الأدوية المغشوشة، مشكلة عالمية يجب مكافحتها – بقلم الصيدلي غسان علي بوخمسين*

تشهد صناعة الأدوية في العالم توسعًا كبيراً، حيث بلغ إجمالي عائدات الأدوية في جميع أنحاء العالم 1.25 تريليون دولار خلال العام 2019.

تشير إحصاءات لمنظمة الصحة العالمية بأن 1% من الأدوية بالعالم المتقدم مزيفة، بينما تصل النسبة إلى 10% في بعض الدول الأفريقية ودول شرق آسيا، وتقفز إلى 33% في بعض الدول النامية، مشيرة إلى أن العالم يسجل مليون حالة وفاة سنوياً بسبب استخدام الأدوية المغشوشة.

دواء مغشوش ودواء أصلي، لاحظ التطابق شبه التام.

بل أن دول متقدمة مثل أمريكا تعاني من هذه المشكلة.  تقوم منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع الإنتربول بمراقبة ومحاربة المصنعين لها.  ولأن المشكلة عالمية، تسن معظم الدول تشريعات تجرّم الاتجار بها وتداولها. توجد لدى منظمة الصحة العالمية قاعدة بيانات عالمية للأدوية المغشوشة حسب التقارير التي تصلها من الجهات التنظيمية في الدول الأعضاء، تهدف إلى تقديم الدعم التقني والعملي لحماية المجتمع، وتحليل هذه البيانات.

تنبيه: المقال يتناول الأدوية بأنواعها المختلفة حسب التعريف الرسمي، ولا يشمل المكملات الغدائية والمستحضرات العشبية. جدير بالذكر ان سوق المكملات والأعشاب فوضوي يسوده الغش والتلاعب وتقل فيه الرقابة الصارمة مقارنة بسوق الأدوية.

وفقًا للتقارير الصادرة من المنظمة الدولية للشرطة الجنائية “الإنتربول”، يموت أكثر من 1.2 مليون شخص في جميع أنحاء العالم سنويًا بسبب الأدوية المغشوشة أو غير الفعّالة أو المقلّدة، التي تعتبر تجارة مربحة للغاية، ما يجعلها أكثر جاذبية للشبكات الإجرامية. 

قيمة الأدوية المغشوشة حول العالم 200 مليار دولار سنويًا، أي ما يعادل رُبع حجم تجارة الأدوية في العالم، ما بين أدوية مقلّدة، وأدوية مغشوشة، وأدوية عديمة القيمة، وأدوية ذات جودة منخفضة، وذلك وفق تقديرات منظمة التجارة العالمية. وذكرت منظمة الصحة العالمية أن 50% من الأدوية والعقاقير التي تباع عبر الإنترنت مزيفة وخطرة، موضحة أن عمليات التزييف تستهدف اﻷدوﯾﺔ ذات اﻟﻘﯾﻣﺔ اﻟﻌﺎﻟﯾﺔ، أو ذات ﻣﻌدل اﺳﺗﮭﻼك مرتفع، واﻷدوﯾﺔ اﻟراﺋﺟﺔ واﻟﻣطﻠوﺑﺔ.

كمية الأدوية المغشوشة حول العالم في تصاعد مستمر

يرجع السبب في وجود الأدوية المزيفة إلى ضعف الأجهزة الرقابية والتنفيذية الموكل إليها حماية الأسواق من هذه الأدوية. قدرت منظمة الصحة العالمية  الخسائر التي تحدث بسب الغش الدوائي حوالي 75 مليار دولار خلال عام 2010.

تٌعرّف منظمة الصحة العالمية الغش الدوائي بأنه العبث في مكونات وكميات ومقادير وتركيز المواد الدوائية الفعالة، أو أي أدوية يتم تصنيعها خارج منظومة التصنيع الدوائي الشرعية بغرض الغش بحيث تشبه الأدوية الأصلية،،،

وقد يحتوي الدواء المغشوش على مواد فعالة بنسبة خاطئة تقل أو تزيد عن الجرعة العلاجية المضبوطة، أو مكونات غير صحيحة وغير فعالة كالنشا والطبشور، أو حتى مكونات ضارة وأحيانًا سامة.

تجدر الإشارة أن بعض أنواع الأدوية “المقلدة” تحوي مواد فعالة وتصنع بهدف فك احتكار بعض شركات الأدوية الكبرى المصنعة للأدوية المهمة، خصوصا في المناطق الفقيرة اقتصاديا كدول أفريقيا، وبعض بلدان أميركا الجنوبية، والهند، ولكنها تظل رديئة التصنيع.

التبعات السلبية لانتشار الأدوية المغشوشة

مشكلة الأدوية المغشوشة في السعودية

وفقاً لبعض المختصين، توجد نسبة من الأدوية المغشوشة في السعودية والتي تكلف المستهلكين العديد من الخسائر المادية والتي يمكن أن تقدر بنسبة 1% من سوق الدواء السعودي،  وهي في الغالب في الأدوية النفسية والجنسية.

وقد أوضح المتخصصون بأن هذه الأدوية المغشوشة لم تقم بخرق سلسلة التوريد النظامية الخاصة بالمملكة السعودية.

قد تتسرب الأدوية المقلدة الى المملكة إما بالتهريب من المنافذ، أو بطرق غير نظامية، شأنها شأن المخدرات والأصناف المحظورة الأخرى، أو عن طريق الشراء من الإنترنت، ويوجد مئات المواقع التي تتاجر فيها، وأكثر الأصناف التي تشترى أدوية ومكملات السمنة، وكثير منها غير مصرح بها من هيئة الغذاء والدواء الأميركية أو الأوروبية والسعودية ، وهذه الأصناف خطرة جدا على الصحة، وربما تسبب مشكلات في القلب والأوعية الدموية، إلى جانب مشكلات نفسية وعصبية.

مثال على هذه الحوادث، قبل أشهر انتشرت أخبار عن وجود أدوية مغشوشة لأدوية إنقاص الوزن شبيهة لدواء (ozmpic) في اكثر من بلد اوروبي في الأسواق المشبوهة، حيث تسبب في مضاعفات احتاجت في بعض الحالات الى تنويم في المستشفى، ويرجع السبب في انتشار هذه الأدوية المغشوشة، الى الطلب الكبير جداً للدواء واستخدامه غير المنضبط خارج الإشراف الطبي، مما ادى الى شحه في السوق، ما فتح المجال واسعاً للمحتالين والعصابات الإجرامية للكسب السريع.

دواء ozempic المغشوش على اليمين والأصلي على اليسار

جهود السعودية في مكافحة الأدوية المغشوشة

شددت النيابة العامة السعودية على أن جريمة الغش الصيدلاني أو الدوائي من الجرائم التي تخضع لعقوبات مشددة، حيث يحظر القانون تغيير محتوى أو هوية أو مصدر أي مستحضر صيدلاني أو عشبي بقصد الخداع، حتى وإن احتوى على المكونات نفسها.

وتنص المادة (34) من نظام المنشآت والمستحضرات الصيدلانية والعشبية على أنه يعد مرتكبا للجريمة كل من:

  • غش أو شرع في غش أي مستحضر صيدلاني أو عشبي.

  • باع أو صرف أو حاز بقصد الإتجار مستحضرًا صيدلانيًا أو عشبيًا مغشوشًا أو فاسدًا أو منتهي الصلاحية أو غير مسجل.

  • أدخل إلى المملكة مستحضرًا صيدلانيًا أو عشبيًا غير مسجل، أو مغشوشًا، أو فاسدًا، أو منتهي الصلاحية، أو حاول إدخال أي من ذلك.

  • أدخل إلى المملكة عبوات أو أغلفة لمستحضر صيدلاني أو عشبي بقصد الغش أو حاول إدخال أي من ذلك.

  • صنع أو طبع أو حاز أو باع أو عرض عبوات أو أغلفة لمستحضر صيدلاني أو عشبي بقصد الغش.

كما نصت عليها المادة (35) من النظام ذاته على أن العقوبات المقررة هي السجن مدة تصل إلى 10 سنوات، وغرامة تصل إلى 10 ملايين ريال، أو بهما معًا.

استحدثت هيئة الغذاء والدواء  نظام التتبع “رصد” الذي يساهم في تعزيز الرقابة والتأكد من سلامة الأدوية، وذلك من خلال معرفة مصدرها وجميع المراحل التي مرت بها بدءً من عملية التصنيع وحتى وصولها للمستهلك، بما في ذلك عمليات النقل والتوزيع والاستيراد والتصدير وخلافه.

وبحسب هيئة الغذاء والدواء، فإن نظام تتبع الدواء لا يحدّ فقط من انتشار الأدوية المغشوشة واكتشاف مصادرها، وإنما يهدف أيضًا إلى إتاحة المعلومات عن توفر ومكان وجود الدواء خلال وقت وجيز، وهو ما تمت ملاحظته بصورة إيجابية خلال أزمة الإغلاق الناتج عن انتشار فيروس كورونا، كما يتحكم النظام بصورة سريعة وفورية فيما يتعلق بإيقاف تداول الأدوية المسحوبة أو الموقوفة، فضلًا عن تحقيق الأمن الدوائي وتمكين المستهلك من التحقق من مدى سلامة الدواء والإبلاغ عن أي عرض جانبي بعد استخدامه.

وأقرت منظمة الصحة العالمية بأن الدواء المغشوش يغزو جميع دول العالم بصورة متفاوتة، بالنظر إلى إجراءاتها النظامية وتدابيرها الاحترازية، لكنها عمومًا تصل إلى معدل 1% في الدول المتقدّمة، وأكثر من 40% في الدول النامية.

وبالنظر إلى هذه المعادلة، فقد ثبتت دقتها حيث أن معدل ما تضبطه الهيئة العامة لمصلحة الجمارك السعودية من أدوية مغشوشة يصل إلى 1% سنويًا من حجم الأدوية المستوردة من الخارج.

نظام التتبع الدوائي (رصد)

وجدت هذه القواعد الست في موقع الانتربول في الانترنت، وأراها مفيدة لمن يريد شراء أو استعمال أدوية من أي مصدر:

الموقع – لا تشتروا الأدوية من مواقع على الإنترنت أو أسواق إلكترونية.اشتروا الأدوية من باعة مرخص لهم فقط يعرضون شهادة أصالة. وفي حالة الشك،  تحققوا لدى الهيئة التنظيمية الصحية المحلية من قائمة نقاط البيع المسجلة. وينطبق هذا الأمر على التجارة بشكليها الإلكتروني والتقليدي.

الوصفات الطبية – لا تشتروا سوى الأدوية التي وصفها لكم الطبيب أو اختصاصي الرعاية الصحية.عند شراء الأدوية على الإنترنت، تحققوا من أن الموقع الإلكتروني يطلب إبراز وصفة طبية. ولا تشتروا من المواقع الإلكترونية التي تبيع استنادا إلى مجرد استبيان أدويةً خاضعة لوصفة طبية أو التي لا يمكن الاتصال بصيدلي عليها.

الوعود – حذارِ من الصيدليات التي تطلق وعودا مغرية لدرجة يصعب تصديقها. والإشارات التالية وعود كاذبة يجب الاحتراس منها: ’’يشفي جميع أنواع‘‘ أحد الأمراض المستعصية، أو ’’إرجاع المبلغ في حالة عدم الرضا‘‘، أو ’’لا يشكل خطرا‘‘، أو ’’الكمية محدودة: اشتروا مسبقا‘‘.

السعر – قارنوا السعر بأسعار المنتجات التي تشترونها عادة أو بالأسعار المعمول بها لدى باعة معروفين. فإذا كان أقل بكثير، فمن المرجح أن يكون المنتج مقلداً أو مغشوشاً.

الخصوصية – لا تزودوا المواقع الإلكترونية بأيّ معلومات مالية ما لم تتأكدوا من استخدامها نظاما مأمونا للدفع الإلكترونيين، الاتجار بالمنتجات الطبية المقلدة قد ارتبط أيضا بالاحتيال ببطاقات الائتمان وانتحال الهوية. فلا تقدموا أيّ معلومات شخصية تتجاوز حدود المعلومات الطبية اللازمة حصرا.

المنتج – قارنوا الأدوية بتلك التي توصف لكم في العادة. ويكون الدواء مقلدا إذا تحقق أحد الأمور التالية:

يحتوي على مكونات كثيرة أو قليلة للغاية، أو مكونات أخرى مختلفة، ادّعي امتلاك خواص أو آثار جانبية مختلفة، مختلف في الشكل أو الحجم أو الطعم أو اللون، وُضعت عليه علامة غير صحيحة أو لم توضع عليه أيّ علامة، انتهت مدة صلاحيته أو لم يحدَّد عليه تاريخ انتهاء الصلاحية، لا يحتوي على معلومات تصف كيفية حفظه، غلافه متدني الجودة أو يبدو أنه تعرّض للتلاعب، يحتوي الغلاف أو إرشادات الاستخدام على أخطاء إملائية أو نحوية.

في الختام،،،

مشكلة الأدوية المغشوشة مشكلة عالمية تعاني منها جميع الدول بنسب متفاوتة، ولاتوجد دولة بمأمن من هذا البلاء، وبلدنا ولله الحمد تقوم بدور ممتاز في سبيل مكافحة ومحاربة هذه الآفة ، وعلينا مساعدة أجهزة الدولة في التصدي للمشكلة، بمنع تسرب الأدوية المغشوشة الى داخل الوطن، عن طريق التزام الحذر عند الشراء من المواقع الالكترونية، أو جلب الأدوية من الدول الخارجية التي تضعف فيها الرقابة.

*غسان علي بوخمسين ، صيدلاني أول ، مستشفى جونز هوبكنز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *