قراءة في كتاب “اللُّغة العربيّة” للدكتور كيس فيرستيغ – الدكتور أحمد فتح الله

“هذا الكتاب أنتج سردًا زمنيًّا سهل القراءة عن تاريخ العربيّة ، وتم اعتماده ككتاب دراسي في العديد من الجامعات”

عنوان الكتاب: The Arabic Language (اللُّغة العربيّة)
تأليف: كيس فيرستيغ (Kees Versteegh)
الطبعة: الثانية (.2nd ed)
الناشر: مطابع جامعة أدنبرة – سكوتلندا (Edinburg University Press)
تاريخ النشر: 2014م  
عدد الصفحات: 332 صفحة

الطبعة الثانية

كتاب “اللُّغة العربيّة”

شدد العديد من المراجعين للطبعة الأولى من هذا الكتاب (1997) على الصعوبة الكامنة في مهمة تلخيص مجال هائل من البحث الذي تصدى له الدكتور كيس فيرستيغ، ولكنهم اتفقوا على أنه قد أنتج سردًا زمنيًّا سهل القراءة عن تاريخ العربيّة، وهو منتج يقصد به في المقام الأول دارسي العربيّة؛ لذا يهدف الكتاب أيضًا إلى توفير نظرة عامة أكاديمة (بلغة أوروبية) عن تطور اللُّغة العربيّة. لهذا السبب، ضَمّن المؤلف “ببليوغرافيا” شاملة، إضافة إلى قائمة من المصادر في نهاية كل فصل لمزيد من القراءة.

ظل فيرستيج محايدًا في عرضه إلى حد كبير، وبعيدًا عن الخلافات العلميّة حتى فيما يتعلق بالقضايا التي نشرها هو نفسه (على سبيل المثال، “اللُّغة العربيّة المبكرة واللُّغة الهجينة” (Early Arabic and Pidginzation)، في 1984م. لهذا، رغم اعتراضه على وصف فيرستيج لأصول اللُّغة العربيّة وبعض افتراضاته الأساسية، يخلص جان ريتسو [Retsö (2003)] إلى الملاحظة التاليّة:

“بدلًا من ذكر المسلمات، يفتح فيرستيغ بوابات الشك، وهي الدافع الأساسي وراء كُلّ علم”[1].

ومن الإنصاف أن نقول إن عمل فيرستيغ قد لقيّ استحسانًا كبيرًا ليس فقط من قبل المراجعين، ولكن أيضًا من قبل العلماء والدارسين في أقسام اللُّغة العربيّة في جميع أنحاء العالم. في الواقع، تم اعتماد الكتاب ككتاب دراسي (course book) أو قراءة مطلوبة (required reading) في العديد من الجامعات. النجاح الباهر للطبعة الأولى ربَّما أقنع المؤلف والناشرين بإعداد طبعة ثانية، منقحة ومزيدة (تحتوي على 332 صفحة، مقابل 241 في الطبعة الأولى) فما الجديد يا ترى فيها؟

بينما لا تزال الخطة العامة للكتاب كما هي، تغيرت بعض عناوين الفصول بها. يبدأ الكتاب بقائمة موجزة من تاريخ الدراسات العربيّة في الغرب (بعنوان جديد: “دراسة اللُّغة العربيّة في الغرب”)، ثم ينتقل لمناقشة الخلفية اللُّغوية للغة العربيّة:

الفصل الثاني يضع اللُّغة العربيّة في سياق اللغات السامية الأخرى.

الفصل الثالث يقدم أمثلة على أقدم الأدلة على النقوش العربيّة قبل الإسلام والخطوط العريضة في التطور المبكر في نظام الكتابة العربيّة.

الفصل الرابع يناقش تطور اللُّغة العربيّة في فترة ما قبل الإسلام من وجهة نظر حديثة، مستعرضًا أيضًا آراء علماء النحو العربي الأوائل.

الفصل الخامس يقدم وصفًا موجزًا للتطورات اللُّغوية في الفترة الإسلاميّة حتى صعود العثمانيين.

الفصل السادس (“تركيب اللُّغة العربيّة”) يصف بعض السمات البارزة للغة العربيّة في مصطلحات المصطلحات اللُّغوية الحديثة.

الفصل السابع (“التراث اللُّغوي العربي”) يناقش التقليد اللُّغوي الأصلي، ويوضح كيف ستكون سمات معينة تحليلها ضمن هذا التراث. والجدير بالذكر أن قسم “لمزيد من القراءة” في هذا الفصل تم تحديث ستة قوائم، مع إضافة مراجع إلى “بيانات للغة العربيّة” (corpora) والترجمة الآلية[2].

الفصل الثامن حتى الثاني عشر:

تمشيا مع الترتيب الزمني، الفصول التالية تناقش “أصول اللُّغة العربيّة الجديدة” (الفصل الثامن) والعربيّة الوسطى (الفصل التاسع). تشكل اللّهجات وحدة منطقيّة واحدة في الفصلين التاليين، العاشر والحادي عشر، حيث يقدم الفصل العاشر القضايا المنهجية في دراسة اللهجات العربيّة، في حين أن الفصل الحادي عشر يقدم قراة وصفيّة مرة أخرى، مع عيّنات نصيّة. ويختم الفصل الثاني عشر (“ظهور اللُّغة العربيّة الفصحى الحديثة”) العرض “الكرونولوجي” (التسلسل الزمني) في الكتاب، مع نظرة عامة على التطورات اللُّغوية من “نابليون” إلى “فيسبوك” (Facebook).

الفصل الثالث عشر والرابع عشر:

الفصل الثاني عشر في الطبعة الأولى كان عن “ازدواجية اللُّغة وثنائية اللُّغة” (Diglossia and Bilingualism)، لكن في الطبعة الحاليّة تم تقسيم الموضوعين إلى فصلين متتاليين: “ازدواجية اللُّغة” (Diglossia) (الفصل الثالث عشر)، و “ثنائية اللُّغة” (Bilingulism) (الفصل الرابع عشر) بتركيز خاص على الوضع اللُّغوي في “البلدان الفرنكوفونية” في المغرب العربي.

الفصل الخامس عشر: “اللُّغة العربيّة كلغة أقليّة” (Arabic as a Minority Language)

يتطرق إلى الحالات التي أصبح بعض المتحدثين باللُّغة العربيّة معزولين عن المنطقة المركزيّة، ولكونهم يعيشون في مجتمعات تتحدث لُغة مختلفة ولكي يعملوا في المجتمع عليهم استخدام اللُّغة السائدة، مع الاستمرار في التحدث باللُّغة العربيّة فيما بينهم. عادة ، في مثل هذا الوضع اللُّغوي تتمتع اللُّغة المحليّة بمكانة متدنيّة، ويعتمد المتحدثون على اللُّغة الرسميّة في تعاملاتهم اليوميّة.

الفصل السادس عشر: اللغات العربيّة الهجينة والكريول (Arabic Pidgins and Creoles)

هذا الفصل هو الإضافة الجديدة في هذا الكتاب عن الطبعة الأولى، يتناول فيه الدكتور فيرستيغ “اللغات العربيّة الهجينة” (Arabic Pidgins) و “اللغات العربيّة المتطورة منها” (Arabic Creoles). في سياق الفتوحات العربيّة (تناولها في الفصل الثامن)، تعلم عدد كبير من الناس في الأراضي المحتلة اللُّغة العربيّة كلغة ثانيّة حتى أصبحت مع مرور الزَّمن اللُّغة الأولى لغالبية سكان الإمبراطوريّة الإسلاميّة. حتما، أثرت الطريقة التي يتحدث بها هؤلاء المتعلمون الجدد على بنية “لغتهم العربيّة”. يشرح فيرستيغ أسباب هذه التغييرات ومآلاتها[3].

الفصل السابع عشر والأخير، اللُّغة العربيّة كلغة عالمية (Arabic as a World Language).

يقول فيرستيغ: “بتخمين تقريبي، يستخدم ما يقرب من 200 مليون شخص مجموعة متنوعة من اللُّغة العربيّة كلغتهم الأم. لكن مجال اللُّغة العربيّة لا يتوقف عند حدود المنطقة العربيّة”.

 

الطبعة الأولى

كما هو متوقع من إصدار ثانٍ لأي كتاب، مقدار التعديلات والإضافات الجديدة في هذه الطبعة تختلف من فصل إلى آخر. على سبيل المثال، تتبع في الفصول الثمانية الأولى، المناقشة ترتيبًا زمنيًّا، ولم يمس جوهر عناوين هذه الفصول إلى حد كبير. في حين ضمّ فيرستيغ في قسم “لمزيد من القراءة” المراجع التي ذكرها ريستو (Retsö)، في مراجعته للطبعة الأولى للكتاب، كما جاء أعلاه، في تناسق مع الخطة الشاملة للكتاب التي يصرح المؤلف في مقدمته أن أحد الأهداف الرئيسية في إعداد الطبعة الجديدة هو تحديث الببليوغرافيا (المراجع والمصادر). والجدير بالذكر أن المؤلف قد أشار إلى أمرين مهمين بخصوص اللُّغة العربيّة:

الأول: نمو المحتوى الخاص باللُّغويات العربيّة بشكل كبير منذ 1997، ليس أقلها مع نشر “موسوعة بريل للغة العربيّة واللُّغويات” (Brill’s Encyclopedia of Arabic Language and Linguistics)، التي كان الدكتور فيرستيغ نفسه رئيس تحرير فيها. لذا نلحظ في جميع أنحاء الكتاب محاولة تحديث قائمة القراءة لكل فصل، وتضمين إحالات إلى مشاريع رقميّة مهمة.

الثاني: الزيادة المتناميّة في مشاركة الناطقين باللُّغة العربيّة في البحث اللُّغوي. هذا يعني أن أبحاث اللُّغة العربيّة لم تعد من اختصاص أقسام اللُّغة العربيّة أو اللُّغة الأجنبيّة، بل تأتي بشكل متزايد في السياق الأوسع لعلم اللُّغة العام. وهذا بدوره يستلزم أن لُغة النّشر المفضلة في هذا المجال تظل الإنجليزية (والفرنسية إلى حد ما). لذلك يظهر قرار المؤلف بالتركيز على النشر بهذه اللغات مبررًا تماما.

وفي الختام،،،

هذا الكتاب الثري، بلا شك، مساهمة مهمة في جعل موضوعه (اللُّغة العربيّة وقضاياها) أكثر سهولة في الوصول إلى جمهور المستعربين واللُّغويين والمهتمين بالعربيّة على حد سواء، وسيبقى مرجعا للطلاب وللعلماء لعدة سنوات قادمة.

وأنهي هذا العرض والقراءة بعبارة لأحد قراء موقع (Goodreads) تختصر كُلَّ الكلام:

“كتاب أجنبي لكاتب أجنبي … عرّفني بلغتي وفتح عيني إلى كثير كنت أجهله عنها،
أنصح بالكتاب لكل مهتم باللغويّات”.

نبذة عن المؤلف

كيس فرستيغ (Kees Versteegh)‏ (ولد 1947 م) هو عالم لغة هولندي. شغل منصب أستاذ الدراسات الإسلاميّة واللّغة العربيّة في جامعة رادبود نيميغن في هولندا حتى أبريل 2011. وكان رئيس تحرير «موسوعة اللُّغة العربيّة: اللُّغة واللُّغويّات» (2006-2009). وهو متخصص في اللُّغويات التاريخيّة وتاريخ اللُّغويّات، مع التركيز على عمليات التغيير في اللُّغة والاتصال اللُّغوي. من مؤلفاته:
– «التهجين والكريوليّة”: حالة اللُّغة العربيّة (1984).
– «قواعد اللُّغة العربيّة والتفسير القرآني في الإسلام المبكر» (1993).
– شارك في تحرير «الفكر القاموس العربي-الهولندي / الهولندي-العربي» (2003م).
ومن مؤلفاته التي ترجمت إلى اللُّغة العربيّة:
– «الفكر اللُّغوي بين اليونان والعرب» (ترجمة محيى الدين محسب (دار الهدى، طرابلس لبنان)، 2001 م.
– «اللغة العربية: تاريخها ومستوياتها وتأثيرها» – ترجمة محمد الشرقاوي، المشروع القومي للترجمة – المجلس الأعلى للثقافة، 2003 م).
– «أعلام الفكر اللغوي: التقليد اللُّغوي العربي- الجزء الثالث» (ترجمة أحمد شاكر الكلابي، دار الكتاب الجديد المّتحدة، بيروت، 2007 م).

______________

الهوامش

[1] “المجلة الدولية لعلم الاجتماع اللُّغة” (International Journal of Socio-Linguistics) ، اختصارًا (IJSL)،  العدد 163، ص 199.

[2] الفصل السادس في الطبعة الأولى، بعنوان “بنية اللُّغة العربيّة الفصحى في التراث اللُّغوي”، كان يضم هذين الفصلين.

[3] انظر مراجعتنا لكتاب المؤلف عن هذا الموضوع بعنوان:

Al-Tarouti, Ahmed (1987) “Review of Versteegh’s “Pidginzation and Creolization: The Case of  Arabic”.  Jusur: The UCLA  Journal of Middle Eastern Studies, Vol.3, pp.119-122.

وقد قام البروفيسور فيرستيغ في عام 2003م بنشر مقالة بذات العنوان:

Versteegh, Kees (2003) “Pidginzation and Creolization Revisted: The Case of Arabic. In: Approaches to Arabic Dialects. A Collection of Articles presented to Manfred Woidich on the Occasion of his Sixtieth Birthday. Series: Studies in Semitic Languages and Linguistics, Volume: 38. Martine HaakRudolf de Jong, and Kees Versteegh (eds.) pp. 343–357.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *