{ قلبٌ واحد بثلاث نبضات: الشيخ، والمرأة، والطفل }
في بيتٍ عتيق داخل قلعة القطيف، حين تسللت خيوط الفجر إلى الغرف الطينية،
كان الشيخ “أحمد” يُصلّي على سجادة من الخوص،
مُتّكئًا على جدارٍ يعرف انحناء ظهره جيدًا.
صوته خافت، لكنه يملأ المكان هيبةً،
كأنه يُناجي الله بلسان القلعة كلّها،
وفي عينيه سُهاد الأعوام، وحكمة البحر، وحنينٌ لا يزول.
في الجهة الأخرى من البيت، كانت “أم حسين”
تضع على التنور خبز الرقاق،
يدها تتحرك بثباتٍ وسرعة،
كأنها ترث خبز الأمهات الأوليات،
وعطر الزعتر يملأ الفناء، يوقظ الأحاسيس قبل البطون.
وهي تهمس:
“الحياة بسيطة… لكنها حلوة لما تكون بين ناسك”.
أما “سالم”، ابن السنوات السبع،
فقد ركض حافيًا في الزقاق المجاور،
يلعب مع أصدقائه بقطعة قماش مربوطة بعصا،
يتخيلها سفينة، أو فرسًا، أو تنينًا يطير فوق نخيل “الفوّارة”.
كان يصرخ من الفرح، ثم يتوقف فجأة،
ينظر إلى السماء،
ويقول في نفسه:
“لو طرت فوق السور… بشوف البحر كلّه؟”
في المساء، يعود الثلاثة إلى ساحة البيت.
الشيخ يُمسك المسبحة،
المرأة تنسج سِجادًا من سعف،
والطفل يضع رأسه في حضنها،
يسأل عن الغد،
فتبتسم وتقول:
“الغد؟ بيجي زي اليوم… بس يمكن أحلى”.
تنسدل الشمس على القلعة،
تذوب ألوانها على جدران الطين،
وترتفع رائحة العشاء،
وترجع الطيور إلى أعشاشها…
وفي الداخل، لا أحد يعرف أنهم يصنعون لحظةً ستُصبح يومًا ما… حنينًا لا يُنسى…
