وجوه “مضيئة” من بلادي – بقلم صادق علي القطري

رجل متواضع وعصامي في منتصف العقد الخامس، عاطل عن العمل ،كنت أراقبه عن بعد كل يوم وعلى مدى شهر من الزمان وأنا أمارس رياضة المشي بعد الظهيرة وعلى ضفاف كورنيشي “شاطئ الهادي” و “الخامسة”، أُلقي عليه السلام ويرد بأحسن منها، يقضي ما بين الساعة الى ثلاث ساعات وهو حامل أكياس القمامة ويقوم بجمع ما يخلفه مرتادي الشاطئ من عوائل وافراد وصيادين ، يجمع القناني والاكياس البلاستيكية ومخلفات الطعام وشباك الصيد الغير صالحة ، وكذلك خيوط الصيد ويقوم بجمعها في حاويات النظافة ، كما يجمع الطعام المهمل ويقدمه الى الطيور والأسماك.

كنت مترددا كثير في الاقتراب منه منعا لإحراجه والتسبب في مضايقته ،ولكن قبل أيام تجرأت واقتربت منه وألقيت عليه السلام كالعادة فرد بأحسن منه. تجاذبت معه أطراف الحديث وبدأ يفضفض بما بداخله ، عرّفت عن نفسي وعرف عن نفسه.

سألته: لماذا يقوم بما يقوم به يوميا وبدون مقابل؟

فبدأ يتحدث عن ما يراه يوميا من العبث المتعمد من قبل بعض العوائل و الافراد و الصيادين وما يمثله ذلك من انتهاك لحرمة البيئة و تدمير الحياة الفطرية من طيور واسماك و حيوانات ، وبدأ يتحدث عن ما وصلنا اليه ، ولماذا لا نرتقي الى مستويات افضل من الوعي الصحي و البيئي؟ ولماذا لا يقوم كل فرد و كلٍ من موقعه لتوعية المجتمع قبل حدوث الكارثة البيئية؟ و التي سيدفع ثمنها الأجيال القادمة ، ولماذا لا نرقى الى مستويات المجتمعات المتحضرة والراقية؟ للمحافظة على النظافة والإعتناء بالبيئة والتي ستجنبنا الكثير من الكوارث و الامراض.

هذا الرجل البسيط الذي رفض الإفصاح عن إسمه للعامة كان يزور مبنى المحافظة (البلدية) وأعضاء المجلس البلدي ويقابل المسؤولين ويحثهم على القيام بواجباتهم ويدلهم الى بعض مواقع الخلل البيئي. استأذنت منه كي أصوره وانشر صوره له كمثال للمواطن الصالح الذي يستحق كل تقدير ، ولكن أبى وطلب مني أن لا أنشر صورا تبين ملامح وجهه ووعدته بذلك.

هذا الشخص والكثير من أمثاله يستحقون منا كل إحترام وتبجيل،  ويستحقون الترشيح لجائزة المحافظة على البيئة والنظافة من قبل المحافظ والمجلس البلدي و “الأهم” من المجتمع ، فإليه ولأمثاله يجب أن تُرفع القبعات. ولا ينهض المجتمع الا بالاوفياء والمخلصين. وعلينا جميعا أن نخاطب هذا الرجل وأمثاله كما خاطب الشاعر المبدع السيد عدنان العوامي صديقه الشاعر أحمد بن سلمان الكوفي (رحمه الله) قائلا:

مَكانُكَ في ضَمائرِنا مَكِينُ @@@ ووُدُّك في الضُلُوعِ هوًى مَصُونُ

(مطلع “قصيدة نقوش في ذاكرة الوفاء” – ديوان “ينابيع الظمأ” للشاعر السيد عدنان العوامي –  ص227)

المهندس صادق علي القطري

 

 

5 تعليقات

  1. احسنت يا ريت الناس تحذو حذوه و للأسف للآن البعض ما عنده وعي المحافظة على نظافة الأماكن العامة و لا يفهم ان المكان للجميع زي ما تحب تجي للمكان نظيف اتركه نظيف هل الشيء مرتبط بنقص الوعي او مرتبط بعقد نفسيه.
    الله يهدي الجميع

  2. ميرزا بزرون

    جزاك الله خير الجزاء أخي العزيز أبو حسام على أن سلطت الضوء على واحد من أبناء البلد قل أن ترى له نظير في حرصه و تفانيه في خدمة المجتمع و بدون مقابل! لك الشكر يا أبو حسام و له مثل ذلك و لكل من يحذو حذوه من أبناء البلد المعطاء..

  3. شاكر الخميس

    جزيت خيرا عزيزي أبا حسام فهذه رسالة من شقين :
    1- أمرت بمعروف بطريقة القدوة وليس بالطريقة الوعظية المباشرة وهذا الأسلوب من الأساليب الممتازة والمؤثرة في النفوس .
    2- ركزتَ الضوء على أشخاص عاملين بطريقة عفوية لأجل رفعةالمجتمع وهنا أضم صوتي مع صوتك لتكريم مثل هذه الشخصيات .

  4. علي السويداني

    احسنت عزيزي ابو حسام
    ونعم فيك و في هدا الرجل الغيور على نظافة شاطى القطف الجميل .
    نعم نحتاج ثقافة و توعية المجتمع على نظافة و رفع بقاية الفضلات الى حاويات القمامة .

  5. عبدالجبار العباس

    انا عمري تجاور ٦٥ سنه منذو نعومه اظافري كنت اعرف هذه العائله
    (( القطري)) اولهم ميرزا القطري و اخوه حسين وثم جرى . انهم والله نعم العائله وجميع افرادها تعجز ان تصفهم اصحاب اخلاق حميده راقيه الى ابعد حد. وهذا الشبل من ذلك الاسد.

اترك رداً على حسين علي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *