هل اتخاذ قرار بالاختيار صعب؟ اسأل الدوبامين في دماغك – ترجمة عدنان احمد الحاجي  

Hard choices? Ask your brain’s dopamine
[معهد سالك (SALK)]

توصل باحثو معهد سالك (SALK) إلى معرفة كيف يتحكم الدوبامين في القرارات الجارية(1)، مما نتج عن ذلك أفكار متعمقة عن التحكم في الحركات اللاإرادية الناجمة عن مرض باركنسون وعن التحكم في السلوك في حالة إدمان المخدرات.

لنفترض أنك مددت يدك لتأخذ طاسة فاكهة من بوفيه، ولكن في آخر ثانية غيرت رأيك وأخذت بدلًا منها كاب كيك (cupcake) (نوع من الكعك). من الناحية الشعورية، قرارك كان خليطًا مركبًا من الشعور بالذنب [بسبب قرارك تناول غذاء غير صحي] وتوقع يسيل له للعاب [بسبب قرارك اختيار غذاء لذيذ]. ولكن من الناحية المادية فقرارك يُعتبر تغيرًا بسيطًا: بدلا من أن امتدت يدك إلى الجهة اليسرى من البوفيه، امتدت إلى الجهة اليمنى منها. 

الدوبامين وعلاقته بسلوك الاختيار

هذه التغيرات التي تحدث في جزء من الثانية حازت على اهتمام باحثي علم الأعصاب وذلك لأنها تلعب دورًا رئيسًا في الأمراض التي تنطوي على مشكلات اختيار أحد الأفعال، كقرار التحكم في الحركة في مثل مرض باركنسون (مرض الرعاش) والتحكم في السلوك في حالة إدمان المخدرات.

في الورقة التي نشرت في 9 مارس 2017 في  مجلة نيورون(2)، افاد باحثو علم الأعصاب في  معهد سالك (SALK) ان تركيز مادة كيميائية معينة في الدماغ تسمى الـ دوبامين (dopamine) تتحكم في قرارات الاقدام على الفعل بدقة بحيث يسمح قياس مستوى الدوبامين قبيل القرار  للباحثين بالتنبؤ بالنتيجة بشكل دقيق . بالإضافة إلى ذلك، وجد الباحثون أن التغير في مستوى الدوبامين كافٍ لتغيير الخيار القادم. 

قد يفتح هذا البحث سبلًا جديدة لعلاج الاضطرابات في الحالات التي لا يستطيع فيها الشخص أن يختار البدأ في حركة معينة في مثل مرض الباركنسون، فضلا عن تلك التي لا يستطيع فيها الشخص التوقف عن الأفعال / التصرفات المتكررة كاضطراب الوسواس القهري أو إدمان المخدرات.

“نظرا لأننا لا نستطيع أن نقوم بأكثر من شيء واحد في نفس الوقت، فإن الدماغ يتخذ قرارات بشكل مستمر(1) بشأن ما يجب عمله في اللحظة التالية “كما قال شين جين (Xin Jin) الأستاذ المساعد حينئذ في مختبر (SALK) لعلوم الأعصاب الجزيئي، والمؤلف الرئيس للورقة. “في معظم الحالات يتحكم الدماغ في هذه القرارات على مستويات أعلى من أن يتواصل مباشرة مع عضلات معينة، وهذا ما يريد مختبرنا في الغالب أن يفهمه بشكل أفضل”.

يشير اللون الأزرق إلى نواة الخلية، ويشير اللون الأخضر إلى خلايا الدوبامين العصبية الموسومة ببروتين الفلورسنت الأخضر.

عندما نقرر ان نقوم بفعل ارادي (مقصود)، كربط خيوط أحذيتنا، الجانب الخارجي من الدماغ (القشرة الدماغية) يرسل إشارة إلى الجسم المخطِط(3)، الذي يتلقى الدوبامين ليقوم بتنسيق تسلسل الأحداث: الانحناء ومسك أربطة الحذاء وعقد هذه الأربطة. الأمراض التنكسية العصبية كإتلاف مرض الباركنسون الخلايا العصبية التي تفرز الدوبامين ، مما يضعف قدرة الشخص على تنفيذ سلسلة من الأوامر.

على سبيل المثال، لو سألت مريض الباركنسون ان برسم شكل V، فإنه قد يرسم الخط النازل أو الخط الصاعد بشكل جيد. ولكن سيكون لديه صعوبة كبيرة في الانتقال من اتجاه إلى آخر ويأخذ  وقتًا أطول من المعتاد في هذا الانتقال. قبل أن يتمكن الباحثون من تطوير علاج يستهدف مثل هذه الأمراض، يحتاجون إلى معرفة وظيفة الدوبامين على المستوى الأساس العصبي في الادمغة  الطبيعية (السليمة) بالضبط.

صمم فريق الدكتور جين دراسة يختار فيها الفئران بين الضغط على ذراعين للحصول على قطعة سكر. كان الذراعان على الجانب الأيمن والجانب الأيسر لغرفة (قفص) بنيت خصيصًا،  والجهاز الذي يصرف (dispenser) قطع السكر موضوع في وسط الغرفة.  سحب الذراعان من الغرفة في بداية كل محاولة وظهرا مرة أخرى بعد ثانيتين أو ثمان ثوان من بدايتها. 

تعلمت الفئران بسرعة أنه عندما يظهر الذراعان مرة أخرى بعد الفترة الأقصر (أي بعد الثانيتين) أن الضغط على الذراع الأيسر يصرف قطعة السكر. وعندما أُعيد ظهور الذراعين في الغرفة بعد الفترة الأطول (الثمان ثواني)،  الضغط على الذراع الأيمن صرف قطعة سكر. وهكذا، فإن الجانبين يمثلان وضعية خيارين مبسطة للفئران – انتقل الفئران إلى الجانب الأيسر من الغرفة في البداية، ولكن لو لم يظهر الذراع في غضون فترة معينة، تنتقل الفئران إلى الجانب الأيمن بناءً على قرارها الداخلي.

هذا التصميم الخاص سمح لنا أن نسأل سؤالًا فريدًا عما يحدث في الدماغ خلال هذا الانتقال الذهني والمادي من أحد الخيارين إلى الآخر”، كما يقول هاو لي (Hao Li)،  الباحث المشارك في معهد سالك والمؤلف المشارك الأول للورقة.

والفئران وهي تقوم بإداء المحاولات التجربية، استخدم الباحثون تقنية تسمى المسح الضوئي الفولتامتري الحلقي السريع (fast-scan cyclic voltammetry) لقياس تركيز الدوبامين في أدمغة الفئران بواسطة أقطاب أدق بكثير من شعرة رأس الإنسان. هذه التقنية تسمح بقياس الزمن بشكل دقيق جدًا (في هذه الدراسة، أخذت العينات بوتيرة 10 مرات في الثانية الواحدة)، وبالتالي يمكن أن تُقرأ التغيرات السريعة في كيمياء الدماغ. وأظهرت نتائج المسح الفولتامتري أن التقلبات في مستويات الدوبامين في الدماغ تقترن اقترانًا وثيقًا بقرار الفأر. واستطاع الباحثون بالفعل التنبؤ بدقة بالاختيار القادم للفأر للذراع بناءً على تركيز الدوبامين وحده.

يجد الفأر طريقه بمساعدة خريطة على شكل التركيب الكيميائي لجزيء الدوبامين، مما يعكس نتائج الأبحاث التي تفيد بأن الدوبامين يوجه الاختيارات السلوكية.

ومن المثير للاهتمام، أن الفئران الأخرى التي حصلت على السكر بعد الضغط على أي من الذراعين (وبالتالي إزالة عامل الاختيار هنا) شهدت أدمغتها زيادة في مستوى الدوبامين أثناء التجارب، ولكن على النقيض من ذلك ظلت مستويات الدوبامين فوق الخط الأساس طوال الوقت، مما يشير إلى دور الدوبامين المتجدد عندما يكون هناك اختيار في الضمن.

“نحن متحمسون جدًا لهذه النتائج لأنها تشير إلى أن الدوبامين يمكن أن يكون له دور أيضًا في  القرار الجاري (المستمر)(1)، يتجاوز دوره المعروف في التعلم / الاكتساب(4)” ، كما قال كريستوفر هوارد (Christopher Howard)، الباحث المشارك في أبحاث سالك.

للتحقق من أن مستوى الدوبامين هو ما تسبب في تغيير الخيار [أي هناك سبب ومسبَب أو علة ومعلول]، لا بسبب مجرد تلازم بينه وبين الخيار،  استخدم الفريق الهندسة الوراثية والأدوات الجزيئية – بما في ذلك تنشيط أو تثبيط الخلايا العصبية باستخدام الضوء [وهي تقنية تسمى علم البصريات الوراثية (optogenetics)] – للتلاعب في مستويات  الدوبامين في دماغ الفئران في الزمن الحقيقي . وجدوا أنهم كانوا قادرين على تبديل خيار الفئران من رافعة إلى أخرى في الاتجاهين عن طريق زيادة أو خفض مستويات الدوبامين.

يقول جين إن هذه النتائج تشير إلى أن التغير في مستويات الدوبامين ديناميكيًا يرتبط بالأختيار الجاري (المستمر)(١) للأفعال / للتصرفات. “نعتقد أنه لو استطعنا استعادة ديناميات الدوبامين المناسبة – في مرض الباركنسون والوسواس القهري والإدمان على المخدرات – سيصبح الناس اكثر قدرة على التحكم في سلوكياتهم بشكل أفضل. هذه خطوة هامة في فهم كيف يمكن تحقيق هذا المطلب”.

مصادر من داخل وخارج النص:
1- “القرارات الجارية (المستمرة) (ongoing decisions) حسب تعريفنا، تنطوي على سلسلة متواصلة من الاستجابات الممكنة وتحدث على مدى فترة زمنية ممتدة تكون خلالها الاستجابة عرضة للتعديل والتنقيح بشكل مستمر” ، ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان: https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/33423634/
2- https://www.cell.com/neuron/fulltext/S0896-6273(17)30137-X?_
3- https://ar.wikipedia.org/wiki/جسم_مخطط
4- “التعلم (learning) هو عملية تحصيل واكتساب الفهم والمعرفة والسلوكيات والمهارات والقيم والتوجهات / الأمزجة والتفضيلات الجديدة. القدرة على التعلم منحصرة في الإنسان والحيوان، وبعض الآلات؛ هناك أيضًا أدلة على وجود نوع من التعلم في بعض النباتات. بعض التعلم يكون فوريًا، ويحدث نتيجة لحدث ما (على سبيل المثال، التعرض للحرق من موقد حار)، ولكن الكثير من المهارات والمعرفة تتراكم من التجارب المتكررة. غالبًا ما تستمر التغيرات الناتجة عن التعلم مدى الحياة، ومن الصعب التمييز بين المادة المكتسبة التي تبدو “مفقودة (منسية)” من تلك التي لا يمكن تذكرها”  ، ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان: https://en.wikipedia.org/wiki/Learning
5- https://ar.wikipedia.org/wiki/علم_البصريات_الوراثي

المصدر الرئيس: 
http://www.salk.edu/news-release/hard-choices-ask-brains-dopamine/

الأستاذ عدنان احمد الحاجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *