المرايا اختراع لا يعرف المجاملة – بقلم المهندس سعيد المبارك*

Mirrors Are Such Cruel Inventions
{المرايا اختراع لا يعرف المجاملة}
[تمت الترجمة الى العربية بمساعدة الذكاء الاصطناعي وبتصرف من قبل الكاتب]

في الليل، حين يشتد الظلام، تتحول المرايا إلى اداة ملائكية: صامتة، مهذبة، تحترم خصوصيتنا لأنها لا تعكس شيئا.

لكن ما إن يبزغ الضوء حتى تبدأ بإظهار الحقيقة حلوها ومرها. لا تُجامل، ولا تعتذر، ولا تقول: “تبدُو مُرهقًا لكن بطريقة لا تخلو من المجاملة”. بل تكشف كل تجعيدة، وكل ضعف، وكل زلةٍ حسبنا أنها مرت دون أن يراها أحد. وكلما زاد النور، ظهرت التفاصيل.

وبالطبع، نحن لا نكره أنفسنا، وكيف للمرء ان يكره نفسه، بل نكره المرآة. فمن الطبيعي أن تكون هي المذنبة!

لكن المرايا الزجاجية اكثر برائة عند مقارنتها بمرايا البشر. الناس أكثر حِدّة. هناك حقيقة كونية تقول: الإنسان مرآة أخيه. عبارة لطيفة، أليس كذلك؟ لكنها تصبح مرّة حين تُريك “حقيقتك”: قبحك: كبرياءك، تسرعك، أو طمعك.

وفجأة لا تعود تريد الحقيقة، بل تريد الانتقام. في حياتنا الشخصية أو المهنية، لا نرشد بلطف ولا ننصح برفق، بل نتفنن في كسر المرايا: حظر، قطيعة، نميمة، إقصاء، أو تقويض. أي شيء سوى مواجهة ما يعكسه إلينا الآخرون.

وفي بيئة الأعمال يصبح الأمر أوضح: المديرون الضعفاء أو غير الأكفاء يكرهون المرايا البشرية الحقيقية. فالآراء الصادقة والحقائق المزعجة تكشف هشاشتهم، فيثورون على حامل الرسالة بدل مواجهة الحقيقة ومحاولة معالجة الخلل.

وهناك حقيقة أخرى: يمكننا أن نعرف الإنسان من خلال دائرة أصدقائه. فالأصدقاء مرآة، يعكس كل واحد منهم جانبًا من شخصيتنا، أو مما ندّعي أننا عليه وهو ظاهرنا وإن كان زائفا.

وفي مسرح الانعكاسات هذا، لسنا مجرد متفرجين. كلنا مرايا، لكننا لسنا دائمًا المرايا النبيلة. غالبًا ما نكون انعكاسات مشوهة لأنفسنا: مشاعر صغيرة، نزوات، كسل، مثل مرايا السيرك التي تُظهر ما نسمح لها أن تُظهر، دائماً متلونة.

من يبتسم لنا، نبتسم له. من يهيننا، نرد بالإهانة. من يُقصينا، نقصيه. ونسمي ذلك “صراحة او ردود افعال”، لكنه في الواقع ضعف، وانهزام. مجرد انعكاس لما يناسبنا، وتجنّب للمشقة الحقيقية: مشقة ضبط النفس.

ومع ذلك، بين الحين والآخر، نصادف أشخاصًا يكسرون القاعدة. لا يعكسون ما أمامهم. لا يفقدون أعصابهم لأنك فقدت أعصابك. لا يبردون لأنك كنت باردًا. إنهم يرتكبون الجريمة “غير المغتفرَة”: جريمة السيطرة على النفس.

وهؤلاء يرعبوننا، في أسرنا، في صداقاتنا، في أعمالنا، لأنهم يكشفون مدى ضعف سيطرتنا على ذواتنا. هدوؤهم يفضح فوضانا. ولطفهم أمام قسوتنا يجعلنا أقزاما. وهذا ما لا نغفره لهم.

فنعود إلى ما هو اكثر راحة لنا: نكسر المرايا، نلوم المرايا، نكره المرايا. أي شيء إلا مواجهة الاحتمال المروّع بأن المرآة كانت على حق منذ البداية.

لذا، في المرة القادمة التي تحدق فيها في مرآة، زجاجية كانت أو بشرية، اسأل نفسك: هل أرى الحقيقة؟ أم فقط الجزء مني الذي لا أحتمل مواجهته؟

وإن كان هذا ثقيلاً، لا تقلق….

اشتم المرآة وحسب. فلماذا نُهدر طاقة في النمو والرقي، بينما التصالح مع الزيف او خداع النفس، غالبا ما يكون أيسر على القلب من مواجهة الحقيقة.

المهندس سعيد المبارك

*المهندس سعيد المبارك – مهندس بترول ومستشار في الحقول الذكية و التحول الرقمي ورئيس قسم الطاقة الرقمية بجمعية مهندسي البترول العالمية ، فاز بجائزة جمعية مهندسي البترول للخدمة المتميزة. ألقى محاضرات كثيرة في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وجامعة الملك سعود بالرياض وفي محافل كثيرة أخرى. مؤلف كتاب “أي نسخة من التاريخ ليست إلاّ رواية”.

رابط المقال الأصلي باللغة الإنجليزية:

https://www.linkedin.com/feed/update/urn:li:share:7379238069985677313/

تعليق واحد

  1. احسنت ابو احمد في تحليلك! لقد جعلت من المرايا نافذة نرى من خلالها أعماق النفس البشرية وتعقيداتها بتشبيه بليغ وطرح ثري.

اترك رداً على علوي هاشم إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *