علوم القطيف مقالات علمية في شتى المجالات العلمية
الدوسرية هو موقع أثري يقع في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، على بعد 45كم إلى الشمال من محافظة القطيف، وعلى بعد 1كم من شاطئ الخليج العربي و 12كم إلى الجنوب الشرقي من محافظة الجبيل. يقع الموقع على تلة مسطحة موجهة نحو الشمال والجنوب تقريبًا، وترتفع حوالي 2متر فوق سطح الأرض العادي، دون وجود خط رؤية مباشر على الخليج العربي. وتتميز المنطقة المحيطة بالكثبان الرملية والنباتات المتناثرة.
يرجع اكتشاف موقع الدوسرية إلى باحثة أمريكية تسمي جريس بيركهولدر, استطاعت هذه الباحثة أن تجمع كسرًا فخارية من سطح الموقع عام 1388هـ/1968م، وتم تحديد وتأريخ هوية كسرة الفخار على أنها تعود إلى فترة العبيد بواسطة جيفري بيبي, ولذا صنف الموقع ضمن مواقع فترة العبيد، وتلك الفترة التي تؤرخ للعصر الحجري الحديث الفخاري وتستمر حتى العصر الحجري المعدني مما يثبت وجود مستوطنات قديمة، وحضارة عاشت منذ أكثر من 7000 عام, حيث اقترح جيفري بيبي إجراء مزيد من التحقيق في الموقع.
وفي عام 1392هـ/1972م، أجرى عبد الله مصري حفريات كشفت عن طبقات متعددة من حطام المستوطنة وكان الموقع ضمن المواقع التي مسحت سطحيًا، حيث اقتصرت أعمال الحفر التي نفذت في الموقع على بضعة إحصاءات، وحفرت أربعة مجسات في المنحدر العربي لهضبة من الأصداف تقع في منتصف الموقع، وثلاثة على امتداده من الشرق إلى الغرب، وأظهرت النتائج وجود خمس طبقات أثرية مما يشير إلى تاريخ طويل من السكن في الدوسرية.
وتؤكد عظام الحيوانات المكتشفة خلال عمليات التنقيب أن الناس في الدوسرية كانوا يربون الأغنام والماعز والأبقار المستأنسة، وكانوا يطاردون الغزلان والحيوانات البرية الأخرى. كما تشير الكميات الكبيرة لعظام الأسماك في منطقة الدوسرية إلى أن المنطقة كانت مستوطنة من قبل رعاة وصيادين؛ يعتمدون في غذائهم على الأسماك والثدييات البحرية بما في ذلك الأطوم، والحيتان الصغيرة، والمحار، وتشمل المعثورات أكوامًا من محار اللؤلؤ موجودة في الطبقات الأرضية العميقة للموقع.
وفي عام 2010، قام فريق سعودي ألماني مشترك من متحف الدمام الإقليمي وجامعة توبنغن بإعادة التنقيب في الموقع حيث اكد التأريخ بالكربون المشع للأصداف الموجودة والمختبرة في هدا الموقع تعود الى الألفية السادسة وأوائل الألفية الخامسة قبل الميلاد.
وموقع الدوسرية هو جزء من شبكة أكبر من المواقع الأثرية في المملكة العربية السعودية، والتي تضم 152 موقعًا موزعة على 13 منطقة إدارية. تسلط البقايا الأثرية بالموقع والأبحاث المستمرة الضوء على التاريخ القديم والتفاعلات الثقافية في المنطقة.
وتوفر مجموعة الفخار من موقع الدوسرية رؤى قيمة حول التفاعل بين الواردات والتقاليد المحلية خلال فترة العصر الحجري الحديث الأوسط. ويكشف تحليل الفخار الذي أجري في هدا الموقع عن عدة نتائج مثيرة للاهتمام. أولاً، كان للموقع اتصالات اجتماعية مكثفة مع جنوب بلاد ما بين النهرين، كما يتضح من وجود أكثر من 3000 قطعة من فخار العبيد، والتي تم استيرادها من جنوب بلاد ما بين النهرين. يشير هذا إلى وجود تأثير كبير من منطقة جنوب بلاد ما بين النهرين على تقاليد الفخار المحلي في الدوسرية.
بالإضافة إلى فخار العبيد المستورد، فإن حوالي 25% من الفخار الموجود في الدوسرية تمت معالجته بالقش والمعادن المعروفة باسم الخزف الخشن حيث تعتبر هذه الأواني الخشنة من التقاليد الفخارية المحلية. إن وجود هذا الفخار المنتج محلياً إلى جانب فخار العبيد المستورد يسلط الضوء على التفاعل بين الواردات والتقاليد المحلية في الدوسرية.
الدوسرية موقع مهم لدراسة العصر الحجري الحديث في شبه الجزيرة العربية بسبب الحفاظ الجيد على المواد العضوية ووجود عناصر من كل من العصر الحجري الحديث العربي المحلي وجنوب بلاد ما بين النهرين. تمثل مجموعة الفخار المستخرجة من الدوسرية أكبر كمية من المواد الخزفية من هذه الفترة معروفة في شبه الجزيرة العربية بأكملها.
وبشكل عام، تُظهر مجموعة الفخار من الدوسرية، المملكة العربية السعودية، التفاعل بين الواردات، مثل فخار العبيد من جنوب بلاد ما بين النهرين، والتقاليد المحلية، المتمثلة في الفخار الخشن. يعكس هذا التفاعل الاتصالات الثقافية والتأثيرات بين المناطق المختلفة خلال فترة العصر الحجري الحديث الأوسط.
