[رحلة حنين الى قلعة القطيف: المشهد السادس]
“حين كانت الحكمة تُسكب في فناجين القهوة”
في بيتٍ من بيوت قلعة القطيف،
تحت سقفٍ من جريد النخل، ورفوفٍ تحضن كتبًا بخط اليد،
كانت المجالس العلمية تُقام كل ليلة خميس،
كأن القلعة تختار هذا الموعد لتتطهّر من الجهل،
ولتُشعل قناديل الفكر في أزقتها.
يجتمع الرجال في الحوش…
شيخٌ بعمامته البيضاء يجلس في الصدر،
وإلى جانبه فتيان صغار، في أعينهم أسئلة أكبر من أعمارهم.
يُسأل الشيخ عن مسألة فقهية، فيُجيب،
ثم يتبع الإجابة بقصة من حياة الائمة،
فينتقل الحديث من حكم الماء الجاري…
إلى حكمة القلوب الجارية.
يُقدَّم القهوى المُرّة،
ويتبعها تمر الخلاص، وسكونٌ عميق يشبه الصلاة،
كأن الكلمات لم تكن تُقال… بل تُزرع في الأرواح.
وفي زاوية الغرفة، كان أحد الحضور يكتب،
يقيد ما يسمع على ورقٍ أصفر،
بخط صغير، واهتمام عظيم،
كأن العلم هنا كنز يُخشى عليه من الضياع.
لم يكن المجلس فقط مكانًا للفتوى،
بل كان للحديث عن الفلك، والزراعة، والشِعر،
وكان للنساء أيضًا مجالسهن،
تُعلّم الأم ابنتها فقه الطهارة،
وتروي لها سيرة السيدة زينب، وتُرشدها إلى زينة الحرف العربي.
وحين ينتهي المجلس،
لا ينتهي أثره،
فكل من خرج، خرج وفي قلبه شرارة،
تنتظر أن تتحول إلى نور في بيتٍ، أو حكمة في سوق، أو كلمة تُقال عند اللزوم.
في تلك الليالي… لم تكن القلعة فقط قلعة طين،
بل كانت قلعة علم، ترفع جدرانها بالمعرفة،
وتُحصّن أهلها بالفكر.
