الشاعر الأديب السيد عدنان العوامي

رصيف السفن داخل السوق، أين وثائقه؟ – السيد عدنان السيد محمد العوامي

عرَفت الأخَ الأستاذ عبد الرسول الغريافي فنَّانًا موهوبًا، وخصوصًا في فنِّ التصوير الضوئي، وله من نفسي مكانة أثيرة مثلُ ما له عليَّ من أيادٍ لا أنساها، ليس أوَّلَها تعليمي (الكاتب الآلي)، وإضاعة ثمين أوقاته في التردد معي على أسواق الخبر باحثًا عن أنسب جهاز يبتاعه لي.

وأما ميزاته الشخصية التي خبرتها فيه أثناء صحبة طويلة جمعتنا على الود والألفة والتقدير، فهي البشاشة ونقاء السريرة، وحسن الطوية، وهذه السجايا غالبًا ما تَوْقِع المتحلِّي بها في مآزق التصديق بالسماع خصوصًا إذا كان المسموع منه موثوقًا، طيِّب السيرة، وذا سمعة وسلوك حسنَين، بعيد عن مظنَّة الكذب، وهنا مكمن المنزلق في احتمال أن يكون المسموع منه ناقلاً للخبر أو المعلومة، وليس شاهدًا عليها. وهذا ما أعلِّل به مجملَ ما كتبه الأخ الأستاذ عبد الرسول في صحيفة علوم القطيف الإلكترونية، تحت عنوان:

(مشروع من بداية القرن العشرين: رصيف سفن داخل أسواق القطيف)([1]):

 (إن الغرض من حفر القناة هو أن تدخل السفن (اللنجات) إلى السوق مباشرة لتفرغ شحنات البضائع منها وكذلك لتشحن لبضائع من وسط السوق دون الحاجة إلى وسيط ينقلها من الجمرك إلى السوق ودون تحمل مشقات النقل البسيطه والتي تعرف بحمير السيف أو حمارة السيف (بتشديد الحاء). من الواضح أنه لابد من أن تكون لتلك القناة أرصفة على جانبيها يتم توجينهما بالحجارة والجص المحروق المقاوم لرطوبة حتى المياه المالحه تماما كما هو في الرصيف الممتد من مسجد الإمام بحي الكويكب والذي يتوسط البحر ليمر على فرضة الغواصين القديمه مشكلا جسرا طويلا تمر أسفله المياه إلى بحيرة تبلغ مساحتها أقل من 1000 متر مربع متاخمة لبساتين النخيل والتي قد فصلها هذا الجسر عن البحر وعن الفرضه القديمه التي كانت تنطلق منها سفن الغواصين، وقد كانت هذه البحيرة المفصولة تعرف بالغليل وقد وجنت وجصصت من ثلاث الجهات لتكون حوض يقوم فيه القلاليف بصيانة وإصلاح السفن (اللنجات). هذا الجسر يوصلنا إلى بقية البساتين الجنوبيه التابعة لسيحة الشويكه كالمنقوله والعماره. فتلك القناة المزمع تنفيذها (في ذلك الوقت) لابد لها أن تبنى على غرار هذا الرصيف الذي فصل بين البحر وحوض الغليل وذلك بالطريقة المعروفة محليا (التوجين بالجص). ومن المنطق أيضا لابد وأن يكون على جانبيها ضفتان شمالية وجنوبية من أجل العبور والمشي وكذلك لسير الدابة عند دخول الأسواق. فبهذا يمكننا تقدير عرض هذه القناة بأنها تتفاوت بين 15 مترا إلى 20 مترا وذلك لتمكين دخول وخروج سفينتان في آن واحد. ولابد للسفينة المحملة بالبضاعة أن تدخل جمرك القطيف أولا لتسجيل الدخول الرسمي ومن ثم إما أن تدخل بحمولتها الى القناة مباشرة أو تفرغها في قوارب صغيرة تعرف بالقلص او العبره لتنقل البضاعة إلى قلب السوق، وكذلك لشحن بعض البضائع من سوق الجبله كقلال التمر التي تصدر إلى دول الخليج بالإضافة إلى أكياس (أخياش) السلوق التي كانت تصدر إلى الهند وأفريقيا)([2]).

هذه خلاصة ما سمعه الأستاذ عبد الرسول، ولما أعرفه في أخي الأستاذ أبي محمد من رحابة الصدر، وتقبل الاختلاف في الرأي إيمانًا بما أثر عن أحمد شوقي رحمه الله: (اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية)، آمل أن يتقبل مني هذه الملاحظات،  فهو يتحدث عن مشروع، وشق قناة، وعمل أرصفة، ويحدد تاريخ المشروع في بداية القرن العشرين، ونحن، الآن، في القرن الواحد العشرين، هذا يعني مضيَّ ما يناهز المائة وعشرين سنة، أطال الله عمره حتى ينيف عليها، فليته سأل من سمع منه خبر هذا المشروع عن مصدره وموثِّقاته، والجهة صاحبة المشروع، والشركة أو المكتب الهندسي التي أو الذي أعدَّ دارسته، فالمعروف – لدى من لهم أدنى معرفة بالمصطلحات الإدارية – أنَّ مصطلح “مشروع” لا يُطلق على مجرد الفكرة، وإنما يطلق على الدراسة وما ستلزمها من مخططات، ورفع مساحي ومناسيب، ومخططات تفصيلية أخرى كحساب مساحات العقارات التي تعترض المشروع، وبطاقات مساحية لكل عقار على حدة وكشوفات تفصيلية لتقدير أثمان تلك العقارات بأسماء أصحابها، حتى يتم تعويضهم عنها، إلى آخره.

هذا في ما يخص الأعمال الهندسية والتخطيط، وهذه ليست وحدها المطلوبة للمشروع على فرض وجود مهندسين في تلك الفترة، وهي فترة الحكم التركي، إذ إن القطيف لم تدخل في الحكم السعودي إلا في سنة 1331هـ([3]). أما ما يخص التنفيذ فلنا أن نسأل عن أي وسيلة يمكن تنفيذه؟ إذا كان بالأيدي العاملة وهو المفترض، إذ لا يوجد غيرها آنذاك، فكم من السنين سيستغرق التنفيذ؟

قدر الأستاذ عرض القناة المفترض بين 15 – 20 مترًا، وهذا العرض لمسار السفن فقط، ويفترض أن يحسب حساب رسوها للتفريغ والتحميل، هذا خلاف الرصيف الذي تحتاجه البضائع قبل نقلها إلى المخازن، وأيضًا المشاة، والعربات، وما إلى ذلك، فكم يتطلب عرض الرصيف على جانبي القناة كي يتسع للبضائع الصادرة والواردة، بعد هذا نسأل: كم سيتبقى من السوق بعد تنفيذ المشروع؟

و مع الإعراض عن كثير مما جاء في هذا المقتبس وغيره مما أختلف معه فيه، فإنَّ المعروف أن المكان المقترح لبدء المشروع منه ضحلٌ جدًّا. أتذكر – جيِّدًا – أيام كنا صغارًا نذهب مع أمهاتنا في المناسبات التي تقام في مسجد الإمام، نلهو بالسباحة في البحر إبَّان المدِّ، وفي أوقات الجزر نتقافز في الطين نصطاد عمامة إبليس (ثعبان الماء) تلك المخلوقة المسالمة الطيعة، نطلب منها أن تُطَوِّل، فتطول، وأن تُقَصِّر فتقصر، لكم هي بهيجة تلك الأنشودة التي ترددها حناجرنا نحن الصغار: (اعمامة ابليس طوِّلي طوِّلي، اعمامة ابليس ﮔَـصِّري ﮔـصِّري) ([4]). ولا شك أنك تعلم أن الموانئ تحتاج إلى عمق كبير، فكلما ابتعد الميناء عن الساحل كان البحر أكثر عمقًا، وأكثر ملائمة لحركة السفن، ورسوها، وفي القطيف – وأنا قد عملت في مينائها سبع سنين، رأيت فيها السفينة الكبيرة ترسو بعيدًا عن الميناء، وتفرغ حمولتها في سفينة أصغر (جالبوت) تنقلها إلى الميناء.

ألا ترى معي أن لا داعيَ لتحمل كل هذه المتاعب والنفقات والمسافة بين الميناء والسوق لا تزيد كثيرًا عن المسافة بين السوق والمرسى المقترح، فالسوق القديمة ما زالت على حالها لم تتغير، لا بالزيادة ولا بالنقص، فقد كانت نهايتها من الغرب تشغل مساحة تبدأ من الشمال بالطرف الجنوبي من بلدة باب الشمال، تليها المدارس، ثم مياس، ثم الدبيبية، وهذه المساحة تشتمل الأسواق الرئيسية، وهي أسواق شمال والقافيص والسكة (الصكة)، وسوق العُومى، في الزاوية الجنوبية الشرقية من ميَّاس، وسكة الحرية، والجبلة وسوق السمك واللحوم والخضرة، وعمارة الدهن في الركن الغربي الشمالي من بلدة الشريعة، وهذه كلها موجودة على حالها إلى الآن. كذلك ميناء القطيف مكانه موجود حتى الآن، وهو شرقي بنك الإنماء، على شارع القدس، وتحديدًا قبالة منزل السيد إبراهيم المشقاب (المالك السابق لمكتبة الساحل)، فالمسافة بين الميناء والسوق هي المشاهدة اليوم.

همسة أخيرة لأخي أبي محمد أن يتريث ويدقق في ما يسمع من أخبار، فلا ينقلها إلا بعد تمحيصها والتأكد من صوابها، وإسنادها إلى مصدرها، كيلا يتحمل وزر ما فيها، خصوصًا وأن ما يكتب اليوم أيَّا كان نصيبه من الصحة والدقة، سيصبح مصدرًا لمن يأتي بعده، فإنما المرءُ حديثٌ بعده ، فكن حديثًا حسنًا لمن روى. وقديمًا قال الشريف الرضي عليه رحمة الله:

(هُموا نَقَلوا عَنِّي الَّذي لَم أُفُه بِهِ وَما آفَةُ الأَخبارِ إِلّا رُواتُها). وفقك الله لكل خير.

المصادر:

([1])الرابط:  https://chl.li/j0uXV

([2])المصدر السابق، الرابط:  https://chl.li/j0uXV

([3]) ساحل الذهب الأسود، محمد سعيد المسلم، منشر دار مكتبة الحياة، 1962/ ص: 194.

([4])استجابة هذا الكائن العجيب إذا سمع هذه الأهزوجة ظاهرة غريبة لا أفهمها.

تعليق واحد

  1. عبدالرسول الغريافي

    استاذي الكريم السيد عدنان العوامي -أبو أحمد-
    طبت وطابت أيامك ولانضبت فوائدكم الجليلة المتدفقة من مناهلكم الجوادة التي طالما أغدقت علينا بأصناف من الأدب والمعارف والعلوم بل وحتى اتحفتنا بتلك الطرائف الجمة ففي كل لقاء أوجلسة كنت احظى بها في رحاب مجالسكم لا ينفض إلا وقد خرجت بغنائم المعارف التي أبشر نفسي بفخر كسبها من استاذي الكريم أبو أحمد، فخيركم سابق وتشرفي بصحبتكم عز لي ومنال يطمح في الوصول اليه كل من سعى لجني ثمار ذلك الكسب
    أطال الله في عمرك وأبقاك ومتعك بصحة وعافيه وأسبغ بعطائك النير مدارك كافة المجتمع فأنا من نال الكسب الوفير بصحبتك وشرفتني معرفتك وكنت أنت المعلم لي الذي أمدني بشتى أصناف المعارف فليس علي من بأس أو حرج فيما لو قومني استاذي بإسداء معلومة كعادته أو إضفاء لبنة بناء تقوم صرح مابناه في داخلي فهو يعلم عني الكثير -وكما أخبر- تماما حين قال “لا أظنه يغيب عليه” حتى وإن كانت “هذه السجايا غالبا ماتوقع المتحلي بها في مأزق التصديق بالسماع خصوصا إذا كان المسموع فيه موثوقا بعيد عن مظنة الكذب” فأنت إذن كما تعلم أن كل ماكنت أوثقه وان كنت متحليا بتلك السجايا التي وصفتني بها -مشكورا- فإني لا أبني على كل ماهو مسموع دون التحري ومتابعة تواتره، فالبحث العلمي عادة وإن كانت مصادره مطلوبة بشكل موثق بالكتابة مثلا إلا أن مصادره الأساسية هي من يقوم بتدوينه وأن من يدونه هو إما باحث ميداني وقف على أحداث مايراد توثيقه أو تجارب قام بها واستخلص بعد ذلك نتائجها أو مادة نقلها عن الموثوقين بهم، ولاشك أن الدليل يعزز مصداقية هذا البحث وهو الوثائق، فبسؤالك (أين الوثائق) فهي وإن عز الحصول عليها في أيامنا هذه إلا أنها موجودة ولكن السؤال كيف الوصول اليها واليك التفاصيل: لكي لا اسهب في الموضوع: فإن الوثيقة هي عباره عن (بروات) أي أوراق طلبية موجهة إلى المسؤولين عن العمال بتوفير فريق اساتذه بناء (وهم المهندسون آن ذاك) ومن يقوم بالحفر، وأما المسؤول عن العمال فهو المدعو الحاج محمد العمران رحمه الله والذي وجهت إليه هذه البروات وهو ابو احمد وسعيد رحمهم الله جميعا ومن أهالي الكويكب وهذا الرجل كان معمر قد تجاوز عمره المئة عام فقد عاش 101 أو 103 سنه (لست متأكدا) وقد توفي في بداية الثمانينات من القرن العشرين (ربما 1982). لقد تحدث عن هذا الموضوع وذكر أنه قد سلم هذه الوثيقة وبقية الأوراق إلى أحد عمد الكويكب.

    هنا أود أن أشير إلى أن الحاج محمد ليس هو الوحيد الذي اخبر عن هذا المشروع (فالكثير) من أهالي حي الشريعه وحي الكويكب تكلموا عن هذا الموضوع ولابد من وجود من سمع منهم وعلى سبيل المثال (لا الحصر) ذات شتاء في يوم بارد تجمع ثلاثة رجال هم في الثمانينات من أعمارهم على (سجرة ضو في منقله) للتدفئة وكان ذلك عام 1973 ومن حولهم رجال هم في سن أولادهم (في الخمسينات والستينات) وكنا حولهم وجميعهم من تجار وبياعي العومه وذلك أمام مبنى سوق العومه فدار الحديث عن ساب ابو اكحيل الذي كان آثار امتداده امامهم وكيف كان وكيف اصبح وكانت السمادة الى الشرق من مكانهم وقد أشاروا الى هذا الموضوع وعينوا موقع بدء حفر تلك القناة.

    أما التساؤلات التي ذكرتها -استاذي الكريم- على سبيل القياس كقولك انها تحتاج لمكتب هندسي و رفع مساحي ونزع ملكيات وغيرها فهذه تفاصيل لا علم لي بكيفية انجازها وليس من شأني أن أتوسع فيها طالما أن تلك التفاصيل لم تتوفر ولكن لا أظن أن هذه عقبات تحول دون تنفيذ المشروع فدونك -على سبيل المثال لا الحصر- نظام الري المعقد جدا المبني تحت كثبان الرمال الذي تتدفق خلاله عيون بر البذراني والذي لاتزال أثاره قائمة حتى أيامنا هذه! أليس انه نظام قائم على أسس هندسية في منتهى الدقة وبغرف التفتيش المعروفة (بالمفاقيب/ المثقاب أو التناقيب) manholes)؟ فمن بناها بكل هذه القياسات الهندسيه؟ أليست أنها بنيت قبل قرن ونيف من الزمان وذلك قبل زحف الرمال عليها؟ ومن ثم هل يقارن طول هذه القناة التي لايتعدى طولها ال400 متر بشبكة ذلك النظام الصرفي الذي امتد من سيهات جنوبا حتى صفوى متجاوزا العديد من الكيلومترات؟
    وأما بالنسبة لنزع الملكية فليس هناك من عقار يعترض المشروع فالطريق هو الذي سيتحول إلى تلك القناة ويتسع لكل المشروع.
    وبالنسبة لضحالة المياه عند تلك المنطقة فأنت أولا اجبت عليها بنفسك وقلت أن بعض السفن لاتستطيع الوصول إلى الفرضة ولكن تفرغ البضاعة في جالبوت أو قوارب صغيره لتوصلها لليابسه وهذا هو مايمكن أن يحصل عند حفر القناة.
    وثانيا ألم يكن هناك رصيف على البحر عند مسجد الإمام بحي الكويكب والموازي لتلك المنطقه وبنفس مستوى الضحالة والذي يتجمع عنده أهالي غواصي اللؤلؤ لتوديع رجالهم عند بدء انطلاق سفن الغوص من هناك؟

    عموما هذه التفاصيل وإن لم يكن من الواجب علي توضيحها أو اثبات ادلتها لأني لست ممن ينفذها في ذلك الوقت وإن كان استاذي ابو أحمد يتتبع موانع تنفيذها المنطقيه فأنا قد اجبت ولابد أن عندهم الوسائل والحلول المناسبة في تلك الآونة ولكن كل ماعلي توضيحه هو مدى صحة خبر الإعتزام بتنفيذ ذلك المشروع الذي اشرت اليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *