لِمْتُورَب: “واتريمبوه.. واليومي”… لاعلاقة له بالإنجليزية مطلقاً! – بقلم عبد الرسول الغريافي

يشاع وبشكل قوي أن الإهزوجة الشعبية: (واتريمبوه.. واليومي) أنها من أصل انجليزي نصه:
(White rainbow..while you and me)
والتي تكون ترجمتها بالعربية: “قوس قزح أبيض.. عندما نكون أنا وانتِ – معاً”!

فمن أين جاء هذا التناقض؟ وكيف تم تركيب عبارة انجليزية كمقدمة لإهزوجة من أعماق تراثنا الشعبي ذات الطابع الخليجي التقليدي والتي تحمل سمات دينية ولها ارتباطها بطقوس عالم زفاف العروس وجلواتها؟
ومتى بدأ عصر ادخال عبارات من اللغة الإنجليزية حتى أدركت زمان نشأة هذه الإهزوجة؟


المُتورَب: هي اهزوجة فلكلورية شعبية من التراث القديم جدا وهي ذات طابع يتسم بعادات وأخلاق الخليجيين في أساليبهم لمديح النبي وآله (ص) ثم بعدها تنتقل كلماتها إلى حكم ونصائح توجه للعريسين كما وتحتوي على عبارات فيها أجمل الأمنيات لهم بحياة سعيدة، فهي من الفلكلور الشعبي الخليجي العريق المشترك بين القطيف والبحرين خاصة وبدون اختلاف وبين بعض مناطق الخليج عامة والتي تختلف فيها بينهم بعض العبارات والكلمات.

هذه الإهزوجة يتغنون بها أثناء أداء طقس زفافي معين يعرف بمسمى (لمتورب/المتورب) وهي خاصة باحتفالات الزفاف في الزواج وخاصة بالعروس في الدرجة الأولى ويتبعها طقوس أو مراسيم معينه حيث تجلس العروس على الأرض منفصلة وأحياناً كان في الماضي يجلس أمامها العريس بعد الإنتهاء من زفته ويؤتى برداء زاهي الألوان عادة ما يكون باللون الأخضر أو الرداء الترملي الأحمر المزين بالزري…

وتقف امرأتان متقابلتان وتمسك كل منهما طرفين من الأطراف الأربعة لهذا الرداء وتشاركهن بعض النساء في مسك الجوانب بحيث يظلل هذا الرداء العروس أو العريسين من فوقهما وهما في وضع جلوس متربعين متقابلين فتقوم المرأتان ومن معهن في الجوانب بتحريك هذا الرداء إلى الأعلى وإلى الأسفل وهو منشور منبسط فوق العروس او العريسين وتُعَرف هذه العملية بإسم (المتورب) أو (لمتورب) والفعل منه (يتورب) فيقال مثلاً: “بدوا يتوربوا العروس”. وأصل كلمة تورب ومتورب هي من أصل ثلاثي وهو (ترب) ومنه التراب! ولكن ما علاقة ذلك؟

نستطيع استنتاج معنى هذه العلاقة إذا عرفنا كلمات مطلع هذه الإهزوجة الأصلية والتي تقول:
واتريبوه.. وانجومي
نعم فأصلها واتريبوه.. وانجومي!

ولكن مع سرعة نطق كلمة “واتربيوه” فقد اصبحت كالإقلاب حيث أضيف لها حرف الميم بشكل تلقائي لتصبح أسهل في النطق فتَحَوَّرَ نطقها إلى كلمة “واتريمبوه”. وإن أصل كلمة “واتريبوه” هو (تريب) من التراب وأما حرفي (وا) في مقدمة الكلمة فهذا من أحرف النداء والتي من جملتها: يا، أيا، هيا، الهمزة، وا: فنقول مثلاً: وافرحتاه وواويلاه.

وأما إضافة الواو والهاء في آخر الكلمة فهي للتقليل من شأن التراب فهو غير مرغوب فيه وهي نفس اضافة الواو والهاء في آخر اسماء الأطفال مثلاً عندما نقول: سعيدوه ونصروه وعصموه.

وأما عن كلمة “وانيومي” فالواو والألف هي للنداء أيضاء، وأما “نيومي” فقد قُلِبت فيها الجيم إلى ياء كما هو في كثير من مناطق الخليج عامة وفي بعض مناطق البحرين والقطيف حيث تحولت “نجومي” إلى “نيومي” وأما الياء في الأخير فهي محل الكسرة لكلمة نجومِ ومع مرور الزمن أيضاً فقد تحولت “وانيومي” إلى “واليومي”، فأصبحت العبارة كاملة من: “واتريبوه.. وانجومي” إلى: “واتريبوه.. وانيومي” ثم بعد ذلك تحورت إلى: “واتريمبوه واليومي”.

وواضح هنا أن (وا) النداء في الكلمتين تعني (يا) التي جاءت للتخيير اي بمعنى (إما)، فعبارة (واتريبوه.. وانيومي) تعني إما (لتريبوه وإما لنجومي) ومن المفروض عند نطق كلمة “واتريبوه” يكون الرداء في الوضع السفلي وملامس لرأسي العريسين وأما عندما يرتفع الرداء للأعلى فيعبر عنه بنطق كلمة “وانجومي” وهذا رمزاً يُوْعَزُ به للعروس للتعبير عن أن الحياة تارة تكون في الأعالي تصل بنا إلى النجوم وتارة أخرى تكون منخفضة تصل بنا إلى تراب الأرض فاصبري أو فاصبرا عليها.

وفي الماضي كانت تضاف عبارات أخرى مع عبارة: “واتريبوه وانيومي” وهذه العبارة المضافة هي:
“وايل وترملي.. وايل اهدومي”:
والوايل هو نوع من القماش الناعم تلبسه النساء وأما الترملي أو الترمبلي فهو رداء فاخر خفيف يشبه المشمر زاهي الألوان يحتوي على مربعات حمراء بدرجتين وسوداء وبنية يشبه تصميمها مايعرف اليوم بالكاروهات ولكن يفصل بينها خطوط من الزري: (وهو لون ذهبي لمّاع)، وهذا الرداء يلبس في المناسبات السعيدة وتلبسه العروس في أيام زواجها.

أما حكاية العبارة الإنجليزية السالفة الذكر فهي مجرد محاولات عبثية جاءت في سبعينات قرن العشرين عندما ازدهرت اللغة الإنجليزية بين شباب المجتمع وخصوصا بعد أن كثرت البعثات والتدريبات من قبل بعض الشركات الأجنبية أو الشركات التي يعمل فيها الأجانب فقد كانت هناك محاولات لترجمات نصوص كثيرة إلى اللغة الإنجليزية مع تحويرها بتصرف وخصوصاً الأغاني والأرجوزات والفلكلورات الشعبية فكان من ضمن هذه المحاولات هو تحوير وترجمة “واتريمبوه واليومي”.

عندما نقرأ جزءًا من نصوص هذه الأرجوزة بتمعن وقد اضيفت لها هذه العبارة الإنجليزية فإن العقل يرفض قبولها لمافيها من تناقضات. فلنعرض بعض عباراتها لنرى الفرق الشاسع بين هذه العبارة الإنجليزية المدعاة وبين بقية نصوصها التي من ضمنها:
واتريبوه.. وانيومي
(وايل وتراملي.. وايل اهدومي)
بدينا بالصلاة على محمد
معي صلوا على المحبوب احمد
وثانيهم أمير المؤمنين
وثالث فاطمة بنت الأمين
ورابع الحسن والحسين..
إلى آخر النص ثم بعد ذلك فلنسأل أنفسنا هذا السؤال: هل يتماشى هذا النص مع النص الإنجليزي القائل:
?White rainbow.. While you and me 

وهل يوجد هناك فعلا (White rainbow) أي قوس قزح أبيض؟ فكيف يكون أبيض وهو مُكوَّن من جميع ألوان الطيف السبعة وهي: الأحمر والبرتقالي والأصفر والأخضر والأزرق والنيلي والبنفسجي؟ أم انها مجرد تأليف كلمات بالإنجليزية حاول مؤلفها أن يختار كلمات قريبة تتماشى مع كلمات هذه الإهزوجة من أجل السخرية والتسلية لا أكثر؟

إن هذا النص الإنجليزي وما شابهه هو من نتاج مانعرفه هذه الأيام بالهبات والترندات التي ظهرت في بداية السبعينات والثمانينات وانتشرت في الأوساط الإجتماعية وتقبلها البعض وروجها على سبيل الطرفة والدعابة فصدقها البعض الآخر على أنها حقيقة واقعية بعد مضي وقت من الزمن لتتناولها أجيال جديدة وينشرونها مؤكدون أن هذا هو المصدر الحقيقي لتلك الأرجوزة.

*الأستاذ عبد الرسول الغريافي باحث في التراث ومؤرخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *