الآن تراني.. الآن لا!

الرغبة في الإخفاء حلمٌ راود الإنسان منذ عصورٍ طويلة، وقد نسج لنا الروائي إتش جي ويلز، في عام 1897م، رواية الرجل غير المرئي لتظل مرجعاً كلاسيكياً لهذه الثيمة التي خلَّدتها كذلك أدبيات الشرق بفكرة «طاقية الإخفاء».

الفكرة الفيزيائية التي طرحها ويلز في روايته هي حول عبقري اسمه «غريفين» استطاع أن يجعل معامل انكسار جسم الإنسان يتطابق مع معامل انكسار الهواء. فالمادة الشفافة تصبح غير مرئية إذا وضعت في وسط معامل انكساره يساوي معامل انكسار تلك المادة، لقد تمكن غريفين من تحقيق هذا الحلم، وعلى الرغم من أن الرواية تشوبها أخطاء علمية، إلا أنها فتحت طريق التخيّل لنا جميعاً.

العلم قائمٌ على التخيل، لكنه في الوقت نفسه مرتبط بقوانين علمية. فمنذ القدمِ حاول الإنسان بطريقة التمويه والخداع أن يتخفى عن الأعداء بتلونه بلون ما يحيط به. وهذا الشيء أفاده الإنسان من الحيوانات في قدرتها على التخفي من أجل البقاء على الحياة، إذ تصعب رؤية الجسم إذا تلوّن بلون ما يحيط به. وقد اختار الجنود البريطانيون خلال حرب البوير الثانية، الملابس الترابية اللون لمحاكاة رمال الصحراء. وخلال الحرب العالمية الأولى استخدم الألمان الطريقة نفسها لإخفاء مناطيد زبلن وذلك عن طريق صبغ سطوحها بمعدن الألمونيوم الذي يعكس لون السماء والغيوم.

7388671_orig
عصا في كأس ماء

الأحلام البشرية بدأت تتحقق بفضل العلم، فبعد التطور المهول في علم البصريات، عرفنا جيّداً أن الضوء عبارة عن موجة كهرومغناطيسية، وتتكوَّن الأمواج الكهرومغناطيسية من حقلين متعامدين كهربائي ومغناطيسي، وتبلغ سرعتها 300 ألف كم في الثانية. والضوء هو السبب الرئيس لرؤيتنا للأجسام. فنحن لا نستطيع أن نرى الأجسام في الظلام، إذ عندما يسقط الضوء على الجسم ينعكس على العين وتتم الرؤية، وكما أن نطاق سمع الإنسان محدود بين الترددين (20-20000) هيرتز، كذلك عين الإنسان محدودة أيضاً، فالضوء المرئي جزءٌ ضئيل من الأمواج الكهرومغناطيسية، ويقع الضوء المرئي بين اللونين البنفسجي والأحمر، ويبلغ الطول الموجي لهما (400-700) نانومتر، وترددهما (750-430) تيرا هيرتز. والعلاقة بين الطول الموجي والتردد علاقة عكسية، حيث إن الطول الموجي هو المسافة التي تقطعها الموجة من نقطة إلى نفس النقطة في الموجة التالية كالمسافة بين قمتين أو قاعين متتاليين، أما تردد الموجة فهو عدد الذبذبات في الثانية الواحدة ووحدته هيرتز.

يتميز الضوء بخصائص عديدة، منها: الانعكاس والانكسار. فعندما يسقط الضوء على جسم فإنه ينعكس وهذه الخاصية هي التي تجعلنا نرى الأشياء، ولولا انعكاسه لما استطعنا ذلك. وعندما ينتقل بين وسطين مختلفي معامل الانكسار فإنه ينكسر ويغيّر من سرعته، فإذا انتقل من الهواء إلى الزجاج فإنه يتباطأ نتيجة مروره بعدد مهول من الذرات.

يعرف معامل الانكسار (index of refraction) للمادة بأنه النسبة بين سرعة الضوء في الفراغ إلى سرعته في المادة.

والعلاقة بين معامل الانكسار وسرعة الضوء في المادة علاقة عكسية. فكلما ازداد معامل الانكسار للمادة تكون سرعة الضوء فيها أقل، فسرعة الضوء في الفراغ تساوي 300 ألف كم في الثانية، لكن عندما يمر بزجاج «البايركس» تنخفض سرعته بحوالي 100 ألف كم في الثانية، وهذا الجدول يبين معامل الانكسار لبعض المواد:

المادة معامل الانكسار
الهواء 1.0003
زجاج البايركس 1.474
الماء 1.333
الزيت النباتي 1.47
عدسة عين الإنسان 1.41
babywess
زجاج البايركس في كأس زيت نباتي

تبدو لنا العصا مكسورة عندما نضعها في كأس الماء بسبب انكسار الضوء، فعندما ينتقل الضوء من الهواء إلى الماء يعاني انكساراً. لكننا عندما نضع مادة شفافة في وسط معامل انكساره يتساوى مع معامل انكسار المادة فإن المادة تختفي وتصبح غير مرئية. والسبب يعود إلى أن الضوء لا يعاني انكساراً ولا انعكاساً ويستمر في مروره ضمن المادة. فعندما نقوم بوضع كأس من زجاج البايركس في الماء فإنه يختفي بدرجة كبيرة، لكن عندما نضعه في زيت نباتي فإنه يختفي تماماً لتطابق معاملي الانكسار تقريباً، لهذا نحن لا نستطيع أن نرى الأجسام تحت الماء بوضوح ذلك أن معامل انكسار عدسة عين الإنسان يقترب من معامل انكسار الماء، وحتى نستطيع الرؤية تحت الماء بوضوح يجب علينا استخدام عدسات ذات معامل انكسار كبير. وهذا المبدأ الفيزيائي هو الذي يفسّر لنا تحدّب عدسة عين السمكة تحدبًا شديدًا وكبر معامل انكسارها مقارنة ببقية الحيوانات كي تستطيع الرؤية بوضوح تحت الماء. وهذا هو الخطأ العلمي الذي وقع فيه ويلز، فعلى افتراض أننا تمكنا من جعل جسم الإنسان شفافًا ويتطابق مع معامل انكسار الهواء، فإن هذا الإنسان سيصبح أعمى لأنه لن يستطيع أن يرى شيئاً، فالضوء لن يعاني انكساراً عندما يمر من عدسة العين وسيستمر في خروجه من الجانب الآخر.

إن تحويل جسم الإنسان إلى جسم شفَّاف صعب المنال، لهذا يسعى العلماء إلى ابتكار طريقة علمية ومتطورة جدًّا تجعل الضوء لا ينعكس على العين عند سقوطه على الجسم، من خلال استخدام تقنية فائقة، وتصنيع مواد خارقة مرتبة بنمط هندسي متقن، تجعل الضوء ينحني حول الجسم وبذلك يختفي ويصبح غير مرئي.

أُطلق على هذه المادة المصنّعة والخارقة التي تجعل الضوء ينحني اسم (Metamaterial). وهي تتكون من حلقات صغيرة تتحكم في سلوك الموجات الكهرومغناطيسية. وهناك تجارب عديدة أجريت للتوصل إلى هذه التقنية، ونجح العلماء لأول مرة في تحقيق هذا الحلم. ففي عام 2006م، في جامعة ديوك في دورهام ولاية كارولاينا الشمالية مع كلية لندن الإمبراطورية، تم تصنيع مادة خارقة، وكان لها القدرة على حني الأمواج القصيرة جداً. وبعد فترة قصيرة وفي أوائل عام 2007م، تمكن باحثون في مختبر إيمس للطاقة بولاية أيوا، من تصنيع مادة خارقة تعمل في الضوء المرئي الأحمر أي ضمن تردد واحد فقط، وفي منتصف العام نفسه في معهد كاليفورنيا التكنولوجي تم تصنيع مادة خارقة تعمل في الضوء المرئي وفي تردد مختلف، وما زالت الأبحاث مستمرة في تصنيع المواد الخارقة، والتحدي الكبير الذي يواجه العلماء صنع مادة خارقة لها القدرة على حني جميع ترددات الضوء المرئي، وإذا تمكنا من ذلك خلال العقود المقبلة فسيرتدي كل منا عباءة (هاري بوتر) ونحقِّق حلم الإخفاء الذي قد لا يكون جميلاً بكل تفاصيله!

θ

الرمز ثيتا (θ) هو الحرف الثامن في الأبجدية الإغريقية، ووفقاً للنظام الرقمي الإغريقي القديم فإن هذا الرمز يحمل القيمة الرقمية 9.
ولهذا الحرف حضور كئيب في الحضارات القديمة، الإغريقية والسريالية والمصرية، وهي كلها حضارات تأثرت ببعضها واستعارت المفاهيم الرمزية من بعضها بعضاً. فنجد مثلاً أن الحرف ثيتا رمَزَ في اليونان القديمة للموت، وشبهه الإغريق في استدارته بالجمجمة. في حين رمز المصريون القدماء للفظة «موت» بدائرة داخلها خطّان متقاطعان، إضافة لكون الرقم 9 على ارتباط هو الآخر بالعالم الآخر في الديانات المصرية القديمة. ويُعتقد أن اعتمادنا المعاصر للجمجمة وتحتها عظمتان متقاطعتان للرمز لخطر الموت هو تطوير لرمزية ثيتا القديمة.
لكن ثيتا – مثله مثل باقي الرموز الإغريقية – له حضور قوي اليوم في مجالات العلوم المختلفة. ولعلنا نذكر من أيام المدرسة أن الزاوية الناجمة عن التقاء أي مستقيمين غالباً ما كان يرمز لها بهذا الرمز θ. ويحضر الرمز ثيتا في الرياضيات كذلك كقيمة معبرة عن عدد من المعادلات المعقدة والدالّات الخاصة بحساب القيم الأولية، وتعرف أحدها بدالّة (تشيبيشيف).
في علم الظواهر الجويّة، ترمز ثيتا إلى درجة الحرارة المحتملة لجزيء لا يتجزأ من السوائل، وهي درجة الحرارة التي يكتسبها الجزيء إذا ما أعيد إلى ضغط معياري يبلغ 1000 ميللي بار. والرمز ثيتا عموماً يرمز لقيمة درجة الحرارة وفق المعيار العالمي SI. ويرمز أيضاً للفرق في درجات الحرارة خلال عمليات التبادل الحراري.
أما في علم الأحياء، فإن جزيئات الـحمض النووي (DNA) تتناسخ داخل أنوية الخلايا، وقد رمز العلماء بالرمز ثيتا لصيغة معينة من صيغ تناسخ الشريطين المكونين لظفيرة الحمض النووي.
الاقتصاديون يستخدمون الرمز ثيتا للإشارة كذلك لمعدل الاحتياطي المصرفي. وفي قطاع المالية، يعبِّر ثيتا عن معدل تناقص قيمة أوراق الخيارات المالية (Options). وهو تناقص لا يقل في كآبته عن الاستخدام القديم لهذا الرمز كما عرفها الإغريق وقدماء المصريين.

الكاتب : حسن الخاطر

المصدر :

الآن تراني.. الآن لا!

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *