الخبرات الثمينة (المتقاعدون) – د. عبد الله علي النمر

مفهوم التقاعد

ما هو المعنى الحقيقي للتقاعد… هل هو نهاية مطاف في حياة الفرد منا أم بداية لحياة جديدة مفعمة بتطلعات وأفاقٌ واسعة للعيش براحة وسعادة ؟

منذُ بدء الخليقة والمرء منا يبدأ حياته, بكد وتعب وكفاح متواصل وجد واجتهاد, بدأً من عمر الصغر إلى مرحلة الشباب فالكهولة، ويرافق كل ذلك تطور في إدراكه وميوله وعمله، ويبدأ ذلك بالدراسة والتخرج ثم العمل وبناء الأسرة، إلى أن ينتهي ذلك بما اصطلح على تسميته (بالتقاعد)، والذي يُقصد به: التوقف عن العمل الوظيفي بسبب كبر السن أو بلوغ سنوات الخدمة المطلوبة، وهذا غالبًا ما ينطبق على الأعمال المرتبطة بالوظائف الحكومية، ويشمل كثيرًا من أفراد المجتمع رجالاً ونساءً، ولكن ماذا بعد التقاعد ؟!

الحياة مسرح كبير، كل واحد فيها يمارس أدوارًا محددة يكمل بعضها بعضًا، ولكنها تختلف عن حياة المسرح التمثيلي في أن فصولها لا يعلم نهايتها إلا الله عزَ و جلَ. فلماذا نحن البشر نحدد انتهاء حياة الإنسان؟.

الإجابة:  هي أننا أصبحنا ننظر لهذا الإنسان كنظرتنا للآلات والأجهزة لها تاريخ يحدد عمرها ونهايتها، فبالتالي أصبحنا نقيس معظم سلوكياتنا على هذا الأساس.

فوضع الإنسان لنفسه الكثير من النظم والقوانين التي اعتقد أنها تنظم حياته وتسيرها على الوجه الأمثل. إلا أنه خاب في بعضها، وقد يكون نجح في بعض آخر.

التقاعد أحد هذه الأنظمة، حكم فيه على الإنسان بتاريخ تنتهي فيه صلاحيته، فيستبدل بقطعة أخرى جديدة تتواكب مع إيقاع الحياة الجديدة، وهكذا يأتي من يأتي، ويرحل من يرحل.

وذكر كلمة تقاعد يعني عند الكثيرين الابتعاد عن الحياة، كما لو أن المتقاعد ينزع ملابس وأفكار العمل الوظيفي، ويكتفي بذكرياتها وقضاء بقية حياته بعيدًا عن جو العمل. لكن هذا ليس بدقيق، لأنه لا يميز بين الواقع والتعريفات القانونية!

المتقاعد تعريف قانوني، يعني: بلوغ سن ما يحال بعدها الشخص إلى التقاعد، أما الحكم بأنه ما زال قادرًا على الإنتاج أو انتهى عمره الإنتاجي فتلك قضية أخرى تقررها حالة ورغبة وظروف المتقاعد وليس النظام.

ولا ننسى أن ديننا السمح يحث على العلم من المهد إلى اللحد، وعلى العمل مدى الحياة, وكلما طال العمر ازدادت الخبرة، والإحالة إلى التقاعد القانوني لا تعني إحالة إلى التقاعد حقيقة! ولعل التفكك من قيود الرسميات مساعد على الفكر وشحذ الهمم وعلى توفير وقت لأداء أعمال نافعة للمجتمع، تبقى آثارها وتنفع صاحبها في آخرته. العمر التقاعدي الحكومي (60 سنة بالهجري)، يعادل نحو 58 سنة ميلادية، وفي هذه السن لا يزال المرء غالبًا قادرًا على العطاء ولا يزال يملك قوة إنتاجية، ولولا ذلك لما كانت سن التقاعد ”الحكومي” في عموم ما يسمى بالدول المتقدمة، وفي مؤسسات القطاع الخاص ”في المملكة وغير المملكة” يتجاوز 58 سنة بسنوات، قد تبلغ أو حتى تتجاوز سبع سنوات!

إن مفهوم التقاعد من المفاهيم الحديثة، التي أخذت بها جميع الدول، فقد ظهر نتيجة التحول للمجتمع الصناعي. وعلى الرغم من عدم اتفاق العلماء المختصين على مفهوم واحد للتقاعد، إلا أنهم اتفقوا على عدة جوانب ترتبط بالتقاعد، ومنها أن التقاعد يرتبط بالوظيفة أكثر من ارتباطه بالعمل. فالمتقاعد يترك الوظيفة عندما يبلغ سنًا معينًا وليس شرطًا أن يكون غير قادر على العمل.

لدينا في الوطن الملايين من المستقدمين، وفي المتقاعدين ثروة من المعرفة والخبرة، يمكن استثمارها في العمل التنموي وغير التنموي, ويبقى على المتقاعد تقييم وضعه والجد في البحث عن الفرص للاستفادة من وقته، بدلاً من الكسل والملل، وقوعًا تحت وهم فوات قطار العمل و الإنجاز, وما هذه المقالة إلا عامل مساعد، موجهة للمتقاعدين بقوة النظام .

وماذا بعد؟!

في النظرة السلبية جدًا: أصبح هذا المدعو (التقاعد) شبحًا يخيف الكثيرين، وصار عارًا قد يجعل بعض الناس ينتهي بالفعل، ومن ثم أصبح الإنسان هو الحكم والقاضي والضحية.

تحليل فلسفي في عمق مفهوم التقاعد

إن وضعية أو حالة التقاعد ليست وضعية مجردة ومفرغة من كل ما هو ثقافي واجتماعي بكل أبعاده التفاعلية ، بل هي وضعية انتماء لحياة جديدة تحكمها تفاعلات اجتماعية ، وتؤطرها قيم ومعايير أخرى غير التي كان عليها الموظف قبل أن ينتقل إلى هذه الوضعية ، فإن المتقاعد لا يعيش وضعية المتقاعد بصورة آليةوميكانيكيةوحتمية من خارج ذاته ، بل يعيش هذه الوضعية انطلاقًا من المعاني الذاتية الخاصة به التي تشكل نموذجه التفاعلي الذي يتواجد فيه وبناءً على كل ذلك يمكنه أن يؤسس نموذجه الخاص به.

ولا يمكن اعتبار الإنسان مجرد كون تحكمه الحتميات الاجتماعية كما تراه الوظيفية الكلاسيكية أو كفاعل استراتيجي على أقصى تفكير كما تراه الوظيفية المحدثة ، أو الفردانية الممنهجة (الريمون بودن).

والأسئلة الحتمية الثلاثة التي تفرض نفسها كما يلي:
س : هل يشكل مجال العمل الإطار الرئيسي لإنتاج الهوية الفردية والاجتماعية للفرد السعودي ؟
س : وهل الخصوصية الثقافية لمجال العمل تعمل على إنتاج وإعادة إنتاج هوية الفرد ؟
س : وهل يتقبل الفرد المتقاعد هذا التحول والتغيير في الخصوصية الثقافية بين مجال العمل ومجال الحياة الاجتماعية ؟

فالسؤال الأول متعلق بالهوية الاجتماعية الوطنية, والسؤال الثاني متعلق بالعمل نفسه وخصوصيته  الثقافية, والسؤال الأخير متعلق بالمتقاعد وخصوصيته الثقافية.

سنحاول استجلاء هذه الأسئلة الثلاثية المهمة, كما يلي:

⁃إن الانتقال الإجباري للمتقاعد من الخصوصية الثقافية لمجال العمل إلى خصوصية النموذج الثقافي لمجال حضارة الحياة الاجتماعية ليفكر على هويته وتفاعلاته اليومية .

⁃وكلما كانت هوية المتقاعد فاعلة مع مجال العمل فأنه في انتقاله للخصوصية النموذج الثقافي للمجال الاجتماعي ينافس معها فيعمل على إعادة إنتاج هويته الفردية والاجتماعية.

⁃وكلما كانت هوية المتقاعد مستلبة مع مجال العمل فإنه في انتقاله للخصوصية الثقافية للمجال الحياتي يتلائم معها فتنتج الحركة الفاعلة.

ونثير هنا بعض النقاط المهمة للتفكير والتأمل:

⁃يمضي الكثير من الناس حياتهم بأكملها ينتظرون التقاعد، وعندما يحدث ذلك، لا تكون هذه التجربة جيدة كما كانوا يتوقعونها ! توجد عدة تفسيرات لذلك.

⁃إحدى هذه التفسيرات هي أن المرء الذي عمل لسنوات عديدة، يتأخر كثيرًا كي يعتاد على دوره الاجتماعي الجديد. إذا كان لديه روتين الخروج للعمل كل يوم، والتميز بأنه عضو نافع لمنزله، الآن أصبح شخصًا “عديم النفع” لسوق العمل.

⁃هناك سبب آخر وهو أن التقاعد يرتبط أيضًا بالشيخوخة، وبالتالي بنهاية الحياة عمليًا. يكفي مشاهدة عدد المؤسسات التي ليست مستعدة بعد لاستقبال كبار السن، كيف يكون الحال بالنسبة لمتقاعد يبقى في المنزل جالسًا أغلب الوقت على كرسي هزاز ! بلى عمل .

⁃على الرغم من وجود الكثير من الضغط الاجتماعي، هناك الكثير من الأخصائيين يؤكدون أن العمر الثالث هو المرحلة الأفضل، كي يعتني الإنسان بذاته ويكون قريبًا من العائلة والأقارب، وتحقيق الأحلام التي تم تأجيلها بسبب عدم توفر الوقت لذلك.

ـ تتفاوت أهمية الحصول على عمل من شخص لآخر، فهناك كثير من المتقاعدين من ذوي الدخل المنخفض، تقابلهم زيادة أعباء الحياة عليهم.

آراء الدراسات في التخطيط للتقاعد: 

من المهم التخطيط للتقاعد قبل الخروج لهذه المرحلة , البعض حصره بثلاث سنوات والبعض بخمس .

لذا تنصح عالمة الاجتماع (مانوموباي) : أن يبدأ الإنسان منذ مرحلة تسبق التقاعد في إعداد قائمة بالأشياء التي يحب أن يقوم بها المرء إذا سمح له الوقت، فقد تكون هذه القائمة مصدرًا للتخطيط.

وتقول موباي : إن على المرء أن يهيئ نفسه قبل سن التقاعد بأن يزيد متانة علاقاته مع أصدقائه الذين هم في سنه وأن يخفف من الأعمال المكتبية المرتبطة بالعمل، كما عليه أن يدخر من راتبه في سن مبكرة حتى لا يشعر بالحاجة إلى أحد وأن يتعلم حرفًا بسيطة ليشغل نفسه فيها.
كما لابد من ممارسة التمرينات البدنية والهوايات الفردية والجماعية حتى يمكن مواصلتها بعد التقاعد.

وقد توصل باحث وأستاذ الطب النفسي ـ بمركز دراسات الأسرة بجامعة روك بأميركا ( الدكتور اردمان بالمور ) : إلى أن الفرد عندما يتوقف عن العمل، فإن كميات الطاقة الكبيرة التي كان يبذلها يوميًا تتعطل ولا تجد مخرجًا لها وهي في الوقت نفسه لا تندثر أو تتوارى، فإذا عجز الإنسان عن استثمار هذه الطاقة المعطلة, فإن ذلك سيؤدي إلى الاضطرابات العصبية والنفسية والعاطفية, وأيضًا الخلافات الاجتماعية، وتبدو الحياة مملة ويشعر الأشخاص المتقاعدون بالإحباط والكآبة ويصبح كل ما يفعله هو الجلوس والتحدث بلا معالم في موضوعات مكررة ومملة.

ويقول دكتور بالمور : إن هؤلاء الذين يتقاعدون أو يقضون فترة معاشهم جالسين على مقاعدهم دون عمل سيجدون أجسادهم قد بدأت بالضمور وأن صحتهم قد بدأت بالتدهور الأمر الذي قد يحدث بعض الاضطرابات العاطفية بين بعض الناس بعد تقاعدهم بسبب الإحساس بعدم الفائدة أو القيمة أو لأنهم انتقلوا من مرتبة أعلى إلى أقل بعد أن كانت لهم السلطة والكلمة في عملهم.

وتنتشر هذه الحالة بحسب بالمور بين أولئك الذين لا يسعون إلى تطوير وتنمية اهتمامهم خارج ميدان العمل, ولكي تعيش حياة سعيدة بعد سن التقاعد ونخفف من الآثار المترتبة على التقاعد .

و ثمة مشكلة حقيقية أخرى إذ يعتبرالكثير من الأشخاص التقاعد انتهاءً لدور الإنسان!

وهذه النظرة هي النظرة السلبية: التي تنعكس بدورها سلبًا على نفسية المتقاعد، خصوصًا عندما يجد في نفسه وبعد كل هذه السنوات من الخبرات التي اكتسبها القدرة على مزيد من العطاء.

تقابل النظرة السلبية نظرة إيجابية : فالتقاعد الذي يعتبره البعض نهاية الحياة، قد يكون عند البعض الآخر بداية حياة جديدة، وفرصة لاكتشاف الذات، والجلوس مع النفس وتقييم إمكاناتها، بعد سنوات طويلة من العمل ومعاركة الحياة، يتفرغ فيها الشخص إلى حياته الخاصة، وممارسة أوجه الحياة التي كانت زحمة العمل تعيقه عنها، فتتكشف فيه مهارات جديدة قد يتفرغ لها، كالميل للكتابة وإفادة الآخرين من واقع تجربته الطويلة، ووضع خبراته بين يدي الأجيال القادمة، أو تقديم هذه الخبرات عن طريق المحاضرات والاستشارات، أو الميل إلى مجالات الخدمات التطوعية المجتمعية، أو الترفيه عن النفس واكتشاف آفاق جديدة في الحياة والثقافات والأمم والشعوب، عن طريق السفر والاطلاع والقراءة,وسيأتي الحديث عن هذا في طيات هذا المقال بتفصيل.

من مشاكل المتقاعدين

إن العزلة بالنسبة للمتقاعد مبكرًا من أبرز الآثار النفسية التي يواجهها، إذ يشعر بعدم قدرته على التكيف مع البيئة الاجتماعية الجديدة، حيث كان العمل – في السابق – يساعده على حل كثير من مشكلاته، إلى جانب الأهمية والمكانة الاجتماعية. كذلك فإن قلة الموارد المادية تجعل المتقاعد يعيش في ظروف حياتية صعبة، حيث لا يستطيع تحمل تكاليف السكن في بيت مريح ومناسب أو أن يتغذى بشكل مناسب، وأن يدفع فواتيره الشهرية بسهولة.

من ثم فينبغي على المجتمع أن ينظر للمتقاعد مبكرًا أن مشكلته ليست في ضرورة توفير المسكن والملبس والمأكل باعتبارها حاجات مادية أساسية، فضلاً عن الرعاية الطبية، بل إن سياسات الرعاية للمتقاعدين ينبغي أن تمتد إلى إشراك من له القدرة في البرامج التنموية في المجتمع.
وغايتنا المهمة من هذا الموضوع إننا نريد أن نخبر المرء أن التقاعد ليس نهاية الحياة، بل بداية حياة جديدة لتحقيق أحلام لم تستطيع تحقيقها من قبل بسبب انشغالك في عملك، ونوصي الزوجة بالوقوف بجانب زوجها في هذه المرحلة الصعبة وعدم الضغط عليه، وعلى الأبناء أن يقوموا بمساعدة والدهم وعدم تركه وحيدًا ولا ينزعجوا من تدخله الزائد في حياتهم ، لأنه يفعل هذا دون أن يشعر ولا يقصد إزعاجهم فيجب عليهم أن يشعروه بقيمته وفضله عليهم ..

التقاعد أمر لابد منه سواء مبكرًا أو متأخرًا، ولكن الترتيب للتقاعد من: اختيار الأصدقاء واختيار بعض المشاريع، أو توفير بعض المال من قبل يعينك على ما بعد التقاعد؛ لتعيش بقية عمرك في حياة كريمة ونعيم وافر.

وهمسة لأحبتنا المتقاعدين، بيدك أنت وليس غيرك، تستطيع أن تجعل هذه الفترة العمرية من أجمل أيام حياتك وأروعها، حين توازن بين الراحة من عناء العمل والترفيه من خلال ممارسة هواياتك، وخاصة تلك الهوايات التي لم تكن لتجد الوقت الكافي لممارستها، وكذلك تطوير الذات بالأعمال المناسبة والتي تتفق مع ميولك، سواء كان هذا العمل ثقافيًا أو اقتصاديًا.

وبذلك نجعل تلك الفترة من حياتنا من أجمل فترات العمر نستمتع بها ونتشارك السعادة مع أحبتنا وأصدقائنا وأهلنا، ليكون التقاعد بداية مرحلة جديدة من حياتنا.

الاستفادة من المتقاعدين

هنا سؤال مهم يلزم أن يطرح بقوة, وهو: كيف نتمكن من الاستفادة من المتقاعدين وخاصة أصحاب الخبرات منهم؟ وكيف لنا أن نعتني بالمتقاعدين عند تقاعدهم؟

وغالبًا ما يثار موضوع أي الفريقين أولى بالعمل: العاطل أم المتقاعد؟

الأصل بطبيعة الحال أن العاطلين عن العمل أحق بالوظائف من المتقاعدين، لكن يجب أن نفرق. بين المتقاعد وهو في أوائل الستينيات غير المتقاعد في السبعينيات، والمتقاعد من ذوي الدخل المنخفض غير المتقاعد من ذوي الدخل المتوسط فما فوق, والمتقاعد من ذوي الكفاءة والخبرة غير قليل المهارات.

فهناك كفاءات كثيرة بين المتقاعدين ينبغي الاستعانة بها في مجالات عدة حكومية وغير حكومية. ومن جهة أخرى، لدينا ملايين من المستقدمين، ويمكن أن يغني عنهم بعض المتقاعدين.
وهناك أشخاص لديهم خبرة كبيرة لا بد من الاستفادة منها، وبين هذين النوعين حالات وأنواع.

فإذا كان الشخص المتقاعد يتمتع بتأهيل وخبرات متميزة أو مكلف بتكوينها، فالمجتمع خاسر أكثر من المتقاعد عند عدم الاستفادة منه!

ولذا أرى أنه ينبغي مد سن التقاعد أو طلب تمديدها سنوات في المهن المنطبق عليها التوصيف السابق.

على سبيل المثال: أساتذة الجامعات السعوديون لا يمثلون إلا نسبة قليلة من منسوبي الجامعات، ولا سيما أن هناك جامعات حكومية جديدة وهناك كليات وجامعات أهلية أيضًا، والأستاذ الجامعي يصبح في قمة نضجه الفكري في الخمسينيات والستينيات. وينطبق الكلام على مهن أخرى كالمهن الصحية والهندسية والمالية.

لدينا مئات آلاف من المتقاعدين من مدنيين وعسكريين وبعضهم تقاعد قبل وصول السن القانوني، فلدى كثير منهم العطاء والخبرة وخاصة العسكريين منهم الذين نحن بحاجة إلى خبراتهم  في مجالات أخرى لبناء وطننا وحمايته، كذلك يمكن الاستفادة من المتقاعدين في الأعمال التطوعية التي يحتاجها الوطن، فكثير منهم راغبون في العمل التطوعي متى ما سنحت الفرصة لهم.

أما الاعتناء بهم فهذا واجب على مؤسساتهم وجهاتهم الحكومية، وكذلك على باقي شركات القطاع الخاص من بنوك ومكاتب سفر وسياحة، ومستشفيات أهلية، فإذا تقاعد الموظف لا يمكن أن يموله البنك، ولا يجد أي مقومات مساعدة من أي جهة كانت، فمن المفترض أن يوجد على سبيل المثال: التخفيضات الخاصة بهم في كل مكان, ويجد المتقاعد المساعدة من البنوك في الاقتراض والتمويل، وأن تكون تذاكر سفرهم أقل من الآخرين, هذه أمثلة تراعي قلة الدخل عند بعض المتقاعدين , وتكون تقدير للبعض الآخر.

من هنا فإني أرى أهمية رصد آثار التقاعد، مع الإجابة على كثير من التساؤلات التي تؤرق وتزعج المتقاعدين، من أجل تقديم رسالة واضحة للمتقاعدين، نقول لهم فيها إن في العمر بقية ـ والحمد لله ـ ينبغي اغتنامه في الصالح النافع.

دور جهات مختلفة اتجاه المتقاعدين

ويأتي دور المجتمع تجاه الفرد المتقاعد ويأتي الدور أيضًا على المجتمع و الدولة تجاه الأفراد بعد التقاعد بأن تقوم بإنشاء جمعيات ونوادي ترفيهية مخصصة للاهتمام بالمتقاعدين نفسيًا وجسديًا، وأن تستغل خبراتهم طوال سنين عملهم من خلال مشاريع بسيطة مناسبة لأعمارهم، وبهذا لن يشعر المرء بالفراغ وفي يكون مفيد للمؤسسات الحكومية.

وبعد ذلك تأتي أهمية، أن يقوم المجتمع بدوره في مجال توفير كل الأسباب المؤدية، إلى إعادة الاعتبار إلى هذا الجيل واستحداث وسائل ومبادرات في سبيل إنجاز التعامل الحضاري مع هذا الجيل الرائد.

 خيارات ما بعد التقاعد

ما هي الخيارات المتاحة من أعمال وأنشطة للمتقاعدين؟

بعض المتقاعدين يختار قضاء وقته بالراحة والاستجمام، فيخطط للسفر والرحلات بغية الترفيه والتعرف على مناطق وعوالم جديدة لم يكن يعرفها سابقاً.

والبعض الآخر يفكر في إنشاء عمل أو مشروع تجاري يملأ به وقت فراغه ويؤمن لحياته دخلاً إضافيًا.

وآخرين من ذوي الهوايات الثقافية، سيتجهون نحو ممارسة هواياتهم. ومنهم من ينخرط في الأعمال التطوعية فيشعر بالسعادة لما يؤديه من دور في خدمة وتطوير المجتمع.

ونحن بدورنا لا نستطيع أن نحدد لكل واحد منهم ما يجب أن يقوم به ويلتزمه، فلكل منهم هوايته وشخصيته التي تميزه، والانتقاء مفتوح على خيارات لا محدودة.


فكيف يكون التصرف عند حلول هذه المرحلة العمرية، وهل خططنا لها مسبقًا؟

للأسف فإن القلة منا هم من يخططون لمثل تلك المرحلة، بدليل حالة الضياع التي تصيب معظم المتقاعدين عند الاستغناء عن خدماتهم، فيستسلمون لوهم العجز وكبر السن، ويبدأ عندهم الإحساس المفاجئ بالتعب والمرض نتيجة هذا الشعور، ناهيك عن إحساسه بعدم جدواه في المجتمع.

وأرى من الجميل والمفيد أن يقوم المرء بتجربة حياة التقاعد، من خلال الإجازة السنوية والتفكير في كيفية استثمار الوقت وتنمية اهتمامات جديدة تخرج عن الروتين كما أوضحت في الأعلى.

نصائح كي تكون عضو فعال بعد التقاعد في المجتمع

1- حافظ على جسمك صحيًا وعلى عقلك غاية في الصواب.

لقد عملت في حياتك كلها تقريبًا، ولم تشهد أي فرصة لإبطاء الروتين، صحيح؟ ليس هناك أكثر عدلاً من أن ترتاح من الروتين الصعب.
لكن هذا لا يعني إمضاء الوقت بالكامل في المنزل، والجلوس أمام التلفاز أو النوم. تذكر أن جسدك كان معتادًا على الحركة، لذا فإن الانتقال من وضع ثقيل إلى آخر قد يظلم صحتك، وقد يجعلك تبدو ظاهريًا بعمر أكبر من العمر الحقيقي لك.

فضلاً عن المنافع الصحية، إجراء التمارين الرياضية يساعدك في المحافظة على ذهنك سليمًا، وبالتالي، يزيد من تركيزك على تطوير مشاريع جديدة. فكر في الطريقة التالية: إن ممارسة التمارين البدنية يتطلب المواظبة والتحفيز، وهما العاملان الحاسمان للمتقاعدين الذين يودون البقاء في حالة نشاط دائم.

بالطبع أنت لا تحتاج إلى خوض سباق ماراثون، أو صعود قمة إفريست. إن أي نشاط بدني تضيفه في حياتك، إلى جانب نظام جيد في التغذية، وبعض الساعات من النوم، سوف يجلب لك فوائد كبيرة.

ونصيحة هامة لك: قبل البدء في التمارين، ابحث عن خبير في مجال التدريب البدني، أو عن طبيب مجرب للحصول على مزيد من المعلومات. هذا سوف يساعدك على اختيار النشاط الأكثر ملائمة لاحتياجاتك,ولكن ثمة بعض النماذج التي يُنصح بها من أجل الأشخاص الذين يبلغون 50 عاماً أو أكثر ,منها ما يلي.

أ. اليوغا :عندما نتحدث عن اليوغا، ربما يتوارد إلى ذهننا صورة شخص شاب جدًاو نحيف، يضع قدميه على رأسه. ولكن لا تفقد حماسك بسبب هذه الصورة النمطية! اليوغا ليس لها عمر معين، وشأنها شأن أي نوع من التمارين تحكمه الممارسة والتدريب، وهذا يعد أمرًا جوهريا لبلوغ نتائج جيدة.
على الرغم من عدم كون اليوغا نموذجًا رياضيًا (يدافع الكثير من الممارسين لها عنها كونها فلسفة للحياة)، وهذا يعتبر خيارًا ممتازًا لمن يود أن يتحكم بجسده والعمل بمرونةويعيش التأمل و الهدوء.

ب. المشي :يعتبر المشي أحد التمارين الأكثر عدلاً واعتدالاً. يكفي إمضاء 15 دقيقة في الممارسة كل يوم، لرؤية الفوائد العالية التي يحققها للصحة. إذا كنت لا ترغب في الخروج فقط للتمرين، يمكنك الذهاب لزيارة أحد الأصدقاء، التعرف على أحد المواقع القريبة من منزلك، أو التنزه مع الأصدقاء، أو أي نوع من المواعيد التي تتطلب منك ممارسة المشي,ومع مرور الوقت يصبح إجراء نزهات أطول من صلب أعمالك الروتينية، وتصل إلى مرحلة لا تلاحظ فيها أنك تتمرن.
ج . السباحة :تمثل السباحة رياضة يُنصَح بها كثيرًا إذا كنت تنوي الحصول على جسم رياضي. يمكن أن تمارسها في مسابح النوادي التي تتردد إليها، إلا أننا ننوه إلى أن المشاركة في الدروس الجماعية يحقق لك فوائد أكثر، لأنه يحفز على التفاعل الاجتماعي مع أناس من نفس العمر، والذين قد تجمعهم المشاكل نفسها التي تعاني منها أنت.

إن ممارسة إحدى هذه النشاطات يساهم في استمرارك عضو فعال بعد التقاعد ، وليس شخصًا استسلم فقط للعمر والشيخوخة.

2- استثمر في هواية ما.

النصيحة الثانية التي قد تبدو واضحة نوعًا ما كي تبقى عضو فعال بعد التقاعد، لكن يتجاهل الكثير من الناس وجودها هي أهمية وجود نشاطات موازية للعمل في حياتهم، تكون باعثة على الاسترخاء، وتمنح الشعور بالرضا الذاتي. بعد التقاعد، يعتبر التمتع مهمًا جدًا أهمية أيضًا للمحافظة على الذهن فعالاً و يعمل كما يجب.

يمكنك أن تمارس الرسم، الاعتناء بالحديقة حول منزلك، الطهي وغير ذلك من الخيارات الأخرى. الخبر السار هو أن هذا النشاط قد يتحول إلى مورد للدخل.

إذا لم يكن هناك أي نشاط ترغب بممارسته بشكل متكرر، استفد من وقت الفراغ لديك، وضع قائمة بمهاراتك ونقاط قوتك. في هذه العملية قد تكتشف شيئًا ما تجيد القيام به بشكل جيد، وقد يتحول إلى هواية في المستقبل.

3- 
ضع أهدافاً ترغب في تحقيقها في فترة التقاعد.

هل تعرف مشروعًا ما لم يكن لديك الوقت للقيام به أو ممارسته من قبل، تلك الرحلة التي تراجعتَ عن القيام بها بسبب العمل؟ هذه هي فرصتك لتعويض الوقت الضائع منك والاستمرار في المجتمع عضو فعال بعد التقاعد !
لكن للقيام بذلك، يجب وضع أهداف على الأمد القصير، المتوسط والبعيد.

وهذا ما نقصد به عندما نتحدث عن الأهداف: هي مجموعة من الأعمال والإنجازات التي تريك أنك على الطريق الصحيح نحو هدفك. لكن كي لا تتعرض لصدمات أثناء السير، يجب أن تضمن أن أهدافك محددة وقابلة للقياس، قابلة للتحقيق، هامة ومؤقتة. هذه المنهجية تُدعى باسم أهداف ذكية (Smart).

الأمر الأكثر أهمية أثناء وضع الأهداف هو التفكير في نشاطات تقودك إلى خارج نطاق الراحة الذي تعيش فيه عادة، وتعمل على تحفيز بعض الميزات فيك مثل الإبداع والمرونة.

4- 
استخدم وقت الفراغ كي تتعلم الأمور الجديدة.

إن إبقاء الذهن في موضوع جديد دومًا يتعلمه يعد أفضل طريقة لاستغلال الوقت، في المحصلة، من منا لم يسمع من قبل بتلك العبارة القائلة “المعرفة دومًا أمر نافع ولا بد منه“؟
واستنادًا إلى أخصائي الأعصاب، إن تعلم لغة جديدة يساعد على إبقاء الوعي حادًا وصافيًا، حتى مع تقدم العمر.

هذا لا يعتبر الخيار الوحيد لمن يرغب في تعلم شيء جديد،  ممارسة أشغال يدوية،  اكتشاف مهنة جديدة!

5- تكرس إلى العمل الطوعي.

إذا كان العمل الطوعي لا يولد إيرادًا، بالمقابل فإنه يحقق مكاسب ذاتية، مثل إمكانية مساعدة القريب منا بينما تحافظ على الذهن منشغلاً.
توجد نماذج متعددة من العمل الطوعي يمكن العمل بها كي تستمر عضو فعال بعد التقاعد : يمكنك إعطاء دروس للراشدين، تعليم مهارة يدوية تتقنها، توزيع الملابس على المحتاجين، الأغذية وأي إجراء يضفي قيمة إلى حياة الآخرين.

ابحث عن جمعيات خيرية أو لجان اجتماعية تقوم بهذا النوع من العمل. عادةً ما تبحث هذه اللجان و الجمعيات بشكل دائم عن متطوعين جدد للمشاركة في أعمالهم.

6- افتتح العمل الخاص بك.

بعد سنوات من العمل الوظيفي، لكن إن الحاجة إلى البقاء في حالة من الإنتاجية، يدفع الكثير من الناس إلى إقامة أعمالهم الخاصة بهم.

بالنسبة للذين يرغبون في الاستمرار بالعمل، إن إقامة عمل خاص بهم قد يكون أمرًا مرضيًا. لكن في نفس الوقت يعتبر تحديًا كبيرًا، لأنه يقوم على اتخاذ قرارات وتحمل المخاطر. وفي كثير من الأحيان قد تتم دراسة سوق لم تكن معروفة من قبل.

ثلاث خطوات لمن يريد الرجوع إلى سوق العمل

نصائح لمن يرغب في افتتاح عمل خاص والاستمرار عضو فعال بعد التقاعد

الخطوة الأولى: اختيار القطاع السوقي
أن يكون القطاع المختار من قبلك متلائمًا مع مهاراتك، فهذا يكون أسهل بكثير .
الخطوة الثانية: تحديد العميل المثالي.
حدد العميل المثالي لك، أي الشخص الذي يمكن أن يحقق احتياجاته عن طريق منتَجك واستخدم خبرتك السابقة في ذلك, حتى لو اخترت قطاعًا مختلفًا عن الذي عملت فيه من قبل، فلازال من الممكن الاستفادة من خبرتك الماضية من أجل تنمية أعمالك.

فكر في نقاط قوتك وفي المهارات التي عملت عليها في المناصب السابقة. لكن كيف يمكن أن تساعدك في حل المشكلات عبر هذا المجال الجديد؟
مثلاً: طبيب متقاعد يقرر أن يفتتح مطعمًا خاصًا به. يمكنه أن يستخدم خبرته التي تكونت على مدى السنوات، في تقديم وجبات صحية, وهو ما يشكل قطاعًا قد نما كثيرًا في السنوات الأخيرة. وهذا معتمد على الخبرة السابقة.

الخطوة الثالثة: اختر نشاطاً يشعرك بالسرور والفخر.
إن إحدى أكبر المنافع في ريادة الأعمال بعد التقاعد هي أنه في هذا المدى أصبحت تعرف ما تحب، وما لا تحب القيام به. حتى لو كان الهدف الرئيسي هو كسب المال، اختر نشاطًا يشعرك بالسعادة، باعتبار أنك تقضي القسم الأكبر من وقتك فيه.
خلاصة:
استنادًا إلى الأخصائيين، هناك منافع لا حصر لها تتحقق من العمل في المشاريع الخاصة بعد التقاعد , منها :
1 . الحصول على التقدير من الناس بسبب ما تقوم به من أعمال.
2 . تعلُّم أشياء جديدة يوميًا.
3 . إقامة علاقات اجتماعية مع أشخاص مختلفين.
4 . زيادة الدخل مما يساهم في تحقيق الاستقرار المالي.

من أنشطة المتقاعدين

و قسم من الناس يصور مرحلة ما بعد التقاعد على أنها الأكثر كآبة والمليئة بالألم والمرارة من دون أن يروا فيها ولو بصيصًا صغيرًا من الضوء والأمل.وينجرف كثيرون خلال تلك المرحلة نحو حلقة متصلة من الأزمات الصحية والنفسية يرجع سببهاالمباشر والرئيس، كما يرى اختصاصيون، إلى سوء الاستعداد والتخطيط لهذه المرحلة , كما مر سابقًا.

وهنا يتجددالسؤال المهم، ما هي المجالات التي يمكن أن ينخرط فيها المتقاعدون بعد انتهاء الخدمة؟

لابد وقبل كل شيء أن نؤمن جازمين، أن حياة بعد التقاعد هي فترة زمنية أكثر رحابة وإمكانية لممارسة الأعمال والهوايات والأهداف التي نرغب في تحقيقها، والتي كان عامل الزمن يعوقنا عن تنفيذها أو إكمالها، بحيث نبتعد عن المنغصات التي يمكن أن تتخلل هذا الفترة، كالتدخل في شؤون الأسرة، والتدقيق في كل كبيرة وصغيرة، وهذا مما يتعب المتقاعد، ويخلق نفورًا عند أفراد أسرته. وينغص حياته وحياتهم، ولتكون آرائه محل تقدير وامتنان عليه تقديمها بأسلوب الصديق والأب المحب، لما تختزنه هذه الآراء من خبرات وأفكار.

أولاً : الانخراط في الأنشطة التطوعية.

أن من المجالات المهمة التي من الضروري، أن يولي لها المتقاعد أهمية قصوى، ويبذل من وقته وجهده في سبيل تقويتها، وتمتين حركتها ودورها في المجتمع هو الأنشطة التطوعية.

إذ تمتلئ مجتمعاتنا بالحقول والأعمال التطوعية والخيرية، فلماذا لا يلتحق المتقاعد بأحد حقول التطوع وأنشطة فعل الخير، ويبذل جزاء من خبرته ووعيه الحياتي، في سبيل تطوير تلك المنشأة التطوعية أو الخيرية.

حيث أننا نجد في الكثير من المجتمعات المتقدمة، أن كبار السن فيها، يخصصون جزاء من وقتهم، سواء بشكل يومي أو اسبوعي أو شهري للمشاركة في الأنشطة التطوعية والأعمال الخيرية ويباشرون من خلال ذلك دورهم الإنساني، فبدل الجلوس على قارعة الطرقات، أو الدخول في نفق الفراغ الممل والقاتل أو تمضية الجزء الكبير من الوقت في أمور وأعمال، ترجع بالفائدة النفسية والاجتماعية عليهم, وتقدم خدمة جليلة إلى المجتمع الذي ينتمي إليه الإنسان.

ولابد أن ندرك في هذا المجال، أن استصغار هذه الأعمال أو تحقيرها لا ينم عن روحية حضارية وعقلية ناضجة، وإنما يؤكد عقلية الانحطاط التي تزيد من حيرة الإنسان وضياعه، إن كبار السن هم ثروة المجتمع والوطن، وخبرته وذاكرته التاريخية، وليس من العدل والإنصاف أن يكون دور هذه الثروة والخبرة خارج التاريخ، وعلى هامش المجتمع.

ففي أعناقهم مسؤولية إفادة الأجيال الجديدة، وإعطائهم من خبرتهم ووعيهم ونضجهم الحياتي، عن طريق الانخراط في الأنشطة الخيرية والتطوعية التي تزخر بها مجتمعاتنا.

ثانيًا:الأنشطة الاقتصادية والتجارية.

لقد أنعم الله سبحانه وتعالى على الكثير من المتقاعدين بثروة مالية جيدة، من خلال ادخاره مدة خدمته وعمله، لذلك فإن خروج هذا الإنسان من عمله، لوصوله للسن القانونية لذلك، لا يبرر له التقاعس عن العمل وكسب الرزق، إن وجود المال لديه، ينبغي أن يحفزه للعمل الاستثماري بما يرجع بالفائدة عليه وعلى وطنه.

لأن تجميد المال، هو إخراج له من الدورة الانتاجية والاقتصادية، ولاشك أن إخراج الملايين من الريالات عن الدورة الاقتصادية الطبيعية، يضر بالاقتصاد الاجتماعي والوطني.

لماذا لا يستفيد المتقاعد من خبرته والأموال التي حصل عليها، في تأسيس الشركات والمؤسسات التجارية والاقتصادية، التي تجعلهم مشاركين في الاقتصاد الوطني ومساهمين في استيعاب وامتصاص مجموعة من اليد العاملة الوطنية، والإنسان الذي لا تسعفه صحته من مباشرة وتأدية هذه الأعمال الوطنية المفيدة للجميع ، وتشير الإحصاءات إلى أن عدد الأشخاص الذين بلغوا 60 سنة فأكثر على مستوى العالم عام 2000 م حوالي 590 مليون شخص، ويحتمل أن يتزايد هذا العدد ليصل إلى حوالي 976 مليون شخص عام 2020 م. وتشير معظم الدراسات إلى أن رعاية المتقاعدين في الدول العربية تقتصر على توفير معاش شهري للمتقاعدين بنظام التقاعد أو التأمين وإيجاد مؤسسات إيوائية.

من هنا يمكن القول إن التقاعد المبكر غالبًا ما يؤدي إلى فتح أبواب عديدة لعمل الشباب وتوظيفهم، فعلى سبيل المثال، لو تقاعد في سنة قرابة 1000 موظف، فإن هذا يعني أن هناك 1000 وظيفة أصبحت متاحة للشباب، من خريجي الجامعات والمعاهد والمدارس. وفي المقابل فلقد أوضحت نتائج كثير من الدراسات أن التقاعد يؤثر على التوافق الاجتماعي للمسنين، ما لم يستطيعوا تعويض فقدان العمل بأنشطة متنوعة يمكن أن تساعدهم على قضاء وقت الفراغ وإشباع حاجاتهم وتحقيق ذاتهم.

ولنا أن نتساءل عن ماهية دور المتقاعدين في البرامج التنموية في المجتمع؟ وهل يمكن الاستفادة من القدرات والإمكانات العقلية والجسمية للمتقاعد في إنجاز البرامج التنموية؟

إن من الأمثلة التي يمكن أن يقوم بها المتقاعد:
الأعمال الترفيهية والثقافية والأدبية، وأعمال تعليمية وتربوية، وأعمال اقتصادية واجتماعية، وخدمات نفسية واستشارات مهنية.

ولذلك فأنا أنادي بأن يتم تيسير عملية التقاعد المبكر وتسهيل إجراءاته وتخفيف متطلباته وتقليص مدته والتحفيز عليه والدعوة إليه، ذلك أن ظاهرة البطالة أصبحت همًا مقلقًا من هموم مجتمعنا المحلي.

ثالثًا: مشاريع اقتصادية تنموية.

سنحاول اقتراح عشرة مشاريع تجمع بين القسم الأول الأنشطة التطوعية التنموية, و القسم الثاني الأنشطة الاقتصادية , وهذه المقترحات العشرة تناسب المتقاعدين, لأسباب تتضح في طي المقترحات:

١- مشروع اللجان الإشرافية:
فيمكن الاستعانة بمجموعات من ذوي الخبرة في المناطق التابعة للوزارات لتشكيل لجانٍ للإشراف والمتابعة وتقديم المشورة، وثِق بأن ما في جَعبتهم لا ينتهي.

٢-مشروع الاستشارة عن بُعد:
فيمكن الاستفادة من خبراتهم وسِعة علمهم وهم في منازلهم، وقد وفرت وسائل التكنولوجيا الحديثة عشرات الطرق التي يمكن من خلالها التواصل الحي المباشر مع أصحاب الخبرة، فلماذا لا يتم استخدام هذه الوسائل لاستشارتهم والتعلم منهم؟!

٣- مشروع الموظف المتفرغ :
يتم تطبيق هذا النظام في الجامعات فقط، حيث يستمر الأستاذ في التدريس والإشراف على الرسائل والتقويم بعد بلوغ الستين ولكن بمرتبٍ أقل. فلماذا لا يتم تطبيق هذا النظام في كل وظيفة حكومية؟
لماذا لا يكون هناك المعلم المتفرغ والمدير أو القائد التربوي المتفرغ والطبيب المتفرغ والمهندس المتفرغ؟

وليكن الأمر اختياريًا فمن شاء سوّى معاشه ومن شاء استمر فيه بمرتبٍ أقل، ولن يؤثر ذلك على الكوادر الشابة كما يحتج البعض.

٤- مشروع اللقاءات التلفزيونية التعليمية:
ولا أتكلم هنا عن لقاءٍ أو اثنين لسرد السيرة الذاتية ثم ينتهي الأمر، وإنما أتكلم عن سلسلةٍ من اللقاءات التعليمية المنتظمة، يُناقش فيها صاحب الخبرة المشكلات التي تعتري المهنة وكيفية حلّها، ويُجيب عن أسئلة المشاهدين من واقع خبرته العميقة.

٥- مشروع إنشاء قناة خاصة على اليوتيوب:
وهذه يمكن أن يقوم بها صاحب الخبرة بنفسه، حيث يقوم بتصوير نفسه في مقاطع فيديو طويلة أو قصيرة، ويعطي فيها نصائحه المتعلقة بمجال عمله، وهي تشبه كثيرًا الفكرة السابقة، إلا أنها تمتاز بالسهولة وسرعة الوصول إلى الجمهور.

٦- مشروع إنشاء مدونة خاصة أو موقع خاص على الإنترنت:
يمكن رفع الملفات المكتوبة والصوتية والمرئية عليها، وتكون متاحة لكل من يريد أن ينهل من العلم والحكمة وخبرة السنين.

٧- مشروع التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي:
عن طريق إنشاء صفحة عامة على الفيس بوك، أو مجموعة مفتوحة في الواتس أب أو التواصل المباشر عبر توتير، وهو ما يتيح الاتصال المباشر السهل الذي نعيشه يوميًا، .

٨- مشروع نشر مذكراتهم:
حيث تقوم جهة العمل بتحمل تكاليف نشر المذكرات النافعة التي تحكي مشوار الحياة وقصة الكفاح للأجيال القادمة، وهذا يُعد أقل واجب لمن خدم في هذه المؤسسة طوال شبابه وكهولته.

٩- مشروع تمويل مشروعاتهم الخاصة:
فيمكن الاستفادة بخبراتهم بشكلٍ آخر؛ حيث تقوم الدولة بتمويل مشروع مدرسة خاصة أو معهد للتعليم الخاص، بحيث يكون سن المعاش هو الامتياز الذي يحصل بموجبه على التمويل أو القرض اللازم لاستكمال مسيرة العطاء بشكلٍ خاص.

١٠- مشروعات القطاع الخاص:
فلئن فرّط القطاع العام في أصحاب الخبرة، فالفرصة سانحة على طبقٍ من فضة للقطاع الخاص، مدير ذو خبرةٍ واسعةٍ لا يهتم بالمال بقدر اهتمامه بالعمل، كيف لا تُستغل هذه الفرصة؟!
نحن لا نفعل إلا التكريم وتقديم الجوائز التشجيعية والنَّوْط، في حين أن أصحاب الخبرة ممن تجاوزوا سن المعاش القانونية لا يزال بأيديهم الكثير من العطاء.

وختامًا حديثٌ من القلب

إن الطريق التي توصلك إلى تقاعد سعيد، هي إيجاد طرق تستمر من خلالها عضو فعال بعد التقاعد و التمتع بالمنافع المذكورة أثناء هذه المرحلة الجديدة من الحياة، سواء القيام بعمل تطوعي، قضاء وقت أطول مع العائلة أو حتى اكتشاف مهنة جديدة.

بغض النظر عن اختياركَ، لا تجعل من العمر حدًا فاصلاً وحاجزًا, يمر الناس بأزمات في تحديد شخصيتهم أثناء فترات مختلفة من حياتهم المهنية.
المهم هو الاعتراف بأن الحياة لا تنتهي عند التقاعد، وأنه توجد خيارات لا تعد ولا تحصى لكل شخص يرغب في أن يستمر عضو فعال بعد التقاعد.

كل هذه الوجوه من العمل التي أعطته فرصة التقاعد، قد يمارسها الشخص المتقاعد عن حب ورغبة، دون أن يجد من يلزمه بها، فهو يختار ما يناسبه من أوجه النشاط الاجتماعي والثقافي غير متقيد بقوانين العمل ولوائحه، مع إتاحة قدر كبير من الحرية له، وعدم الارتباط، لهذا عليه أن يتأقلم مع وضعه الجديد، ويتعايش معه، ولا ينظر له على أنه قرار لتنحيته عن العمل لعيب فيه، بل إنها سنة الحياة في التجديد، وإتاحة المجال للأجيال القادمة للعمل والابتكار، دون أن ينقص ذلك من خبرات الكبار الذين قطعوا أشواطًا طويلة في العمل، وبنيت على أكتافهم المؤسسات، ليأخذ الموظف المتقاعد دورًا جديدًا في الحياة، يتناسب مع قدراته وخبراته التي لا بد أن ينفع بها الآخرين بشتى الطرق والوسائل، ويواصل أداء رسالته في الحياة بشكل جديد، ومن موقع جديد .

وإن كل ما ذكر من نقاط مهمة وإشارات هادفة جديرة بالتمعن والتفكير وعدم الرضوخ إلى من يثيرون التحبيط للأشخاص المتقاعدين ، فالفضاء الواسع والمجال الرحب يفتح صدوره لهمُ لينطلقوا من جديد بما يملكون من خبرات وقدرات عديدة.

وللأمانة الأدبية لقد استفدت كثيرًا مما هو مطروح في الكتب المتخصصة وأصحاب القلم المتميز ممن تتطرق لمثل هذه المواضيع فالكثير منهمٌ أشبع وأغنى الموضوع بأساليبهم الشيقة والمميزة بتميز أصحابها.

2 تعليقات

  1. جميل اخونا ابا طالب
    نشد على أناملك لتتلقح أفكارنا
    تحياتي

  2. محمد القرناس

    انه بحث عن التقاعد و المتقاعدين. اطلاع المتقاعدين والمتقاعدات عليه شي مهم.
    هل تسمحلي دكتور عبدالله نشرة الي اخواني واخواتي اعضاء الجمعية.
    لك مني جزيل الشكر والتقدير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *