ملامح الشخصية القطيفية في فلكلور الفكاهة الشعبية (ج2) – بقلم المهندس علي عبد المحسن الجشي

{التندر والفكاهة فن راقٍ يسير على خيط رفيع موزون يجلب الضحكة ويظهر البسمة وينشر البهجة}

في المجتمع القطيفي، ظهر أشخاص زرعوا البسمة والضحكة حولهم وبرعوا في الفكاهة والتندر؛ وهناك ما يُروى من تفكه اعتاد الناس سماعه من شخصيات مؤمنة لكنها فكاهية وواقعية فكان كلامهم مقبول ونكاتهم مُستحسنة عند كبار المشايخ واعيان البلد وسائر الناس، ومن هؤلاء:

“الحاج سعود المسعود”

كان للمرحوم الحاج سعود المسعود، والمعروف بين الناس، بسعيد قدرة في تقليد الاصوات واللهجات المحلية والعربية المختلفة وتصوير المواقف بطريقة تخلق جو من الضحك والمرح وتدخل البهجة والسعادة في قلوب الناس، وكان يقوم بهذا العمل دون تكلف.

ومن كثرة المرح والبهجة التي يرسمها سعود على وجوه الناس وقدرته الفائقة على تحويل المواقف المحرجة الى مواقف مضحكة، والمواقف المحزنة الى مواقف ابتسامة وسعيه الدؤوب للتفريج عن هموم الناس ومساعدتهم على عبور ضائقاتهم والتغلب على صعوباتهم، عُرِف الحاج سعود بصاحب “بسمة العلماء” وذلك لقدرته على اضحاك العلماء ورسم الابتسامة على وجوههم رغم تحفظهم ووقارهم وهيبتهم.

يروي الأستاذ علي المسعود، وهو أبن أخ المرحوم سعود المسعود، القصة التالية والتي سمعها من العلامة الحجة الشيخ حسين العمران حفظه الله وآطال في عمره وأدام بركاته:

“في يوم من الايام مرض الشيخ عبد الحميد الخطي، أبو عادل، مرضًا شديدًا وكان لا يستطيع الخروج إلى المسجد كما لم يكن مسموحًا بزيارته. وكانت علاقة الشيخ حسين بالشيخ عبد الحميد علاقة خاصة قوية متميزة فاراد شيخ حسين ان يذهب لزيارته بعد اقامته صلاة الجماعة ذات مغربية دون أن يعلن عن ذلك… وعندما عاد الشيخ حسين الى بيته بالسيارة، ما لبث الا وترجل ذاهبًا لزيارة الشيخ عبد الحميد مشيًا على الأقدام – حيث كان الشيخان يسكنان في نفس الحي المعروف الآن بحي الحسين – وعندما وصل الشيخ حسين الى باب منزل الشيخ عبد الحميد ووقف ليطرقه ويستأذن للدخول فوجئ بالحاج سعود المسعود يناديه من خلفه: أنا معك؛

فسأله: “من وينه أنت طلعت ليي؟”؛

فأجاب سعيد: “أنا اصلًا ادري أن ما أحد يدخل على الشيخ الا أنت” فكنت اراقبك من الساعة التي تخرج فيها من المسجد لعلي أظفر بزيارة للشيخ عبد الحميد معك!؛

فقال الشيخ حسين لسعود “لحظة…أنا لازم استأذن لك. فطرق الشيخ حسين الباب وقال لهم الشيخ حسين وإياه سعيد المسعود، فما لبث أن رُحِب بهما إذ قال الشيخ عبد الحميد “سعيد المسعود يدخل (بهذا اللفظ)” وذلك لما اخبروه بوجوده مع شيخ حسين.

فدخلوا على الشيخ، وجلسوا معه فإذا بالعم سعيد يقوم بدوره بإدخال البهجة والسرور على قلب الشيخ عبد الحميد فتفتحت اساريره من الضحك حتى قال الشيخ عبد الحميد “كفى يا سعود كفى…مانا قادر”، حيث إن لسعيد المسعود قدرة فائقة في تقليد الأصوات واللهجات وإعادة صياغة وعرض المواقف بأسلوب مسرحي هزلي فكاهي متزن. وفي هذه الزيارة قام سعيد بتقليد بعض العلماء والشخصيات وبعض الأصوات بدقة رهيبة جدًا، وإني لأخاله قد بدل جهده وعمل ما في وسعه للترفيه عن الشيخ وإضحاكه.

وبعد الذي صار من الضحك والطُرف والتندر في هذه الزيارة خرج الشيخ عبد الحميد في اليوم الثاني لصلاة الجماعة وكأنما الضحك والبهجة كانتا سببًا في شفائه وإعطائه القدرة للذهاب للمسجد.

ويُقال أن الشيخ عبد الحميد قدس الله سره قال: ” أنه لو قدر وكان هناك حركة مسرحية او سينمائية في القطيف لكان سعود المسعود هو رائدها”. فهؤلاء الشخصيات المرحة، رحمهم الله، من النوع الذين كانوا يضفون على المجتمع نوع من البسمة والضحكة البريئة التي يحبها الناس. ومن هنا نال الحاج سعيد المسعود في الأوساط الشعبية لقب “بسمة العلماء”. وهناك روايات كثيرة ودلالات عظيمة وأثار لطيفة جدًا في استحباب ادخال السرور على قلوب المؤمنين. انتهت الرواية.

لوحة فنية بريشة الفنان منير الحجي

“الحاج سعيد المقابي”

الحاج سعيد المقابي شخصية تجارية وجيهة مرموقة على مستوى المجتمع ومن الذين عُرفوا بالمساهمات الفعالة في اعمال الخير ومنها إنشاء صندوق الدبابية الخيري وهو، ربما، أول مشروع خيري جماعي انشِئ في القطيف بقصد المساهمة في الأعمال الخيرية وخاصة مساعدة الضعفاء. وقد كانت تجارة الحاج سعيد المقابي حينئذٍ متخصصة في المنتجات الحديثة كالساعات والراديوهات والتلفزيونات والأقلام الكتابية الثمينة. لكن ما ميز شخصية المرحوم المقابي هي شخصيته المرحة ونكاته اللطيفة ونوادره الممتعة.

ومن النوادر التي عرفت عنه عمل المقالب في اصحابه ومنها أنه اتصل بمنزل أحد اصحابه وبعد التحية والسلام والسؤال عن العيال والأحوال اخبرهم إن وفداً جاء من الرياض الى زيارة أبيهم في مهمة عمل مستعجلة وإن الوالد مشغول مع ضيوفه وطلب منه إبلاغهم لتهيئة المكان واعداد الطعام فأعدوا واستعدوا بما يسعد الضيوف ويشرف المقام. وعند عودة صاحبه من الدوام تفاجأ بما اُعد من وليمة فلم يطل به المقام ليتيقن في الحال إن من دبر هذه الدغيلة هو صديقه الحاج سعيد الذي كان حينها واقفًا عند الباب مع مجموعة من الأصدقاء دعاهم نيابة عن صديقهم صاحب المنزل لتناول الغذاء.

هذا المشهد يبين الروح المرحة للمرحوم سعيد المقابي وقدرته على خلق اجواء الود بين الأصدقاء كلٌ حسب مقامه.

لوحة فنية بريشة الفنان ابراهيم الدار

“حسن القصاب (خماجة)”

كما اشتهر بالتندر في منطقة القطيف شخص يدعى حسن القصاب وقد اشتهر بكنية “خماجة”، وكان يمثل مسرح متحرك في القطيف.

كان خماجة يوظف المواقف الظريفة ليجعلها مدعاة للسخرية ومثيرة لضحك الشباب والكبار وقد كان يحسن التداخل والتعامل مع شخصيات المجتمع بسبب ذكائه العاطفي الفطري رغم بساطته في معيشته ومظهره.

ربما ادرك خماجة ببديهته وذكائه أن الناس في مجتمعه القطيفي بطبعهم بسطاء ويحبون المرح وتأنسهم المضحكات، وأن تلبسوا بالوقار الذي تفرضه طبيعة المجتمع، فكان يوظف مظهره وقدرته على اصطناع الحركات لإضحاكهم. وربما كان هذا المطلب ضرورة للناس للترويح عن انفسهم لما يواجهونه من تعب وعناء في ترتيب امور حياتهم والحصول على رزقهم.

وكان خماجة يصطحب معه قرد أو شمبانزي أو سبال طول الوقت ليساعده في اضحاك الناس.

كتب الأستاذ زكي سيد حسين العوامي بتاريخ 15/7/2017 مقالًا جميلًا عن خماجة في موقع قطيفيات العرندس، ما نصه:

“إحدى أهم لقطات “الأكشن” في الطفولة؛ وصول (خَمَاجَة) للعوامية، الصغار من كل حدب وصوب يقودهم الفضول والاستطلاع لمعرفة نوادره ومفاجآته، (سيرك مجاني مفتوح)، إحدى نداءات التواصل العاجل: (داكو خَمَاجَة في الديرة “المسورة” عنده سبال “قرد”).

كان نارا على علم، سكان القطيف يعرفونه، يقطن “القلعة”، يُرى ببشرته السمراء متحمساً بضرب “الطبلة” في “زفات المعاريس”؛ هو من عشيرة “سمارة” حسب الوصف اللطيف لأحدهم (المثقف والأديب العوامي الراحل حامد السعيد).

(هادا خماجة مسْتَجَنْ كلاَّ من خبز العجم)، ربما تم تركيبها عليه؛ لأن الخبز في إيران متنوع بأحجام كبيرة (سنگكي، لواش، بربري) مشهد الرؤية يحاكي إصابة الزوار “القَطَافَة” بصدمة حضارية حينها!

إنتشر “كاسيت” بصوته في الثمانينيات، ضمن الفقرات “ينعى نفسه”.. متخيلاً موته (قبل وفاته الواقعية)؛ يصف حالة الهرج والمرج والذهول الذي أصاب الناس بفقده، يُعَلِّق بصوته: (راح أبو خمَاج البطل.. راح راحت دولته)!

الرجل محبوب، يحترم المقامات.. يُنْقَل في زفافه: بمرور جماعته (فرقة الطِيْرَان) سوابيط القلعة، اعتدل لهم قائلاً: “بس” وأمرهم بالتوقف، لقد اقتربنا من دار المقدس الشيخ فرج العمران “عليه شآبيب الرحمة”؛ لا يصح هذا الفعل في حضرة العلماء وأهل الإيمان.” انتهى النص (المصدر): https://www.facebook.com/AlArandasCom/posts/1789744067707647/)

كما تناول الأستاذ السيد عدنان العوامي خماجة بمقال له في صحيفة صبره الالكترونية بعنوان “خماجة الضاحك المضحك” ونعته “بالظريف اللطيف”. وفيه رد على مقال للأديب السيد عباس الشبركة بعنوان (شيخ ظرفاء القطيف حسن القصاب) الذي نعت فيه حسن خماجة ببهلول القطيف وأنه من اشهر الشخصيات الفكاهية في القطيف يقودهم حب الفضول والاستطلاع لمعرفة نوادره ومفاجأته واعتبره “سيركًا مجانيًا مفتوحًا”.

لوحة فنية بريشة الفنان عبد الكريم الرامس

وهناك من الفكاهة والتندر في المجتمع القطيفي ما يحوي مقاصد توضح بعض سلوكيات المجتمع، نذكر منها:

وصلني ووصلك (سالفة المداس)

يحكى إن اثنين من الأصحاب يقضيان كل اوقاتهم سوية ولا يفترقان حتى يذهبا إلى بيتهما وقت النوم. وفي ليلة من ليالي الشتاء الطويلة حالكة الظلام، سهر الصاحبان لوقت متأخر من الليل ولم يدركا ذلك الا وقت خيم السكون ولم يعُد يُسمع في الطريق همس ولا مس. وعندما ارادا الافتراق أصر احدهما أن يرافق صاحبه ليوصله إلى بيته فحمل الفانوس وسار مع صاحبه الى أن أوصله عتبة باب منزله. وعندما اراد الجوع الى بيته، رفض صاحبه أن يدعه يرجع بمفرده في تلك الليلة الدامسة الظلام، وما كان منه الا أن أخذ الفانوس من صاحبه وأصر على السير معه قافلين الى داره، فسارا حتى وصلا البيت، الا إن القصة تكررت مرارً وتكرارا. فصار كل واحدٍ منهما يوصل صاحبه الى بيته ليعود معه ثانيةً حتى انبلج ضوء الصباح فاطمأن كل منهما على الآخر وودع صاحبه.

عرفت هذه الحكاية بقصة “وصلني واوصلك” أو سالفة المداس. لا ادري لماذا سميت هذه النادرة بسالفة المداس، لكن ربما كان سبب التسمية مأخوذ من أحداث قِصّة مداس أبي قاسم الطّنبوري التي تحكي أنه استخدم عدة طرق للتّخلّص من حذائه ولم ينجح؛

  • فقد لبس الطّنبوري حذاء القاضي، لأنه اعتقد ان رجل اشتراه له لكرمه.، فضربه القاضي وغرمه بعض المال وسجنه فترة.
  • ذهب الطّنبوري بحذائه إلى نهر دجلة، وألقاه فيه، فغاص في الماء، لكن الحذاء خرج بشبكة أحد الصيّادين فأعاده اليه.
  • ذهب الطنبوري في الليل وحفر حفرةً لكي يدفن الحذاء فيها. سمع الجيران صوت الحفر، فاعتقدوا أن أحداً ينقب عليهم، فشكوه إلى الحاكم، فسجنه الحاكم، وغرمه بعض المال.
  • حمل الحذاء إلى كنيف الخان، وألقاه فيه، فسد قصبة الكنيف، وغضب الناس من الرائحة الكريهة، فبحثوا عن السبب فوجدوا حذاءً يسد القصبة، فسجنه القاضي، وغرمه بعض الأموال.
  • بعد أن رضِيَ الطنبوري بحذائه، غسله ونظفهُ ووضعه على السطح ليجف. رأى كلب حذاءه وظنه دميةً، فحمله، وبينما هو يعبر به من سطح إلى آخر وقع الحذاء على رأس رجل فجرحه جرحاً عميقاً، فحُكِم عليه بالسجن، ودفع الغرامة، فلم يبقَ لديه من المال شيئاً.
  • قال الطنبوري للحاكم: أريد أن يكتب القاضي بيني وبين هذا الحذاء مبارأة شرعية على أنه ليس مني، وأنا لست منه، ومهما يفعل هذا الحذاء فلا أؤخذ به أنا.

الخيرة والنومة على الدرج

يلجأ البعض من ابناء المجتمع الى استخدام الخيرة في اتخاذ قراراتهم. والخيرة في القطيف تشمل نوعان: خيرة بالقرآن وخيرة بالمسباح. وهناك من يطالب بتقنين استخدام الخيرة فيقولون الخيرة عند الحيرة، أي يجب الا تكون الخيرة عادة روتينية تشل من حركة الإنسان وتضعف قدراته في اتخاذ القرارات.

لكن البعض يصل بهم الاعتماد على الخيرة الى حد الهوس. ومن النوادر التي تحاول استهجان هذه الاتكالية أن احدهم اراد أن يتخير مكان نومته في احد الليالي وكلما “أخذ خيرة” على مكان كانت نتيجة الخيرة “النهي”، أي لا يصلح العمل بما يريده.

وبعد جهد جهيد، وبعد أن انصرم من الليل أعظمه، جاءت الخيرة بالقبول على النوم في أعلى الدرج، فنام الرجل هناك. وصادف أن زارهم في تلك الليلة المظلمة حرامي. ولما سرق الحرامي بغيته واراد الهروب، تعرقل بالحجي النائم على الدرج هناك فتكربسا سوية وسقطوا من أعلى الدرج الى اسفله. وفي الصباح اكتشف اهل البيت الأمر ووجدوا الحاج الذي لم يجد مكان ينام فيه سوى الدرج وقد تكسرت عظامه.

الشكوى على الشمس

هناك من يتدمر من أوضاع ثابتة لا تتغير، فلا يمكن تغير موقع مطلع الشمس ومغربها مهما شكى أحد من هذا الوضع الا أن هناك أناس لا يستوعبون حقائق الأمور ويتدمرون دون طائل فتصبح الشكوى ديدنهم.

ومن باب الفكاهة والتندر يُروى أن جماعة من الناس يسكنون غرب القطيف، فكانوا اذا اتوا صباحًا الى السوق المركزي الواقع في الشرق تكون الشمس المشرقة في عيونهم وإذا قفلوا راجعين الى سكنهم مساءً عاودت الشمس لتواجههم فيتظلمون من الشمس الغير منصفة لأنها تكون في اعينهم صباحًا ومساء بينما تكون في ظهور اولئك الذين يسكنون شرق مركز السوق، ولما تداولوا الأمر بينهم قرروا أن يشتكوا الشمس عند قاضي البلاد لينصفهم منها.

لقطة بعدسة الفنات محمد مرزوق آل غزوي

طاح قمرنا في العين

الأمور ببواطنها وليس بمظاهرها، فليس كلما نراه يعكس الحقيقة وعلينا الا ننخدع بظواهر الأمور وخاصة في الصور المخادعة وبهذا الشأن يتندر أهل القطيف بأن مجموعة من الناس رأوا القمر يتلألأ في نبع ماء صافٍ فظنوا أن القمر قد سقط في عين الماء العميقة، فتشاوروا في الأمر وقرروا أن يأتوا بحبل ليجروا به القمر ويخرجوه من الماء. وأتوا الى العين ورموا الحبل فيه وصاروا يجرونه متعاونين وهم ينشدون “طاح قمرنا في العين، جيبوا حبال نجره”، فذهب هذا القولُ مثلا يقال عند اقتراح حل غير عملي لمشكلة ما. ومن الواضح إن هذه النادرة من نسج الخيال وليست حقيقية.

عمتي تمعمجي

وهذه نادرة اسطورية تحاول بطريقة فكاهية توضيح العلاقة التي عادة ما تكون حساسة أو قد تكون احيانًا متشنجة بين الزوجة والأم خاصة إذا عاشتا في بيت واحد كما كان الوضع في الماضي الذي ليس ببعيد. ومن هنا يأتي تأليف هذه النادرة الأسطورية “عمتي تمعمجي”.

يُذكر إن زوجين كانا يسكنان في بيت يطل على الساحل، وصادف أن زارتهما، في أحد الليالي، أم الزوج (عمة الزوجة) لتنام معهم، وفي نفس الوقت زارتهم ام الزوجة (عمة الزوج) في نفس الليلة. فحدد الزوجان غرفتين منفصلتين لتنام في إحداهما أم الزوج وفي الأخرى أم الزوجة.

وبعد أن تناولوا العشاء وسمروا ذهبت العمتان كلًا الى الغرفة المخصصة لها وغطتا في نوم عميق. في هذه الأثناء خرج الزوج من مخدعه، مع سبق التخطيط، وبدل مكان الأمين (أمه وعمته) لتكون كل واحدة منهما في غرفة الأخرى ورجع الى مخدعه لينام، وعندما ظنت الزوجة انه نام ذهبت الى الغرفة المخصصة لعمتها وحملتها الى الساحل والقتها في البحر ورجعت لمخدعها وهي تنشد:

“عمتي تمعمجي في بطون السمكِ”.

ليرد عليها زوجها:

” بكرة يطلع الصبح… ونشوف… عمتك من عمتي.”

وهذه قصة تندر رمزية ظريفة توصف العلاقة الحساسة ما بين الزوجة وأم زوجها، وهي الحماة في التعريف اللغوي وفي مجتمعنا تُسمى العمة لعظم مكانتها وسمو مقامها، الا ان الغيرة تأبى الا أن تأخذ تأثيرها في النفوس بسبب المنافسة على قلب الرجل، الذي عادة ما تريده الأم أن يبقى لها ويصعب عليها الشعور بتغير علاقة الحب الفطرية بينهما والتي ترسخت سنينًا طويلة من الطفولة للرجولة، بسبب زواج ابنها رغم فرحها بهذا الزواج وتمنيها له لتقر عينها. الا إن التنافس قد يخلق التباغض إن لم تُحسن ادارته.

لوحة فنية بريشة الفنان عبد الكريم  الرامس

فص وفصوص وفصنصف

كان الكثير ممن تعلموا واصبحوا يجيدون القراءة والكتابة في القطيف يعملون لذى تجار واصحاب اعمال غير متعلمين ولا يجيدون الكتابة وبالكاد يفكون الخط ويستخدمون المهر (الختم) في توقيعهم، ولكنهم نالوا من الأموال وأصبحت لهم تجارة وأعمال اقتصادية ووكالات، بينما بقى ممن تعلموا “كتبة” يعملون عند اصحاب الأموال والتجارة وكثيرً ما كان هؤلاء العاملون أو الكتبة يمتعضون من هذا الوضع الغير عادل في نظرهم، ولاشك أن من يتعلم له فضل “وليس اخو علمٍ كمن هو جاهلُ” ولكن “تجري الرياحُ بما لا تشتهي السفنُ، والحياة بالعمل والجدِ والسعي وما التعليم الكتابي والنظري الا عامل مساعد وربما قعد بصاحبه ومنعه من الإرتقاء في دنيا المال والاعمال.

يقول أحد المتندرين في وصف هذه الحالة أن تاجراً من كبار التجار كان جالسًا على كرسيه وحوله العاملون معه وهو يصرخ “فثي…فثي…وين فثي…وين راح فثي…ضاع فثي”؛

فتساءل احد الحاضرين: “ويش يبغى” هذا؟، ماذا يريد؟

أجاب آخر: يبحث عن فص خاتمه، يقول أنه ضاع منه؛

فعلق أحد المتهكمين: أنا اعرف أقول “فص وفصوص وفصنصف”، ليت عدي شيء مما يملك من مال، ولكن ” اللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ” -النور-38).

قالوا لي قالوا لك

فيما مضى كان الزواج في المجتمع القطيفي غالبًا ما يتم باختيار الأهل وقد لا يعلم الزوج عن مظهر الزوجة شيء خاصة أن لم تكن من قرابته أو جيرانه اللواتي قد لمحهن في الصغر، وفي ليلة الزواج أو كما كانت تسمى فيما مضى بليلة الدخلة يفاجئ الزوج بعروسته، وكما يُقال “هو وحظه” الذي خبأه له الدهر.

وفي هذا الِأمر يتم التندر بقصة حدثت بين زوج وزوجته الشابة التي رفضت أن تريه وجهها ليلة الدخلة ورفضت أن ترفع المشمر (الخمار عنها) وحاول الزوج بكل الطرق ولم يستطع أن يرفع خمارها فلجئ الى طريقة الاستفزاز؛ فقال: “قالوا لي” واستمر في تكرارها الى أن استفزها وبدأت تجاوبه وتقول “قالوا لك، ويش قالوا لك” الا أنه استمر في قول “قالوا لي” وهي تقول “ويش قالوا لك، حتى جرها الا جوابه وبدأت في الكلام، ودار بينهم حديث يطرح كل التوقعات:

الزوج: قالوا لي؛

الزوجة: ويش قالوا لك؛

قالوا لي؛ ويش قالوا لك، قال لك عورة؟

قالوا لي؛ ويش قالوا لك، قال لك عمية؟

قالوا لي؛ ويش قالوا لك، قال لك مجدرة؟

قالوا لي؛ ويش قالوا لك، قال لك برصة؟

قالوا لي؛ ويش قالوا لك، قال لك فجمة؟

قالوا لي؛ ويش قالوا لك، قال لك شرمة؛

قالوا لي: ويش قالوا لك، قال لك سوداء؛

وهو مستمر في قوله قالوا لي الى أن طفشت ورمت خمارها وقالت شوفني ويش قالوا لك؟ فتبسما وبدأت حياتهما الزوجية.

المصادر:

  1. https://www.bing.com/search?q=Eduard+Von+Grutzner+Paintings&FORM=HDRSC1)
  2. (https://www.qatifscience.com/2022/01/17)
  3. (http://www.darululoom-deoband.com/arabic/articles/tmp/1579752390%2006-Dirasat-5_1436_3.htm)
  4. https://www.aljazeera.net/midan/intellect/history/2017/4/2 .
  5. (الفكاهة في الأدب العربي، هنداوي)
  6. (https://www.mindomo.com/mindmap/mind-map)

 

تعليق واحد

  1. رجعنا للسنوات الغابرة الجميلة يابو حسين فالف شكر لجهودك لتوثيقها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *