مصدر الصورة: mamamia.com.au

السر في تربية أطفال أذكياء – ترجمة عدنان احمد الحاجي

The Secret to Raising Smart Kids
(كتبته: كارول دويك، جامعة ستانفوزد – Carol S. Dweck)

لمحة: لا تقل لأولادك انهم (أذكياء).

فأكثر من ثلاثة عقود من البحث اثبت ان التركيز على الفعل – لا على الذكاء او القدرة – هو مفتاح النجاح في المدرسة الآكاديمية وفي الحياة – البرفسور كارول دويك، جامعة ستانفورد.

  • كثير من الناس يعتقدون أن الذكاء أو القدرة هو مفتاح النجاح. ولكن أكثر من ثلاثة عقود من البحث تبين أن التركيز المفرط على القوة الفكرية أو الموهبة، والإيحاء بأن مثل هذه الصفات هي فطرية وثابتة، يترك الناس عرضة للفشل والخوف من التحديات وليس لديهم حافز على التعلم.
  • ارشاد الناس لتبني “عقلية (ذهنية) نمو”، والتي تحث على التركيز على “العملية الإجرائية  (العمل)” لا على الذكاء أو الموهبة ، يؤدي الى منجزات أكاديمية وحياتية عالية.
  • يمكن للوالدين والمعلمين أن يزرعوا ذهنية النمو في الأطفال وذلك بمدحهم على مثابرتهم أو أساليب عملهم (لا على ذكائهم) ، وذلك بسرد قصص النجاح التي تؤكد على العمل الجاد وحب التعلم ، وتثقيفهم عن الدماغ باعتباره آلة التعلم.
  • الطالب الجامعي ، جوناثان تدرج في صفوف المدرسة الابتدائية. أكمل واجباته بسهولة وبشكل روتيني وحصل على درجات امتياز . احتار جوناثان في السبب الذي جعل بعض زملائه يواجهون صعوبات في دراستهم ، أخبره والداه بأن لديه موهبة خاصة. في الصف السابع ، ومع ذلك ، فقد جوناثان الاهتمام فجأة في المدرسة، ورفض القيام بالواجبات المنزلية أو المذاكرة للاختبارات. ونتيجة لذلك، انخفضت درجاته. حاول والداه تعزيز ثقة ابنهما من خلال تأكيدهما له على أنه ذكي جدًا وموهوب. لكن محاولاتهم باءت بالفشل في تحفيز جوناثان. أصبح الواجب المدرسي، الذي كان يحافظ على انجازه، مملاً بالنسبة له ولا طائل منه. 
  • مجتمعنا يعبد المواهب، ويفترض كثير من الناس أن امتلاك معدل ذكاء فائق – أو قدرة مع ثقة في تلك القدرة – هي مفتاح النجاح.  في الواقع، أكثر من 35 عاماً من البحث العلمي أفاد بأن التركيز المفرط على الذكاء أو الموهبة – بما يستلزم ذلك من ان هذه السمات فطرية وثابتة –  يترك الناس عرضة للفشل، ويخشون التحديات ولا يرغبون في معالجة ما لديهم من قصور.
  • بانت النتيجة في أطفال مثل جوناثان ، الذين تخطوا الصفوف الأولى تحت فكرة خطيرة بأن الإنجاز الأكاديمي بلا جهد يوحي لهم بأنهم أذكياء أو موهوبون. هؤلاء الأطفال يعتقدون اعتقاداً ضمنياً بأن الذكاء فطري وثابت، مما يجعل سعيهم للاجتهاد في التعلم واكتساب المعرفة يبدو وكأنه أقل أهمية من كونهم أذكياء أو طهورهم بمظهر الأذكياء.  هذا الاعتقاد يجعلهم أيضا يرون  التحديات والأخطاء وحتى الحاجة إلى بذل الجهد تهديدًا ضد “أناهم” لا فرصة لهم للاجتهاد والتقدم . وذلك يجعلهم يفقدون الثقة بأنفسهم والدافع للعمل والاجتهاد وبالتالي لم يعد العمل سهلاً عليهم لو أرادوا.

الاشادة بقدرة الطفل الفطرية يعزز ذهنية الثبات هذه، كما فعل والدا جونثان ، والتي يمكن أيضا ان تمنع الرياضيين الشباب أو العمال وحتى المتزوجين من أن يبذلوا أقصى ما في إمكانياتهم. من ناحية أخرى، تبين دراستنا أن تثقيف الناس ليتبنوا “ذهنية نمو”، والتي تحث على التركيز على “العمل” (بذل الجهد الشخصي وتوظيف الأساليب الفعالة) لا على التركيز على الذكاء أو الموهبة [بوكنهما سمتين فطريتين] يساعد على النجاح والإنجاز المميز أكاديميًا في المدرسة وفي مسرح الحياة.

الاستفادة من فرص الإخفاق  

بدأتُ أولاً بتحري البواعث المحركة للإنسان، وكيف يواصل ويثابر الناس بعد إخفاقاتهم – كطالبة دراسات عليا في علم النفس في جامعة ييل في الستينات من القرن الماضي. التجارب على الحيوانات التي قام بإجرائها السايكلوجيون مارتن سليغمان (Martin Seligman) وستيڤن ماير (Steven Maier) وريتشارد سولمون (Richard Solomon) الذين كانوا في حينها في جامعة بنسلفانيا بينت أنه بعد الاخفاق المتكرر فإن معظم الحيوانات تستنتج أن الوضع لا طائل منه (ميؤوس منه)   وخارج عن نطاق سيطرتها. وبعد  هذه التجربة، وجد الباحثون ان الحيوان غالبًا ما يصبح خاملًا يقبل بالوضع الراهن حتى ولو استطاع ان يحدث تغيراً – وهي الحالة التي وصفوها ب “العجز المكتسب(1)“.

يستطيع الناس أن يتعلموا كيف يكونوا عاجزين / يائسين أيضا، ولكن ليس كل الأشخاص يواجهون الاخفاقات بهذه الطريقة. كنت أتساءل: لماذا بعض الطلاب يستسلمون عندما يواجهون صعوبات، في حين يحرص الآخرون، الذين ليسوا باكثر مهارة منهم، جادين على التعلم؟ احد الاجوبة التي سرعان ما اكتشفتُها يكمن في معتقدات الناس عن أسباب إخفاقهم.

على وجه الخصوص، عزو ضعف الأداء الى عدم وجود القدرة يضعف من الباعث أكثر مما يضعفه الاعتقاد بعدم بذل الجهد كان هو السبب. في عام 1972 عندما كنت أدرِّس مجموعة من أطفال المدارس الابتدائية والمتوسطة الذين ظهر عليهم اليائس في المدرسة من أن عدم بذل الجهد (لا عدم وجود القدرة) أدى إلى ارتكابهم أخطاء في حل مسائل الرياضيات،  الأطفال تعلموا أن يستمروا  في المحاولة عندما يصعب عليهم حل المسائل.

وقاموا بحل الكثير من مسائل الرياضيات حتى عندما واجهوا صعوبات في حلها.  مجموعة أخرى من الأطفال اليائسين الذين كوفئوا على نجاحهم في حل أسهل المسائل البسيطة لم تتحسن قدراتهم على حل المسائل الرياضية الصعبة. وكانت هذه التجارب أمارة أولية على أن التركيز على الجهد بإمكانه أن بساعد في معالجة اليأس و يؤدي الى النجاح.

وكشفت دراسات لاحقة أن الطلاب الأكثر اصراراً على المثابرة لا يفكرون في فشلهم إطلاقاً ولكن  يفكرون في الأخطاء كمشكلات (كفرص) يتعين عليهم حلها. في جامعة إلينوي في السبعينات من القرن الماضي انا وطالبة الدراسات العليا كارول داينر (Carol Diener)، طلبنا من 60 طالباً في الصف الخامس بالتفكير بصوت عال أثناء حلهم مسائل نمطية صعبة جدًا. كان رد فعل بعض الطلاب اتقائياً تجاه الأخطاء، مقللين من شأن مهاراتهم معلقين بكلمات مثل “لم أملك قط ذاكرة جيدة”، ولهذا تضعضعت استراتيجيات (أساليب) حل مسائل الرياضيات لديهم.

آخرون، وفي الوقت نفسه، ركزوا على تصحيح الأخطاء وشحذ مهاراتهم.  أحدهم نصح نفسه قائلاً: “كان علي أن أتمهل وأستمر في محاولة حل المسائل”. وكان هناك تلميذان من تلاميذ المدارس ملهمين بشكل خاص. احدهم، في مواجهة الصعوبات سحب كرسيه وفرك يديه ببعضهما وضغط على شفتيه وقال: “أنا أحب التحدي!” والآخر، واجه أيضا المسائل الصعبة، ونظر الى مراقب الامتحان وقال مستحسناً: “آمل أن تكون هذه غنية بالمعلومات المفيدة!” وكان من المتوقع أن يتفوق الطلاب بهذا المزاج على زملائهم في هذه الدراسات.

وجهتا نظر عن الذكاء

بعد عدة سنوات وضعتُ نظريةً أوسع تُميز بين نوعين عامين من المتعلمين:- يائسون مقابل ذوي الرغبة في التعلم والإتقان. أدركت أن هذين النوعين المختلفين من الطلاب لا يفسرون اخفاقاتهم  بطرق مختلفة فحسب، ولكن أيضا لديهم “نظريات” مختلفة عن الذكاء.

الطالب اليائس يعتقد بأن الذكاء هو سمة ثابتة: يعتقد أن لديه مقدارًا محدودًا من الذكاء وهذا كل ما يملك.  سميتُ هذه الذهنية بـ “ذهنية الثبات”. ارنكابهم الأخطاء حطم ثقتهم بأنفسهم لأنهم يعزون ارتكابهم للأخطاء إلى نقص في قدراتهم وهي مما يشعرهم بالعجز عن تغيير هذه الذهنية.  يتجنبون التحديات لأن التحديات قد تجعل ارتكابهم للاخطاء أكثر احتمالًا وبذلك يبدون أكثر غباءً.  هؤلاء الأطفال يتجنبون بذل مجهود بسبب اعتقادهم بأن حاجتهم إلى بذل جهد في الدراسة يعني أنهم أغبياء.

الأطفال الذين يركزون على التعلم والإتقان من ناحية أخرى، يعتقدون ان الذكاء مرن ويمكن تطويره  بالتعلم والعمل الجاد وبذل الجهد. يريدون أن يتعلموا قبل كل شيء.  وبعد لو اعتقدت أنه يمكنك ان توسع مهاراتك الفكرية فسترغب في فعل ذلك جتمًا [ببذل الجهد]. لأن الخطأ انبثق من عدم بذل جهد أو من مهارات قابلة للإكتساب لا أنه انبثق من قدرة ثابتة (محدودة)، ولذا يمكن علاج ذلك بالمثابرة.  التحديات تعطي طاقة اضافية وغير مخيفة وتوفر فرصاً للتعلم.  الطلاب من ذوي ذهنية النمو،  كما توقعنا، قدرهم المزيد من النجاح الأكاديمي، ومن المحتمل جدًا أن يتفوقوا على نظرائهم.

تحققنا من صحة هذه التوقعات في دراسة نشرت في أوائل عام 2007. استاذتا علم النفس ليزا بلاكويل (Lisa Blackwell) من جامعة كولومبيا، وكالي تريسنيوسكي (Kali Trzesniewski) من جامعة ستانفورد وأنا رصدنا 373 طالبًا على مدار سنتين خلال فترة الانتقال إلى المدرسة الثانوية عندما أصبحت الدراسة تدريجيًا أكثر صعوبةً وكان تصحيح الإمتحانات (إعطاء الدرجات) أكثر صرامة لمعرفة  كيف يمكن أن تؤثر نوع ذهنياتهم في تحصيلهم في الرياضيات.

وفي بداية الصف السابع، قمنا بتقييم ذهنبات الطلاب حيث طلبنا منهم أن يوافقوا على أو يخالفوا عبارات مثل:  “ذكاؤك شيء ثابت جدا بالنسبة لك لا يمكنك تغييره. وبعد ذلك قمنا بتقييم معتقداتهم في جوانب أخرى من التعلم لمعرفة تأثير ذلك في درجاتهم.

كما توقعنا،  الطلاب ذوي ذهنية النمو شعروا بأن التعلم هو الهدف الأكثر أهمية في المدرسة من أهمية الحصول على درجات جيدة. وبالإضافة إلى ذلك،  احترموا العمل الجاد بنحو عالٍ واعتقدوا أنه كلما جد الشخص واجتهد في العمل ، كلما أصبح أفضل في إتقانه له. و عرفوا أنه ينبغي حتى على العباقرة أن يعملوا بجد ليحققوا انجازات عظيمة. وفي مواجهة الإخفاقات، مثل حين حصلوا على درجات امتحان ضعيفة،  فإن الطلاب من ذوي ذهنية النمو قالوا انهم سيذاكرون دروسهم بجدية أكثر  او سيحاولون إتباع استراتيجيات مختلفة لإتقان المواد الدراسية.

الطلاب من ذوي الذهنية الثابتة كانوا مهتمين بأن يظهروا أذكياء بقليل من الإهتمام بالتعلم.  لديهم وجهات نظر سلبية عن بذل الجهد ويعتقدون أن الحاجة إلى العمل الجاد هو علامة على قدرة المرء الضعيفة. ويعتقدون أن الموهوب أو الذكي ليس بحاجة إلى العمل الجاد حتى يحسن من أدائه. من يعزون حصولهم على درجات ضعيفة الى افتقارهم إلى القدرة،  هم أولئك ذوي الذهنية الثابتة،  الذين قالوا إنهم لن يدرسوا في المستقبل، او سيحاولون ألاّ يأخذوا هذا المادة الدراسية مرة أخرى وسيأخذون في الاعتبار الغش في الاختبارات المستقبلية.

وكان لمثل هذه الاستشرافات المتباينة تأثير كبير في الأداء. في بداية المرحلة الإعدادية حيث كانت درجات الأختبار التحصيلي في الرياضيات للطلبة من ذوي ذهنية النمو  مماثلة لتلك التي للطلاب من ذوي العقلية الثابتة. ولكن كلما أصبحت الدراسة أكثر صعوبة أظهر الطلاب من ذوي عقلية النمو  المزيد من الجد والمثابرة . ونتيجة لذلك، تجاوزت درجاتهم في مادة الرياضيات الطلاب الآخرين في نهاية الفصل الدراسي الأول، والفجوة بين المجموعتين استمرت في الاتساع خلال العامين حين كنا  نتابع كلا المجموعتين.

وجدت أنا والبرفسور في علم النفس هايدي غرانت هالفورسون (Heidi Grant Halvorson)، من جامعة كولومبيا تلازمًا مشابهًا بين نوع الذهنية والإنجاز في دراسة أجريتها عام 2003 على 128 من  طلبة ما قبل الطب الذين كانوا مسجلين في مادة الكيمياء العامة. على الرغم من أن جميع الطلاب مهتمون بالدرجات، لكن الذين حصلوا على أفضل الدرجات هم أولئك الذين وضعوا أهمية كبيرة على التعلم بدلاً من التركيز على الظهور اذكياء في مادة الكيمياء. كان التركيز على استراتيجيات التعلم والجهد والمثابرة نافعًا لهؤلاء الطلاب.

مواجهة التقصير

 الاعتقاد في الذكاء الثابت (الفطري) أيضا يجعل الناس أقل استعداداً للاعتراف بالأخطاء أو المواجهة ومعالجة التقصير في المدرسة وفي العمل وفي العلاقات الاجتماعية البينية. في دراسة نشرت في عام 1999 على 168 طالبًا من الجدد في جامعة هونغ كونغ، حيث كانت كل التعليمات والمواد الدراسية باللغة الإنجليزية، انا وثلاثة من الزملاء من هونغ كونغ وجدنا أن الطلاب من ذوي ذهنية النمو الذين حصلوا على درجات ضعيفة في امتحان الكفاءة في اللغة الإنجليزية كانوا أكثر ميلاً في الإنخراط في دروس تعويضية في اللغة الإنجليزية لمعالجة هذا القصور من الطلاب ذوي الذهنية الثابتة الذين حصلوا على درجات ضعيفة.  الطلاب الذين يرون ان الذكاء ثابت غير راغبين في الاعتراف بعجزهم ولذلك فوتوا فرصة تصحيح اوضاعهم.

الذهنية الثابتة يمكن أن تقف حجر عثرة أمام التواصل بين الرؤساء والموظفين في مكان العمل مما جعلهم لا يرحبون بالنقد البناء وتقديم المشورة أو تجاهلوها. البحث الذي اجراه اساتذة علم النفس بيتر هيسلين، (Peter Heslin) من جامعة نيو ساوث ويلز في أستراليا ودان ڤانديڤال (Don VandeWalle) من الجامعة الميثودية (Methodic) الجنوبية وغاري لاثام (Gary Latham) من جامعة تورنتو  أظهرت أن الرؤساء من ذوي العقلية الثابتة هم أقل احتمالاً لطلب او الترحيب بالتغذية الراجعة من الموظفين العاملين لديهم من الرؤساء الذين هم من ذوي ذهنية النمو. يفترض، ان الرؤساء من ذهنية النمو يعتبرون أنفسهم في عملية تعلم مستمر ويعرفون أنهم في حاجة الى تغذية راجعة  لتحسين أدائهم ، في حين ان الرؤساء من ذوي العقلية الثابتة هم أكثر احتمالاً لان يروا الانتقادات  تعكس المستوى الكامن وراء قدراتهم المحدودة. 

The Secret to Raising Smart Kids Author(s): Carol S. Dweck Source: Scientific American Mind, Vol. 18, No. 6 (December 2007/Janua

بافتراض أن الآخرين ليسوا قادرين على تغيير أي من الذهنيتين ، فإن المدراء التنفيذيين من ذوي الذهنية الثابتة هم أقل احتمالا لمراقبة مستوياتهم الكامنة. ولكن بعد أن أعطى هيسلين (Heslin) وڤاندي (Vande) واللي (Walle) ولاثهام (Latham) المدراء برنامجًا تعليميًا عن قيمة ومبادئ ذهنية النمو ، أصبحوا أكثر استعدادًا لتدريب موظفيهم وتقديم نصائح أكثر فائدة لهم.

نوعية العقلية يمكن أن تؤثر في نوعية ومدة استمرار العلاقات الشخصية، من خلال رغبة الناس أو عدم رغبتهم في التعامل مع والتغلب على الصعوبات. أولئك الذين لديهم ذهنية ثابتة هم أقل احتمالا من أولائك الذين لديهم ذهنية نمو في طرح المشكلات في علاقاتهم ومحاولة حلها.  وفقا لدراسة أجريتها عام 2006 مع استاذة علم النفس لارا كماراث (Lara Kammrath)،  من جامعة ويك فورست (Wake Forest) ، إذا كنت تعتقد أن السمات الشخصية(2) الى حد ما ثابتة فان إصلاح العلاقة يبدو غير مجد إلى حد كبير. الأشخاص الذين يعتقدون ان الناس يمكن أن تتغير وتنمو هم أكثر ثقة في أن مواجهة ما من شأنه أن يكون مقلقًا في علاقاتهم ستؤدي إلى حلول.

الثناء المناسب

كيف يمكننا رزع ذهنية النمو في أطفالنا؟ أحد الطرق هي سرد القصص التي تتحدث عن الإنجازات  التي كانت نتيجةً لعمل جاد. على سبيل المثال، التحدث عن عباقرة في الرياضيات ولدوا الى حد ما بذهنية ثبات من شأنه أن بزرع في الطلاب ذهنية الثبات، ولكن توصيف علماء رياضيات عظماء احبوا الرياضيات وطوروا مهارات مذهلة من شأنها أن تنتج طلاباً من ذوي ذهنية النمو، كما بينت دراساتنا.  الناس ينقلون أيضا أيًا من الذهنيتين بحسب أسلوب الثناء. على الرغم من أن الكثير، إن لم يكن أكثر أولياء الأمور يعتقدون أنه ينبغي تقوية الأطفال بالتحدث اليهم عن كم هم رائعون وموهوبون حيث تشير أبحاثنا الى أن هذا يعتبر مدحًا مضللًا.

مصدر الصورة: lifewithkids.cuterascals.com

في الدراسات التي شملت عدة مئات من طلاب الصف الخامس التي نشرت في عام 1998، على سبيل المثال ، قمت أنا وأخصائية علم النفس كلوديا م. مويلر (Claudia M. Mueller)، من جامعة ستانفورد، بإعطاء الأطفال أسئلة من اختبار الذكاء غير اللفظي. بعد الأسئلة العشرة الأولى ، التي أجاب عنها معظم الأطفال ، أشدنا بهم.  أشدنا ببعضهم على الذكاء، قائلين لهم: “واو wow … تلك  درجة امتحان جيدة جدًا. لابد أنك ذكي في هذه المادة”. وأشدنا بالآخرين على العمل، قائلين لهم: “واو .wow.. تلك درجة جيدة جدًا. لابد أنك قد درست لهذا الامتحان بجد”.

وجدنا أن الثناء على الذكاء شجع في اكثر الأحيان ذوي الذهنية الثابتة اكثر مما شجعهم التربيت على ظهورهم على ما بذلوه من جهد. والذين أثنيننا على ذكائهم، على سبيل المثال، نأوا  بأنفسهم عن العمل على المسائل الصعبة التي أوكلت اليهم، لأنهم كانوا يرغبون في العمل على المسائل السهلة.  عندما أعطينا مسائل صعبة للجميع على أي حال، فالذين أشدنا بهم لكونهم اذكياء أصبحوا محبطين، ومشككين في قدراتهم.  انخفضت درجاتهم، حتى في المسائل السهلة  التي أعطيناها لهم بعد ذلك مقارنة مع نتائجهم السابقة في مسائل مشابهة. وفي المقابل، الطلاب الذين أشدنا بعملهم الجاد لم يفقدوا الثقة في أنفسهم عندما أعطيناهم أسئلة أصعب، فقد تحسن أداؤهم بشكل ملحوظ في حل المسائل الأسهل التي أعقبت ذلك.

تحديد نوع الذهنية 

بالإضافة إلى تشجيع ذوي الذهنية النامية وذلك بالثناء على الجهد، يمكن لأولياء الأمور والمعلمين مساعدة الأطفال وذلك بتوفير تعليمات صريحة فيما يتعلق بالعقل بصفته آلة للتعلم. قمت أنا وبلاكويل ترزنيوسكي (Blackwell Trzesniewski) بتصميم ورشة عمل من ثماني جلسات لـ 91 طالباً من الذين تراجعت درجاتهم في الرياضيات في السنة الأولى إعدادي. ثمانية وأربعون من الطلاب تلقوا تعليمات عن مهارات الدراسة(3) فقط، بينما حضر الآخرون مجموعة من الدورات في مهارات ومواد دراسية عن ذهنية النمو وكيف يطبقونها على عمل الواجبات المدرسية.

مصدر الصورة: parenting.firstcry.com

في الصفوف الدراسية لذوي عقلية النمو يقرأ الطلاب ويناقشون مقالًا بعنوان “تستطيع أن تنمي عقلك”. كانوا يتلقون دروسًا عن أن الدماغ كالعضلات يمكن ان يصبح أكثر قوة بكثرة الاستخدام وأن التعليم يحث الخلايا العصبية في الدماغ على تكوين روابط عصبية جديدة . من هذه التعليمات، بدأ العديد من الطلاب برؤية أنفسهم عوامل لنمو أدمغتهم. الطلاب الذين كانوا مشاغبين أو ملولين لم يحركوا ساكناً وقاموا بأخذ ملاحظات. قام احد الطلاب المشاغبين متعجبًا وقال هل تعني أنه ينبغي لي ان لا أكون ولدا غبياً. 

على الرغم من عدم معرفتهم أن هناك نوعين من التعليمات ، فقد ذكر المعلمون تغيرات تحفيزية كبيرة في 27٪ من الأطفال في ورشة عمل ذهنية النمو مقارنة بـ 9٪ فقط من الطلاب في مجموعة الضبط. كتب أحد المعلمين: “لقد كان لورشة العمل التي قمتما بإجرائها بالفعل تأثير.  [الطالب المشاغب] الذي لم يبذل قط جهداً إضافياً، وغالباً لا يسلم واجباته المدرسية في الوقت المحدد، قد بقي الى وقت متأخر من الليل حتى يستطبع أن يسلم واجباته مبكراً في اليوم التالي حتى أتمكن من مراجعتها ومنحه فرصة لمراجعتها. حصل على جيد جداً مرتفع (+B). (وقد كان يحصل على جيد وأدنى)”.

مع تقدم الفصل الدراسي زمانيًا واصلت درجات الرياضيات للأطفال الذين تعلموا مهارات الدراسة(3) فقط في التدني، في حين أن الطلاب الذين حضروا فصول دراسية للتدريب على ذهنية النمو توقفت درجاتهم عن التناقص وبدأت بالارتفاع مرة أخرى إلى مستوياتها السابقة. 

قام باحثون آخرون بتكرار نتائجنا. باحثو علم النفس كاترين غود (Catherine Good) ، من كلية باروخ (Baruch) ، جوشوا أرونسون (Jashoa Aronson) من جامعة نيويورك ومايكل إنزيليخت (Michael Inzlicht)، من جامعة تورنتو، أفادوا في عام 2003 بأن ورشة عمل ذهنية النمو رفعت من درجات اختبار التحصيل في الرياضيات ودرجات اللغة الإنجليزية للصف السابع. وفي دراسة أجريت عام 2002 ، وجد آرونسون غوود (الذي كان طالب دراسات عليا في جامعة تكساس في أوستن) وزملاؤه أن طلاب الجامعات بدأوا يستمتعون بعملهم المدرسي بشكل أكثر ويقدرونه بدرجة أعلى ويحصلون على درجات أفضل نتيجة للتدريب الذي عزز ذهنية النمو لديهم.

قمنا بدمج هذه التعليمات في برنامج كمبيوتري تفاعلي يسمى (Brainology). تقوم مناهجه الخمس بتدريس الطلاب عن الدماغ – وظيفته وما يجعله يقوم بوظائفه بشكل أفضل.  في مختبر  الدماغ الافتراضي ، بإمكان المستخدمين النقر على مناطق الدماغ للتعرف على وظائفه أو على الطرفيات العصبية لمعرفة كيف تتكون أو تقوي الروابط العصبية عندما يتعلم الناس. يمكن للمستخدمين أيضًا تقديم النصح للطلاب الإفتراضيين في حل المسائل كطريقة لممارسة كيف يتعاملون مع صعوبات الوظيفة المدرسية ( الواجب المدرسي) ؛ بالإضافة إلى ذلك، يحتفظ المستخدمون بدفتر إلكتروني عن ممارساتهم الدراسية.

طلاب الصف السابع في مدينة نيويورك الذين جربوا برنامج (Brainology) قالوا لنا أن البرنامج قد غير وجهة نظرهم في التعلم وكيف يعززونه. كتب أحدهم: “الشيء المفضل لدي من برنامج (Brainology) هو جزء الخلايا العصبية حيث عندما نتعلم شيئًا ما ، هناك روابط عصبية تستمر في التكوِّن. أنا دائما أتصورها عندما أكون في المدرسة”. قال أحد المعلمين عن الطلاب الذين استخدموا البرنامج:”إنهم يرغبون في عمل التمارين أو الدراسة أو كتابة الملاحظات أو الإنتباه حتى يضمنوا  استمرار تكوِّن الروابط بين الخلايا العصبية”.

تعليم الأطفال مثل هذه المعلومات ليست مجرد حيلة لحثهم على الدراسة. قد يختلف الناس أيضا في مستويات الذكاء والموهبة والقدرة. ولكن الابحاث تتفق على الاستنتاج بأن الانجاز الكبير، وحتى ما نسميه بـ العبقرية، هو عادةً نتيجة لسنوات من الشغف والإلتزام والتفاني وليس شيئا يتدفق  طبيعيًا من كون الشخص موهوبًا. موزارت واديسون وكوري وداروين وسيزان لم يولدوا ببساطة موهوبين. بل حصلوا على ما حصلوا عليه ببذل جهود جبارة ومتواصلة. وبالمثل، فإن العمل الجاد والانضباط يسهمان في الإنجاز المدرسي أكثر من الذكاء.

هذه الدروس تنطبق على كل مسعىً إنساني تقريبًا. على سبيل المثال، الكثير من الرياضيين الشباب يعطون قيمة للموهبة أكثر من اعطائهم قيمة للعمل الجاد وبالتالي قد لا يتعلمون. وبالمثل، كثير من الناس لهم انحازات لا تكاد تذكر في وظائفهم وذلك لعدم تلقيهم ثناءً وتشجيعًا مستمرًا  حتى يحافظوا على الحافز النفسي.  لو عززنا ذهنية النمو في بيوتنا ومدارسنا، فإننا سنقدم لأطفالنا أدوات النجاح التي يحتاجونها في سعيهم ويصبحون موظفين ومواطنين منتجين —كارول دويك.

امتياز على الجهد

وفقاً لدراسة استقصائية أجريناها في منتصف التسعينيات ، يعتقد 85 بالمائة من أولياء الأمور أن مدح قدرة الأطفال أو ذكائهم عند أدائهم الجيد أمر مهم لجعلهم يشعرون أنهم أذكياء. لكن أبحاثنا تظهر أن مدح ذكاء الطفل يجعل الطفل ضعيفاً وفي موقف اتقائي. كذلك، فإن الثناء العام يشير إلى سمة ذهنية الثبات ، مثل: “أنت فنان جيد”. يمكن أن يكون الثناء قيماً جدًا،  لو صيغ بعناية. الثناء على العمل المحدد الذي قام به الطفل لإنجاز شيء ما يعزز الدافع والثقة بالنفس وذلك بتركيزه على الأفعال التي تؤدي إلى النجاح. قد يشمل مدح هذه العملية الثناء على الجهود والاستراتيجيات والمثابرة في مواجهة الصعوبات والاستعداد لمواجهة التحديات.

فيما يلي أمثلة على مثل هذه المحاولات التي يمكن أن يتواصل أولياء الأمور مع أطفالهم:

– لقد قمت برسم صور جيدة؛ أنا أحب التفاصيل التي أضفتها إلى وجوه الناس.

– لقد درست جيداً للتحضير لاختبار مادة الاجتماعيات. قرأت المادة عدة مرات ولخصتها واختبرت نفسك فيها. هذه الطريقة جاءت بنتيجة بالفعل!

– تعجبني الطريقة التي جربت بها الكثير من الأساليب المختلفة لحل مسألة الرياضيات حتى توصلت  الى حلها أخيراً.

– كان ذلك الواجب المدرسي لمادة اللغة الإنجليزية صعبًا، لكنك لم تتركه حتى انتهيت منه. لقد بقيت على طاولة الدراسة وحافظت على تركيزك حتى توصلت الى الحل. ذلك عمل رائع!

– يعجبني أنك أخذت هذا المشروع الصعب لمادة العلوم. هذا المشروع يتطلب الكثير من العمل – منها القيام بالبحث وتصميم الجهاز، وصنع القطع وتركيبها. سوف تتعلم الكثير من هذه الخطوات الرائعة.

يمكن للوالدين والمعلمين تعليم الأطفال أيضًا الاستمتاع بعملية التعلم وذلك بالتعبير عن وجهات نظر إيجابية للتحديات والجهد وارتكاب الأخطاء. وهنا بعض الأمثلة:

– هذا صعب – هذا ممتع.

– آسف ، كان ذلك سهلاً للغاية – لا متعة فيه. دعونا نقوم بشيء أكثر صعوبةً يمكننا التعلم منه.

– دعونا نتحدث عما عانينا منه ولاقينا صعوبة فيه اليوم وتعلمنا منه. سأبدأ اولا.

– الاخطاء هي مثيرة جدا للاهتمام. وهنا خطأ رائع ، دعونا نرى ما يمكن أن نتعلم منه — كارول دويك.

مصادر من خارج النص:
1- https://ar.m.wikipedia.org/wiki/عجز_متعلم
2- https://ar.m.wikipedia.org/wiki/عناصر_الشخصية_الخمسة
3- https://ar.wikipedia.org/wiki/مهارات_الدراسة

المصدر الرئيس:
https://www.scientificamerican.com/article/the-secret-to-raising-smart-kids1/

الأستاذ عدنان أحمد الحاجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *