كيف نُقلع عن عادة سيئة – ترجمة عدنان أحمد الحاجي

How to break a bad habit
(بقلم: ستيڤ كاليشمان – Steve Calechman)

كلنا لنا عادات نرغب في أن نتخلص منها ونقلع عنها، وكل ليلة نحدث أنفسنا بنفس الحديث الحماسي: سأنام مبكرًا هذه الليلة. سأقاوم إغراء ذلك الكوكيز (البسكويت). سأتوقف عن قضم أظافري.  وبعدما يأتي الغد، تتقوض كل تلك الوعود، ونشعر بأننا أسوأ مما كنا.  ونشعر بالهزيمة والذنب لأننا ما نعرفه الآن أفضل مما كنا نعرفه سابقًا ولكن لا زلنا لا نستطيع مقاومة الاغراء.

مصدر الصورة: lollydaskal.com

دورة العادة من القوة إلي الضعف ومن ثم التلاشي شيء معروف، لأن الدماغ لا يعمل التغييرات بسهولة.  ولكن الإقلاع عن عادة غير صحية أمر ممكن.  فالإقلاع عن عادة يتطلب عزمًا وقليلًا من الرهبة وبعض الأساليب الفعالة لتعديل هذه العادة.  ولكن حتى قبل ذلك، من المفيد أن نعرف ما يدور في الدماغ، وماذا عن دوافعنا وما يجري من حديث النفس.

نشعر بالمكافأة على عادات معينة

العادات الجيدة أو السيئة هي أشياء روتينية، والروتين، كعادات الاستحمام أو الذهاب إلى العمل بالسيارة، هي أمور تلقائية / عفوية، من شأنها أن تجعل حياتنا أكثر سهولة.  “لا يحتاج الدماغ أن يفكر كثيرًا بشأنها” ، كما تقول ستيفاني كوليير (Stephanie Collier) ، مديرة التعليم في قسم علم نفس الشيخوخة في مستشفى ماكلين (McLean) ، ومدربة الطب النفسي في كلية الطب بجامعة هارفارد.

العادات السيئة مختلفة قليلاً، ولكن حين نحاول الاقلاع عن عادات سيئة، فإن ذلك يؤدي إلى تنافر معرفي1، والدماغ لا يعجبه ذلك، كما تقول لوانا ماركيز (Luana Marques) ، استاذة علم النفس المشاركة في كلية الطب بجامعة هارفارد.  يقوم الجهاز الحوفي في الدماغ بتنشيط استجابات (ردود فعل) الكر أو الفر أو التجمد2 (لا كر ولا فر)، وردود فعلنا هي أن نتجنب هذا “التهديد” والعودة إلى العادة القديمة، على الرغم من أننا نعلم أن العودة إلى العادة القديمة ليس جيدًا بالنسبة لنا.

صورة تبين مفعول التنافر المعرفي

في كثير من الأحيان، العادات التي لا تنفعنا تبقي تشعرنا بالرضا والسعادة، لأن الدماغ يفرز مادة الدوبامين.  ويقوم الدماغ بفعل أي شيء يساعدنا ككائنات حية على البقاء على قيد الحياة، كأكل الطعام أو ممارسة الجنس. يُعتبر تجنب التغيير بمثابة بقاء على قيد الحياة، ونحصل على المكافأة3 (وإن كان ذلك مؤقتًا)، لذلك نستمر في العودة في كل مرة إلى عاداتنا.  تقول كوليير: “لذلك من الصعوبة بمكان تغيير العادة”.

صورة تبين الكر والفر

البحث عن سبب الرغبة في التغيير

ولكن قبل أن تحاول تغيير عادة من العادات، من الضروري تشخيص سبب رغبتك في التغيير.  عندما يكون السبب شخصيًا – مثلًا، عندما تريد أن تكون موجودًا قريبًا من أجل أطفالك؛ أو تريد أن تسافر كثيرًا – فلديك دافع / باعث قوي ومذكر لك للرجوع إليه حين تواجه صعوبات.

بعد ذلك، لابد أن تعرف بواعثك الداخلية ودوافعك الخارجية4، وهذا يتطلب بعض التحريات عنها.  عندما تكون لديك رغبة ملحة في ممارسة العادة السيئة، اسأل نفسك متى وأين ومع من أُثيرت وماذا كان شعورك حينئذ، سواء أكنت تشعر بالحزن أو بالوحدة أو بالكآبة أو بالعصبية حينئذ.  تقول كوليير إنها عملية تنطوي على اختيار وتركيب أشياء مختلفة معًا، ولكنها مكملة لبعضها البعض.  وهذه العملية تختلف من شخص لآخر، ولكن لو لاحظت قرينة قبل ذلك على أنك ستعود إلى تلك العادة، فقد تتمكن من أن تمسك نفسك عن تلك العودة، كما تقول كولير.

الخطوة التالية من الإقلاع عن العادة – وأحيانًا هي الخطوة الأصعب – هو تعديل لسلوكك.  إذا كان ضعفك يتمثل في رغبتك في تناول فطيرة الصباح في طريقك إلى العمل، فقد يكون الحل الأنجع هو تغيير الطريق.  لكن قد لا يتسنى ذلك دائمًا، لذا لابد من أن تجد البديل الأفضل، مثلًا، أن تأكل شيئًا من اللوز بدل أن تأكل قطعة من الحلوى أو تتناول  شيئًا من الزبادي المجمد بدلاً من تتاول شيئًا من البوظة.  تقول كوليير: “لا ينبغي أن يكون هدفك أن تصل إلى الكمال، ولكن فقط لتستمتع بصحة أكثر”.

تقول ماركيز ينبغي أيضًا أن تتجنب عقلية إمّا الكل أو لا شيء، والتي من شأنها أن تؤدي إلى الإرهاق5 السريع ، وبدلاً من ذلك قم بخطوات صغيرة نحو تحقيق هدفك.  إذا كان من عادتك السهر حتى منتصف الليل ولكن ترغب في أن تنام مبكرًا، في الساعة العاشرة ليلًا مثلًا، فإن الحل الأنجع لكسر هذه العادة هي أن تبدأ بخطوات صغيرة لكن متأنية ومعقولة وهي أن تبكر بربع ساعة في الليلة اللاحقة عن الليلة السابقة: فإن من شأن هذه الخطوات أن تنتهي بالنجاح وتقلل من النفور ومن تجنب تبني عادة جديدة.

كما أنه يساعد على تذكر فكرة أن الرغبة الملحة تأخذ دورة، في البداية تكون رغبة شديدة، ثم تضعف، وتختفي عادةً في النهاية خلال 20 دقيقة تقريبًا. تقترح كوليير على الشخص أن يضبط مؤقت على هذه الفترة الزمنية ويركز فقط على “تجاوز تلك الرغبة الملحة”.

في فترة الانتظار تلك، البحث عن احاسيس جديدة يمكن أن يساعد على الالتهاء عن هذه الرغبة.  بإمكان الشخص الخروج في الهواء الطلق والاستمتاع به وشم رائحته.  يمكنه القيام بشيء بدني أيضًا.  كوليير تحب أيضًا استخدام الماء الساخن والبارد. في أقصى الحالات، يقوم الشخص بغمر وجهه في وعاء من الماء، وهذا من شأنه أن يبطئ من معدل ضربات قلبه. ولكن يمكنه أيضًا أن يمسك بمكعب ثلج في يده أو يأخذ حمامًا ساخنًا.  وتقول: “وبذلك يكون مركزًا على الإحساس وليس على الرغبة الملحة”.

تقبُّل فكرة أن النجاح ليس خطاً مستقيماً (مباشرًا)

أثناء محاولات التغيير التي يرغب فيها، ستكون هناك عقبات وعوائق ونكسات، وهي تعتبر جزءًا من عملية تحقيق التغيير الدائم.  المشكلة هي أننا عندما يتعلق الأمر بجلد الذات فنحن أسوأ من يجلد ذواتنا، وبعض الناس يعتبرون أي شيء فاشل ما لم يحقق نجاحًا تامًا.

تقول ماركس أن يحاول المرء أن يأخذ منظور شخص آخر ويفكر في كيف يرد على صديق قال إن أكله كيسًا واحدًا من رقائق البطاطس قد أفسد نظامه الغذائي بالكامل.  فمن الأفضل أن تكون لطيفًا معه ومطمئنًا له، لا ناقدًا ولا لائمًا ، لذا عليه أن يعامل نفسه بنفس المنظور.

الكثير من المعاناة من جراء جلد الذات5 لا تتمثل في رؤية الأفكار كحقائق، بل مجرد أفكار.  يتطلب الأمر تمرينًا وممارسة، لكنها نفس الفكرة كما هو الحال مع ممارسة التأمل6.  فالمرء يتعامل مع ما يدور في ذهنه على أنه شيء ضبابي، ويسلِّم به ويسمح له بالعبور بسلام.  تقول ماركيز: ” لدينا كلنا دائمًا أفكار مشوهة وخاطئة”. “وهذا ما ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار”.

كما أنه من المفيد تقليل الضغط النفسي وتقليل الشعور بالفشل ليعرف الواحد أن الهدف ليس القضاء على العادة القديمة تمامًا، لأنه لن يستطيع ذلك.  وإن ما يحاوله هو فقط تقوية العادة الجديدة بحيث تكون هي العادة السائدة في النهاية إلى درجة أن العادات القديمة لم تعد تخطر حتى على البال.  لكن عملية الاقلاع عن عادة سيئة هي عملية مستمرة، ويمكن جعلها أكثر سهولة بالتعاطف مع الذات7، لأنه لا يمكن الاستعداد لكل موقف ووضع بعينه أو لا يمكن التنبؤ بوقت ولا بمكان حدوث ما يثيرالرغبة الملحة.

تقول كوليير: “لا يمكن الاستعداد دائمًا للحياة ، فهي حبلى بالعقبات أو العوائق التي قد تعترض طريق حياة المرء”.

مصادر من داخل وخارج النص:
1- “التنافر المعرفي ( cognitive dissonance) في علم النفس، هو حالة من التوتر / الضغط النفسي أو الإجهاد العقلي أو عدم الراحة التي يعاني منها الفرد الذي يحمل أكثر من معتقد أو أكثر من فكر أو من قيمة متناقضة في نفس الوقت، أو يقوم بسلوك يتعارض مع معتقداته وأفكاره وقيمه أو يواجَه بمعلومات جديدة تتعارض مع المعتقدات والأفكار والقيم الموجودة عنده.  تركز نظرية ليون فستنغر للتنافر المعرفي على كيف يسعى الناس إلى خلق حالة من الاتساق الداخلي، ويميل الفرد الذي يواجه التنافر المعرفي إلى حالة من عدم الارتياح من الناحية النفسية، وينشئ داخله باعث لمحاولة الحد من هذا التنافر، وكذلك التجنب النشط للحالات أو المعلومات التي قد تزيد من حالة التنافر” ، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/تنافر_معرفي
2- “نظرية الكر والفر (fight-or-flight response) وصفت لأول مرة من قبل والتر كانون في 1915.  نظريته تقول أن الحيوانات تتفاعل لمنع الخطر بطريقة استنفاذ عام للجهاز العصبي الودي (sympathetic nervous system)، مما يجعل الحيوان مستعدًا للكر أو الفر.  شُخصت هذه الاستجابة فيما بعد بأنها المرحلة الأولى لحالة التعود العامة التي تنظّم استجابات التوتر النفسي في الحيوانات الفقارية وبعض الكائنات الأخرى” ، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/استجابة_الكر_أو_الفر
3- نظام المكافأة في الدماغ (Brain Reward System): مسار عصبي يتضمن عدة مناطق في الدماغ البشري، يتم تحفيزه عند الحصول على ما يعتبره الدماغ مكافأة ويُسمى”محفز المكافأة”، وقد يكون هذا المحفز قطعة من الشوكولاته، أو طعاماً مفضلاً أو مشاهدة برنامج ممتع.  يؤدي تفعيل هذا النظام إلى إفراز مادة الدوبامين كاستجابة تلقائية، مما يعطي شعوراً بالانتشاء والسعادة” ،مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:
https://hbrarabic.com/المفاهيم-الإدارية/نظام-المكافأة-في-الدماغ/
4-“الدافع الخارجي يشير إلى سلوك لأداء مهام وتعلم مهارات جديدة بسبب المكافآت الخارجية أو تجنب العقوبات، وفي هذه الحالة، ينخرط الشخص في سلوك ليس لأنه يستمتع به أو لأنه يجده جذابًا أو مرضيًا، ولكن من أجل الحصول على شيء ذي قيمة في المقابل أو تجنب شيء غير سار.  ومن أمثلة الدوافع الخارجية: الذهاب إلى العمل لكسب المال، أو الدراسة للحصول على درجات جيدة.  أما الباعث الداخلي فهو يشير إلى فعل شيء ليس له أي مكافآت خارجية جلية، يفعل المرء ذلك لأنه ممتع بالنسبة له، وليس بسبب أي حوافز أو ضغوط خارجية، وباختصار يكون الباعث الداخلي هو أداء نشاط ما لذاته لا بسبب الرغبة في الحصول على مكافأة خارجية أو لتجنب بعض الضغوط الخارجية، وفي الأساس، السلوك نفسه يعتبر مكافأة بحد ذاته، الباعث الداخلي يتعلق بشكل أكبر بالنمو الشخصي، والشعور بالواجب، ومن الأمثلة على الباعث الداخلي: ممارسة الرياضة وذلك بسبب الاستمتاع بها” ، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://www.almrsal.com/post/1103306
5-” الإرهاق (burnout) هو حالة من الاستنزاف العقلي والجسدي والنفسي نتيجة للتعرض لفترة طويلة من الإجهاد المفرط.  عندما يُرهَق الشخص يُصبِح غير قادر على أداء مهامه أو بكل بساطة لا يرغب في ذلك.  هذه المشاعر السلبية قد تُصاحب الشخص في جوانب أخرى من حياته، كحياته الاجتماعية” ، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://elakademiapost.com/طلاب-الطب-والإرهاق-burnout/
6- “جلد الذات يتضمن مدى تقييم الفرد لنفسه سلبيًا، عادة ما يدرس ويناقش في علم النفس على أنها سمة شخصية سلبية يعاني فيها الشخص من اضطراب الهوية الذاتية.  غالبًا ما يرتبط جلد الذات باضطراب الاكتئاب الشديد.  يعرّف بعض المنظرين جلد الذات بأنه علامة على نوع معين من الاكتئاب (الاكتئاب الاستبدادي)، وبشكل عام يميل الأشخاص المصابون بالاكتئاب إلى جلد الذات أكثر من غير المصابين.  أحد أسباب تركيز البحوث العلمية على جلد الذات هو ارتباطه بالاكتئاب” ، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/نقد_ذاتي
7- “التأمل هو طقس يمارسه الفرد بتدريب دماغه لتحفيز الوعي الداخلي، ويحصل في المقابل على فوائد معنوية وذهنية” ، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/تأمل
8- “التعاطف مع الذات في أبسط معانيه هو أن تكون لطيفًا مع نفسك ورفيقًا بها عندما تشعر بالفشل أو عدم الكفاءة، أو بالألم كما كنت لطيفًا مع صديق أو شريك حياة تحبه، أو طفل ترعاه، او حيوان أليف. وهو عكس جلد الذات الذي يسبب الضغط النفسي.  وأهميته تكمن في أن الإنسان كائن اجتماعي يشعر بتحسن عندما يحبه الآخرون وينظرون له نظرة إعجاب، وبالتالي فإن استجابتنا تجاه ما نقوله لأنفسنا تعتبر بمثابة مقاربة لاستجابتنا لما يقوله لنا الناس.  فإن قلت لنفسك إنك فاشل فكأنك سمعتها من غيرك بالضبط.  وبالتالي عندما تواجه صعوبةً مثلا في حياتك كالإدمان قد لا تجد آخرين دائمًا متعاطفين معك على النحو الذي تطمح به.  ولكن هناك شخص واحد موجود دائمًا لك هو نفسك التي بين جنبيك. فهي لن تمل منك وبما أنها رفيقتك الدائمة سيؤثر ما تقوله لها في صحتك النفسية والعقلية.  ولحسن الحظ الدراسات تشير إلى أن الذين يمارسون التعاطف الذاتي تحسنت صحتهم النفسية ومرونتهم العاطفية، ويشعرون بأنهم أكثر ارتباطًا بالآخرين ويعانون بدرجة أقل من الاكتئاب والقلق والنقد الذاتي” ، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://altaafi.com/التعاطف-الذاتي/

المصدر الرئيس:
https://news.harvard.edu/gazette/story/2022/05/how-to-break-a-bad-habit/

الأستاذ عدنان أحمد الحاجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *