية، وأثرية، قائمة على المشاهدة الشخصية حيث يعتبر من المصادر للتاريخ القديم للجزيرة بشكل خاص والمنطقة بشكل عام.

الباحث عبدالله محمد إبراهيم الشمري

اصدر الباحث كتابا يشتمل على معلومات تخص مواقع متنوعة في منطقة وادي المياه مبنية على مشاهدات الكاتب الميدانية عندما كان يعمل في المنطقة.

اسهامات أستاذ آثار وتاريخ الشرق الأدنى القديم دانيال بوتس

هو أستاذ آثار وتاريخ الشرق الأدنى القديم في معهد جامعة نيويورك لدراسة العالم القديم. وهو متخصص في دراسة إيران وبلاد ما بين النهرين وشبه الجزيرة العربية، وقام بعمل ميداني في إيران وتركيا والإمارات العربية المتحدة. حصل على درجة البكالوريوس (1975) والدكتوراه (1980) في الأنثروبولوجيا من جامعة هارفارد، وتخصص في علم آثار الشرق الأدنى.

قام بالتدريس في مؤسسات مختلفة وأجرى حفريات في إيران والمملكة العربية السعودية وتركيا والإمارات العربية المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، فهو رئيس التحرير المؤسس لمجلة علم الآثار والنقوش العربية، وهو عضو مراسل في معهد الآثار الألماني و [ISMEO (Associazione Internazionale di Studi sul Mediterraneo e l’Oriente)].
يعتبر دانيال بوتس من أبرز الباحثين الغربيين في العصر الحديث الذين اهتموا بدراسة آثار الجزيرة العربية بشكل عام، والمنطقة الشرقية بشكل خاص. فإلى جانب مشاركته في الأعمال الميدانية في المملكة العربية السعودية، فله العديد من المشاركات الميدانية في دول الخليج العربي الأخرى.

وعلاوة على ذلك فهو من أنشط الباحثين الذين قدموا دراسات جادة عن العديد من الفترات الزمنية التي مرّ بها شرقي شبه الجزيرة العربية، وناقش الكثير من القضايا، وحرر العديد من الدراسات الآثارية والتاريخية القديمة، وعليه يجب أن نُذكر الباحثين أن أعماله مصدر من مصادر المعلومات المهمة لتاريخ شرقي شبه الجزيرة العربية.

وتوج دانيال بوتس عام 1990م أعماله بكتابين عن الخليج العربي في العصور القديمة. والكتابان من أقيم ما يوجد اليوم في مجال الدراسات الآثارية والتاريخ القديم عن الخليج العربي بما فيه المنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية. ولن يتسع المكان للحديث عنهما حديثاً فيه شيء من التفصيل، ولذا سوف أوجز وأقول إن المؤلف خصص المجلد الأول لدراسة استيطان الخليج العربي ابتداءً من العصور الحجرية وحتى ظهور الاسكندر الأكبر في الشرق الأدنى القديم عام 332 قبل ميلاد المسيح عليه السلام.

أما المجلد الثاني فقد خصصه لدراسة الاستيطان ابتداءً من ظهور الاسكندر الأكبر وحتى انتهاء الفترة البيزنطية في الغرب، والساسانية في الشرق بأثر الفتوحات الإسلامية. ولا شك ان المجلدين يمثلان عملاً جليلاً ومصدراً للكثير من الجوانب التاريخية حيث إن مؤلفهما قام بأعمال ميدانية في شرقي المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج العربي، بالإضافة إلى أنهما يوفران معلومات عن مادة أثرية يمتلكها أشخاص خارج المملكة العربية السعودية حصلوا عليها في أوائل القرن الحالي عندما كانوا يعملون في شركات تعمل في البحث عن المعادن والبترول.

كما يحتوي المجلدان على معلومات سبق وأن نُشرت في أوعية نشر قديمة يصعب الوصول إليها اليوم، وقد يُضيع الباحث وقتاً طويلاً في سبيل الوصول إليها. وعليه فإن الباحث في تاريخ المنطقة الشرقية القديم يلزمه الرجوع إلى الكتابين المذكورين أعلاه سواء في بحثه عن معلومات أو مصادر أو مراجع يتوافر فيها معلومات غزيرة ومتنوعة.

وظهر لدانيال بوتس مقال عام 1990م يحتوي على معلومات مهمة للباحث في التاريخ القديم في المملكة العربية السعودية بشكل عام، لأنه من المقالات المتخصصة في تزمين الاستيطان وهيكلته في منهج تاريخي بعد أن استخلص معلوماته من المادة الأثرية. فهو من المقالات التي تحتوي على خلاصة أعمال أثرية متعددة؛ ولذا فإن الرجوع إليه بالنسبة للباحث في التاريخ القديم مسألة مهمة، لأنه يوفر عليه الوقت، ويغنيه عن الرجوع لعدد من الأعمال الأخرى، إن كانت بغيته استشهاداً أو إشارة سريعة.

ملاحظة: يجب التنويه ان معظم مصادر المقالة مستقاة من المصادر التي تم جمعها على يد الأستاذ الدكتور عبد العزيز بن سعود بن جارالله الغزي أستاذ كلية السياحة والآثار قسم الآثار في جامعة الملك سعود التي جمعها في وثيقة واحدة باسم ” المصادر الإثارية لدراسة التاريخ القديم للمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية” والتي وثقها ونشرها في عدة مقالات في جريدة الرياض في عام 1996م وتم إعادة صياغتها للفائدة مع ارفاق المصدر الرئيسي.

المهندس صادق علي القطري

المصادر:
• http://dhahranhistory.blogspot.com/2012/11/blog-post_5787.html
• https://www.qatifscience.com/?p=22802
• 22828 https://www.qatifscience.com/?p=
• https://www.qatifscience.com/?p=22857
• https://www.qatifscience.com/?p=22877
• https://www.qatifscience.com/?p=22901
• https://www.latimes.com/archives/la-xpm-1992-02-05-mn-1192-story.html
• https://www.pbs.org/wgbh/nova/ubar/zarins</strong
• https://isaw.nyu.edu/people/faculty/isaw-faculty/daniel-t-potts
• https://montgomery.dartmouth.edu/daniel-t-potts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *