دراستان قارنتا مدى التفاعلات الاجتماعية بين الاجتماعات الافتراضية وبين الاجتماعات الحضورية واستكشفتا ماذا يحدث على مستوى أدمغة المجتمعين – ترجمة عدنان أحمد الحاجي

For better video meetings, try taking turns talking
(بقلم: نينا باي – Nina Bai)

في الفترة الأولى من جائحة كوفيد-19، أصبحت الاجتماعات عبر الفضاء الافتراضي (عن بعد عبر الفيديو) هي الطريقة الوحيدة التي مكنت الكثيرين من الناس من العمل أو التواصل الاجتماعي أو مراجعة عيادات الأطباء أو حتى حضور دروس اليوغا، من بين العديد من الأنشطة الأخرى.

في الوقت الراهن، أصبح التواصل عبر الفيديو جزءًا لا يتجزأ من أسلوب حياة العمل من المنازل.  تناولت دراستان جديدتان بقيادة باحثين من جامعة ستانفورد البحث فيما إذا كان عملنا وتصرفنا وشعورنا / احساسنا مختلفًا خلال التفاعلات في الاجتماعات الافتراضية مقابل ما لو كانت هذه التفاعلات في اجتماعات حضورية، واستكشاف ماذا يحدث في أدمغتنا أثناء هذين النوعين من الاجتماعات.

وجد الباحثون أنه بالرغم من أن الناس يعملون بشكل عام بنفس الفعالية في كلتا الحالتين، إلَّا أن التفاعلات في الاجتماعات المعقودة عبر الإنترنت تحد من جانب معين من الحديث / الحوار يُعرف باسم تبادل أدوار الحديث – ويعرف بـ تناوب المتحدثين. في هذه الاجتماعات الافتراضية أخْذ الدور في الحديث اقترن بمشاعر عن التفاعل أقل بإيجابيةً، وفقًا للدراسة التي نُشرت في 5 أبريل، 2023 في مجلة علم الأعصاب(1) [Neuroscience].

إحدى الآليات المتعلقة بكيف غيرت الاجتماعات الافتراضية (المعقودة عبر الفيديو) الطريقة التي نتعاون بها كانت تغيير اساليب الحديث (التواصل) بين المجتمعين(1)، كما قالت ستيفاني بالترز (Stephanie Balters)،  باحثة ما بعد الدكتوراه في مختبر ألان ريس (Allan Reiss)، برفسور في الطب النفسي والعلوم السلوكية.

في ورقة أخرى نُشرت مؤخرًا في دورية القشرة المخية(3) (Cerebral Cortex) نشر الباحثون نتائج متابعة للدراسة الأولى.  ووجدوا أسلوبًا بسيطًا لزيادة المشاعر الإيجابية في هذه التفاعلات، سواء أكانت حضورية أم كانت افتراضية: وهو ما ينطوي على التعبير عن التقدير المتبادل بين الطرفين. في الواقع، عندما يتبادل شخصان التقدير (للأفكار الإبداعية الصادرة منه، على سبيل المثال) ، أثبت التصوير العصبي أن مناطق دماغيهما المنهمكة  في المعرفة / الادراك / الذهنية  الاجتماعية(4) (social cognition) أظهرت نشاطًا متزامنًا / متسقًا.

شاهد مقطع فيديو عن مدى تأثر التقدير المتبادل في تقريب الناس معًا وتقوية الترابط والتعلق: 

التجربة في المختبر 

لمحاكاة تفاعلات العمل بين المجتمعين في بيئة مختبرية ، زاوج الباحثون ما بين 72 مشاركًا. التقى نصف المشاركين المتكون من مجاميع ثنائية [كل محموعة متكونة من شخصين] وعقد اجتماعًا حضوريًا؛ النصف الآخر من المجاميع الثنائية عقد اجتماعًا افتراضيًا عبر تطبيق الزووم (Zoom). سُجلت فعاليات تفاعلاتهم البينية بالفيديو وبالصوت أثناء هذين النوعين من الاجتماع، ورصدت نشاط أدمغتهم باستخدام التصوير العصبي الطيفي بالأشعة تحت الحمراء، والذي يقيس التغيرات في أكسجة مناطق مختلفة من الدماغ.

طُلب من كل مجموعة ثنائية التعاون في ثلاث مهام متعلقة بالعمل تستخدم مهارات معرفية (cognitive skill) مختلفة(5).  قالت بالترز: “كان بإمكاننا اختيار جميع أنواع المهام المحتلفة، ولكن لأننا أردنا أن تكون المهام قابلة للتطبيق في بيئة العمل، اخترنا مهمة حل المشكلات(6) ومهمة تنطوي على تصميم عمل إبداعي ومهمة تنطوي على مشاركة / تبادل مشاعر [المترجم: بحسب التعريف،  تُتبادل المشاعر إذا شعر شخصان أو أكثر “بعاطفة من نفس النوع بمحتوى تقييمي مماثل وتجربة وجدانية” ، وكلا الطرفين على علم بهذه المشاعر على حد سواء (7)]

في مهمة حل المشكلات، طلب الباحثون من المشاركين تحديد أهم أربع قواعد للسلامة المرورية على الطرق السريعة في الولايات المتحدة. في المهمة الإبداعية ، طلب من المشاركين تصميم حلاً لزيادة الحفاظ على المياه في بيوت ولاية كاليفورنيا. وفي مهمة مشاركة المشاعر، ناقش المشاركون الحالات التي لم  تُلبى فيها مطالبهم وكيف كانت مشاعرهم.

قبل كل مهمة وبعدها، أجرى المشاركون العديد من الاستطلاعات التي سجلوا فيها تقييمهم الخاص لمستويات طاقتهم ومقدار ما يشعرون به من التوتر، ومدى أداء كل محموعة ثنائية في المهام الموكلة بها، ومدى تعاونهما وإحساس كل منها بالتقارب مع شريكه العامل معه على المهمة. بعد ذلك، راجع الباحثون تسجيلات التفاعلات البيتية أثناء الاجتماع  ومنحوا درجة موضوعية على مدى أداء كل مجموعة زوجية  في المهام الموكلة بها.

التناوب في الحديث

برز أحد الاختلافات السلوكية – في المجموعات الزوجية التي كانت تعقد اجتماعات افتراضية على الزووم كان عدد الأدوار في التناوب على الميكرفون أقل مقارنةً بعدد التناوب الذي حظي به أفراد المجموعات الزوجية التي كانت تعقد اجتماعًا حضوريًا. بمعنى آخر ، تحدث كل شخص لفترة أطول قبل أن يرد عليه آخر أو يقاطعه.

قالت بالترز: “أعتقد أن المجتمعين قد يتعاطفون ضد حالة الرد أو المقاطعة هذه”. “لو أن المجتمعين قاطع بعضهم بعضًا في الاجتماع الافتراضي المنعقد على الزووم (Zoom) طوال فترة الاجتماع ، فهذا يُعد أمرًًا غير لبقٍ نوعًا ما ، لذا قلل المجتمعون من مبادرة أخذ دورهم في الحديث”.

المجاميع  الزوجية التي أخذت المزيد من أدوار تبادل الحديث بين المتحدثين أفادت بإحساس أفضل فيما يتعلق بالتعاون وبمشاعر إيجابية عن أدائهم الشخصي. كان أداء هذه المجاميع الزوجية أيضًا أفضل في المهام بحسب تصنيف الباحثين الذين كانوا يرصدون هذه التجربة.

“بالنسبة للمجاميع الثنائية التي عقدت اجتماعًا افتراضيًا، شهدنا انخفاضًا في تبادل أدوار الحديث وهذا في الواقع يُعد أمرًا سلبيًا بالنسبة لتفاعلهم الاجتماعي وأدائهم  للمهام” ، كما قالت بالترز.

قالت بالترز إنه ربما في غياب أساليب تواصلية أخرى، مثل لغة الجسد وتعبيرات الوجوه في الاجتماع الافتراضي، فإن تبادل الأدوار له تأثير كبير على كيف ندرك مدى التفاعل الاجتماعي بين المجتمعين.

نشاط الدماغ

عندما درس الباحثون بيانات التصوير العصبي، وجدوا أنماط نشاط مميزة: أثناء التفاعلات في الاجتماع الحضوري ، لاحظ الباحثون اتساقًا (تزامنًا) ما بين دماغي المجتمعَين (عندما يتطابق النشاط في الدماغين) أثناء المهمة التي انطوت على مشاركة / مبادلة المشاعر، بينما ولَّدَت التفاعلات بين المجتمعين في الاجتماعات الافتراضية مزيدًا من الاتساق / التزامن أثناء مهمة حل المشكلات وأثناء المهمة الإبداعية. قالت بالترز لا تُعتبر الزيادة في مستوى الاتساق / التزامن بين الدماغين بالضرورة أفضل، لأنها قد تعني ببساطة أن المناطق نفسها من كلا الدماغين تعمل بجهد أكبر لانجاز المهام الموكلة بالمجتمعَين. على سبيل المثال ، إذا كان منطقة السمع في الدماغ نشطةً، فقد يعني ذلك أن المجتمعَين يواجهان  صعوبة في سماع بعضهما بعض.

تعرف الباحثون أيضًا على أنماط معينة من الاتساق / التزامن بين الأدمغة قُرنت بمزيد من تبادل الأدوار في الحديث بين المجتمعَين.

قالت بالترز: “بمجرد أن نفهم ماذا يحدث في الدماغ باستخدام التصوير العصبي، سنتمكن من تطوير تدخلات تقنية أفضل”. “قد نكون قادرين على مساعدة الشركات المنظمة للاجتماعات الافتراضية (التي تعقد عبر الفيديو) على تحسين أنظمتها بميزات جديدة تسهل تبادل أدوار الحديث وتجعل نشاط الدماغ أقرب ما يمكن إلى التفاعلات التي تحصل أثناء الاجتماعات الحضورية”.

في الوقت الراهن، اختبر الباحثون تدخلاً غير تكنولوجي. بعد الانتهاء من المهام، طُلب من كل مشارك أخذ دقيقتين للتعبير عن مدى تقديره لشريكه في التجربة. كان لهذا التمرين القصير تأثير كبير في نشاط الدماغ.

قالت بالترز: “وجدنا زيادة في الاتساق / التزامن بين الدماغين في العديد من المناطق الدماغية المختلفة التي لها علاقة بالمعالجة المعرفية / الادراكية / الذهنية الاجتماعية (4)“.

بعد ذلك، أفاد كل من المجاميع الزوجية التي عقدت اجتماعًا حضوريًا والتي عقدت اجتماعًا افتراضيًا عن شعورهم بمزيد من الارتباط / التعلق(8) مع شركائهم في المهام. قالت بالترز: “هذا يعني، بغض النظر عن طريقة / نوع منصة الاجتماع، فالتعبير عن التقدير المتبادل بين الشريكين في المهمة مفيد لأنه سيزيد من مدى شعور شريكي المهمة بالارتباط / التعلق(8)“.

مصادر من داخل وخارج النص:
1- https://www.jneurosci.org/content/43/14/2568
2- https://online.alvernia.edu/articles/4-types-communication-styles/#:~:text=Every%20person%20has%20a%20unique,and%20why%20individuals%20use%20them.
3- https://academic.oup.com/cercor/advance-article-abstract/doi/10.1093/cercor/bhad032/7058857
4- ” “الادراك/  المعرفة / الذهنية الاجتماعية (social cognition) هي الطريقة التي يعالج بها الناس المعلومات ويتذكرونها ويستخدمونها في السياقات الاجتماعية لتبرير سلوكياتهم وسلوكيات الآخرين والتنبؤ بها.  قد تتأثر المعرفة الاجتماعية عند الأطفال بعوامل متعددة خارجية وداخلية للطفل” ، ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان: https://www.frontiersin.org/articles/10.3389/fpsyg.2016.01762/full
5- “تنمية المهارات اللغوية (language development) عند البشر، هي عملية تبدأ مبكرًا في الحياة؛ لا يعرف الأطفال اللغة بعد الولادة مباشرة، ولكن بعد مرور 10 شهور، تصبح لهم القدرة على تمييز الأصوات والتكلّم بلغة الرضيع. بينت بعض الأبحاث أن اكتساب اللغة المبكر يبدأ في الرحم مع بدء الجنين بالتعرف على الأنماط الصوتية والكلامية المرتبطة بصوت الأم، وتمييزه عن الأصوات الأخرى بعد الولادة.  يطور الأطفال عادةً قدرات لغوية استقبالية قبل تطوير مهاراتهم اللغوية الشفوية أو التعبيرية (المنطوقة). تُعتبر القدرات اللغوية الاستقبالية بمثابة المعالجة الداخلية للغة في الدماغ وفهمها. مع تنامي القدرات اللغوية الاستقبالية المستمر، تبدأ اللغة التعبيرية (المنطوقة) في التطور ببطء.  عادةً ما يبدأ تطوّر القدرات اللغوية في مرحلة ما قبل التواصل اللفظي، التي يستخدم الرضع فيها الإيماءات والأصوات لإيصال رغباتهم للآخرين” ، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/تنمية_المهارات_اللغوية
6- https://ar.wikipedia.org/wiki/حل_المشكلات
7- https://link.springer.com/article/10.1007/s11097-018-9561-3#:~:text=An%20emotion%20is%20shared%20if,and%20Nagatsu%202016%2C%2036).
8- https://www.psychologytoday.com/intl/blog/in-it-together/201709/emotional-connection#:~:text=What%20does%20it%20mean%20to%20%22feel%20connected%22%3F,secure%20attachment%20to%20another%20adult.

المصدر الرئيس:
https://scopeblog.stanford.edu/2023/04/07/for-better-video-meetings-try-taking-turns-talking

الأستاذ عدنان أحمد الحاجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *