“الليلة التي بكت فيها السماء… وابتسمت القلوب”
كان الليل قد أرخى ستائره على قلعة القطيف،
لكن لم يكن ليلًا عاديًّا…
الغيوم تكدّست فوق الطين العتيق،
والريح كانت تمشي بين الأزقة كأنها تبحث عن شيء ضائع.
ثم فجأة… بدأت السماء تبكي.
المطر الأول.
ليس فقط قطرات ماء،
بل همساتُ أرواحٍ قديمة تعود لتزور المكان.
في أحد البيوت، اجتمعت العائلة في الديوان،
الجدّ يشعل الفانوس،
والجدة تُقرب الأطفال إليها،
وتقول بصوتٍ رخيم:
“اسمعوا… كانت النخلة تحبّ المطر، لأنه يُعيد لها ما فقدته من الشمس”.
صوت المطر فوق السقف الخشبي يُنقّط مثل ناي،
والأصوات من الخارج تتلاشى،
كأن القلعة تنكمش على نفسها، وتدفن رأسها في حضن الذكرى.
في الزقاق، تمشي امرأة شابة،
تلفّ عباءتها بإحكام، وتحمل على رأسها سِلة بللها المطر،
وتُسرع إلى جارتها لتُعطيها بعض ما تبقّى من العشاء.
لا باب يُغلق أمامها، ولا قلب.
أما في الحوش، فالأطفال خرجوا رغم المطر،
ضحكوا، ورفعوا وجوههم إلى السماء،
كأنهم يقبلون المطر قبلة شوق.
القلعة في تلك الليلة، لم تكن فقط مكانًا… بل كانت قلبًا ينبض من كل الجهات.
تُطفأ الفوانيس تباعًا،
ويظلّ صوت المطر يهمس للنخيل،
ويحكي ما لم تقله الأيام.
