مراجعة شاملة للسجلات الصحية تربط الأمراض الفيروسية بأمراض الدماغ – ترجمة* محمد جواد آل السيد ناصر الخضراوي

Massive health-record review links viral illnesses to brain disease
(Max Kozlov – بقلم: ماكس كوزلوف)

ملخص المقالة:

وجد تحليل لنحو 450 ألف سجل صحي إلكتروني صلة محتملة بين العدوى بالإنفلونزا والفيروسات الشائعة الأخرى وارتفاع خطر الإصابة بحالة تنكسية عصبية مثل مرض الزهايمر أو مرض باركنسون في وقت لاحق من الحياة. وقد وجد التحليل ما لا يقل عن 22 رابطًا بين العدوى الفيروسية والأمراض التنكسية العصبية، وارتبطت بعض حالات التعرض للفيروس بزيادة خطر الإصابة بأمراض الدماغ لمدة تصل إلى 15 عامًا بعد الإصابة. وإذا أضافت الدراسات المستقبلية مزيدًا من الأهمية للعلاقة بين العدوى الفيروسية وأمراض الدماغ، فقد توفر لمسؤولي الصحة طريقة ملموسة لتأخير ظهور مرض التنكس العصبي.

( المقالة )

تربط دراسة بين الفيروسات الشائعة مثل الإنفلونزا ومرض الزهايمر (الخرف) وحالات أخرى – لكن هناك قيودًا على التحليل، كما يحذر الباحثون.

وجد تحليل لنحو 450 ألف سجل صحي إلكتروني صلة بين العدوى بالإنفلونزا والفيروسات الشائعة الأخرى وارتفاع خطر الإصابة بحالة تنكسية عصبية مثل مرض الزهايمر أو مرض باركنسون في وقت لاحق من الحياة. لكن الباحثين حذروا من أن البيانات لا تظهر سوى ترابط محتمل، وأنه لا يزال من غير الواضح كيف أو ما إذا كانت العدوى تؤدي إلى ظهور المرض.

في صورة المجهر الإلكتروني الماسح بالألوان الزائفة هذه، تقف جزيئات فيروس الإنفلونزا (باللون الأزرق) على أهبة الاستعداد للتحرر من خلية طلائية (ظهارية) منفجرة (باللون الأحمر). المصدر: لينارت نيلسون، Boehringer Ingelheim International GMBH, TT/SPL

والتحليل الذي نُشر في مجلة “نيورون” (Neuron) في 19 يناير[1]، وجد ما لا يقل عن 22 رابطًا بين العدوى الفيروسية والأمراض التنكسية العصبية. وقد ارتبطت بعض حالات التعرض للفيروس بزيادة خطر الإصابة بأمراض الدماغ لمدة تصل إلى 15 عامًا بعد الإصابة.

ويقول ماثيو ميللر، اختصاصي المناعة الفيروسية في جامعة ماكماستر في هاميلتون بكندا: “إنه لأمر مذهل مدى انتشار هذه الارتباطات، سواء بالنسبة لعدد الفيروسات أو عدد الأمراض التنكسية العصبية المعنية”.

البحث في السجلات الصحية

هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها ربط الفيروسات بمرض التنكس العصبي. فعلى سبيل المثال، ارتبطت الإصابة بنوع من فيروس الهربس بتطور مرض الزهايمر[2]. وقد وجدت دراسة بارزة نُشرت في مجلة “العلوم”[3] (Science) العام الماضي أقوى دليل حتى الآن على أن فيروس إبشتاين-بار (المترجم: فيروس الهربس البشري 4، وهو عضو في عائلة فيروس الهربس) مرتبط بالتصلب المتعدد. ولكن العديد من هذه الدراسات السابقة فحصت فقط فيروسًا واحدًا ومرضًا دماغيًا محددًا.

ولفهم ما إذا كانت الفيروسات مرتبطة بأمراض الدماغ على نطاق أوسع، قامت كريستين ليفين، عالمة البيانات الطبية الحيوية في مركز المعاهد الوطنية للصحة بالولايات المتحدة للخرف المرتبط بمرض الزهايمر في بيثيسدا بولاية ميريلاند، وزملاؤها بتحليل مئات الآلاف من السجلات الطبية للبحث عن الحالات التي يكون فيها الشخص مصابًا بعدوى فيروسية ومرض دماغي في الملف.

وفحص الفريق أولا سجلات لنحو 35000 شخص يعانون من أمراض الدماغ وحوالي 310000 شخص لا يعانون، وكان مصدر البيانات “فين جين” (FinnGen)، وهي قاعدة بيانات فنلندية كبيرة تتضمن معلومات صحية. قد وجد الفريق 45 رابطًا مهمًا بين العدوى وأمراض الدماغ، ثم اختبر تلك الروابط مقابل أكثر من 100000 سجل من قاعدة بيانات أخرى، مصدرها البنك الحيوي في المملكة المتحدة. وبعد هذا التحليل، توصل الفريق الى 22 اقترانًا (ارتباطًا) مهمًا.

وكانت إحدى أقوى الارتباطات بين التهاب الدماغ الفيروسي، وهو التهاب نادر في الدماغ يمكن أن تسببه أنواع متعددة من الفيروسات، ومرض الزهايمر. وكان الأشخاص المصابون بالتهاب الدماغ أكثر عرضة للإصابة بمرض الزهايمر في وقت لاحق من حياتهم بحوالي 31 مرة مقارنة بالأشخاص غير المصابين بالتهاب الدماغ. وكانت معظم الارتباطات الأخرى أكثر تواضعًا: كان الأشخاص الذين أصيبوا بنوبة إنفلونزا أدت إلى الالتهاب الرئوي أكثر عرضة للإصابة بمرض الزهايمر بأربعة أضعاف من الأشخاص الذين لم يصابوا بالإنفلونزا مع الالتهاب الرئوي. ولم تكن هناك أزواج (اقترانات) توحي بوجود صلة وقائية بين العدوى الفيروسية وأمراض الدماغ.

وتقول البروفيسور كريستين فونك، أخصائية المناعة العصبية في جامعة نورث كارولينا بمدينة شارلوت، التي تدرس الارتباط بين فيروسات الهربس ومرض الزهايمر: “أنا متحمسة جدًا لأنهم يوسعون هذا البحث على نطاق أوسع مما نظرت إليه الدراسات الأخرى”.

أوجه القصور في البيانات

تشتيل بيونفيك، عالم الأوبئة كلية “ت. هـ. تشان” للصحة العامة في جامعة هارفارد بمدينة بوسطن بولاية ماساتشوستس، ومؤلف ورقة إبشتاين-بار[3] في مجلة “العلوم”، يشيد بـ “ليفين” وزملائها لجلب المزيد من الاهتمام إلى دور العدوى الفيروسية في أمراض الدماغ. ولكنه حذر من أن نهجهم في استخدام السجلات الطبية “قد يكون إشكاليًا” لأنهم حللوا فقط العدوى التي كانت شديدة بما يكفي لتبرير رحلة إلى ممارس صحي. ويقول إن أخذ عدوى أكثر اعتدالًا في الاعتبار قد يضعف الارتباطات.

وتقول البروفيسور “فونك” إن البيانات مأخوذة بشكل حصري تقريبًا من أشخاص من أصل أوروبي، مما يعني أن النتائج قد لا تكون قابلة للتطبيق على عدد سكان العالم الأكبر. وعلاوة على ذلك، تضيف: “بعض الفيروسات أكثر انتشارًا” خارج أوروبا، مثل فيروس زيكا (المترجم: ينقله بعوض “أييديس” دون ظهور الأعراض على معظم المصابين؛ مثل الطفح الجلدي والحمى والتهاب الملتحمة وآلام العضلات والمفاصل والشعور بالضيق والصداع الذي يستمر لمدة 2-7 أيام) أو فيروس غرب النيل (المترجم: ينتقل عن طريق لدغات البعوض المصاب؛ قد يتسبب في مرض عصبي قاتل للانسان، وليس له أعراض)، لذلك ربما فات التحليل الروابط بين هذه العوامل الممرضة وأمراض الدماغ. وتقر ليفين، عالمة البيانات الطبية الحيوية في مركز المعاهد الوطنية للصحة بالولايات المتحدة، بحدود التحليل؛ تقول إن الفريق عمل بالبيانات التي كانت متاحة.

وتؤكد هذه القيود أيضًا على صعوبة فك التشابك فيما إذا كانت العدوى الفيروسية تؤدي إلى مرض تنكسي عصبي، أو ما إذا كان المرض يجعل الشخص أكثر عرضة للإصابة، كما تقول تشتيل بيونفيك. ولجعل الأمر أكثر صعوبة، وجد مؤلفو الورقة البحثية أنه كلما انقضى وقت أطول بين العدوى وتشخيص أمراض الدماغ، كان الارتباط أضعف. ومن المعروف أن الجسم يبدأ في التغير قبل سنوات من ظهور أعراض أمراض الدماغ والتشخيص[4]، لذلك من الصعب تحديد السبب وراء ذلك، كما تضيف. وتقول البروفيسور كورنيليا فان دوين، عالمة الأوبئة الوراثية بجامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة، إن النظرية الأخرى المعقولة هي أن هذه العدوى الفيروسية قد تسرع التغيرات الجزيئية في الجسم التي كانت جارية بالفعل.

وإذا أضافت الدراسات المستقبلية مزيدًا من الأهمية للعلاقة بين العدوى الفيروسية وأمراض الدماغ، فقد توفر لمسؤولي الصحة طريقة ملموسة لتأخير ظهور مرض التنكس العصبي. وتقول البروفيسور فان دوين إن اللقاحات موجودة للعديد من هذه الفيروسات. وتضيف أنه نظرًا لأنه يتم تشخيص أنواع متعددة من الخرف في وقت متأخر من العمر – بالقرب من متوسط العمر المتوقع – إذا تمكن الأطباء من تأجيل ظهور المرض لمدة عامين، فقد يعني ذلك أن العديد من الأشخاص قد لا يصابون بالمرض أبدًا.

وتتابع: “ليس من الواضح ما إذا كانت الالتهابات تسبب أمراضًا في الدماغ”. ولكن العدوى الفيروسية ليست ممتعة، وإذا كان هناك أي ارتباط بأمراض الدماغ، تقول: “أعتقد أننا مدينون للناس بالوقاية منها”.

*تمت الترجمة بتصرف

المراجع:

  1. Levine, K. S. et al. Neuron https://doi.org/10.1016/j.neuron.2022.12.029 (2023).
  2. Jamieson, G. A., Maitland, J. J., Wilcock, G. K., Craske, J. & Itzhaki, R. F. J. Med. Virol. 33, 224–227 (1991).
  3. Bjornevik, K. et al. Science 375, 296–301 (2022).
  4. Swaddiwudhipong, N. et al. J. Alz. Assoc. https://doi.org/10.1002/alz.12802 (2022).

المصدر:

Massive health-record review links viral illnesses to brain disease (nature.com)

المهندس محمد جواد آل السيد ناصر الخضراوي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *