{ في لحظةٍ ما… حين توقفت قلعة القطيف عن التنفّس }
كان النهار في بدايته، والريح تُصفّر في الأزقة الفارغة،
كأنها تعرف ما سيحدث…
كأنها تودع المكان قبل أن يُنتزع من تاريخه.
رجالٌ حفاة يتأملون الجرافات،
نسوةٌ يشدِدن العباءات على وجوههن،
وأطفالٌ لا يدرون لمَ تتغير ملامح الأبواب التي اعتادوا على الركض تحت ظلّها.
كانت الجرافات تتقدّم كأنها لم تدخل مكانًا مقدسًا،
ترفع أذرعها الحديدية وتضرب،
فتتساقط الحجارة مثل أسنان جدٍّ خرف،
مثل عظام وطنٍ يُسلخ عن جلده.
صوت السقوط لم يكن فقط صوت طين وحجر، بل صوت أرواح كانت تسكن المكان.
مجالسٌ كانت تغصّ بالضحكات،
براحاتٌ احتضنت جنازات وأعراسًا،
غرفٌ صلّى فيها الأهل،
ركض فيها الأطفال…
كل هذا، كان يُهدم.
في لحظةٍ ما، خرج صوتٌ من امرأةٍ مسنّة:
“لا تهدموا القلعة… هذا بيتنا، وهذا عمرنا، وهذا الذي تبقّى من الذاكرة!”
لكن الصوت ضاع وسط ضجيج الحديد،
لم يتوقّف أحد.
حتى الطير الذي كان يعشش في ثنايا الجدران،
طار مذعورًا،
كأنما يحمل معه آخر ما تبقّى من صدى الأذان.
سقطت القلعة،
لكن الغبار لم يهدأ،
ظلّ معلقًا في الهواء،
يدخل العيون،
ويُعمي الوجدان.
لم تُهدم القلعة فقط،
بل سقطت معها شجرة نسب المكان،
وضاع العنوان،
وصار الذين ولدوا فيها،
يحملون اسمها فقط في الحنين… لا في الجغرافيا.

لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير. فعلاً إستشعرنا جمعنا فقدها و إن لم أكن من أبناء المنطقة و إنما نشأت و ترعرعت في مدينة الدمام المجاورة و لكني أذكر كيف كان والدي يأخذنا عصر الجمعة في سيارته البكس الخضراء فنعبر شارع المزارع ثم نتوجه يميناً صوب سيهات في شارع عمر بن عبدالعزيز فلا نعود نرى الشمس أو نشعر بوهجها إذ نكون في كنف المزارع و ظلال النخيل حتى نصل إلى صفوى، و كان والدي يتوقف عند أي مزرعة على الشارع فيرحب بنا صاحبها و يأخذنا إلى مكان مناسب للجلوس في مزرعته و أسمعه يبرئ ذمتنا من أي ثمر نقطفه لنأكله من مزرعته، و فبها التبن و الليمون و الرطب و الرمان و البابايا، و الترنج و الموز.
الف شكر عزيزي ابو حسين واهلا بك في قطيفنا فهي تسع الجميع. تحياتي