مصدر الصورة: thehindu.com - Photo Credit: Getty Images/iStockphoto

كيف يقرر دماغك في أي شيء يفكر – ترجمة عدنان أحمد الحاجي 

How your brain decides what to think
(بقلم: ڤاليري ڤان مولوكوم  أستاذ مساعد في العلوم المعرفية، جامعة كوڤنتري – Valerie van Mulukom)

وأنت تحدق بعينيك في السحب من نافذة الطائرة ، فجأة تعود بذاكرتك إلى ما قبل بضعة شهور وتفكر في حوار صريح جرى بينك وبين زميل عمل طيب عن حالة ضغط في العمل تعرضت لها.
 كيف تخطر على بالك الأفكار التي تبدو غير مرتبطة تمامًا بالحاضر؟
 لماذا نتذكر أشياء معينة دون غيرها؟
لماذا نغير موضوع الحديث ونتكلم أو نفكر في موضوع جديد أخر ولماذا نمارس أحلام اليقظة؟

يكمن وراء هذه العمليات نمط مشترك من نشاط دماغ متعارف في المناطق التي تشكل معًا ما يعرف بـ “شبكة الوضع الافتراضي”(1)، التي اكتشفها وسمَّاها طبيب الأعصاب ماركوس رايشل (Marcus Raichle) في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.  هذه الشبكة تنشط حينما نمارس أحلام اليقظة(2) أو نفكر في أنفسنا أو في الآخرين أو نسترجع ذكرياتنا أو نتخيل ماذا سيجري من أحداث في المستقبل(3).

شبكة الوضع الافتراضي تصبح منهمكة (نشطة) عندما يبدو الشخص مسترخٍ لا يفعل أي شيئ [ومن هنا جاء مصطلح “افتراضية”]. يحدث هذا عادة عندما نكون في حالة استرخاء ولا نركز على أي مهمة / عمل أو هدف – تذكَّر لما كنت تحدق من نافذة الطائرة في السحب.

عندما تكون شبكة الوضع الافتراضي نشطة، يقل نشاط الشبكات الأخرى في الدماغ ، مثل شبكة التحكم التنفيذية ومناطق الدماغ الأخرى المعنية بالانتباه والذاكرة العاملة واتخاذ القرارات.  وهذا يسمح للدماغ بالشرود [شرود الذهن].

لماذا نستحضر بعض الذكريات على حساب البعض الآخر؟

بعض الذكريات تُستحضر تلقائيًا على الأرجح، مثل تلك الذكريات القريبة العهد أو الذكريات العاطفية جدًا أو التفصيلية جدًا، أو المتكرر حدوثها غالبًا، أو لها أهمية محورية لهويتنا. هذه الذكريات تسيطر على انتباهنا – ولسبب وجيه. من المحتمل أن تكون هذه الأنواع من الذكريات محورية لتفاعلنا مع بيئتنا الطبيعية والاجتماعية في ذلك الحين، وبالتالي ساعدتنا على البقاء على قيد الحياة.

يُعتقد أن الدماغ يخزن الذكريات بطريقة ترميمية واقترانية، ويخزن تفاصيلها بطريقة موزعة / منتشرة ويجمعها معًا عند استرجاع / استحضار الذاكرة – لا بطريقة استنساخبة بحتة، بما جرى فيها من أحداث بترتيب زمني وكأنها عرض لشريط فيديو.

هذا يعني أن الذكريات قد تقترن ببعضها البعض من خلال تفاصيل حسية ومشاعرية / انفعالية وسياقية مختلفة.  لذلك قد تكون كل وحدة من وحدات [bits(4)] المعلومات / المعطيات هذه بمثابة قرينة لاثارة ذاكرة / ذكريات أخرى. على سبيل المثال عندما نشم رائحة أو نسمع صوتًا أو نشاهد صورة – حتى لو كنا في بعض الأحيان لا نعرف بشكل واعٍ شيئًا عن تلك القرينة (المثير).

في الواقع، الكثير من عمليات المعالجة المعرفية عندنا تحدث بغير ادراك واعٍ(5).  يتعامل الدماغ بشكل شمولي وغير واعٍ مع جميع أنواع المعلومات الحسية التي تأتي دفعة واحدة.  نتيجة لذلك، قد نشعر أننا لا نتحكم في أفكارنا، ولكن الكثير من هذا التحكم المتصور قد يكون ضربًا من الوهم على أي حال.  قد يكون وعينا غير مسيطِر / غير متحكِّم  كثيرًا على الإطلاق في مجريات الأمور، ولكنه يحاول تفسير وتبرير معالجة أدمغتنا لعمليات الادراك اللاواعي بعد وقوعها [لا قبل ذلك](6).

بعبارة أخرى، يعمل الدماغ باستمرار على معالجة المعلومات ويعمل على الربط (الاقتران) بين أجزاء المعرفة / المعلومة المختلفة.  هذا يعني أنه من الطبيعي أن تتبادر الأفكار والاقترنات بين الأشياء  (الذكريات) إلى الذهن عندما لا تكون آليات التحكم الواعية عندنا نشطة [أي حين تنشط وتتحكم شبكة الوضع الافتراضي].

متى تصبح الأفكار سيئة

الطبيعة التلقائية للأفكار والذكريات التي تكمن وراءها شبكة الوضع الافتراضي هي التي تدعم الخيال والإبداع(7). لهذا السبب قد تحدث عندنا لحظة الـ”آها!” [لحظة الـ آها! هي لحظة تبصر أو تجلي أحد الأفكار] أثناء الاستحمام(8) والتوصل إلى حل مبتكر لإحدى مشكلات العمل ربما عصى علينا حلها لمدة من الزمن.  حين سُمح للدماغ بالراحة والشرود الذهني، أصبح قادرًا على عمل اقترانات بين وحدات (bits) مختلفة من الذاكرة التي لم تستطع ذاكرتنا العاملة(9) الواعية الوصول إليها والربط بينها.

ومع ذلك، فإن الأفكار العفوية ليست دائمًا جيدة. الخواطر الاقتحامية(10، 11) هي ذكريات غير مرغوب فيها، والتي غالبًا ما تكون قوية ومزعجة أو على الأقل مشحونة عاطفياً بقوة ويمكن أن تأخذ شكل استرجاع ذكريات الماضي(13، 12) أو الاجترار [وهو الاهتمام المركّز على أعراض ضائقة واحدة، وعلى أسبابها ونتائجها الممكنة، دون التركيز على ايجاد حلول لها](14، 15).

هذه الأفكار لا تستحضر مشاعر القلق والخوف والشعور بالخزي معها فقط، ولكن أيضًا تتألف في بعض الأحيان من محتوى مزعج لا يريد أحد أن يتذكره أو أن يفكر فيه.  على سبيل المثال، في حالة القلق واكتئاب بعد الولادة(16)، قد تبدأ الأمهات اللاتي ولدن لأول مرة بالتفكير في أفكار اقتحامبة من جراء قلقهن من احتمال إيذائهن لأطفالهن الرضع، مما يجعلهن غير راغبات في متابعة العناية بهم.

تعد هذه تجربة مزعجة بشكل بالغ لأسباب مفهومة، وإذا حدثت لكِ كسيدة ، فاطمأني أن هذه الأفكار متعارفة للأسف بين النساء.  ولكن من الأفضل دائمًا طلب مساعدة طبية أو على الأقل الحصول على دعم نفسي وعلى أحد يواسيك في أقرب وقت ممكن.  قد تساعد وسائل العلاج المعرفي السلوكي (CBT)(17) في التغلب على الأفكار غير المرغوب فيها.

لكن بالنسبة لنا جميعًا، يجدر بنا أن نتذكر أن العديد من الأفكار تقتحم أذهاننا على ما يبدو بشكل عفوي وأن هذا يعتبر جانبًا طبيعيًا من جوانب الذاكرة البشرية وعمليات التفكير.  ولكن بالسماح لأنفسنا وأدمغتنا بأخذ قسط من الراحة، نسمح لها بتوليد أفكار وحلول إبداعية للمشكلات. وعندما تخطر هذه الأفكار غير المرغوب فيها على بالنا، فمن الأفضل الأخذ بمقاربة تأملية: راقب الفكرة واتركها تمر كما تمر السحب مع عاصفة عابرة.

مصادر من داخل وخارج النص:
1- “تعريف شبكة الوضع الإفتراضي في الدماغ: في علم الأعصاب، شبكة الوضع الافتراضي (DMN)، أو الشبكة الافتراضية أيضًا، أو شبكة الحالة الافتراضية، هي عبارة عن شبكة دماغية واسعة النطاق في مناطق الدماغ التفاعلية المعروفة أن لها نشاطًا يرتبط ارتباطًا وثيقًا ببعضها البعض ومتميزة عن الشبكات الأخرى في الدماغ. ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:
https://en.m.wikipedia.org/wiki/Default_mode_network
2- https://ar.wikipedia.org/wiki/حلم_اليقظة
3- https://theconversation.com/daydream-believer-why-your-brain-is-wired-to-wander-18881
4- https://ar.wikipedia.org/wiki/بت
5– “الوعي المدرك (conscious awarenes) هو حالة وجود مزدوجة، حيث يكون الدماغ مستيقظًا وفي نفس الوقت مدركًا لمحيطه.  كما هو الحال في المثال الكلاسيكي للمربع، المربع هو دائمًا مستطيل، ولكن المستطيل قد لا يكون مربعًا دائمًا، يمكن للعقل أن يكون واعيًا ولكن لا يمكن أن يكون مدركًا لما حوله دون أن يكون واعياً أيضًا” ، ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:
https://study.com/academy/lesson/conscious-awareness-definition-types.html
6- https://psycnet.apa.org/doiLanding?doi=10.1037%2F0033-295X.84.3.231
7- https://theconversation.com/the-secret-to-creativity-according-to-science-89592
8- https://adnan-alhajji.blogspot.com/2022/11/blog-post_32.html?m=1
9- https://ar.wikipedia.org/wiki/ذاكرة_عاملة
10- https://ar.wikipedia.org/wiki/تدخل_(علم_النفس)
11- https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/10087639/
12-https://theconversation.com/the-possible-cause-of-flashbacks-discovered-59105
13- https://theconversation.com/why-do-i-dwell-on-the-past-121630
14- https://theconversation.com/why-do-i-dwell-on-the-past-121630
15- https://www.psychiatrist.com/jcp/mental/child/infant-related-intrusive-thoughts-of-harm/
16- https://www.unicef.org/ar/ما-هو-اكتئاب-ما-بعد-الولادة؟/قصص
17- “العلاج المعرفي السلوكي (cognitive behavioral therapy) اختصارا (CBT) هو تدخل نفسي اجتماعي يهدف إلى تحسين الصحة العقلية ويركز على الطعن في التشوهات المعرفية غير المفيدة (مثل الأفكار والمعتقدات والتوجهات) والسلوكيات وتغييرها، وتحسين التنظيم العاطفي وتطوير استراتيجيات المواجهة الشخصية التي تستهدف حل المشكلات الحالية.  في الأصل، صُمم لعلاج الاكتئاب، ولكن تم توسيع استخداماته لتشمل علاج عدد من حالات الصحة العقلية، بما في ذلك القلق.  يشمل العلاج المعرفي السلوكي عددًا من العلاجات النفسية المعرفية أو السلوكية التي تعالج أمراض نفسية محددة باستخدام تقنيات واستراتيجيات قائمة على الأدلة”.   مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/

المصدر الرئيس:
https://theconversation.com/how-your-brain-decides-what-to-think-198109

الأستاذ عدنان أحمد الحاجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *